أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حميدة العربي - عراقية















المزيد.....

عراقية


حميدة العربي

الحوار المتمدن-العدد: 2339 - 2008 / 7 / 11 - 05:42
المحور: الادب والفن
    



لقطات مقرّبة جدا:
- حقيبتي الباهتة تحط- بلهفة- على رصيف بحري مغمور
- وجهي المأخوذ بالغربة المفاجئة يتلفت حائرا , تتجاذبه الجهات الاربع
* * *
مر زمن ليس بقليل وجاءت لحظة- كانت تنتظر- محملة باليأس, حد المخاض .... اخيرا وصلت دعوتك الي!!
هرعت- خلفي- انبش كوم السنين التي عبرتها بمشقة.. وتجاوزتني بتجاهل واستحضرت يوما غابرا- فيها - يوم غادرتنا .. وكنت فارس حلم جميل راودني ... سعيت كثيرا كي افوز بلحظة حالمة قربك, سدوا المنافذ اليك بكل متاريس العيب والممنوع والحرام.... وتشهد علي الدربونة وشناشيلها وضجيجها وعيون اطفالها , كم ظهيرة تحديت سمومها لأخطر قريبا من حلقة وصلك.. وكم مناسبة افتعلت اسبابها لأطرق باب لامبالاتك... وكم اشارة بعثت رموزها على ايقاع خطوك فما استوعبها حلمك بل بدد جدواها ريح تجاهلك... وبقيت - بعدك - خمسة وعشرين عاما بين واقع جامح يسحق وطموح محاصر يرهق, اكبت واصبر .. اكتم واكابر وظل ما ينقصني يحاصرني ويلح علي.
* * *
اعادني الهواء البحري الى آنية لحظتي المضطربة ابحث عن تفاصيل مشجعة في وجهك الذي تركت ملامحه - بيننا - تثبت بصمت وتتعتق بهدوء... انشغلت باسئلة رافقتني طويلا والفتها كثيرا وهيأت لها اجوبة جديرة بارضائي.... اما زال وجهك بدائيا شامخا ؟... اما زالت ضحكتك طفولية وحضورك رجوليا طاغيا ؟ ... اما زالت نظرتك لي لا تتجاوز كوني طفلة تبحث عن حنان اب مفقود وحرية لا حدود لها ؟ اما زلت انت , ذاك انت الذي نعرفه.. بهيا كالشروق رقيقا كالنسيم نقيا كالضباب؟
تحركت بخطوات منكوكية بين ترقب يضغط وقلق يهصر واسئلة توخز... ترى هل سيعرفني وبيننا اكثر من عشرين دهرا متخندقا ؟ كيف سيستدل على اثر مهمل اخرج - مفتتا - من متحف قديم منسي؟ من يضمن ان صورة تلك الصبية - الورشة - المحترقة بحر الصيف ونار المراهقة, قد علقت في ذهنه وان جريان جدائلها مازال منهمرا في باله ؟ هل الوّح بمنديل طفولتي ليعرف ؟ ام اضئ شرارة عيني ليحس ؟ ام اداعب غيمة بسمتي لينتبه؟ ... جلست متحفزة وهّدأ من روعي اني اعرفه اكثر مما يظن ويتخيل.. فكل محتويات ذاكرتي تلال متلتلة لصور طفولية راسخة ولقاءات عفوية خاطفة, نظرات ناطقة نافذة وحسرات مكبوتة حارقة... كلمات محجبة وصمت سافر, مشاعر كامنة وامان متراكمة.. استلّني بطلها من شرنقة عنوستي بعد ربع قرن متورم بالنكبات مدجج بالازمات والاحباطات.. ربع قرن قذفني خارج اسواره - صفر اليدين- انتظر في محطة بحرية , غائمة , لقائه الموعود منذ عصور!
قاومت احتدام مشاعري , بكبتها عنوة , كي لا انفجر امامه فتتبعثر ارادتي ويتصدع تماسكي..... ايقظني وقع خطاه دارجة الي.. دخلت عالمه المبهم حين اطل عليّ وجهه , غامضا , مؤطرا بنهار رائح ومساء سارح ... هببت ذاهلة وكل شئ قد اختفى, لا ناس حولي لا بواخر لا بحر... ذهولي ووجهه المعتم فقط !
اعترتني سذاجتي الاولى فاستغربت ذبول ملامحه وانحناءة ظهره وانطفاء حضوره .. ولدغتني - فجأة - حقيقة تجاهلتها دائما... انه يكبرني بعشرين عاما!
استقبلني متصابيا بأصرار:
- ما زلت فتيا .. اين صباك؟
هوت مطرقة سماجته ثقيلة على قلبي... تمتمت بخاطر مكسور:
- ربع قرن هائل داس هامتي واطفأ جذوة صباي.. وتلك الرحلة التي قطعتها - اليك - مهلكة لحد الرعب - واستدركت - ولكن اروع ما فيها انها تنتهي عندك.
ويتمادى في برودته وقسوته:
- اروع ما فيها ما تحملين من نقود!
نزلت مطرقته الكافرة ثانية على هشيم قلبي فمحقت بقاياه وفاضت مرارة , غير معهودة , بين خلجان روحي وتنبهت لأول مرة اني ادوس على ارض غريبة واتنفس هواءا هجينيا...
- امن اجل النقود دعوتني؟
- ... و ... لأنك عراقية! ... صبورة! ستحتملينني !!
آ... بعد ربع قرن من الاغتراب والانقطاع... تذكرت الصبورة !!
ويستفزني مكر ابتسامته...
- ربع قرن ملئ بالمزايدات والاجتهادات, صاخب بالمغامرات والنزوات, تائه بين السفرات والاقامات, محشو بالشقراوات والسوداوات... تتجاذبك الصداقات القديمة والطارئة وتوقفك الزيجات المؤقتة والدائمة.... ربع قرن عشته طولا وعرضا , شرقا وغربا, وما ان داهمك الزمن وصرعك الوهن وتخلت عنك بطلات الحكايات وطوقتك الوحدة, تذكرت العراقية !!.. ومن غيرها تعبث بمشاعره ويسامح , تدوس احلامه ويصبر , تعصر قلبه ويتحمل؟!! ... لماذا فكرت- اخيرا- بالعراقية ؟!
- امرأة مطيعة... تخدم رجلها!
- امن اجل خدمة مجانية وتمريض بلا مقابل استوردتني؟
ضحك - بلا مبالاة الفاحش- فتساقط على ايقاع قهقهته بنيان صرحه في داخلي... قطعة بعد اخرى.. وهبط بيننا اول جدار فاصل! ... وبدأ عتابي هجوما تصاعديا :
- استوردتني لتكتمل راحتك بتعبي وتستقر ايامك بجهودي , وتغتني حياتك بوجودي .. لقد تغيرت - وهو امر حتمي- ولكن من شوه روحك المقمرة وحول انسياب مجراها الى هذا الاتجاه العكر؟ .. لعلمي لم تكن محتاجا او متورطا.. ولست قليل النضج والخبرة.. ماذا حل بك اذن؟! لا ادري لم احاول - جاهدة - ايجاد تبرير لأنقاذه من حكم - سأصدره عليه - ما تمنيته خاتمة لعنفوانه .. ولا نهاية لطول صبري وانتظاري..
واستمر طوفاني :
- دعوتني اليك متيقنا ان امرأة مثلي - نتاج قمع مزمن- محاصرة بالخوف والعوز.. مهددة بالافول والنسيان ستبصم لك بأصابعها العشرة... لكنك تخطأ - وبفداحة - اذ تظن ان موافقتي جاءت هروبا من خطر داهم... او تنصلا من مسؤولية واقعة , او استسلاما لقسمة او نصيب ما آمنت بهما بتاتا ! ... لبيت دعوتك لأني- ولطيبتي وثقتي بك - اعتقدتها رسالة حب قديمة, اضاعها - وقتئذ - ساعي بريد مهموم , فوصلتني متأخرة بعد ربع قرن من الزمان!! ... حملتني اعباء تلك الرحلة ودفعتني ثمنها ندما , على كل لحظة تمنيتك فيها , وحزنا على عمر اوقفته عليك , وخذلانا يؤكد مسيرته برفقتي... ربع قرن هي المسافة بين حلمي المتأصل وواقعك الجديد.
هممت ان اهرب الى البحر الذي اوصلني اليه... استوقفتني يده , التي وجدتها ناعمة اكثر مما يجب. انسحبت مهزومة , اتحسس دربا ما سلكته في كابوس او يقظة...
- البحر امامي وانت ورائي ولا ادري اي اتجاه اسلك... فكلاكما انتحار!!
وصرخت معلنة استمرار يأسي:
- وا اسفاه .. منذ البدء كان الخطأ قائما... ظننتك حليما فبعثت اليك اشارتي!
* * *
لقطة عامة :
حقيبتي الباهتة ترتفع - بانكسارومرارة - الى سطح سفينة ستهيم - بي- على البحر المتلاطم - امامي- بجنون!!



#حميدة_العربي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ايها المثقفون الاعزاء .... اين نصفكم الثاني ؟
- المحارة ... قصة قصيرة


المزيد.....




- وفاة الفنان المصري المعروف صلاح السعدني عن عمر ناهز 81 عاما ...
- تعدد الروايات حول ما حدث في أصفهان
- انطلاق الدورة الـ38 لمعرض تونس الدولي للكتاب
- الثقافة الفلسطينية: 32 مؤسسة ثقافية تضررت جزئيا أو كليا في ح ...
- في وداع صلاح السعدني.. فنانون ينعون عمدة الدراما المصرية
- وفاة -عمدة الدراما المصرية- الممثل صلاح السعدني عن عمر ناهز ...
- موسكو.. افتتاح معرض عن العملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا
- فنان مصري يكشف سبب وفاة صلاح السعدني ولحظاته الأخيرة
- بنتُ السراب
- مصر.. دفن صلاح السعدني بجانب فنان مشهور عاهده بالبقاء في جوا ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حميدة العربي - عراقية