أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عبد الحسين شعبان - الخداع.. قبل العاصفة وبعدها!















المزيد.....

الخداع.. قبل العاصفة وبعدها!


عبد الحسين شعبان

الحوار المتمدن-العدد: 2366 - 2008 / 8 / 7 - 10:47
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


من يقرأ كتاب جورج تينيت «قلب العاصفة» الصادر في عام 2007 يتوصل الى الحقيقة المرّة دون عناء كبير، ذلك أن الخراب الذي حلّ بالعراق كان عن سابق إصرار وبطريقة منهجية استخدمت فيها آلة التضليل الإيديولوجي لتحقيق الأهداف السياسية، لاسيما المعلومات التي صيغت بطريقة مخادعة والتي تم الاستناد إليها باعتبارها حقائق لا يرقى اليها الشك، خصوصاً بشأن امتلاك العراق أسلحة الدمار الشامل وعلاقة الحكومة العراقية بالارهاب الدولي وتنظيم القاعدة.
ولعل مثل هذا التضليل شمل معظم مفاصل الإدارة الأميركية، حتى إن مدير وكالة المخابرات المركزية CIA (جورج تينيت) يعترف بتقديم معلومات مضللة عن وجود أسلحة دمار شامل إلى البيت الأبيض، رغم أنه خالف نائب الرئيس ديك تشيني الذي كان يصرّ منذ البداية على وجودها ليمضي باستنتاج جاهز: الذهاب فوراً إلى الحرب باعتبارها الوسيلة الوحيدة للردع وإملاء إرادة الولايات المتحدة التي أصبحت المتسيّدة في نظام العلاقات الدولية منذ انهيار نظام القطبية الثنائية. وإذا كانت الحروب تصنع في الرؤوس والأدمغة مثلما يصنع السلام، كما ورد في دستور اليونسكو، فإن هذه الحرب ربما لم تكن كغيرها من الحروب لاسيما في مبرراتها وأهدافها، وعلى افتراض أن جميع الحروب -رغم كل ما يقال عنها وعن مبرراتها وأسبابها ومسوّغاتها- تسبب ويلات وآلاما ومآسي لا حصر لها، الا أن الحرب على العراق قد تكون هي الأكثر انحطاطاً في تاريخ الحروب، لا سيما حجم الزيف والخداع والكذب الذي رافقها، فقد استند كولن باول وزير الخارجية الأميركي آنذاك إلى معلومات وصلت من جهاز المخابرات البريطاني، وهذا الأخير اقتبس معلومات عن أطروحة طالب دراسات عليا اسمه إبراهيم المرعشي، حتى دون الإشارة إليه وذلك من أطروحته المعنونة «العراق: شبكة الاستخبارات - دليل وتحليل»، وتزعم المعلومات التي تم تكييفها بوجود أسلحة دمار شامل.
وكان المرعشي قد أعرب عن أسفه في حوار مع الكاتب لاستخدام أطروحته العلمية دون علم منه ودون إرادته في شن الحرب على بلده الأصلي، والغريب أن خطاب كولن باول الشهير في الأمم المتحدة 2002 استند فيه إلى «معلومات استخبارية بريطانية» لم تكن تلك المعلومات سوى أطروحة المرعشي، ثم عاد وندم عليها فيما بعد ولكن بعد خراب البصرة كما يقال!
أما فضيحة شراء العراق اليورانيوم من النيجر، فقد باتت معروفة لاسيما بعد احتلال العراق وانكشاف زيفها، ويقول تينيت إنه حذر تشيني نائب الرئيس من ذلك، وكتب إلى الرئيس بوش يبلغه بعدم توفر معلومات، لكن ماكينة الدعاية ظلّت تدور وتدور لتضخ على نحو لا يتوقف، تلك المعلومات المضللة باعتبارها حقائق.
وقد يختار صانعو القرار أحياناً من يريد أن يضللهم، خصوصاً إذا كانوا لاعتبارات إيديولوجية أو سياسية قد قرروا اختيار الحرب طريقاً أوحد لفض النزاع، وفي حالة العراق فقد كانت الحرب بالنسبة لديك تشيني «ضرورة حيوية» لاسيما لفرض المشروع الإمبراطوري ودعماً لإسرائيل الحليفة الأكثر ثباتاً ووثوقاًُ بالنسبة لواشنطن، أما بالنسبة لرامسفيلد فهي نظرية عمل واستراتيجية قائمة، لاسيما مشروع الحرب الخاطفة، الخفيفة الحركة، العالية التسليح، باستخدام التكنولوجيا المتطورة، والأكثر من ذلك فهي بالنسبة له هدف شخصي أيضاً لإثبات براعته وإظهار نجاحاته.
بهذا المعنى، فقد لاقت الحرب على العراق -رغم قلة المعرفة والتقييمات العامة غير الدقيقة والساذجة أحياناً، بل والسطحية- الكثير من الأهواء في نفس الرئيس بوش، حيث كان مصمماً على خوض الحرب مهما كلّف الثمن ومعه كبار مساعديه مثل: ديك تشيني ورونالد رامسفيلد وكونداليزا رايس وبول وولفتيز وغيرهم.
ويوم حصلت أحداث 11 سبتمبر الإرهابية الإجرامية عام 2001، سارع الرئيس بوش ومعه طاقم القيادة لاسيما المعروفين باسم «الصقور» بإعلان أن على العراق أن يدفع الثمن، دون وجود أدلة أو مستمسكات أو حتى تحقيق، أو حكم قضائي على اتهام العراق، وهو الأمر الذي عبّر عنه برنامج تلفزيوني مثير بعنوان «العراق في قلب العاصفة» بثته قناة البغدادية الفضائية، وأدار حواراته الاعلامي المعروف عبد الحميد الصائح، خصوصاً مقابلاته مع بعض «المعارضين» العراقيين لاسيما الدكتور أحمد الجلبي والدكتور إياد علاوي واللواء وفيق السامرائي والعقيد سليم الإمامي وعدد من الذين ساهموا في التحضير لمؤتمر لندن عشية غزو العراق المنعقد في 14 ديسمبر 2002.

وفي سعي للكاتب والإعلامي العراقي صلاح النصراوي لإلقاء ضوء على تلك الفترة التي لم تُكتب بعد ولم تكشف فيها أسرار الحرب على العراق وخفاياها وخباياها، لاسيما من ناحية المتعاونين وسير القتال والعمليات العسكرية، فضلاً عن التحضيرات التنفيذية، يلقي اللوم على المجموعات العراقية التي أسهمت، ولو كان ذلك بحسن نيّة، في منح الإدارة الأميركية «شرعية» الحرب على العراق. ففي كتابه «فوق الأنقاض: نهاية المشروع الأميركي في العراق» الصادر في القاهرة عن دار المحروسة 2008، يعرض الصورة المزدوجة والمركّبة للحرب التي، حسبما يقول «رحّب بها غالبية العراقيين» وهو منهم، ورغم استدراكه أن الترحيب كان فطرياً وإنسانياً لأنه دفاع عن الذات ضد الاستلاب (ص 15) ولعله يقصد أن غالبية العراقيين رحبوا بالإطاحة بالنظام السابق، لكنهم وكما أثبتت سنوات الاحتلال الخمس لم يرحبوا بالاحتلال، حيث تحوّل الحلم إلى كابوس، وهو ما اعترف به بول بريمر الحاكم المدني الأميركي في العراق في كتابه «عام قضيته في العراق» الصادر عام 2006. ويشير النصراوي بمرارة إلى عملية الخداع الكبرى، حيث انخدع مثقفون ليوقعوا عقوداً مع البنتاغون، ويسرد وقائع مؤتمر لندن، الذي حضره كصحافي كيف قال زلماي خليل زاد، السفير الأميركي الحالي لدى الأمم المتحدة والمنسق مع المعارضة العراقية الموالية لواشنطن قبل الاحتلال: «من يقاطع المؤتمر لن يجد لنفسه مكاناً في عراق ما بعد صدام..» (ص17)، رغم أن بعض الأطراف لم تحضر أو أبدت تحفظاً على المؤتمر، لكنها كما اتضح فيما بعد كانت على درجة من التنسيق وربما التفاهم، لاسيما بعد الاحتلال مباشرة، حيث أسهمت في الاجتماعات التحضيرية ووافقت على الاشتراك في مجلس الحكم الانتقالي الذي أسسه بول بريمر، والذي كان بداية المحاصصة الطائفية- الإثنية.
وقد مهّد ذلك لقاء جورج تينيت مدير وكالة المخابرات المركزية مع كل من البارزاني والطالباني، ولقاءات أخرى مع بعض أطراف المعارضة عام 2002، وقد نظمت وزارة الخارجية الأميركية أوراق عمل شملت 17 مجموعة منذ أبريل 2002 تمهيدا للحرب. ولعل وجود السيد عبد العزيز الحكيم ممثلاً للمجلس الإسلامي الأعلى وتأكيده وجود أسلحة دمار شامل من داخل البنتاغون، كان له أكثر من دلالة لاسيما بالعدّ التنازلي للنظام القائم آنذاك.
والخداع الأكبر الآخر هو كذبة الديمقراطية، المحمولة جواً، والذي ترافق مع كثرة الحديث عنها، رغم وجود مؤسسات وتسميات ناطقة باسمها، هو استشراء ظاهرة التشظي المجتمعي والانقسام الطائفي، وانتشار الميليشيات، وتفشي الإرهاب المنفلت من عقاله، وشيوع ظاهرة الفساد والرشوة على نحو لم يسبق له مثيل، الأمر الذي دفع بعض السياسيين إلى طلب وضع العراق تحت وصاية الأمم المتحدة، في إشارة إلى المذكرة التي وقّعها عدد من الشخصيات بينهم الوزيران السابقان أحمد الحبوبي وأديب الجادر، وهي الفكرة التى يؤيدها صلاح النصراوي (ص 229) ويضع لها عنواناً باسم «الوصاية المؤقتة».
ولعل فكرة الخداع والتدليس بحاجة الى التوثيق والمعلومات المدققة، الأمر الذي يستوجب معه إحالتها إلى مصادر ومراجع ضرورية، بهدف المساءلة الدولية، خصوصاً وقد نجم عنها احتلال بلد وحل مؤسساته العسكرية والأمنية وسرقة آثاره التاريخية وصروحه الثقافية وتبديد ثروته، وقتل علمائه وأكاديمييه، وتهجير ونزوح نحو أربعة ملايين و800 ألفا من مواطنيه، بما يعادل أكثر من %15 من سكان العراق تقريباً، ذلك هو الثمن الفادح لحد الآن جراء عاصفة الخداع التي ما تزال مستمرة.



#عبد_الحسين_شعبان (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- في كيانية حركة المواطنة ودلالاتها!
- المعادلة الطردية... الدولار والنفط!
- المواطنة الإلكترونية!
- المعاهدة الأمريكية - العراقية.. هل اقتربت ساعة الصفر؟
- اللاجئون وأوروبا: بين «مزدوجين»!
- السودان ومحنة العدالة الدولية
- أوهام التنمية العربية
- شبح الانسحاب الأميركي من العراق!
- شارل مالك الكبير ولبنان الصغير
- بوش وحصاد الشرق الأوسط!
- في دلالات الحوار الكندي - الإسلامي: فكرة الهوية والخصوصية!
- المنفى والهوية والحنين إلى الأوطان
- جيفارا والحلم الغامض
- التويجري الكبير والحقيقة الخرساء
- النمو الاقتصادي والتنمية الإنسانية: تأصيل المفاهيم!
- قمّة روما والأمن الغذائي
- المعاهدة العراقية-الأميركية: هل التاريخ مراوغ؟
- ماذا بعد وثيقة الإعلام العربية؟!
- مفارقات العدالة الدولية
- أزمة الرهن العقاري الأميركي... ما انعكاساتها على العالم العر ...


المزيد.....




- شاهد ما حدث على الهواء لحظة تفريق مظاهرة مؤيدة للفلسطينيين ف ...
- احتجاجات الجامعات المؤيدة للفلسطينيين تمتد لجميع أنحاء الولا ...
- تشافي هيرنانديز يتراجع عن استقالته وسيبقى مدربًا لبرشلونة لم ...
- الفلسطينيون يواصلون البحث في المقابر الجماعية في خان يونس وا ...
- حملة تطالب نادي الأهلي المصري لمقاطعة رعاية كوكا كولا
- 3.5 مليار دولار.. ما تفاصيل الاستثمارات القطرية بالحليب الجز ...
- جموح خيول ملكية وسط لندن يؤدي لإصابة 4 أشخاص وحالة هلع بين ا ...
- الكاف يعتبر اتحاد العاصمة الجزائري خاسرا أمام نهضة بركان الم ...
- الكويت توقف منح المصريين تأشيرات العمل إلى إشعار آخر.. ما ال ...
- مهمة بلينكن في الصين ليست سهلة


المزيد.....

- في يوم العمَّال العالمي! / ادم عربي
- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عبد الحسين شعبان - الخداع.. قبل العاصفة وبعدها!