أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - شذى الشبيبي - ذاكرة امرأة عراقية..روح الفكاهه التي تمتلكها الغت البهجة من حياتها بعد ان زجت بسببها في المعتقل















المزيد.....

ذاكرة امرأة عراقية..روح الفكاهه التي تمتلكها الغت البهجة من حياتها بعد ان زجت بسببها في المعتقل


شذى الشبيبي

الحوار المتمدن-العدد: 2330 - 2008 / 7 / 2 - 10:36
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


السيده (أ. ل)، التقيتها في الفترة الاخيرة وبعد سنوات طويلة من الفراق.. تعود معرفتي بها الى ايام الدراسة المتوسطة.. حينذاك كانت تملؤه الفكاهة والطيبة والنقاء الطفولي مايكفي لتشيع في الصف روح المرح والفرح بين زميلاتها ومدرساتها.. ماكان يبدو عليها انها مع اي حزب معارض ولكنها لم تكن تحب (البعث) بل انها تمقته، ومع ذلك كانت لها طريقتها الخاصة بالتعبير عن مقتها واشمئزازها، حيث كانت تشتم (الحزب القائد) والمنتميات له في وجوههن بذكاء وخفة دم تدفعهن للضحك..
وكم مرة ومرة استدرجت (أ. ل) طالبات الاتحاد الوطني للضحك على انفسهن وعلى الشعارات الوطواطية، ثم تعود فتسخر وتستصغر الحزب العملاق بطريقة (كوميديه) امام المدرسات فتمتعض واحدة وتستلطفها اخرى بضحكة صامتة..

ولاانسى يوما اجبرتنا المديرة على الخروج في مسيرة (تأييد) بمناسبة (الصلح) الذي جرى بين حكومة الشاه وحكومة احمد حسن البكر.. في ذلك اليوم لم تكن تنفع الحجج فقررنا ان ننضم اليهم وفي بداية الطريق ننسحب بهدوء الى بيوتنا.. ولكن (أ. ل) بابتسامتها التي لاتفارق وجهها وبهدوء تام قالت للمديرة: (ست احنا منطلع مسيره.. احنا زغار.. احنا علمونا منشارك الكبار بسوالفهم.
بهذه الطريقة وبين الجد والهزل كانت (أ. ل) تنتشلنا نحن زميلاتها المعارضات من مأزق المشاركة في نشاطات (الاتحاد الوطني)..
لم افكر يوما ولا لحظة واحدة ان زميلتي (الكوميديان) سيقودها ذكاؤها الساخر الى انياب السلطة المفترسة حتى التقيتها مؤخرا وعن طريق الصدفة، فقد افترقنا بالمرحلة الجامعية واصبحت لقاءاتنا مختصرة على المناسبات المتباعدة، وفوجئت حين علمت انها تعرضت للاعتقال في نهاية المرحلة الجامعية.
تقول (أ. ل) ام دنيا: سخريتي وحبي للفكاهة (السياسية) كانت سببا لاعتقالي.. وفي المعتقل اكتشفت انهم كانوا ينظرون لي على انني شخصية معارضة و (قائد سياسي) وعلى مستوى ! ففي الكلية استمررت على طريقتي الفكاهية وكنت دائما اسخر من سلوكيات (الاقزام) الاتحاديين.. في ذلك الوقت صارت لي علاقة صداقه وثيقه باحدى الطالبات العربيات، فكنا نقضي معظم وقتنا معاً في الكلية وفي (القسم الداخلي) حيث اقامتنا معاً.. وكنت لااتورع عن التحدث امامها عن الحزب والاتحاد والشخصيات الهزيلة التي تشرف على القيادة وانا مطمئنة وفي بداية الثمانينيات حيث كنت في المرحلة الرابعة تم اعتقال شقيقي الاكبر والذي كان منتميا لحزب معارض ومن ثم (اعدم) وتم ابلاغ عائلتي بذلك مع المداهمات والتهديد باتخاذ نفس الاجراء مع بقية افراد العائلة بما فيهم الوالدة.. وفي ايام العزاء دوهم البيت وسأل مسؤول المفرزة الامنية عن اسمي بالتحديد فتقدمت وقلت له: انا فقال: أنت مطلوبة للتحقيق ببلاغ من بغداد.. فرافقتهم ولا ادري السبب، حينها كنت اجهل حتى مباديء العمل السياسي ولااحبه ولم اكن اعرف تفاصيل كثيرة.. ولكن على مدى اكثر من سنة ونصف من التحقيق والتعذيب عرفت الكثير وتعلمت اكثر.. تعلمت ان ارسم خطوطا حمر للضحك، وان اضع حدودا للفكاهة البريئة.. في المعتقل اكتشفت ان صديقتي (العربية) التي تعاملت معها بأخوة صافية ونقية لم تكن إلا (مخبرا) سريا ترفع التقارير وتبلغ عني كل كلمة او نكنه او حركة اقوم بها، وانها كانت السبب المباشر في اعتقالي..
كان لهذه النكبات تأثيرها الاقوى والاول على الوالدة خاصة بعد اعتقال شقيقي الاخر واختفاء زوجة اخي الاكبر الذي اعدم، والمداهمات اليومية للبيت الذي اصبح شبه مهجور او مهجورا فعلا في زمن سيطر الخوف على الالسن والعقول واصبح الموت وحده سيد اللغات، ومن ذا الذي لايخاف على نفسه واولاده وعرضه ليدنو من بيت (مشبوه) بنظر السلطة الفاشية !!
في السجن (والحديث ما زال لأم دنيا) قابلت نساء كثيرات وفتيات اصغر مني سنا معظمهن لا تعرف للسياسة طريقا ولم تعمل بها وقد اعتقلت كرهينة او نكاية باخيها او ابيها او زوجها.. هناك طبعا كان الجميع سواسية في التعامل من ناحية الاهانات والكلمات النابية والضرب والتعذيب والاعتداء الجنسي...
اطلقت (أ. ل) حسرة و أه طويلة ونفسها تلوم نفسها لانها سعت للاتصال بي عن طريق احد اقاربها لمجرد الاشتياق.. ولم تفكر بأني ساقتنص ذكرياتها المؤلمة والتي جاهدت من اجل تناسيها وهي تنظر بوجه حفيدها الاول الرضيع وهو راقد بسكون مطلق في حجرها... كانت عيونها الضاحكة ترجوني بلطف ان اكف عن هذا الموضوع، ووعدتها انني لن انشر التفاصيل ولكن فقط اريد ان افهم واعرف اكثر فقد تعود قلمي ان ينغمس بالوجع كي يهرول على الورق ويرسم نون النسوة كإناء مليء بألوان واشكال الاوجاع.. بعد عام ونصف خرجت (أ. ل) من السجن وهي شخصية اخرى غير تلك التي كانت لاتعرف غير اللهو والمرح.. كانت ملهوفة لرؤية وجه امها ومشتاقة لحضنها..ومسرورة برغم كل ماحدث لان عودتها والافراج عنها سيكون سببا لفرح الوالدة بطريقة واخرى.. ولكن لم يتحقق شيئا من ذلك فقد كان بيت العائلة فارغا وبابه مغلقا... عرفت فيما بعد ان والدتها هاجرت الى احدى الدول المجاورة بعد ان اوقعها المرض والحزن واليأس من رؤية ابنائها وتشتت عائلتها.. وبقيت محدثتي في بيت اقاربها لتقيم عندهم تحاصرها احاسيسها المفزعة عن حياتها ووجودها بلا اسرة (كضيف مشبوه) قد يجر اللعنة والويلات على من يقيم لديهم..
تقول (أ. ل) ام دنيا بقيت فترة طويلة وانا اعيش في جحيم الافكار والوساوس، كنت ادعو واتوسل بالله ان يبعد المشاكل والبلاء عن من اعيش معهم واقيم لديهم كي لااعتبر نفسي ويعتبرني الآخرون انني سبب لذلك... حتى تقدم لي شاب سبق ان تقدم للزواج مني ايام الجامعة ولكني رفضت حينها لاكمال دراستي ولم اكن افكر بالزواج في ذلك الوقت.. احترمت موقفه واعتبرت مجرد تقدمه للزواج بل مجرد تفكيره بذلك شجاعة وشهامة، وكلنا نعرف بأن الاقتران بفتاة قضت فترة طويلة في اقبية الامن العامة والسجون يعني مأزقاً مع الحكومة والمجتمع بكامله... تزوجت وكان لي (ابو دنيا) نعم الاب والاخ والصديق والزوج واصبح لي بيت واولاد وعشت حياتي بهدوء.. ساعدني (ابو دنيا) وبفضله طويت صفحة تحمل اقسى الذكريات في حياتي، وانشغلت باسرتي الصغيرة الجميلة وتربية ابنائي حتى كبروا، والآن وبعد سقوط النظام عادت والدتي والتقيت باخوتي واخواتي بعد طول فراق لتمتزج ذكريات الجميع مابين منفى وموت وسجون وتعذيب لتكون غصنا في الشجرة العملاقة التي رواها العراقيون بدمائهم وصبرهم وايمانهم بأنه مهما طال الزمن فلن يصح الا الصحيح..
وقبل ان افارق صديقتي ومحدثتي (ام دنيا) همست لي مازحة بانها تذكرتني في التحقيق وهي في اقبية الامن العامة وكانت تسأل نفسها: اذا كنت انا التي لاافهم بالسياسة حدث معي هذا فما الذي جرى لك وانت انت بتألقك ونشاطك ولسانك الطويل، وكان مجرد السؤال عن امثالك يعني لعنة وتهمة والف بلاء...



#شذى_الشبيبي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ذاكرة امرأة عراقية....أم وسن خدعت مفرزة الأمن وأنقذت مناضلا
- اتهموها بالجنون كي لاتروي وحشية المعتقلات وبشاعة الاعتقال
- ذاكرة امرأة عراقية.....من رماد الموت صنعت حياة جديدة
- ذاكرة امرأة عراقية..... سنوات الرعب بين ديالى وكربلاء
- ذاكرة امرأة عراقية-أعدموا خطيبها واغتصبوها ثم اتهموها بالجنو ...
- ذاكرة امرأة عراقية / أم جليل ومحنة السؤال
- ذاكرة امرأة عراقية


المزيد.....




- السعودي المسجون بأمريكا حميدان التركي أمام المحكمة مجددا.. و ...
- وزير الخارجية الأمريكي يأمل في إحراز تقدم مع الصين وبكين تكش ...
- مباشر: ماكرون يهدد بعقوبات ضد المستوطنين -المذنبين بارتكاب ع ...
- أمريكا تعلن البدء في بناء رصيف بحري مؤقت قبالة ساحل غزة لإيص ...
- غضب في لبنان بعد تعرض محامية للضرب والسحل أمام المحكمة (فيدي ...
- آخر تطورات العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا /26.04.2024/ ...
- البنتاغون يؤكد بناء رصيف بحري جنوب قطاع غزة وحماس تتعهد بمق ...
- لماذا غيّر رئيس مجلس النواب الأمريكي موقفه بخصوص أوكرانيا؟
- شاهد.. الشرطة الأوروبية تداهم أكبر ورشة لتصنيع العملات المزي ...
- -البول يساوي وزنه ذهبا-.. فكرة غريبة لزراعة الخضروات!


المزيد.....

- في يوم العمَّال العالمي! / ادم عربي
- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - شذى الشبيبي - ذاكرة امرأة عراقية..روح الفكاهه التي تمتلكها الغت البهجة من حياتها بعد ان زجت بسببها في المعتقل