أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق - جبار قادر - في ضوء مذكرات مقرر لجنة مشكلة الموصل والتي تنشر لأول مرة : الأرقام و الحقائق التاريخية تدحض المزاعم و الأدعاءات















المزيد.....


في ضوء مذكرات مقرر لجنة مشكلة الموصل والتي تنشر لأول مرة : الأرقام و الحقائق التاريخية تدحض المزاعم و الأدعاءات


جبار قادر

الحوار المتمدن-العدد: 731 - 2004 / 2 / 1 - 08:26
المحور: اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
    


لم تتمكن بريطانيا و تركيا من التوصل الى إيجاد حل لما عرفت بمشكلة ولاية الموصل خلال اللقاءات و المداولات الكثيرة التي أعقبت الحرب العالمية الأولى . وفشل الطرفان في وضع نهاية لهذه المعضلة أثناء مؤتمر لوزان (1922 -1923 ) . ولم يسفر مؤتمر أسطنبول الذي عقد للغرض نفسه في 19 مايس 1924 عن نتيجة تذكر في هذا المجال . عند ذلك قرر الطرفان المتنازعان بموجب المادتين الثانية و الثالثة من معاهدة لوزان رفع الأمر الى مجلس عصبة الأمم لأتخاذ القرار النهائي بشأن المشكلة .
و قرر المجلس بدوره في 30 أيلول 1924 تشكيل لجنة تحقيق خاصة بالمشكلة و إرسالها الى المنطقة المعنية لجمع المعلومات الضرورية عن الجوانب الأقتصادية و الأثنية للمشكلة و رفع تقرير شامل عن نتائج تحقيقاتها الى المجلس . وجرى الأتفاق على أن يشكل التقرير أساسا لقرار عصبة الأمم بشأن مصير ولاية الموصل . تم تثبيت أعضاء اللجنة في نوفمبر من نفس العام من الدبلوماسي السويدي أينار فيرسين ( Einar af Wirsen  ) و رئيس الوزراء الهنغاري السابق  الكونت باول تيليكي ( Count Paul Teleki  ) و العقيد البلجيكي المتقاعد باولص(Paulis ).
لقد تم إختيار أعضاء اللجنة على أساس كفاءتهم و تجاربهم الكبيرة في مجالات عملهم و نشاطاتهم  ففيرسين كان متخصصا في شؤون البلقان و كتب عن شعوبها و سياسات الدول العظمى إزاءها ،كما  كان على إطلاع واسع بشؤون الدولة العثمانية و شعوبها. فقد كتب ، مثلا ، عن الآثوريين و نشاط البعثات التبشيرية بينهم بعد أن زار مناطقهم . وإشتهر فيما بعد  بمذكراته ( ذكرياتي من أيام الحرب والسلم ) و ( من البلقان الى برلين ) . و كان عند إختياره لرئاسة اللجنة وزيرا مفوضا لبلاده في برلين و رئيسا لبعثاتها في بخارست و أثينا و بلغراد . أما تيليكي فقد درس القانون و العلوم السياسية و الجغرافيا في جامعة بودابست حيث شغل فيما بعد كرسي الأستاذية للجغرافيا فيها . كما أصبح منذ عام 1905 عضوا في البرلمان الهنغاري و عين مستشارا جغرافيا لوفد بلاده أثناء مؤتمر السلام في باريس و تسنم كذلك حقيبة وزارة الخارجية . كما شغل لفترتين منصب رئيس الوزراء ، الأولى (1920 - 1921 ) و الثانية (1939 - 1941 ) . وكان توقيعه لمعاهدة برلين عام 1939 سببا في إنتحاره عام 1941 ، وذلك عندما أدرك بأن ألمانيا الهتلرية ستجبر بلاده على المشاركة في الهجوم على يوغسلافيا. و إشتهر بكتابه باللغة الأنجليزية : تطور هنغاريا و موقعها في التاريخ الأوربي ( The Evolution of Hungary and Its Place in European History (1923) ). أما العقيد البلجيكي المتقاعد باولص فقد خدم في الكونغو و تراكمت لديه خبرة عملية واسعة عن الأوضاع الأجتماعية و الأقتصادية و الثقافية في المستعمرات و طرائق التعامل مع سكانها . وهكذا ضمت اللجنة أناسا يمتلكون خبرات واسعة في التاريخ و الجغرافيا و العلوم العسكرية فضلا عن العلوم السياسية و القانون و العلاقات الدولية. وكان تحت إمرتهم نخبة من المستشارين الأكفاء من المتخصصين في الدراسات الشرقية و الأثنوغرافيا و القانون و الجغرافيا و العلاقات الدولية و غيرها كرودولو الأيطالي Roddolo  الذي عمل سفيرا لبلاده في أوسلو لمدة قصيرة ، و الكونت بورتاليس Pourtales السويسري و المستشرق الهولندي كرامرز ( Kramers ) . بعد فترة قصيرة من تسمية أعضائها بدأت اللجنة إجتماعاتها في جنيف وقامت بجمع و دراسة الخرائط و المصادر التاريخية المتوفرة عن الولاية و تكويناتها الأثنية و الدينية . كما قام أعضاء اللجنة بزيارة كل من لندن و أنقرة و إستقبلهم رئيس الوزراء البريطاني ( Chamberlain ) و وزير المستعمرات ( Amery  ) في لندن ، و مصطفى كمال و العديد من المسؤولين الأتراك في إسطنبول و أنقرة ، وذلك للتعرف على وجهات نظر الطرفين المتنازعين على الولاية . الغريب في الأمر أن الأطراف المختلفة لم تكن معنية بالأستماع الى سكان الولاية و رغباتهم .
بعد إكمال اللقاءات في أنقرة سافر أعضاء اللجنة الى دمشق و منها الى بغداد حيث حلوا ضيوفا على المندوب السامي البريطاني السير هنري دوبس ( ( Henry Dobbs  و إلتقوا بالملك فيصل و بعض  وزرائه . وغادروا بعد ذلك الى الموصل حيث بدؤا زياراتهم الى المدن و القصبات و لقاءاتهم بالأعيان و الوجهاء فيها . حاولوا خلال تلك الزيارات و اللقاءات الأستماع الى وجهات نظر الوجهاء و الأعيان المحليين و جمع المعلومات الأقتصادية و الأثنية و  الأجتماعية التي بدت ضرورية لهم لأنهاء مهمتهم .
لست هنا بصدد عرض و تقويم نشاطات اللجنة و طرائق عملها و جمعها للمعلومات و لقاءاتها بالسكان في الولاية ، بل وددت الأشارة الى ما تتضمنها مذكرات أينار فيرسين السويدي مقرر اللجنة ( يشار اليه عادة في المصادر كرئيس للجنة) من أرقام و معطيات إحصائية عن التركيب الأثني لسكان الولاية. و لاتخرج هذه الأرقام و المعطيات عن إطار التخمينات القائمة على أساس المعلومات التي جمعتها اللجنة خلال جولاتها المختلفة في المنطقة فضلا عن الأرقام و المعطيات الأحصائية التي قدمتها الأطراف المختلفة الى اللجنة وكذلك المعلومات المتوفرة في كتابات الرحلة الذين زاروا المنطقة و المستشرقين المهتمين بها . ولا بد من الأشارة هنا الى أن النقص يشوب هذه الأرقام جميعها . فقد كانت الدولة العثمانية تنتمي الى كيانات العصور الوسطى و كان إهتمامها بالأحصاء و التخمين يقتصر على جمع الأتاوات و المجندين . لذلك كان الناس يتهربون من هذه العمليات و تلجأ الدولة الى التخمين و التقدير الذي لا يمكن التعويل على نتائجهما كثيرا . من بين الأمثلة الأكثر إثارة للسخرية في هذا المجال إشارة الأرقام التركية المقدمة الى عصبة الأمم بشأن مشكلة الموصل الى  وجود ( 32960 ) تركيا في لواء السليمانية و التي لم تتجاوز نسبة الأتراك فيه على مر التاريخ الصفر أبدا .
أشير الى هذا الموضوع لأن هناك من يردد هذه الأيام أرقاما فلكية عن عدد أبناء هذه الأقلية أو تلك الفئة و التي لا يجمعها جامع مع المنطق و الحقائق العلمية و دون الأستناد الى أية مصادر أو معطيات إحصائية رسمية و هي متوفرة و يمكن للجميع الأستعانة بها و العودة اليها . وقد بز عدد من الكتاب التركمان على صفحات الأنترنيت كل الحدود المعقولة في هذا المجال و تدعمهم في ذلك فئة من الكتبة الشوفينيين العرب الذين لا يهمهم من الأمر سوى زرع بذور الفتنة و الفرقة بين أبناء المنطقة الواحدة لأهداف مغرضة و صبيانية في بعض الأحيان . أجزم بأن هذا الموقف لا علاقة له بإنسانية هؤلاء و إيمانهم بالحقوق القومية و السياسية و الثقافية للتركمان والاشوريين و غيرهم . هل يعقل أن يؤمن شخص بحقوق التركمان و الآشوريين في العراق و يعلن العداء السافر لكل ما يتعلق بالكرد و حقوقهم ؟. لآ أعتقد شخصيا بجمع هذه النقائض في شخص واحد . إما يؤمن الأنسان بحقوق الجميع أو لا يؤمن.
يجب أن نؤمن بمبدأ إنساني بسيط وهو أن الحقوق القومية و السياسية و الثقافية و الدينية و المذهبية للقوميات و الجماعات يجب أن لا ترتبط بالأعداد و النسب و القدم التاريخي. بل يجب أن يكون من حق الجميع مهما كانت أعدادهم و نسبهم و قدمهم التاريخي في العراق و غير العراق أن يتمتعوا بحقوقهم كاملة غير منقوصة. يجب أن يكون تركزينا على هذا المبدأ بدل الأنشغال بالنسب و الأرقام  الفلكية و كأننا نقف في مزاد علني وسط سوق يسودها الهرج و المرج . سيجري في نهاية الأمر إحصاء نزيه و سيتمكن الجميع أن يعبروا دون خوف و وجل عن إنتماءاتهم القومية و الدينية و المذهبية الحقيقية التي حرموا منها لعقود طويلة و سيعرف كل منا عدد الأفراد الذين يشاركونه الدين أو المذهب أو اللغة و القومية . و سيقفد معه أولئك الذين يجانبون الحقائق مصداقيتهم أمام الجميع و سيكون من الصعب عليهم أن يقنعوا الآخرين بمبررات تهويلهم للأمور  بل وحتى تفهم مطالبهم المشروعة . فعلى سبيل المثال لا الحصر صرح أحدهم قبل أيام بأن حركته ستعمل على إعادة نصف مليون تركماني الى كركوك !!!. ماذا سيقول هذا السيد عندما سيظهر الأحصاء النزيه بأن عدد التركمان في العراق كله لا يتجاوز نصف مليون . ونعرف جميعا بأنه و لله الحمد لم يجري ترحيل التركمان على نطاق واسع و لم تدمر الفاشية سوى بضع قرى تركمانية و هو عمل مدان بنفس القوة التي ندين بها تدمير القرى الكردية و الآشورية . وقد عاد الآن سكان قرية بشير المظلومة الى ديارهم و رحب الكرد قبل غيرهم بعودتهم بل وقدموا بعض المساعدات التي إستطاعوا تقديمها لهم و لم يعتبروا عودة هؤلاء المظلومين الى قريتهم و مزارعهم التي طردوا منها ظلما و عدوانا محاولة ل(تركمنة) كركوك كما يحاول بعض الموتورين و المتطرفين تصوير عودة عدة مئات من مئات الآلآف من الكرد المرحلين من كركوك المحافظة و المدينة الى ديارهم و كأنها عملية ( تكريد) للمحافظة. يجب أن نتخلى عن الإزدواجية وندين السياسات الباطلة ضد أي كان .لا أن نعتبر الباطل و التعريب و سياسات التطهير العرقي عملا مبررا مادام ضحاياه من الكرد فقط . لا يقف هذا الموقف إلا أناس تجردوا من إنسانيتهم و فقدوا  كل القيم النبيلة .    
 المعلومات التي نوردها هنا تضمنتها مذكرات مقرر لجنة التحقيق الخاصة بمشلكة الموصل والتي شكلتها عصبة الأمم أينار فيرسين باللغة السويدية و التي تحمل عنوان ( من البلقان حتى برلين ) و نشرها عام 1943 في ستوكهولم في  340 صفحة . وقد خصص فيرسين أربعة فصول من مذكراته هذه للحديث عن مشكلة ولاية الموصل و ذكرياته و تدقيقاته أثناء عمله مقررا للجنة و قد غطت الصفحات ( 107 - 163 ). حملت الفصول عناوين( تشكيل لجنة الموصل )،(دخول مدينة الموصل )،  (التحقيقات في ولاية الموصل و الأيزيدية ) و ( جنيف ) . تتضمن مذكرات فيرسين معلومات غزيرة 
عن الأوضاع السياسية و الأجتماعية و الأقتصادية التي كانت تسود الولاية بعيد الحرب العالمية الأولى و عن أسباب الصراع على هذه الولاية و غير ذلك من الجوانب التي سنعود اليها في المستقبل القريب إنشاءالله .
تكتسب تخمينات فيرسين مصداقية أكبر إذا أخذنا بنظر الأعتبار نشره لها بعد تقاعده عن العمل بل و بعد زوال عصبة الأمم و مرور عقدين من الزمن تقريبا على إنتهاء مشكلة الموصل. أي أنه كان في حل عن إلتزامات العمل و الوظيفة الرسمية التي تفرض على الأنسان إخفاء بعض القضايا الهامة و الحساسة أو السكوت عنها لعدم إثارة الآخرين . كما أن مرور حوالي العقدين من الزمن على وضع نهاية للمشكلة و تطور العلاقات السياسية بين تركيا و العراق الى مرتبة التحالف في إطار الحلف الغربي و محاربة الحركة القومية الكردية و إختفاء عصبة الأمم من المسرح العالمي ، تفرض علينا أن نعتقد بأنه لم يكن من مصلحته و لا من مصلحة أي من الأطراف الدولية أن يتلاعب بالحقائق التاريخية و المعطيات الأحصائية.
على حد علمي لم يجري إستخدام المعلومات و البيانات الواردة في مذكرات فيرسين هذه لحد الآن في  الدراسات الخاصة بمشكلة الموصل و القضية الكردية .
يشير الكاتب في الصفحات 159 و 160 من مذكراته الى التركيب القومي لسكان ولاية الموصل وهو ماسنركز عليه في هذا المقال. بلغ عدد الكرد برأيه في لواء السليمانية ( 190000 ) شخصا  و العرب ( 75 )  و كان هناك ( 1550 ) يهوديا أيضا . أما في لواء كركوك فقد كانت الأرقام كما يلي : الكرد أكثر من ( 46000) و العرب حوالي ( 37000)، أما التركمان فقد بلغ عددهم ( 26000 ) و المسيحيون حوالي ( 2500 ) . وفي لواء أربيل كان يعيش أكثر من (170000 ) كردي و (12000) عربي و أقل من (3000) تركماني و (4000) مسيحي و أقل من (3000 ) يهودي . أما في لواء الموصل فقد كان التركيب السكاني أكثر تعقيدا و تشابكا من المناطق الأخرى برايه . وكان يسكن اللواء حوالي ( 120000 ) من العرب ، عاش منهم (74000 ) منهم في المدينة . كما كان هناك
( 56000 ) من الكرد بما فيهم الكرد الأيزيديين و حوالي (10000 ) من التركمان و (55000 ) من المسيحيين و كان يعيش منهم (19000 ) في المدينة ، فضلا عن ( 80000) من اليهود عاش نصفهم تقريبا في مدينة الموصل . هذه هي الأرقام التي يشير اليها أينار فيرسين في مذكراته .  
مالذي يمكن إستنتاجه من هذه الأرقام و المعطيات :
أولا: أن الكرد شكلوا أكثر من خمسة أثمان سكان ولاية الموصل و سترتفع النسبة حتما الى أكثر من ستة أثمان إذا ما أضفنا الى هؤلاء أفراد القبائل الرحل الكردية المتهربة من عمليات التخمين لكي لا تدفع الضرائب و لا تبعث بأبنائها الى الخدمة في الجيش العثماني. وقد قدر العديد من المستشرقين و المهتمين بالشؤون الكردية و العراقية عدد أبناء تلك القبائل في تلك الفترة بحوالي (170000 ) شخص .
ثانيا : في الوقت الذي قدمت الأطراف المختلفة الأرقام التي رفعت من نسبة العرب في الولاية ( من جانب الحكومتين البريطانية و العراقية مثلا ) أو التركمان ( من جانب الحكومة التركية ) أو المسيحيين ( من جانب بريطانيا و حتى أعضاء اللجنة ) ، لم تكن من مصلحة أي طرف رفع نسبة السكان الكرد بل لجأت الأطراف كلها ( كما يحدث في أيامنا هذه ) الى التقليل من نسبة الكرد. 
ثالثا : شكل اليهود الفئة الثالثة في الولاية بعد الكرد و العرب إذ بلغ عددهم (84550 ) شخصا، جاء بعدهم  المسيحيون بطوائفهم المختلفة ( 61500 ) ، بينما شكل التركمان المجموعة الخامسة و بلغ عددهم الكلي في ولاية الموصل ( 39000 ) . فقد خلت السليمانية من التركمان رغم الأرقام التي أثارت السخرية و التي قدمها الجانب التركي و أشرنا اليها أعلاه .  و في لواء أربيل كانت نسبة التركمان واحد و نصف بالمئة من السكان ( مع ذلك نجد في هذه الأيام فئة صغيرة من المتطرفين التركمان ومعها شلة من العرب الشوفينيين تزعم بأن أربيل مدينة تركمانية!! ) . بينما شكل التركمان في كركوك حوالي خمس السكان ( و لم تتجاوز نسبتهم في لواء كركوك هذا الرقم في يوم من الأيام و مع ذلك يمكن أن يزعم أحدهم و دون الأعتماد على اية معطيات إحصائية رسمية أو مصادر علمية موثوق بها أن نسبة التركمان فيها تصل الى 50 أو حتى 75 % من مجموع السكان! و سيعيدون الى المدينة نصف مليون تركماني !. للتذكير فقط نقول بأن نسبة الذين إعتبروا اللغة التركمانية لغتهم الأم بلغت 21 % من مجموع سكان اللواء بموجب أحصاء عام 1957). وهكذا و حسب الأرقام التي يوردها فيرسين شكل التركمان نسبة 6 % فقط من سكان ولاية الموصل وكان عدد الكرد يفوق عدد التركمان في الولاية بحوالي إثنتا عشرة مرة . وعندما نسمع أو نقرأ اليوم بأن عدد التركمان في العراق يصل الى ثلاثة ملايين ، يجب أن نفترض بأن عدد سكان ولاية الموصل السابقة يبلغ حوالي 60 مليونا و عدد الكرد أكثر من 35 مليونا ، وهذا أمر لا يمكن لأي عاقل أن يفكر به . أعطى الجانب التركي أعلى  الأرقام عن نسبة التركمان في ولاية الموصل وكان 146920 شخصا ( وهو أمر لم يصدقه حتى الأتراك بأنفسهم إذ عادوا وقدموا رقما آخر وهو 126210 . يبدو لي أنهم حذفوا  عشرون ألفا من تركمان السليمانية !! ) . ولكن حتى في هذه الحالة و إذا سايرنا مزاعم بعض الكتاب التركمان لوجب أن يكون عدد الكرد في العراق أكثر من عشرة ملايين. لذلك نتمنى مخلصين أن يعود هؤلاء الى المعطيات الأحصائية المنشورة و المصادر العلمية، لأن فهم هذه الحقائق ستفتح الآفاق أمام إنتهاج سياسات واقعية و البحث عن حلول للقضايا بدلا من تهويل الأمور و التشبث بآمال و أوهام يستحيل تحقيقها على الصعيد العملي . بعد هجرة اليهود من العراق في نهاية الأربعينات و بداية الخمسينات أصبح المسيحيون يأتون في المرتبة الثالثة بعد العرب و الكرد و بخاصة إذا اضفنا الى أعدادهم في ولاية الموصل أولئك الذين يعيشون في بغداد و المناطق الأخرى من العراق . ورغم هجرة أعداد كبيرة من المسيحيين من العراق خلال العقود الماضية ، إلا أنه يعتقد بأنهم لازالوا يشكلون الفئة السكانية الثالثة بعد العرب و الكرد .و معروف بأن التركمان تركزوا أصلا  في ولاية الموصل السابقة و هاجر عدد كبير منهم خلال العقود الأخيرة الى العاصمة بغداد . لذلك أعتقد بأن الزعم بأن التركمان يشكلون القومية الثالثة في العراق لا يستند الى أسس راسخة و لا تدعمه الحقائق و الوقائع .  
رابعا : بعكس ما يثار من ضجيج عن تعقيدات التنوع الأثني و الديني في كركوك لأسباب لا تخفى على اللبيب ، إلا أن محافظة الموصل تعتبر أكثر تعقيدا و تشابكا . ففي الموصل يعيش العرب و الكرد و التركمان و الكلدان و الآشوريين و الأرمن من الناحية القومية . ومن الناحية الدينية و المذهبية يعيش المسلمون السنة و الشيعة و المسيحيون البروتستانت و الكاثوليك و الأرثدوكس و الكنائس الشرقية المختلفة فضلا عن الأيزيديين و الشبك و غيرهم . لماذا هذا الصراخ و العويل في الصحافة و وسائل الأعلام العربية و التركية و غيرها حول كركوك و لا يثير كل هذا التنوع الأثني و الديني و المذهبي في الموصل شيئا من الفضول ليس إلا ؟!!. هل نشم رائحة كوبونات أم آبار النفط من وراء هذه الضجة المفتعلة أم ماذا ؟ .
خامسا : تختلف الأرقام الواردة في مذكرات فيرسين عن الأرقام التي قدمتها الأطراف المختلفة و  التي تضمنها تقرير اللجنة الى مجلس عصبة الأمم وكان هو مقررا لها . وتبدو بياناته قريبة الى حد ما مع التقديرات التي قدمها الجانب البريطاني . مع ذلك يبدو أن فيرسين لم يقتنع كليا بتلك الأرقام التي قدمت الى المجلس وإلا لكان إلتزم بها أو بإحداها و أعاد نشرها في مذكراته هذه . و ظهر هذا الموقف المتشكك بوضوح في التقرير المقدم الى عصبة الأمم . ففي الوقت الذي كانت الأطراف المتصارعة على ولاية الموصل تطعن في تقديرات و حجج بعضها البعض ، كانت البعثة تشكك في دقة و مصداقية البيانات المقدمة من قبل جميع الأطراف ، إذ جاء في تقريرها المقدم الى المجلس أنها
( وجدت أن البيانات المقدمة من قبل الأتراك وكذلك المقدمة من قبل الأنجليز بل و حتى بيانات الحكومة العراقية غير دقيقة وان الحجج التي استندت الى تلك الأرقام مشكوك فيها . فبينما تبالغ الحكومة التركية بعدد التركمان في الولاية ، فأن الحكومة البريطانية لا ترى انهم يشكلون سوى 8% من مجموع سكان،في حين تقل نسبتهم في البيانات العراقية عن 5 % من مجموع سكان الولاية . وكذلك كان التباين كبيرا فيما يتعلق بنسبة العرب التي تراوحت بين أقل من 9 % في ضوء البيانات التركية الى نحو 24 % في البيانات البريطانية و نحو 21 % في تقديرات الحكومة العراقية . بينما كان التباين أقل في التقديرات الخاصة بكرد الولاية فقد كانت نسبتهم 56 % من مجموع سكان الولاية وفق التقديرات التركية و 65 % حسب البيانات العراقية و 58 % حسب التقديرات البريطانية ). يمكن أن تشكل بيانات فيرسين مصدرا آخر من مصادر دراساتنا لمشكلة ولاية الموصل و لألقاء الأضواء بصورة أكثر وضوحا على التركيب الأثني للسكان آنذاك و الذي تعرض على مدى العقود الثمانية الماضية الى تغييرات دراماتيكية كبيرة .       



#جبار_قادر (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- القضية الكردية في العراق : عود الى التذكير بالبديهيات- الحلق ...
- فضائح إعلامية في برنامج الحوار المفتوح
- نصائح رجل حكيم لم تستمع إليها الحكومات العراقية ا
- الشوفينية و الشيفونية الجديدة!
- عبدالله كيول : صدام إقترح علينا العمل معا لأبادة الأكراد جمي ...
- تقاطع المشروعين التركي و الأمريكي في العراق
- مخاطر الأستعانة بالقوات التركية في العراق
- علوجيات ..(4) علوج أكراد …
- تركيا و الأتحاد الأوربي : هل سدت أوروبا أبوابها نهائيا بوجه ...
- علوجيات..(3) ديناصورات سياسية و أفكار محنطة !
- علوجات..(2 ) بعثيون يهربون من الشباك و يعودون من الباب !
- علوجيات .. (1) الصحاف محمد بن سعيد ..
- - سياسات التطهير العرقي في كوردستان العراق بين المباركين لها ...
- سياسات التطهير العرقي في كوردستان العراق بين المباركين لها و ...
- هل يصلح الموديل التركي نموذجا للعراق ؟!
- محاولات تركيا لزعزعة الأستقرار في كوردستان العراق
- التهديدات التركية توحد الأكراد
- الأنفال: تجسيد لسيادة الفكر الشمولي والعنف و القسوة // 20 مق ...


المزيد.....




- فيديو لرجل محاصر داخل سيارة مشتعلة.. شاهد كيف أنقذته قطعة صغ ...
- تصريحات بايدن المثيرة للجدل حول -أكلة لحوم البشر- تواجه انتق ...
- السعودية.. مقطع فيديو لشخص -يسيء للذات الإلهية- يثير غضبا وا ...
- الصين تحث الولايات المتحدة على وقف -التواطؤ العسكري- مع تايو ...
- بارجة حربية تابعة للتحالف الأمريكي تسقط صاروخا أطلقه الحوثيو ...
- شاهد.. طلاب جامعة كولومبيا يستقبلون رئيس مجلس النواب الأمريك ...
- دونيتسك.. فريق RT يرافق مروحيات قتالية
- مواجهات بين قوات التحالف الأميركي والحوثيين في البحر الأحمر ...
- قصف جوي استهدف شاحنة للمحروقات قرب بعلبك في شرق لبنان
- مسؤول بارز في -حماس-: مستعدون لإلقاء السلاح بحال إنشاء دولة ...


المزيد.....

- الحزب الشيوعي العراقي.. رسائل وملاحظات / صباح كنجي
- التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية الاعتيادي ل ... / الحزب الشيوعي العراقي
- التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية للحزب الشيو ... / الحزب الشيوعي العراقي
- المجتمع العراقي والدولة المركزية : الخيار الصعب والضرورة الت ... / ثامر عباس
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 11 - 11 العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 10 - 11- العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 9 - 11 - العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 7 - 11 / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 6 - 11 العراق في العهد ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 5 - 11 العهد الملكي 3 / كاظم حبيب


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق - جبار قادر - في ضوء مذكرات مقرر لجنة مشكلة الموصل والتي تنشر لأول مرة : الأرقام و الحقائق التاريخية تدحض المزاعم و الأدعاءات