أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - مستخدم العقل - خلف الباب الأسود - قصة قصيرة














المزيد.....

خلف الباب الأسود - قصة قصيرة


مستخدم العقل

الحوار المتمدن-العدد: 2393 - 2008 / 9 / 3 - 07:50
المحور: الادب والفن
    


مع انصراف آخر التلاميذ من فناء المدرسة كانت شمس الشتاء الواهية قد بدأت تميل للمغيب وبدأ محمد الشيخ – العامل الوحيد بالمدرسة - عمله اليومي في تنظيف الفناء. للدقة فإن ما كان يفعله لم يكن تنظيفا حقيقيا فكل ما كان يفعله هو أن يمسك بجوال ممزق مهتريء ليحاول أن يجمع فيه القاذورات التي خلفها التلاميذ من ورائهم، فكانت القاذورات التي تتساقط من الجوال تكاد تزيد عمّا يقوم بوضعه فيه. بعد دقائق بدأ ظهره يؤلمه كعادته في الأيام الأخيرة فأخذ يستند إلى جدران الفناء المتآكلة في محاولة منه لأن يريح ظهره المريض. شيئا فشيئا بدأ يقترب من الباب الأسود الكبير الواقع في نهاية الفناء. كان هذا الباب – بغموضه ورهبته - مثاراً لخيال جميع تلاميذ المدرسة منذ قديم الزمان، فهو باب ذو قدسية خاصة يختلف تماما عن الباب الخشبي الصغير الذي اعتادوا أن يخرجوا منه في نهاية كل يوم ليعودوا من خلاله من جديد في بداية اليوم التالي. أما هذا الباب فهو مغلق دائما ولا يتم فتحه إلا باحتفال خاص لكل تلميذ على حدة ليمرّ منه مرة واحدة إلى الخارج حين يتمّ دراسته بالمدرسة فلا يراه أحد بعد ذلك أبدا. إن إتمام الدراسة في هذه المدرسة له معنى يختلف عنه في أية مدرسة أخرى، فالبعض يتمّ دراسته بنجاح بينما البعض الآخر يتمّها بأن يستنفد مرات رسوبه، وفي كل الأحوال فلابد لأي تلميذ من أن يأتي عليه يوم ليخرج من هذا الباب الأسود فلا أحد يبقى للأبد في تلك المدرسة ذات الفناء العفن الرائحة والجدران المتآكلة.

مع مرور الوقت بدأ هذا الباب الأسود يتحول إلى أسطورة بين التلاميذ نظرا لما يثيره فيهم من الرهبة والخوف من المجهول القابع وراءه. وقد انتبهت إدارة المدرسة منذ أمد بعيد إلى تلك الرهبة التي يمثّلها هذا الباب للتلاميذ فقامت بإشاعة المزيد والمزيد من الأساطير لترهيب التلاميذ من مخالفة الإدارة وترغيبهم للخضوع لقوانينها ولوائحها. وقد زادت الأمور تعقيدا حين قام أحد مديري المدرسة منذ أمد بعيد بكتابة مجموعة من اللوائح على لوحة خشبية ولكيّ يضمن خضوع التلاميذ التام لتلك اللوائح فقد وعد التلميذ الذي يطيعه بأنه سوف يجد خلف الباب الأسود صندوقا مليئا بحلوى الربسوس يستطيع أن يغرف منها ما يشاء، بينما التلميذ المتمرد فلن يجد خلف الباب الأسود سوى المعلم حسونة – فتوة المنطقة في ذلك الزمن البعيد - ليلقنّه (درسا) لن ينساه. في ذلك الزمن البعيد كان الجميع يعشق حلوى الربسوس وكان الجميع أيضا يخشى (دروس) المعلم حسونة فتوة المنطقة، لذلك فقد تسابق التلاميذ في إظهار ولائهم لمدير المدرسة والطاعة التامة للوائحه. بمرور الوقت أصبحت حلوى الربسوس ودروس المعلم حسونة هي الشغل الشاغل للتلاميذ فبدأوا يتفننون في ابتكار طرق جديدة لإظهار مدى ولائهم للمدير ولوائحه، وبرغم اختفاء المدير القديم وظهور مدراء جدد فإن أحدا منهم لم يحاول أن يغيّر شيئا من اللوائح المكتوبة على اللوحة الخشبية التي أصبحت الآن كالحة متهالكة. برغم اختفاء حلوى الربسوس من الأسواق وظهور أنواع أخرى من الحلوى، وبرغم اختفاء المعلم حسونة من المنطقة منذ أمد بعيد، إلا أن التلاميذ لم يكفوا عن التسابق في إظهار خضوعهم التام للّوائح التي أصبحت بمرور الوقت ذات قدسية أشبه بقدسية الظلام بالنسبة للطفل الصغير. لقد أصبح هذا التسابق للخضوع هو الشغل الشاغل للتلاميذ فبدأوا تدريجيا يفقدون اهتماماتهم بالأنشطة العلمية والرياضية والاجتماعية وغيرها من الأنشطة، فلاشيء يهم أمام حلاوة مذاق حلوى الربسوس ومرارة مذاق دروس المعلم حسونة ... لم يهتم التلاميذ كثيراً بحقيقة أن مدرستهم قد أصبحت الأخيرة في جميع الأنشطة العلمية والثقافية والفنية والرياضية وغير ذلك من الأنشطة ... فحلوى الربسوس كانت أهم لديهم من كل تلك الأنشطة.

أخذ محمد الشيخ ينظر برهبة الى الباب الأسود، لقد أفنى حياته كلها في إظهار خضوعه لتعليمات اللوحة الخشبية على أمل الفوز بحلوى الربسوس والآن بعد أن داهمته الأمراض فهو يحلم بأن يتذوق بعضا من تلك الحلوى قبل أن يفقد قدرته نهائيا على التذوق. أخذ ينظر للباب الأسود برهبة وانبهار، ماذا إذا حاول أن يختلس النظر من ورائه. لطالما حاول أن يتخيل شكل حلوى الربسوس التي لم يرها في حياته من قبل، فماذا إذا حاول التسلل من خلال الباب لكي يتذوق بعضا منها. إن المدرسة خاوية تماما ولا أحد يستطيع أن يراه وهو يتسلل من الباب. هو لايعتبر ذلك سرقة فهو يثق من أنه سينال تلك الحلوى يوما ما ولكنه فقط يريد أن يتذوق بعضا منها قبل أن يفوت الأوان. شعر بالرغبة العارمة تنمو في صدره ولكنه لم يستطع أن يطلق لها العنان، فماذا لو وجد المعلم حسونة في انتظاره ليعاقبه على تسلله من الباب دون إذن. هو يعرف يقينا أن المعلم حسونة قد اختفى منذ أمد بعيد ولكنه لم يستطع من أن يتخلص من مثل تلك الأفكار. شيئا فشيئا لم يستطع مقاومة الرغبة، الرغبة في التذوق والرغبة في المعرفة، مدّ يدا مرتجفة ليدفع الباب الأسود بخفة فوجده يستجيب بسهولة تامة. تقدم خطوة إلى ما خلف الباب لكي يستطيع أن يرى ما يقبع وراءه، ما إن فعل ذلك حتى انغلق الباب تلقائيا. انتابه الذعر فحاول فتح الباب ثانية ولكنه لم يستطع، فيبدو أنه ينفتح من ناحية واحدة فقط. حاول أن يدق عليه ولكنه تذكّر أن أحدا لن يسمعه. حينئذ التفت خلفه ليبحث عن سلة حلوى الربسوس التي كانت سببا لما هو فيه فكانت المفاجأة. فليس أمامه شيء سوى التراب والظلام. لم يجد أي حلوى، بل لم يجد أي شيء يدل على وجود المعلم حسونة في مثل ذلك المكان من قبل. لاشيء سوى التراب. أخذ يجرى هنا وهناك بحثا عن أي شيء فلم يجد شيئا سوى التراب. حينئذ انهار على الأرض بعد أن اكتشف الخدعة. أخذ يبكي ويبكي بينما جسده يغوص في التراب ولكنه لم يأبه لذلك لأنه عرف أنه ما من أمل في العودة.



#مستخدم_العقل (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- هل فقد المسلمون إدراكهم لدورة الزمان
- الصورة البغيضة للإله في الفكر الإسلامي
- استحالة الاكتفاء بالدين الإسلامي كمصدر للأخلاق (3)
- استحالة الاكتفاء بالدين الإسلامي كمصدر للأخلاق (2)
- استحالة الاكتفاء بالدين الإسلامي كمصدر للأخلاق (1)
- آيات قرآنية (دستورية) لتنفيذ رغبات خير البرية
- الخطأ العلمي في فكرة الكتب السماوية عن وظيفة القلب
- هل يمكن للقرآن أن يكون دستوراً للعالم؟
- هل تعريف القرآن للسماء هو الحقيقة المطلقة؟
- النظرة التشريعية للأنثى في فقه المواريث الإسلامي
- هل يمكن للشريعة الإسلامية أن تجد لها مكانا بين القيم العلمان ...
- جهاد الرسول مع بني قينقاع - صورة أخرى لثقافة الإرهاب التي تس ...
- ثقافة الإرهاب تحاصرنا في المدرسة والمسجد
- الحور العين هي إهانة للشعور الإنساني
- نقد النص المقدّس هو طريقنا الحقيقي للقضاء على الإرهاب


المزيد.....




- التعبيرية في الأدب.. من صرخة الإنسان إلى عالم جديد مثالي
- يتصدر عمليات البحث الأولى! .. فيلم مشروع أكس وأعلى الإيردات ...
- المخرج علي ريسان يؤفلم سيرة الروائي الشهيد حسن مطلك وثائقياً ...
- فنانون سوريون ينعون ضحايا تفجير كنيسة مار إلياس
- المفكر الإيراني حميد دباشي.. التصورات الغربية عن الهوية الإي ...
- فيلم -باليرينا-.. درس جديد في تصميم الأكشن على طريقة -جون وي ...
- التشادي روزي جدي: الرواية العربية طريقة للاحتجاج ضد استعمار ...
- ما آخر المستجدات بحسب الرواية الإسرائيلية؟
- تردد قناة ماجد الجديد لأطفالك 2025 بأحلى أفلام الكرتون الجذا ...
- -أسرار خزنة- لهدى الأحمد ترصد صدمة الثقافة البدوية بالتكنولو ...


المزيد.....

- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي
- قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي. / رياض الشرايطي
- خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية ( ... / عبير خالد يحيي
- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي
- منتصر السعيد المنسي / بشير الحامدي
- دفاتر خضراء / بشير الحامدي
- طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11 ... / ريم يحيى عبد العظيم حسانين
- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري
- إعدام عبد الله عاشور / عقيل الخضري


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - مستخدم العقل - خلف الباب الأسود - قصة قصيرة