أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - سيرة ذاتية - شذى الشبيبي - ذاكرة امرأة عراقية..... سنوات الرعب بين ديالى وكربلاء














المزيد.....

ذاكرة امرأة عراقية..... سنوات الرعب بين ديالى وكربلاء


شذى الشبيبي

الحوار المتمدن-العدد: 2323 - 2008 / 6 / 25 - 10:36
المحور: سيرة ذاتية
    


المعنى هو ان تكون، ولكي تكون لابد لك من عناء كبير يمنح للتجربة معناها الاكبر.. ان تكون يعني ان تعيش بإمتلاء مع ما تحمل من افكار تليق بإنسانيتك على الارض... ان تتحول الى معنى تسترجعه الاجيال اللاحقة ليمنح تجاربها الايقاع الأعمق... ان تكون يعني ان تتوحد مع افكارك وان تحول أفكارك الى سلوك يومي، فالقمم العالية تحتاج دائما الى إرادات صلبة..
تمتد ذاكرة السيدة (ام علاء) مابين ديالى وكربلاء.. فقد كان قدرها ان تقترن بشاعر واديب معروف، وبسبب أفكاره السياسية كان من (المغضوب عليهم) من قبل جهاز الامن في ديالى ولذا كانت مفارز الامن الضيف الثقيل على بيتهم باستمرار، مما اضطره ان يعيش فترة طويلة متخفيا عن الأنظار خاصة بعد ان أعدم وأستشهد معظم رفاقه..

تقول محدثتي: في بداية السبعينات اعيد زوجي الى الوظيفة حيث كان (مفصولا سياسيا) ولكن ليس في ديالى بل في كربلاء.. كان علي ان اصبر واتماسك لأكون جديرة بذلك الشاعر والمناضل.. وبعد سنتين من الشتات والمعاناة، قررنا ان نجعل محل إقامتنا كربلاء كي نختصر مصاريف السكن والمعيشة والتنقل وقبل ذلك كله كي نلم شملنا واكون بجانبه، ولكن سرعان ماكان عام 1979، فحدث ماحدث (للجبهة الوطنية)، وبدأت المضايقات والمداهمات والإعتقالات ونحسب الف حساب لدخول الليل.. وكل يوم يمر علي كنت اشكر الله لأنه لازال حيا، خاصة حينما وردتنا اخبار مدينتنا العزيزة (ديالى) وماحل بأصدقائنا الوطنيين والذين استشهد معظمهم وقضوا بالتعذيب ولازلت اذكر اسماءهم، فأعود واحمد الله بأن وجودنا في كربلاء قد خدمنا بعض الشيء...
حينذاك كان السياف يبحث عن رقاب الوطنيين والاحرار، ولم تعد المعيشة والمال هم هؤلاء الناس.. وهكذا كان حال أسرة شاعرنا، فقد ترك الوظيفة، واصبح يتخفى عن عيون السياف في مدينة ليس له فيها أهل ولا أقرباء.. وبما ان الوطنية كانت شعاره الاوحد، لذا كان عليه ان يحمي افكاره واسمه من ذلك السرطان وان يوفر لقمة العيش الزهيد بشرف ونزاهة..
تقول (ام علاء) : عرفت زوجي عنيدا ملتزما بمبدئه ولن يتراجع عن الحق مهما كان الثمن، ولذا اتفقنا على عدم حاجتنا لمعظم اثاث البيت، وبدأنا ببيعه قطعة بعد قطعة.. حتى لم يبق إلا الاشياء الضرورية والمكتبة الفخمة التي كانت تضم كتبا ثرية ومهمة وكان يعتز بها كثيرا.. وكان لابد له ان يعمل ليعيل اولادنا، فعمل (سائق) تكسي (نفرات) لمدة سنتين وبعدها سائق (نقل عمومي)، طبعا خلال تلك الفترة كان على إتصال بالتنظيم ويعمل بشكل سري وقد كان يفد علينا بين الحين والآخر بعض الاصدقاء للتخفي في بيتنا وكان علينا إحتضانهم على أحسن مايجب.. كنا نقتسم الرغيف والهم كما علمتنا مبادؤنا.
بعد ذلك ترك (التكسي) وعمل في بيع الحلويات التي يتم عمل معظمها في البيت لسد رمق العائلة.. كنت أرى زوجي الشاعر المرهف يكد ويكدح بطيب خاطر وبدون تذمر ولم يترك باباً شريفا للرزق إلا وطرقه كي لا يحني رأسه.. في معرض حديثي مع (ام علاء) عن تلك السنوات الصعبة سألتها : كيف لم يفكروا بالسفر الى خارج الوطن ؟ فأجابت : لقد بلغ زوجي فعلا بالسفر.. ولكني كنت اخشى سماع هذه الكلمة وأمر السفر كان يثير الفزع في روحي.. بينما رفض هو السفر لوحده وانا كنت مصرة على عدم مغادرة العراق، ولذا فقد وجد من الصعوبة والانانية تركنا لوحدنا انا وابنائي في تلك الظروف.. لابل كان يرى ذلك تصرفا بعيدا عن الرجولة والمبدأ الذي يحمله.. وفضل ضنك العيش والمخاطر على الفرار بنفسه..
تذكرت (ام علاء) كيف نزل بضيافتهم احد اصدقائهم المقربين من ديالى مع زوجته واطفاله لقضاء سبعة اشهر متخفيا في منزلهم قبل ان يغادر الى خارج الوطن.
كانت سنوات مليئة بالرعب والقسوة، فلن تنسى محدثتي اللوعة التي كانت تنطق بعيون زوجها حين جمع كتبه وقرر بيعها رغم اعتزازه بها ولكنها ليست اعز من الكرامة...
روت لي محدثتي الفاضلة عن احد المواقف المحرجة التي صادفت زوجها، حين قدم شقيقه الى كربلاء والتقاه في المقهى، وكان عليه ان يصطحبه الى البيت ولكن المأزق، هو انه لم يكن يملك سوى (25) دينارا وهي اجرة نقل (نفر واحد)، وبعد حيرة وحرج وتفكير، أستأذن من شقيقه وذهب الى المكان الذي وضع فيه كتبه ليبيع مجموعة منها في حينها بألف دينار كي تسعفه في النقل وواجب الضيافة...
ذاكرة حافلة بما لاينسى.. وكيف لها ان تنسى مثلا جلوس زوجها على الرصيف لأكثر من تسع سنوات وهو بيع الكتب، كانت تشعر بالعذاب الذي يقاسيه وهو الشاعر والأديب العاشق للكتاب وكأنه يبيع ابناءه... وكم تعرض لمواقف صعبة وابتزاز من مرضى النفوس لكنه بإرادة صلبة آثر الحياة الشريفة على كل شيء..
تمنيت ان اوغل اكثر في ذاكرة (ام علاء) ولكن وضعها الصحي لايسمح بالانفعال لأنها تعاني من (ذبحة بالقلب) اصيبت بها مؤخرا بسبب متاعب الحياة.. فهي قبل سقوط صدام عادت الى مدينتها التي تشبثت بها (ديالى) ولكن الاوضاع الامنية هناك اضطرتها للهجرة ثانية الى كربلاء لتحكم على نفسها بالاغتراب عن ارضها الحبيبة..
ورغم الرعاية التي يوفرها لها زوجها وعائلتها المكونة من ابنتها وابنها واحفادها إلا انها كالزهرة التي اقتلعت من ارضها يبقى الحنين يشدها الى ديالى..
تراودها امنية اصبحت شبه مستحيلة وهي ان تشم نسيم مدينة البرتقال، فهو الشفاء الوحيد لقلبها المتعب وهي ترى زوجها في هذا السن لازال يكابد متاعب الحياة الحاضرة من اجل ابنائه للحفاظ على ماء الوجه والكرامة الانسانية.



#شذى_الشبيبي (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ذاكرة امرأة عراقية-أعدموا خطيبها واغتصبوها ثم اتهموها بالجنو ...
- ذاكرة امرأة عراقية / أم جليل ومحنة السؤال
- ذاكرة امرأة عراقية


المزيد.....




- البرتغال تخطط لطرد نحو 18 ألف مهاجر غير شرعي من البلاد
- -التحالف الدولي- يجري تدريبات ومناورات في محيط أكبر قواعده ب ...
- استطلاع: ثلثا الألمان يعتبرون حزب -البديل من أجل ألمانيا- مت ...
- الاحتلال يعتدي على فلسطينيات بأريحا والمستوطنون يصعّدون عدوا ...
- قطر ترفض تصريحات -تحريضية- لمكتب نتنياهو حول دورها في الوساط ...
- موقع عبري يكذّب رواية مكتب نتنياهو بخصوص إلغاء الزيارة إلى أ ...
- فرقة -زيفربلات- الأوكرانية تغادر إلى سويسرا لتمثيل بلادها في ...
- -كيماوي وتشوه أجنة-.. اتهام فلسطيني لإسرائيل بتكرار ممارسات ...
- قطر ترد بقوة على نتنياهو بعد هجومه العنيف والمفاجىء على حكوم ...
- موسكو تؤكد.. زيلينسكي إرهابي دولي


المزيد.....

- سيرة القيد والقلم / نبهان خريشة
- سيرة الضوء... صفحات من حياة الشيخ خطاب صالح الضامن / خطاب عمران الضامن
- على أطلال جيلنا - وأيام كانت معهم / سعيد العليمى
- الجاسوسية بنكهة مغربية / جدو جبريل
- رواية سيدي قنصل بابل / نبيل نوري لگزار موحان
- الناس في صعيد مصر: ذكريات الطفولة / أيمن زهري
- يوميات الحرب والحب والخوف / حسين علي الحمداني
- ادمان السياسة - سيرة من القومية للماركسية للديمقراطية / جورج كتن
- بصراحة.. لا غير.. / وديع العبيدي
- تروبادورالثورة الدائمة بشير السباعى - تشماويون وتروتسكيون / سعيد العليمى


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - سيرة ذاتية - شذى الشبيبي - ذاكرة امرأة عراقية..... سنوات الرعب بين ديالى وكربلاء