أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق - جبار قادر - مخاطر الأستعانة بالقوات التركية في العراق















المزيد.....


مخاطر الأستعانة بالقوات التركية في العراق


جبار قادر

الحوار المتمدن-العدد: 586 - 2003 / 9 / 9 - 02:29
المحور: اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
    


         
         د. جبار قادر  
تتصدر أخبار المفاوضات بين المسؤولين العسكريين و السياسيين الأمريكيين و الأتراك بشأن إرسال قوات عسكرية تركية ضمن قوات حفظ السلام الدولية الى العراق نشرات الأخبار و عناوين الصحف التركية . وتبذل الحكومة التركية و وسائل الأعلام جهودا حثيثة لتهيئة الرأي العام بإتجاه قبول إرسال الجنود الأتراك الى العراق ضمن القوات الدولية التي تزمع دول التحالف جلبها الى العراق للمحافظة على الأمن و الأستقرار في المناطق العراقية المختلفة . ورغم معرفة القيادات السياسية و العسكرية التركية بتفاصيل الموقف السلبي للعراقيين من مشاركة تركيا في هذا الأمر ، إلا أن رغبتها الجامحة في ترميم الأضرار التي أصابت علاقاتها مع الولايات المتحدة الأمريكية و ضمان مشاركة شركاتها في عمليات إعادة الإعمار في العراق و البحث عن دور لتركيا في تشكيل المستقبل السياسي للدولة العراقية الجديدة و منع كرد العراق من الحصول على حقوقهم القومية المشروعة و إنعكاسات ذلك على أكراد تركيا ، تدفع بها الى تهيئة الرأي العام التركي للأمر و تصويره و كأن العراقيين يرحبون بمقدم القوات العسكرية التركية الى العراق .
بغية تجنب تأليب الرأي العام ضد هذه الخطوة و لأقناع البرلمان بالموافقة عليها حين يعرض الأمر عليه أعلنت الحكومة التركية بأنها أرسلت هيئات مدنية و عسكرية و إستخباراتية الى العراق لتقصي الحقائق و جمع المعلومات و لتقويم المخاطر التي يمكن أن تتعرض لها قواتها في حالة ذهابها الى هناك . ويبدو أن هذه الهيئات أهملت تماما لقاء المسؤولين العراقيين الرسميين سواء في مجلس الحكم أو في المحافظات العراقية ، بل تركز إهتمامها باللقاء بعدد من الزعماء القبليين و رجال الدين المحليين في غرب و و سط العراق . كما وجهت الحكومة التركية دعوات الى عراقيين وصفتهم بشيوخ العشائر و رجال الدين ( وتبين أن أكثرهم من رجالات النظام البعثي البائد ) من مناطق الحويجة و الجزيرة و الأنبار لزيارة تركيا و جرى إستقبالهم من قبل المسؤولين في وزارة الخارجية و ممثلين من أجهزة الأمن و الأستخبارات العسكرية التركية  . و نشرت الصحافة التركية على لسان البعض منهم ترحيبهم الحار بالقوات التركية في مناطقهم بل أن بعض رجال الدين العراقيين ، وعلى ذمة الصحافة التركية ، أعلنوا عن إستعدادهم لذكر إسم تركيا في خطبة الجمعة و الدعوة لها رغم أن النظام السياسي في تركيا هو نظام علماني ويمنع إستغلال الدين لتحقيق أغراض سياسية !. ويبدو أن هؤلاء لم يقرءوا في كتب التاريخ أن مصطفى كمال قد قاد حركة ضد السلطان العثماني و ألغى الخلافة و فرض العلمانية بالقوة على تركيا .
يحق للمرء أن يتساءل :أي قانون يسمح لزعيم قبلي أو رجل دين غير مخول من قبل الناس و السلطات الرسمية في بلاده أن يدعو جنود دولة أجنبية لأحتلال أراضي بلاده ؟ . و هل يدخل مثل هذا الأمر في إطار الديموقراطية و حرية التعبير و التنظيم ؟ ألم يحن الوقت ليقوم مجلس الحكم و الوزارة العراقية الجديدة بسن قوانين و إتخاذ إجراءات تمنع الأشخاص و المؤسسات من العمل من أجل تحقيق مصالح دولة أجنبية في العراق؟. هل هناك دولة في العالم تقبل أن يقوم مواطنوها بمثل هذه الأعمال الشائنة ؟. إذا كانت الأحزاب و التنظيمات السياسية العراقية قد بررت علاقاتها السابقة و حتى خضوعها أحيانا لأبتزاز الدول المجاورة بسياسات النظام البائد القمعية ، فأنه و بعد زوال هذا النظام و توفر فرص ممارسة النشاط السياسي و الثقافي و الأعلامي لجميع التيارات السياسية و الثقافية و الأجتماعية لم يعد مقبولا أبدا و لأي كان أن يتحول الى أداة أو إمتدادات لدول و قوى أجنبية داخل العراق .
وإذا تجاوزنا التصريحات اللامسؤولة لبعض المتحلين لصفة رجال الدين و أبناء القبائل من أزلام المخابرات البعثية كالمدعو حسيب عارف العبيدي من الحويجة ، و الذي كان ضيفا دائما و ثقيل الظل على الفضائية العراقية قبل التاسع من نيسان( ليحلل لمشاهديها عوامل الديمومة و الإنتصار الأكيد للقائد الضرورة على أمريكا وحليفاتها ) ، و الذي صرح أكثر من مرة للصحافة التركية بأن عشيرته ترحب بمقدم القوات التركية الى كركوك و الحويجة و مناطق عراقية أخرى ، أقول إذا تجاوزنا هذه التصريحات الى ما نسب الى محافظ الأنبار الجديد فإن الأمر يثير أكثر من تساؤل. فقد نسبت الصحافة التركية الى عبدالكريم برجس الراوي بأنه يفضل القوات التركية على أية قوات أجنبية أخرى . ولم ينسى المحافظ أن يذكر مراسل الصحيفة التركية بوقوف جده الى جانب الأتراك ضد الأنجليز أثناء الحرب العالمية الأولى.
من المفارقات العجيبة أن يعلن شمعون بيريز و من إيطاليا عن موقف مشابه تماما بصدد الأستعانة بالقوات التركية لعمليات حفظ السلام ! في العراق .  يمكن فهم الأسباب الكامنة وراء دعوة شمعون بيريز بسبب علاقات التحالف الأستراتيجي بين تركيا و إسرائيل . أما تطابق وجهات النظر بين من يدعون العروبة من رجالات القبائل و رجال الدين مع شمعون بيريز فهو أمر يثير أكثر من تساؤل مشروع .
يبدو أن القيادات العسكرية و السياسية الأمريكية و في خضم تخبطها و سيطرة الهاجس الأمني على تصرفاتها وعدم التفكير سوى بأمن قواتها و الأسراع في إحلال قوات أخرى محلها لم تعد تعير أي إهتمام بمخاوف العراقيين بدءا بمجلس الحكم و مرورا بأوساط واسعة جدا من العراقيين في مسألة الأستعانة بالقوات الأجنبية لحفظ السلام في العراق . وأعتقد بأن هذا الموقف من لدن السلطات الأمريكية سيحرج كثيرا المتعاونين معها في العراق .
يتمسك العراقيون بموقف موحد وهو أن من مصلحة العراق و دول الجوار أيضا أن لا تشارك قواتها في عمليات حفظ السلام في العراق. فهذه الدول لديها إمتداداتها و أدواتها و أجندتها السياسية في العراق و يمكن أن يؤدي تدخلها الى تحويل العراق الى ساحة للصراع و تصفية الحسابات الأقليمية.  كما أن قيام عمليات عسكرية ضد قواتها في العراق و لأي سبب كان يمكن أن يؤدي بها الى الإنغماس في الشأن العراقي الداخلي و بحكم الجوار الجغرافي و الأرث التاريخي الملئ بالصراع و المشاكل لا يستبعد  أن يتحول الأمر الى نزاع طويل تعم أضراره جميع شعوب المنطقة.  كما أن هذه الدول وقواتها لا تستطيع أن تلعب دور قوى محايدة لحفظ السلام لأنها أصلا و بحكم العوامل الجغرافية و التاريخية و الأثنية تشكل في العديد من الحالات أطرافا منحازة. وقد عبرت هذه الدول و في مناسبات عديدة عن إنحيازها لهذا الطرف أو ذاك من الأطراف العراقية المتنافسة وفقدت مصداقيتها و حياديتها لدى فئات واسعة من العراقيين . كما أن القوات العسكرية في هذه الدول تفتقر الى الأمكانيات التكنولوجية المتطورة و التجارب الكافية ولم تؤهل أصلا لعمليات حفظ السلام بل لعمليات القمع و التنكيل و التدمير . و الأنكى من كل ذلك أن بعض هذه الدول و بخاصة تركيا لا تخفي أطماعها في الأراضي و الثروات العراقية . لكل ذلك و لأسباب أخرى كثيرة تشكل الأستعانة بقوات هذه الدول و على رأسها تركيا خطرا كبيرا على مستقبل العراق و رفاه مواطنيه .
في الوقت الذي تجري فيه القيادات العسكرية الأمريكية و التركية المحادثات حول مشاركة تركيا في ( عمليات حفظ السلام ) في العراق ، تقوم السلطات التركية بوضع ماتسميها بخطة الأستئثار بعقول وقلوب العراقيين.  و لايجب أن نتوقع من تركيا التي تعاني أصلا من أزمة إقتصادية خانقة و تعتمد الى حد كبير على المساعدات الأمريكية و الأوربية و تدفعها الأطماع في ثروات العراق و موارده للمطالبة بدور لها في الشأن العراقي ، أن تقوم بتنفيذ مشاريع إقتصادية و إنتاجية كبيرة لصالح العراقيين ، لذلك تركزت خطة العمل التركية أساسا على إقامة موائد إفطار في شهر رمضان و حفلات غنائية في ملعب الشعب ببغداد لبعض المطربين و المطربات الأتراك من أمثال إبراهيم طاطلي سيز و هوليا أفشار و سيبل جان . ألا يذكرنا هذا الأمر بقصة ملكة فرنسا ماري أنطوانيت و  الجياع التظاهرين في باريس عشية الثورة الفرنسية ؟ .
كان الأعلام التركي يشير سابقا الى إن الأتراك سيقومون بتقديم الخدمات الصحية الى العراقيين و سيعملون على إعادة التيار الكهربائي الى بعض المناطق في العراق ، إلا أن الحديث عن تلك الجوانب قد خف في الآونة الأخيرة و لم نعد نسمع إلا بموائد الأفطار و حفلات الغناء والتي سيتحمل دافع الضريبة الأمريكي تكاليفها أضعافا مضاعفة بسبب عمليات الرشوة و الفساد الأداري التي تشتهر بها تركيا دون منافس !. 
لعل هنالك قلة قليلة جدا من العراقيين و لأسباب غير واقعية و جهل بالدوافع الحقيقية للسياسات التركية تعتقد بأن مجئ القوات التركية سيكون لصالحها و يعيد اليها مواقعها التي فقدتها بسبب سقوط النظام الديكتاتوري. و تستند هذه الفئة في توجهها هذا على الموقف المعادي المشترك للطرفين من الطموحات القومية المشروعة للشعب الكردي في العراق. ولكن هذا التوجه مآله الى الفشل لأن تركيا لن تستطيع حتى ولو شاركت قواتها في عمليات حفظ السلام رغم إرادة العراقيين في منطقة محددة غرب العراق من التأثير على مسار الأحداث بصورة كبيرة ، لأن معظم الشعب العراقي كردا و شيعة و قوميون عرب و يساريون و ديموقراطيون و أسلاميون حقيقيون سينظر بريبة شديدة الى قواتها و يراقبون تصرفاتها . و على أي حال ستضطر هذه القوات الى ترك العراق خلال فترة لن تتجاوز السنة . حينذاك ستخسر هذه الفئة الصغيرة التي حاولت ربط مصيرها بالقوات التركية و تخلت عن الخيار الوطني لتحديد موقعها و دورها في الحياة السياسية العراقية الجديدة و ستكون نظرة الشعب العراقي اليها سلبية . لذلك أعتقد بأن من مصلحة هذه الفئة أن تنأى بنفسها عن هذا المسار و تبحث عن دور لها في إطار العملية السياسية الديموقراطية الوطنية لكي لا تجد نفسها مهمشا لتندب حظها العاثر .
 سيثير التواجد العسكري التركي جميع الذكريات المريرة التي تختزنها الذاكرة الجمعية العراقية عن عنجهية و صلف و قسوة ولاة و باشوات آل عثمان و طائفيتهم المقيتة و نهبهم لأراضي و ثروات وممتلكات العراقيين و نشرهم للجهل و التخلف خلال أربعة قرون من إستعمارهم للأراضي التي تعرف اليوم بالعراق . 
كما أت التواجد العسكري التركي في العراق سيؤدي سيشجع دول الجوار الأخرى و بخاصة إيران على تحريك القوى القريبة منها و العمل على إضعاف مواقع النفوذ التركي. أي أن العراق سيتحول الى ساحة صراع بين الدول الأقليمية و الذي شينعكس آثاره على مستقبل الكيان العراقي و شعبه . كما أن  التواجد العسكري التركي المؤقت في العراق سيتحول الى عامل توتر كبير في البلاد و سيكون له آثار مدمرة على تعايش العراقيين و مستقبل بلادهم و على علاقاتهم بقوات الحلفاء . و ستجبر القوات التركية على ترك العراق بعد فترة قصيرة من دخولها هذا فيما إذا دخلت أصلا . لذلك فمن مصلحة العراقيين الأتفاق فيما بينهم و بعيدا عن التدخلات الأقليمية على شكل النظام السياسي و المشاركة السياسية للجميع دون تهميش لأي طرف وإلا ستكون النتائج مدمرة بالنسبة للجميع . 
ومع بدأ المفاوضات الأمريكية التركية شرعت تركيا من جديد بإعداد قائمة مطولة من المطالب لقاء مشاركتها في قوة حفظ السلام الأمر الذي نبه الى مخاطره أحد أبرز الصحفيين الأتراك محمد علي بيراند لكي لا يؤدي مرة أخرى الى تخلي الأمريكيين عن فكرة الأستعانة بالجنود الأتراك . وهو أمر سيضر برأيه بتركيا و مصالحها كثيرا و ستضطر معه الى التخلي حتى عن خطوط الحمر الجديدة التي رسمتها لنفسها بعد أن محت أحداث الحرب في العراقي القديمة منها . وينصح محمد على بيراند المسؤولين الأتراك الى إنتهاج سياسة ومقاربة جديدتين و التخلى عن الأساليب الأستفزازية السابقة .
ولكن يبدو أن القائمين على دست الحكم لا يستمعون كثيرا الى هذه الأصوات . فقد كانت ردود فعل كل من رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان و وزير خارجيته عبدالله كيول و الناطق بأسم وزارة الخارجية التركية على تصريحات وزير الخارجية العراقي الجديد متشنجة و خالية من اللباقة الدبلوماسية . لم يذكر الوزير العراقي سوى حقيقة معروفة قد لا يختلف بشأنها إثنان وهو أن تدخل دول الجوار سيؤدي الى تعقيد الأوضاع في العراق . مع ذلك جاءت تصريحات المسؤولين الأتراك لتعتبر كلام الوزير تعبيرا عن رأي شخصي و ذكروه بأنه الآن يشغل موقع وزير خارجية العراق كله و ليس جزءا منه و كأن هناك من بين العراقيين مسؤولين أو مواطنين من يقول بعكس ذلك. كما حاولوا  ومعهم الأعلام التركي الوقيعة بين الوزير العراقي و الأمريكيين ، عندما إعتبروا كلامه مناقضا للمطالب الأمريكية الرسمية التي تقدمت بها الى تركيا . بل أن عبدالله كيول نصح الزيباري بالتفكير جيدا قبل الحديث و ذكره بأنه سيضطر الى أن يقول كلاما آخر تماما . بعبارة أخرى تريد الأوساط الحاكمة في تركيا أن تقول للجميع بأن الأمريكان هم أصحاب القرار في العراق وهم لا يعيرون إهتماما بما يقوله العراقيون الذين لا يمتلكون براي المسؤولين الأتراك حرية إتخاذ القرارات. لا تخفى حقيقة الأوضاع و تحكم الأدارة الأمريكية بالمفاصل الرئيسية للحياة في العراق إلا أنها تعلن بصورة يومية تقريبا بأنها تعمل بالتعاون مع العراقيين و تعمل على نقل السلطة الفعلية اليهم بأسرع وقت ممكن . لذلك فإن إستخفاف السلطات التركية بسلطات مجلس الحكم و الوزراء و إعتبارهم دمى بأيدي الأمريكيين سيسئ الى مكانة المجلس في نظر العراقيين و العالم  و سيضعف موقف المتعاونين مع سلطات الأحتلال في العراق وبخاصة إذا لم تأخذ الولايات المتحدة الأمريكية برأيهم في مسألة الأستعانة بالقوات التركية . وإذا تصرف الأتراك وفق هذا المنطق و  إستهانوا بمواقف العراقيين من أعضاء مجلس الحكم و الوزراء بل و الأكثرية الساحقة من العراقيين و إعتقدوا بأن موافقة الأمريكان لوحدها كافية لأرسال قواتهم الى العراق ، فإنهم سيرتكبون برأيي خطأ جسيما يمكن أن يتسبب في تسميم العلاقات العراقية التركية في المستقبل و سيلحق أضرار كبيرة بتركيا على جميع الأصعدة  .
مع بدء المحادثات بين الجانبين الأمريكي و التركي بصدد إرسال قوات تركية الى العراق ، بدأ الأعلام التركي ينشر و على نطاق واسع تقارير خبرية و وجهات نظر تهدف بالأساس الى إقناع الرأي العام التركي  بضرورة إرسال الجنود الى العراق والأستفادة من الصعوبات التي تواجهها القوات الأمريكية هناك للحصول على منافع إقتصادية و سياسية الآن و في المستقبل . كما تشير  وسائل الأعلام الى المطالب التركية من الأمريكيين لقاء إرسال جنودهم الى المناطق التي تواجه فيها القوات الأمريكية المشاكل الأمنية . فقد إشترط الأتراك على الأمريكيين بقاء قواتهم فترة ستة أشهر قابلة للتمديد الى سنة ( في الوقت الذي يتمنون فيه البقاء هناك لأطول فترة ممكنة مادامت الولايات المتحدة الأمريكية تتحمل نفقات هذا التواجد ) . كما إشترطوا إقامة ممرات آمنة للقوات التركية في كوردستان العراق و كذلك على طول الطرق المؤدية الى  مناطق وسط و غرب العراق.  وهذا يعني إحتلالا مباشرا لأجزاء من كوردستان العراق الأمر الذي رفضته الجماهير الكردية بشدة قبل الحرب و لابد أن ترفضه هذه المرة بتصميم أكبر لزوال جزء كبير من المخاطر التي كانت تهدد التجربة الكردية آنذاك . بل يمكن أن يصل الأمر الى تمرد هذه الجماهير على السياسة الرسمية للحزبين الحاكمين في كوردستان ورفض الخطط الأمريكية في هذا المجال .
ويمكن القول بأن الأتراك سيفرحون بمثل هذا التطور للأمور . لأنهم يبدون تخوفا كبيرا من تطور العلاقات بين أكراد العراق و الولايات المتحدة الأمريكية التي ظهرت نتيجة لتعاون الطرفين خلال الحرب بعد رفض البرلمان التركي السماح بمرور القوات الأمريكية . ويأتي تحقيق مثل هذا الأمر ضمن أولويات الأستراتيجية التركية الجديدة إزاء الوجود الأمريكي في العراق . كما تعمل تركيا على ضمان موافقة و مساعدة حلف الناتو في أمر إرسال القوات الى العراق هذا فضلا عن مطالبة الولايات المتحدة الأمريكية بدعم مالي و تحمل نفقات إرسال و تواجد القوات التركية في العراق . كما تريد تركيا أن تمنح منطقة خاصة بها و تكون القيادة لها دون غيرها أو منحها القيادة في تلك المنطقة كما جرى الأمر مع بولندا . وقد أعلن وزير الخارجية التركي موافقة أمريكا على هذا الطلب خلال المباحثات الأخيرة . كما تطالب تركيا بتحييد قوات حزب العمال الكوردستاني من قبل الأمريكيين من  كوردستان العراق . فضلا عن إظهار نفسها كحامية لحقوق التركمان في العراق من خلال المطالبة بإعادة ما تسميه بالتوازن بين المكونات الأثنية لسكان العراق و التخلي عن ما تسميها بسياسة تهميش التركمان . و تشير التقارير الى أن عدد الجنود الأتراك المزمع إرسالهم الى العراق يتراوح بين 8500 الى 11000 عسكري .  
في هذا الوقت تعمل الماكينة الأعلامية التركية على مستويات عديدة من خلال إجراء لقاءات صحفية و تلفزيونية مع أشخاص تقدمهم للرأي العام التركي على أنهم زعماء لعشائر عربية معروفة أو رجال دين من وسط العراق أو أشخاص يصورون على أنهم يمثلون التركمان في العراق. ويبدي هؤلاء ودون شعور بأية مسؤولية وطنية ترحيبا حارا بمقدم القوات التركية الى جانب نشر الكثير من المغالطات و الأخبار الملفقة عن حقيقة الأوضاع السائدة في العراق .
تستوجب هذه الحالة ، التي يمكن أن تؤدي الى تعقيدات كبيرة في الوضع العراقي، توحد العراقيين حول مبدأ رفض الأستعانة بقوات من دول الجوار و الضغط على السلطات الأمريكية و إجبارها على التخلي عن هذه الخطط و القيام بدلا من ذلك بتشكيل قوات عسكرية و قوات شرطة عراقية من  تحت قيادة أشخاس معروفين بنزاهتهم و ماضيهم النظيف و مقارعتهم للنظام السياسي و جعلهم مسؤولين عن حماية أمن و سلامة المواطنين و ممتلكاتهم .
أما الجماهير الكردية فهي مطالبة بأن تهب بوجه هذه المخططات التي تهدد مكتسباتها القومية في الصميم و تظهر الأمر للقوات الأمريكية و بشكل لا لبس فيه بأن الأستعانة بالقوات التركية تعني نهاية تعاونها و ترحيبها بالقوات الأمريكية في كوردستان و بأنها ستعتبر مثل هذا الأمر طعنا في الطموحات القومية الكردية المشروعة وستواجه القوات التركية الغازية أيا كانت المسميات التي تنضوي تحتها . 



#جبار_قادر (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- علوجيات ..(4) علوج أكراد …
- تركيا و الأتحاد الأوربي : هل سدت أوروبا أبوابها نهائيا بوجه ...
- علوجيات..(3) ديناصورات سياسية و أفكار محنطة !
- علوجات..(2 ) بعثيون يهربون من الشباك و يعودون من الباب !
- علوجيات .. (1) الصحاف محمد بن سعيد ..
- - سياسات التطهير العرقي في كوردستان العراق بين المباركين لها ...
- سياسات التطهير العرقي في كوردستان العراق بين المباركين لها و ...
- هل يصلح الموديل التركي نموذجا للعراق ؟!
- محاولات تركيا لزعزعة الأستقرار في كوردستان العراق
- التهديدات التركية توحد الأكراد
- الأنفال: تجسيد لسيادة الفكر الشمولي والعنف و القسوة // 20 مق ...


المزيد.....




- الأردن.. عيد ميلاد الأميرة رجوة وكم بلغت من العمر يثير تفاعل ...
- ضجة كاريكاتور -أردوغان على السرير- نشره وزير خارجية إسرائيل ...
- مصر.. فيديو طفل -عاد من الموت- في شبرا يشعل تفاعلا والداخلية ...
- الهولنديون يحتفلون بعيد ميلاد ملكهم عبر الإبحار في قنوات أمس ...
- البابا فرنسيس يزور البندقية بعد 7 أشهر من تجنب السفر
- قادة حماس.. بين بذل المهج وحملات التشهير!
- لواء فاطميون بأفغانستان.. مقاتلون ولاؤهم لإيران ويثيرون حفيظ ...
- -يعلم ما يقوله-.. إيلون ماسك يعلق على -تصريح قوي- لوزير خارج ...
- ما الذي سيحدث بعد حظر الولايات المتحدة تطبيق -تيك توك-؟
- السودان يطلب عقد جلسة طارئة لمجلس الأمن للبحث في -عدوان الإم ...


المزيد.....

- الحزب الشيوعي العراقي.. رسائل وملاحظات / صباح كنجي
- التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية الاعتيادي ل ... / الحزب الشيوعي العراقي
- التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية للحزب الشيو ... / الحزب الشيوعي العراقي
- المجتمع العراقي والدولة المركزية : الخيار الصعب والضرورة الت ... / ثامر عباس
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 11 - 11 العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 10 - 11- العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 9 - 11 - العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 7 - 11 / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 6 - 11 العراق في العهد ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 5 - 11 العهد الملكي 3 / كاظم حبيب


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق - جبار قادر - مخاطر الأستعانة بالقوات التركية في العراق