أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - السياسة والعلاقات الدولية - عزو محمد عبد القادر ناجي - وثائق في تاريخ سوريا















المزيد.....



وثائق في تاريخ سوريا


عزو محمد عبد القادر ناجي

الحوار المتمدن-العدد: 2329 - 2008 / 7 / 1 - 10:18
المحور: السياسة والعلاقات الدولية
    


بيان حكومة خالد العظم عام 1962 ()
فقرات من بيان حكومة خالد العظم– وقد كسبت ثقة البرلمان والرئيس- والذي كان قيد التطبيق قبل انقلاب زياد الحريري في 8 مارس 1963:
" إن اهتمامنا الأول منصب على ترسيخ دعائم الاستقرار في الوطن، وضمانة الحريات العامة للمواطنين، وليس للحريات عندنا من حدود سوى ما تفرضه مصلحة الوطن العليا، وفقاً لأحكام القانون، إننا نعمل دائماً لتوطيد الاستقرار على دعائم من الحرية، ونريد أن نستزيد من الحرية البناءة، لنزيد في تدعيم الاستقرار، لذلك فإن حكومتكم القومية، مازالت عند العهد الذي قطعته لكم، بأنها ماضية في إعداد التشريع الذي تقتضيه المصلحة العامة لإلغاء حالة الطوارئ، في الموعد المضروب، لتنتقل بعد ذلك إلى إعداد التشريعات اللازمة للسماح بتأليف الأحزاب السياسية، ووضع قانون الانتخابات العامة، كمقدمة لإجراء الانتخابات الحرة النزيهة في شهر تموز (يونيو) إن شاء الله.
ورغم أن حالة الطوارئ * من الناحية النظرية والقانونية مازالت قائمة في البلاد لأيام محدودة أخرى، فإن كل مواطن منصف يقر أن الحريات العامة التي يتمتع بها شعبنا أفضل من الحريات العامة المتوفرة لأي شعب آخر في الشرق الأوسط كله، ومثل هذه الحقيقة الحية لا يمكن أن ينكرها أو يشك بها إلا مكابر أو مغرض .......
عودة الآن –أيها الأخوات والأخوان- إلى نقطة اهتمامنا الثالثة، نقطة السعي المخلص لحكومتكم القومية، لكي ترفع سورية العربية راية نظامها الجديد عالياً، نظام التلازم بين الديمقراطية السياسية والديمقراطية الاجتماعية في ظل الدستور والحرية والعدالة، فقد انتهت التجارب الطويلة التي مرت بها سورية، وكان بعضها شديد القسوة، إلى اقتناع أبنائها أن كل قتل للحريات السياسية على حساب إنجاز الإصلاحات الاجتماعية أولاً، إنما هو قتل الإنسانية الإنسان، والإنسان أعز ما في هذا الوجود، كما اقتنعت أكثرية أبنائها في الوقت نفسه أنه ليس من حرية صحيحة، لأصحاب البطون الجائعة والعقول الجاهلة، والأجسام المريضة.
ولهذا فإن سوريا العربية اليوم، ترفع الراية الثالثة في الوطن العربي، راية التلازم الذي لا انفصام له بين الديمقراطية السياسية والديمقراطية الاجتماعية، وتنادي أن الإنسان العربي بحاجة إلى الحرية، , وإلى الحافز الخبرة وإلى الكرامة معاً، وإن كل تضييق لهذه الحاجات المتلازمة الثلاث أو تفريق بينها، إنما هو قتل عمد لها جميعاً، بل قتل الإنسانية الإنسان، ومن هنا تجدون أنني وزملائي السادة الوزراء، في حكومتكم القومية، قد جهدنا لإشباع جو وطننا جميعاً، فبقدر حرصنا على إشاعة الاستقرار، والثقة، وإطلاق حرية تشكيل الأحزاب السياسية، والإعداد لانتخابات نيابية حرة، وتنفيذ مشاريع الوطن الائتمانية، لتزيد في ثورتها القومية، حرصنا على صحة تنفيذ قانون الإصلاح الزراعي، وأسرعنا في تمليك الأراضي للفلاحين، وأعددنا ما يلزم للتعويض على من شملهم قانون تحديد الملكية الزراعية، وحافظنا على مكتسبات العمال، وسعينا لتصريف أمور الدولة على وجه الحق، ضمن حدود القوانين والأنظمة.
إننا في هذه الأيام، نشهد تمخضاً لإقامة أحزاب سياسية جديدة، وقيام الأحزاب السياسية أمر طبيعي في بلد ينشد الديمقراطية والتمكين لها، لأنه لا حياة ديمقراطية عملياً، من غير قيام أحزاب سياسية،....
المهم أن يعرف كل حزب سياسي، أن ما من حزب واحد في هذه المرحلة التي يعيشها الوطن له الأكثرية المطلقة، وبالتالي ما من حزب يستطيع أن يستلم مسؤولية الحكم لوحده، ومادامت هذه إرادة الشعب، فمعنى ذلك أن الشعب يريد الأحزاب بدورها أن تتعايش وتتعاون، ...
إن طبيعة بلادنا لا تسمح بعد لأي حزب سياسي أن تكون له صفة الأغلبية المطلقة في هذه المرحلة، لينفرد بالحكم لوحدة، وكل محاولة للاصطناع لا تعكس واقع الشعب وإرادته، لن تكون نتائجها خيرة لأعلى الذين يصطنعوها، ولا على النظام الديمقراطي، ولا على الوطن.
وأرى أن الحكم القومي المستند إلى ميثاق وطني، يجب أن يدوم حتى تحقيق هذا الميثاق، وعندها يكون الوطن قد نعم خلال فترة معقولة، بحكم مستقر، يشترك فيه جميع العناصر السياسية الحزبية، كما الحكم مستنداً إلى تنفيذ منهاج معين في فترة محدودة ومعينة، فإذا ما انتهى المنهاج، كان للأحزاب السياسية، إما أن تتفق على منهاج آخر وتبقى معاً في حكم قومي، ريثما يتم تحقيق المنهاج الوطني الثاني أو ينسجم بعضها في تشكيل حكم ائتلافي، لتنفيذ منهاج جديد واضح، في حين تمارس الأحزاب الأخرى، التي ليس لها الأكثرية، في المجلس مهمة المراقبة، والمعارضة، البناءة، وفق الأنظمة الديمقراطية الدستورية، .......
وعندما نستطيع أن ننهي بعض تشريعاتنا الأساسية، وندفع إلى الأمام مشاريعنا الائتمانية، وتجري الانتخابات النيابية الحرة، في موعدها المحدد، أن أتقدم عندها إلى مجلسنا النيابي الجديد، لأقدم كشف الحساب، وأنا واثق بأنني قد بلغت أقصى ما يتمناه رجل سياسي مثلي، من اختتام لعمله السياسي على وجه تطلع معه لإرضاء الإله الذي أعانه، وضميره الذي حركه، والشعب الذي أحبه ووثق به، وعندها أكون قد اكتسبت الفخر الذي سأبقى معتزاً به ما حييت، فخر كل من آمن بشعبه وعمل لوطنه، وأعطى لخير بلده كل ما أعانه الله عليه"
وثيقة تاريخية تبين شهادة أحد ضباط الجيش () ممن اشتركوا
في حرب يوليو 1967 على كيفية اجتماع إسرائيل للجولان
" بعد قبول وقف إطلاق النار، كلف مجلس الأمن الرقابة الدولية على خطوط الهدنة السابقة، بالإشراف على تنفيذ وقف إطلاق النار، والفصل بين الجيش السوري والإسرائيلي، فاتصلت بي هيئة الرقابة لمرافقتها، فذهبت بمفردي معهم إلى مدينة القنيطرة، فلم أر في طريقي من دمشق إلى القنيطرة، أي أثر للقوات السورية، ولم يكن الجيش الإسرائيلي قد تجاوز بعد في تقدمه هذه المدينة.
عندما وصلنا إلى مدينة القنيطرة، طلب ضباط هيئة الرقابة الاجتماع بالقائد المسؤول في الجيش الإسرائيلي، ليشترك في ترتيبات وقف إطلاق النار، فأجابهم الإسرائيليون، بأن القائد المسؤول، غير مستعد أن يجتمع بهم الآن، وعليهم أن يعودوا إليه بعد أربع ساعات، وقد أدرك ضباط هيئة الرقابة، أن امتناع القائد الإسرائيلي عن الاجتماع بهم، ما هو إلا لإعطاء الفرصة، للجيش الإسرائيلي كي يتقدم نحو دمشق، ويوسع رقعة اجتماعه للجولان، فقالوا للضباط.
كم كنا نتمنى أن نرى أي قوة سورية هنا، حتى ولو كانت من الشرطة، لنعتبر مكان وجودهم، الحد الذي يجب أن يقف عنده تقدم الجيش الإسرائيلي، وبالفعل فإن هيئة الرقابة، عندما عادت، وجدت أن الجيش الإسرائيلي قد تجاوز في تقدمه مدينة القنيطرة عدة كيلو مترات إلى ما بعد جسر الحميدية.
إن الجيش الإسرائيلي هو الذي حدد خطوط وقف إطلاق النار في الجولان"
وثيقة تاريخية تبين نص بيان الميثاق الوطني السياسي سوريا لمقاومة حكم الشيشكلي**
" إن العاملين في الحقل الوطني، حزبيين ومستقلين، قد حرصوا على تنبيه الفئة الحاكمة في سورية مراراً إلى مخاطر استهتارها بإرادة الشعب، فما اهتمت ولا ارعوت بل استرسلت في طغيانها ودعمت الحكم الفردي القائم بكل ما تملك من وسائل القوة والإكراه، وحاولت إضفاء مظاهر الشرعية عليه .... ومهدت لهذه الأوضاع بخرق المبادئ والأعراف الدستورية، واستباحت المحرمات، والاعتداء على الكرامات والتطاول على الفعاليات الفكرية والعلمية، واضطهاد رجال الأمة وأحرارها.
وعلى الرغم من إعراض الشعب عن الاشتراك في عملية اجتماع، يصر المسؤول عن هذا الوضع المضني في تنفيذ خططه وتدابيره، ويدعو إلى ما اسماه انتخابات نيابية لن تسفر، إذا تمت، إلا عن أشباه الموظفين لا حول لهم ولا طول، ولا يمثلون أحداً ولا يكترث بهم أحد، ويجرؤ الحكم القائم بعد كل ذلك على الزعم بأنه يعمل في ظل الحكم الديمقراطي، متجاهلاً أن حكمه قائم على إنكار سيادة الشعب وقدسية الحريات اللتين لا معنى للديمقراطية بدونهما.
إن العاملين في الحقل الوطن يرون أن الأوضاع القائمة بما يحاوله النظام من إخلاء البلاد من مراكز التوجيه القومي، وعناصر النضال، وتعرضه لما ينقص استقلالها وحريتها وسيادتها التي بذلت في سبيلها أكرم جهدها وأزكى دمها، ويستدرجها إلى حال من الضعف لا تستطيع معه القيام بواجبها نحو قضية فلسطين وقضايا العرب.
ولشعورهم بما تستوجبه هذه الفترة العصبية التي يتجاوزها الوطن من تضامن أبنائه لإنقاذ سمعته وكرامته واستعادة الحياة الحرة فيه وتجنيبه المخاطر والمغامرات الملازمة لكل حكم فردي، فقد جمعوا أمرهم في جبهة وطنية تمثل الشعب، وتعبر عن إرادة الأمة التي تريد أن تعيش حياة حرة كريمة مستقرة، لا يعكرها استبداد داخلي، ولا سلطان أجنبي ووقعوا هذا الميثاق متعاهدين على العمل بإخلاص وإيمان على تحقيق المبادئ التالية:
أولاً: شجب الحكم الفردي وعدم الاعتراف به، واعتبار ما يصدر عنه غير ملزم للبلاد.
ثانياً: إقامة أوضاع دستورية جمهورية نيابية ديمقراطية في البلاد تنبثق عن انتخابات صحيحة.
ثالثاً: إطلاق الحريات العامة وضمانها بحيث يشعر كل فرد من أبناء البلاد أنه في حمى القانون.
رابعاً: حماية الاستقلال والسيادة القومية من المؤامرات الداخلية والخارجية.
خامساً: الجيش ملك الأمة وواجبها تقويته وإعداده للقيام بمهمته المقدسة المنحصرة بالدفاع عن حدود الوطن وسلامته.
وفي سبيل الشروع في تحقيق مبادئ هذا الميثاق يعلن موقعوه أنهم يقاطعون انتخابات يوم 9 أكتوبر (تشرين الأول) 1953، وإن الموقعين رغبة منهم في تنظيم العمل القومي وتوجيه الشعب التوجيه الصحيح المستمر، وقد ألفوا لجنة مركزية للعمل على تحقيق بنود هذا الميثاق، وهم يرجون أن يكتب للشعب، بفضل اتحاده ونضاله المشروع، الخلاص من محنته وحريته وكرامته.
دمشق 16 سبتمبر (أيلول) 1953"
وقد تبع البيان نص التأييد للميثاق الوطني من قبل الرئيس هاشم الأتاسي () :
" إن رجال الوطنية وأصحاب الرأي في البلاد لم يدخروا جهداً في بيان الواقع، والكشف عن الحقيقة من شرع ولي الحكم الحاضر بإضفاء ثوب المشروعية على الأوضاع التي أقامها، فلقد توجهوا إلى المسؤول عن هذه الأوضاع في مذكرة، نشروها على الملأ ثم عقدوا مؤتمرهم في مدينة حمص في الرابع من تموز الماضي ونشروا بياناً أقره المؤتمرون وأبانوا فيه عن المخاوف والمحاذير التي تترتب على إنكار سيادة الشعب وإقامة الحكم الفردي في البلاد.
غير أن ما أجمع عليه أولوا الوطنية، وأصحاب الرأي والفكر من حزبيين ومستقلين، وما أرسلوه من بيانات ونداءات لم تؤثر، على ما يظهر التأثير الذي كان يرجوه المخلصون، فقد مضى المسؤول عن الحكم القائم بأعماله الرامية إلى إلباس الوضع الذي أقامه ثوب المشروعية، ودعى إلى انتخابات اسماها نيابية وعين موعدها، الأمر الذي لم يغير عند تمامه شيئاً من حقيقة الواقع وهو أن البلاد سوف تساس وتدار شؤونها بحكم فردي مطلق.
وعلى هذا فقد استجاب رجالات البلاد إلى نداء الواجب، وألفوا جبهة وطنية واحدة جامعة غايتها السعي لإقامة حكم جمهوري ديمقراطي صحيح، وينبثق عن انتخابات حرة، وإني وقد اضطلعت على الميثاق الذي وقعوه، وتعاهدوا فيه على العمل لأعلن ، تأييدي له تأييداً مطلقاً، لأن حكم الديمقراطية والشورى في ظل الحريات العامة هو الضامن الأول والأخير لسلامة البلاد، والكامل لحقوق الشعب في حياته السياسية، وفي أسباب معاشه"
حمص 17 أيلول (سبتمبر) 1953
هاشم الأتاسي

وثيقة تاريخية مقدمة من مؤسس حزب البعث العربي الاشتراكي ميشيل عفلق إلى الرئيس المشير حسني الزعيم ()
وهي نص رسالة الاستجداء التي أرسلها الأمين العام لحزب البعث العربي، بعد أن سجنه الرئيس حسني الزعيم في سجن المزة عام 1949:

" سيدي دولة الزعيم، إنني قانع كل القناعة، بأن هذا العهد الذي ترعونه، وتنشؤونه، يمثل أعظم الآمال وإمكانيات التقدم والمجد لبلادنا، فإذا شئتم فسنكون في عداد الجنود البنائين، وإذا رغبتم في أن نلزم حدود الصمت، فنحن مستعدون لذلك، أما أنا يا سيدي الزعيم فقد اخترت أن أنسحب نهائياً من كل عمل سياسي، بعد أن انتهيت بمناسبة سجني إلى أخطاء في أورثتني إياها سنوات طويلة من النضال القومي ضد الاستعمار والعهد السابق، وأعتقد أن مهمتي قد انتهت، وأن أسلوبي لم يعد يصلح لعهد جديد، وأن بلادي لن تجد من عملي السياسي أي نفع بعد اليوم.
سيدي دولة الزعيم، أنتم اليوم بمكان الأب لأبناء البلاد، ولا يمكن أن تحملوا حقداً لأبنائكم، ولقد كان لنا في هذه التجربة تنبيه كاف ومفيد، فاتركوا لنا المجال كي نصحح خطأنا ونقدم لكم البراهين على ولاؤنا"





المؤامرة الأمريكية الإسرائيلية *
لإقامة الدولة الدرزية بعد هزيمة 1967
وقد صرح حولها نقيب الصحافيين في لبنان رياض طه، بتصريح هذا نصه: ()
" ولسوف أعقد مؤتمراً صحفياً أذيع فيه أسرار أو وثائق عن محاولات إسرائيل لإنشاء دولة طائفية تضم جنوب لبنان وجزءاً من الشوف والبقاع الغربي مع الجولان المحتل، إن محامياً كبيراً قد دعي إلى روما لمقابلة رئيس الاستخبارات الإسرائيلية، وقد قابله بالفعل، وأطلع على ذلك المخطط الرهيب، فأطلع عليه بعض الجهات اللبنانية والسورية وتم إحباط المكيدة آنذاك.
بتاريخ 16/1/1967 اتصل كمال كنج هاتفياً من روما، بصديقه المحامي اللبناني الذي أشار إليه، رياض طه إلى منزله في ( عيحاراشيا) وطلب إليه أن يوافيه إلى روما لأمر هام جداً، أعتذر أبو الطيف لأنه كان قادماً حديثاً من أمريكا اللاتينية، حيث زار أخوته هناك، وإن الناس يأتون للسلام عليه، ووعده بالسفر بعد حوالي أسبوعين، أصر كنج على صديقه، بالسفر إلى روما، وقطع له تذكرة سفر ذهاب وإياب، إلى روما، وأبلغت إلى شركة الإيطاليا برقيا، وهذه إتصلت بأبي الطيف وأخبرته بالأمر، فعين أبو الطيف موعداً لسفره، بعد أن أطلع على بطاقة سفره من بيروت إلى روما والعكس.
استقبل الكنج صديقه أبا الطيف في مطار روما ثم انتقلا معاً إلى بانسيون (فرانشيستي) في شارع (فينيتو) قرب متحف (بوركيزي)، حيث حجزت غرفة لكمال أبي الطيف، بينما كان الكنج يمكث في فندق أقل شأناً من البنسيون، قال الكنج لأبي الطيف، بأن اليهود منذ احتلوا محافظة القنيطرة وهم يحاولون بشتى الوسائل التقرب من الدروز في الجولان، وخاصة مع بيت الكنج (أبو صالح)، في مجدل شمس، باعتباره البيت المتنفذ في المنطقة، وقد قام عدد من الضباط اليهود بزيارة كمال أبو صالح في منزله، وكذلك زاروا الشيخ سليمان الكنج ابن عمه.
وتردد الضباط اليهود على مجدل شمس وكانوا يحلون في دار الشيخ سليمان الكنج، باعتباره ابن دار زعامة المنطقة، وصاحب العباءة التقليدية، وبقيت مجدل شمس مدة شهرين لا تخلو يومياً من عشرات الزائرين من دروز فلسطين، وقام عدد من الوزراء الإسرائيليين بزيارة مجل شمس أيضاً، منهم موشي ديان، وألون، ثم بدأ يقبل عليهم ضباط المخابرات الإسرائيلية، وابتدأ الدروز يشعرون أن أمراً خطيراً سيحدث، وعمد الزائرون على الإفصاح عن مهمتهم بزعماء مجدل شمس، الروحيين، والزمنيين، وعرف هؤلاء أن الغاية من ذلك فصل الدروز عن الإسلام لأنهم لا يمكن أن يتعايشوا وإياهم.
أخذوا يكثرون من التردد على مجدل شمس، ويسدون الخدمات للناس وينفذون المطالب بسرعة مذهلة، وبدأ تنفيذ المخطط إذ أنتدب كمال الكنج للاتصالات بدروز سوريا ولبنان، بعد أن وضعت قوائم باسماء الوجهاء الدروز الذين يمكن التعاون معهم وطرقة اصطيادهم، ولذلك ذهب إلى روما بمهمة كعضو من لجنة إسرائيلية، تدرس مع السلطات الإيطالية موضوع تصريف الفاكهة من إسرائيل، متخذين من كون مجدل شمس بلد غنية بالفاكهة ذريعةً لوجود كمال في اللجنة، كما أشاع كمال قبل مغادرة مجل شمس بأنه سيداوي عينيه لدى أطباء في تل أبيب، وقد يضطر لعرضها على اختصاصيين خارج إسرائيل، وبذلك حضر كمال كنج إلى روما برفقة ضباط مخابرات إسرائيل، من الشيت بت تحت اسم يعقوب، ويصف كمال أبو الطيف يعقوب هذا فيقول إنه رجل متوسط القامة أحدب يتقن اللغة العربية، وكان كمال الكنج قد أقترح الاتصال بكمال أبو الطيف، وهو ضابط سابق في الجيش السوري وقريباً له، ووافقت المخابرات الإسرائيلية على ذلك بعد أن قامت بجمع المعلومات عنه.
ولذلك أستدعى أبو الطيف إلى روما، وأجتمع مع كمال الكنج الذي أخبره بالمخطط، واتفق الاثنان على إبلاغ الجهات العربية المعنية بالطريقة التالية:
يقوم كمال أبو الطيف بإعلام كمال جنبلاط بالأمر، ليقوم بدوره بإعلام السلطات السورية واللبنانية، وبعد أن عاد كمال أبو الطيف، ونفذ ما اتفق عليه زار سوريا والأردن وقام بالمهمة الموكلة إليه، وعاد إلى روما مرة ثانية، وأجتمع مع يعقوب، حيث استنتج منه هذا المخطط، مشروع الدولة الدرزية حسب المخطط الأمريكي الإسرائيلي هو:
أولاً: حدود الدولة:
تمتد حدود هذه الدولة من جبل الدروز إلى الشاطئ اللبناني المحيط بإسرائيل، وتشمل القنيطرة وقضاء قطنا وضواحي دمشق وبعض قرى الغوطة الدرزية، فقضائي حاصبيا وراشيا ثم الشوف وقضاء عالية، حتى خلده بما في ذلك بلدة الشويفات.
ثانياً: عاصمة الدولة الدرزية:
من المقرر أن تكون السويداء أو بعقلين عاصمة هذه الدولة، وذلك حسب أي من دروز لبنان أو سوريا يكونون أكثر تعاوناً مع إسرائيل.
ثالثاً: علم الدولة:
هو العلم ذو الألوان الخمسة الذي وضع في جبل الدروز إبان الانتداب الفرنسي بعد تقسيم سوريا إلى خمس دويلات.
رابعاً: السكان:
يكون المسلمون السنيون والشيعة في لبنان الجنوبي، وكذلك في حوران والبقاع الغربي مخيرين في البقاء كأقلية لا شأن لها ضمن الدولة الدرزية و الرحيل، أما المسيحيون فلا ضير من بقائهم ويمكن إشراكهم في الحكم كأقلية.
خامساً: المقومات الاقتصادية
هي مضمونة من قبل إسرائيل بتعهدات أمريكية، يصبح ميناء صور بعد تطويره، الميناء التجاري للدولة، ويبقى ميناء صيدا لتصدير النفط، ورصدت أمريكا 30 مليون دولار للبدء في تهيئة الأجواء للتنفيذ.
طريقة التنفيذ:
تحت ستار مقاتلة الفدائيين الفلسطينيين، تقوم القوات الإسرائيلية باقتحام واحتلال المناطق التي يتواجد فيها الفدائيون، ثم تقوم قوات أخرى باجتماع جنوبي لبنان حتى صيدا، وتتوجه في الوقت ذاته قوات مدرعة إسرائيلية خارقة الجبهة السورية، على محور (درعا، إزرع، السويداء)، وعلى محور الحدود الأردنية.
تقوم حركات سلبية ضد الجيش الإسرائيلي المحتل، فيشجعها اليهود سراً ولا يقمعونها بعنف إلى أن تبلغ من القوة ما يكفي ظاهرياً لنشوب معارك بين الفريقين، يكون النصر فيها للدروز المحتلة مناطقهم.
في تلك الأثناء يكون الاتفاق قد تم مع عدد من زعماء الدروز على الصمود في مناطقهم والمحافظة عليها، كي لا تعاد إلى سوريا ولبنان تمهيداً لإنشاء كيان سياسي مؤلف من هذه المناطق المحررة يتمتع باستقلال تام.
تتكفل أمريكا بحماية هذا الكيان عن طريق إسرائيل، كما تتكفل أمريكا بالاعتراف فوراً بهذا الكيان السياسي، وبأن تدفع الأمم المتحدة والدول الغربية السائدة في فلكها للاعتراف به وتكون إسرائيل بذلك قد كسبت حزاماً واقياً لها حسب تعبير يعقوب يقيها شر الاعتداءات العربية من الجيوش النظامية أو الفدائيين.
بعد إنشاء الدولة الدرزية تقوم أمريكا بالعمل لجعل لبنان وطناً قومياً مسيحياً، وتقيم دولة علوية في اللاذقية ودولة كردية في شمال سوريا، تتعاطف فيما بعد مع حركة البرزاني، فتقلص الجمهورية العربية السورية إلى سوريا الداخلية وتشل قدراتها".
خطاب الرئيس شكري القوتلي بمناسبة الجلاء ()
17 نيسان (أبريل) 1946
بني وطني،
هذا يوم تشرق فيه شمس الحرية الساطعة على وطنكم، فلا يخفق فيه إلا علمكم، ولا تعلو فيه إلى رايتكم. هذا يوم الحق تدوي فيه كلمته، ويوم الاستقلال تتجلى عزته، يوم يرى الباطل فيه كيف تدول دولته، وكيف تضمحل جولته. هذا يوم النصر العظيم والفتح المبين.
بني وطني،
بعد أن أحمد الله تعالت قدرته على ما وفقنا إليه، أرى لزاماً عليّ في هذا اليوم التاريخي الأغر أن أتوجه، والإكبار يتملكني والخشوع يملأ جوانب نفسي، بالتحية والتمجيد إلى أرواح الشهداء الأبرار الخالدين الأطهار، الذين غرسوا شجرة الاستقلال بيدهم، وسقوها بكريم دمهم، فغدت في هذا اليوم المبارك وارفة الظلال، أصلها ثابت وفرعها في السماء. أولئك الذين ماتوا ليحيا وطنهم، وقضوا لتبقى أمتهم، هم أصحاب الفضل الأول في هذا النصر المحجل. وما يوم الاستقلال هذا إلا عيد الفداء ومهرجان الشهداء، فسلام عليهم في عليّين، وتمجيد لذكراهم في الخالدين.
بني وطني،
أهنئ اليوم هذه الأمة، شباباً وشيباً، هلالاً وصليباً. أهنئ ذلك الفلاح، دعاه داعي الوطن فلباه، هجر مزرعته وتنكب بندقيته، وراح يذود عن أمته ويثأر لكرامته. أهنئ العامل الكادح، يجعل من نفسه لوطنه الفداء، وهو فيما يصيبه لمن السعداء. أهنئ ذلك الطالب، تتأجج روحه حماسة، ويغلي مرجله إباء. أهنئ الأستاذ يبث العزة القومية، والشاعر يهز الروح الوطنية، والكاتب ينافح عن الحق ويشدد العزائم. أهنئ ذلك التاجر طالما غادر متجره احتجاجاً على ظلم صارخ، ودفعاً لعدوان نازل. أهنئ رجل الأحياء تثيره النخوة ويستجيب للحمية. وأبارك للسيدة تؤدي واجبها جهداً وثباتاً وصبراً.
وأحيي بقية السيوف من الأحرار الذين صدقوا ما عاهدوا الله عليه، فذاقوا حياة النفي والتشريد، وهبطوا السجون كراماً أعزة، وبذلوا الأنفس والأموال والثمرات، وصبروا وصابروا، "فما وهنوا لما أصابهم في سبيل الله، وما ضعفوا، وما استكانوا، والله يحب الصابرين".
أحييهم جميعاً في شخص الشهيد المجهول، يعمل لوطنه صامتاً أريحياً، ويلقى وجه ربه راضياً مرضياً.
بني وطني،
أتى على الأمة حين طويل من الدهر ران عليها فيه سبات عميق، فقدت فيه سيادتها، وأضاعت مكانتها، وجار عليها وتنافس في التحكم بها أجانب عنها، حتى أوشكت أن تفقد وجودها، وكادت تنسى عربيتها وتذوب في غيرها وتغدو حديثاً يروى، وتاريخاً غابراً يحكى. ولكن أصالة هذه الأمة، وما أودعه الله فيها من أسرار البقاء، وما في بنيتها من مناعة ضد الفناء، جعل من هذه الحقبة الطويلة إغفاءة لا موتاً، وسباتاً لا فناء. فما نفخ في صور القوميات حتى رأينا القومية العربية قبل الحرب العالمية الأولى تهب من رقادها وتشق طريقها، ولقد ولدت حركتها على صورة المطالبة بالإصلاح وغضبة للغة العربية، ثم نمت وترعرعت حتى استولت نشداناً لاستقلال العرب، وجهاداً في سبيله واستشهاداً من أجله.
يا أبناء هذه الأمة،
لقد عرف التاريخ فجر الحركة القومية اسماء جمعيات وأحزاب سرية وجاهرة، أذكر منها على سبيل المثال لا الحصر: العربية الفتاة، والعهد والاستقلال، التي كان لي ولإخواني من رعيل الحركة الأول شرف الانتماء إليها والعمل على تحقيق أهدافها. وبشرت هذه الجمعيات بالفكرة العربية، فلم تكد تنشب الحرب العالمية الأولى حتى تلظى الروح القومي، ورأينا السجون والمنافي تكتظ بالأحرار، ورأينا كيف يكون التنكيل بالأبرار. وهناك على بعد أمتار من هذا المكان، استفاقت دمشق ذات صباح على مشهد صفوف مختارة من رجالات العرب علقوا من المشانق. ولم تكن تلك الأعواد إلا بأراجيح الأبطال، ومنابر الخطباء الصامتين من فحول الرجال، وصار لقضيتنا العربية يومئذ ضحايا وشهداء، فكتب لها في اللوح المحفوظ أن تمضي قدماً نحو النصر والعلاء.
ورأى التاريخ بعد ذلك أمة يعرُب تثور ثورتها الأولى، ورأب أبناءها ينفرون إليها من بطاح مكة وروابي الحجاز، ورأى موجة الأمل تغمر حزون الجزيرة والنجاد، وهرع تلبية لنداء القومية وصرخة العربية فتيان من مختلف أقطار العرب، دخلت كتائبهم دمشق، يقودها فيصل الخالد. ويومئذ اكتحلت العيون بالعلم العربي، يرمز بألوانه إلى دول العرب الغابرة، ويدعو إلى استعادة أمجادهم الزاهرة. ثم تبدت نذر الرغبة إلى استعباد هذا الوطن وتجاهل حقوقه وأهدافه، فسارعت الأمة في الثامن من آذار سنة 1920 إلى إعلان استقلالها، وآلت ألا تفرط بحريتها، وتحدت بذلك كل طامع، وقطعت السبيل على كل متآمر يروم الغض من أمانيها والنزول بمثلها وأهدافها.
ولكن الحرية كانت لا تزال تتطلب المهر الغالي والثمن الرفيع، فما أسرع ما اجتاحت جيوش الطامعين الغاصبين هذا الوطن العزيز. وعلى أشلاء يوسف العظمة ورفاقه الشهداء الميامين في ميسلون، دخلوا هذا البلد الأمين. لقد قوضوا بنيان الدولة الفتية، ونكسوا رايتها، ومزقوا وحدتها، وفرضوا الانتداب البغيض عليها، وافتنوا في التنكيل بأحرارها. وكانوا كلما أمعنوا فيها أذى وعتوا، وساموها خسفاً واضطهاداً، ازدادت على الإرهاق والبطش ثباتاً وشجاعة وإباء، حتى برهنت هذه الأمة العزلاء إلا من حقها أنها أمة لا تكل من التضحية ولا تمل الفداء. أجل، إنها مضت في جهادها، واثقة بأن إيمانها سيصهر حديد الطغاة، وأن قوة عقيدتها وصلابة إرادتها ومضاء عزمها سيجعل من ظلم الظالمين هباء.
تتابعت مواكب الشهداء، وخضب كل شبر من أديم هذا الوطن بالزكي الطاهر من الدماء. وكانت ثورات، لا يكاد يخمد أوار الواحدة حتى تتلظى نار الأخرى. ولم يكن تراجع، إلا أعقبه إقدام، ولا فر إلا تلاه كر.
سلوا هذه الغوطة الفيحاء عن معاركها الشعواء. سلوا جبل العرب الأشم تنطلق منه الثورة الكبرى، يقودها سلطان الأطرش. سلوا ربوع الشمال وجبل الزاوية عن ثورة هنانو، وجبال العلويين عن ثورة صالح العلي. سلوا سهول حمص ووادي حماة، وتلكلخ والمزرعة وحوران. سلوا راشيا والقلمون. سلوا هذه البيوت التي دمرت، والمزارع التي أحرقت، والمتاجر التي نهبت. سلوا المنافي والسجون. سلوا دماء الشهداء أي ثمن دفعناه لاستقلالنا، وأي جهد بذلناه لبلوغ أهدافنا. أجل سلوها: هل ونينا عن دفع الثمن، وهل قصرنا في أداء المهر، وهل خططنا في سفر الجهاد والتضحيات إلا صفحات باهرات نيرات يشع منها نور الحق المبين ويتعالى منها تكبير المجاهدين المؤمنين؟
كان الغاصب كلما آنس من هذه الأمة اندفاعاً في الذياد عن حقها، وكلما أخفق في إدخال الفزع إلى قلوبها والوهن إلى عزائمها، تظاهر باللين تارة وبالجنوح إلى الحق تارة، ثم لا يلبث أن يعود إلى أصل فطرته ويخيس بكلمته. رأيناه يدعو إلى جمعية تأسيسية، حتى إذا رآها تجهر بإرادة الأمة، أغلقها وقضى عليها. رأيناه يعترف للأمة بحق دستورها، حتى إذا ما أشرعته جاء ينتقض بنوده ويعطل أحكامه. رأيناه يدعو إلى الانتخاب الحر، ثم يملي إرادته ويفرض سلطانه. ثم رأيناه سنة 1936، بعد ذلك الإضراب المستطيل، يتظاهر بالصداقة ويعاهد على الاعتراف بالحق، ثم لا يلبث حتى يثير الفتن ويورث العداوات ويروج المفاسد، غير خافر بذمته ولا واف بوعده. ومن فضل الله على هذه الأمة أنها لم تكن في أثناء ذلك كله ترضى بالدون، ولم تكن تؤخذ بالخداع، ولم تسجل على نفسها أنها ارتضت عن كامل حقها بديلاً، وقد عجز الاستعمار عن حملها على قبول وضع يثلم كرامتها والارتباط بعقد يمس عزيمتها.
بني وطني،
لقد نشبت الحرب العالمية الثانية، فكفت الأمة عن مناوئة خصمها، وملكت، رغم استمرار التعنت والجبروت، نفسها. وكان الحلفاء يخوضون غمار حرب فاصلة طاحنة، فوقفت سورية من الدول المتحالفة موقف النصير، وساهمت طوقها في مجهود الديموقراطيات الحربي، ووضعت مواصلاتها ومرافقها ومؤسساتها تحت تصرف سلطات الحلفاء العسكرية. وقد ربطت عملياً مصيرها بمصير الديموقراطيات، وهي في أثناء ذلك كله لم تتوان عن المطالبة بحقها، ولم تقصر في بذل النشاط السياسي للاستفادة من الظروف الدولية السانحة والفرص العالمية المواتية.
لقد كان العمل في الحقل الوطني ـ والحرب حامية الوطيس ـ محفوفاً بالمكاره، مليئاً بالصعاب. وكان الناس يؤخذون بأدنى الشبهات، ويحاسبون حتى على اللفتات ؛ ومع ذلك فإننا لم نغفل عن أداء واجبنا في ذلك الآن العصيب والظرف الرهيب، رغم امتلاء السجون واكتظاظ المعتقلات. فقدمنا المذكرات وأذعنا البيانات، ووجدنا في الدول العربية الشقيقة، التي ربطت مصيرها بمصير الديموقراطيات، أصدق العون، وفي الدول المتحالفة الصديقة أقصى النصرة، فاستعادات الأمة وضعها الشرعي، واختارت نوابها، وانتخب رئيس جمهوريتها. على أن الظروف وتطوراتها، والحرب وما رافقها من دعوة إلى الحريات ومبادئ المساواة، وما أصاب فرنسا نفسها من ويلات، لم تبدل يومذاك من ذهنية ساستها وكبار موظفيها، فوجدنا أنفسنا أمام صعاب شاقة وعقبات كأداء، فصرفنا همنا إلى جعل الاستقلال حقيقة راهنة، باستلام الصلاحيات واستخلاص الحقوق التي استمسكت بها فرنسا وعضت عليها بالنواجذ.
لقد رافقت ذلك كله جهود مباركة لجمع شمل العرب وتوحيد كلمتهم وإقامة قواعد جامعتهم، فكان بروتوكول الإسكندرية سنة 1944، فميثاق جامعة الدول العربية سنة 1945، وانتظمت دول العرب في جامعة تعزز كيان كل دولة عربية، وتوطد سيادتها، وتناضل دون كامل استقلالها، وتؤازر الحركات القومية التحريرية في الأقطار التي منيت بالسلطان الأجنبي. وبعد مئات السنين من الفرقة والتخاذل والسيطرة الأجنبية وخمول الذكر وضياع الشخصية، تدوي في مسمع الزمان كلمة العرب موحدة قوية، ويستمع العالم إلى رأيهم الجميع، ويبؤهم لأول مرة اتحادهم المقام الدولي الرفيع. ثم أزفت الدعوة إلى مؤتمر سان فرانسيسكو، فوقفت المساعي المتواصلة التي بذلناها في الحقل السياسي الدولي لدى حكومات الدول المتحالفة ولدى الدول العربية الشقيقة، فدعينا إليه وساهمنا وأربع دول عربية أخرى في وضع ميثاق الأمم المتحدة، وظفرنا بذلك عملياً ونهائياً بإقرار دول العالم إننا أمة مستقلة حرة ذات سيادة تامة. وبينما كنا نسير في موكب الأمم المتحدة، ونجلس في مصاف الدول المستقلة، ونعمل على توطيد مكانتنا، ونلح في المطالبة باستلام جيشنا وجلاء الجيوش الأجنبية عنا، فوجئنا في أيار من سنة 1945 بالمؤامرة المبيتة والخطة الجهنمية المعدة لتقويض كياننا وتدمير استقلالنا، وأطلقت المدافع قنابلها على بيوت الآمنين، وخصت برلمان الأمة بالحمم، وحراسه بالقتل والتمثيل، وراحت الطائرات والقلاع تقصف المدن السورية الأبية، فما وهنت عزائمنا وما لانت قناتنا، بل هب الشعب السوري في مختلف أنحاء سورية يتقلد السلاح ليذود عن الحمى المستباح. وقيل لنا حبذا لو تبرحوا مكانكم هذا، فقلنا أننا ها هنا مرابطون، ولن نبرح مكاننا إلا أشلاء، وللقوة الباغية أن تفعل بنا ما تشاء. وكانت الكارثة محكاً لتضامن العرب ومضاء جامعتهم، وامتحاناً لقوة إرادتهم. وإذ بالأمة العربية كلها تنفر لنصرتنا وتفزع لنجدتنا، وإذا بالرأي العام العالمي، ولا سيما بريطانيا العظمى والولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي، تسخط على المعتدي وتنقم منه بغيه وطيشه، وغدا السلام في الشرق الأوسط مهدداً ينذر بالشر المستطير. وهنا يذكر الشعب السوري ما كان لبريطانيا العظمى من موقف مؤثر نبيل إزاء الغدر والعدوان، فاستحقت بموقفها شكر الأمة ومزيد التقدير.
ولقد صبرنا حتى انقلبت النقمة نعمة، وحفر الاستعمار بيده لحده، ومن حالكات تلك الليالي السوداء بزغ فجر هذه الحرية الزهراء، "ومكروا ومكر الله والله خير الماكرين". لقد انجلت الغمة عن هذه الأمة، وصدق الله وعده، ونصر جنده، وهزم الطغيان وحده.
إنه لا بد لي هنا من التنويه بموقف الدول المتحالفة، بريطانيا والولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي، من قضية استقلالنا. فقد أيدت منذ الأصل حقنا، وسارعت إلى الاعتراف العملي باستقلالنا. وجاء إقرار الدول في مجلس الأمن وجوب الجلاء عن وطننا دليلاً على أن مبادئ الحرية والديموقراطية والمساواة يمكن أن تصبح حقائق راهنة إذا اعترفت للشعوب الصغيرة بحقها في الحرية والاستقلال. وإني لأذكر في عيد الجلاء بالثناء أن بريطانيا العظمى أعلنت منذ الأصل أن جيوشها إنما دخلت هذه البلاد استجابة لمقتضيات الحرب الموقتة وإنها عازمة على سحبها، وقد برّت بوعدها وسحبت جيوشها التي لم تكن في بلادنا غير أداة سلم وطمأنينة. وها نحن أولاء نحتفل هذا اليوم بتحطيم آخر قيد من أغلال العبودية. نحتفل باقتطاف ثمرة جهاد عشرات السنين، فقد غدت البلاد اعتباراً من هذا اليوم مستقلة استقلالاً تاماً ناجزاً، ذات سيادة كاملة غير مشوبة بقيد ولا منقوصة بشرط، وهي في وضع دولي حميد تود لو تهنأ بمثله كثيرات من دول العالم. فاسعدوا به يوماً خالداً مباركاً، وتواصوا فيه بالحق والعمل الصالح، وتعاهدوا متحدين على صيانة استقلالكم وإعزاز رايتكم.
بني وطني،
إن هذا الاستقلال الذي ظفرنا به بفضل جهاد الأمة وقوة عزمها واتحادها، هو أمانة الشهداء في أعناقنا، لنورثه أبناءنا سليماً قوياً محترماً. فعلينا ألا نفرط فيه وأن نتفانى دونه، وأن نحيطه بسياج من دمائنا وأرواحنا، فالاستقلال ملاكه التضحية وقوامه الفداء.
يا أبناء الوطن،
إننا نطوي اليوم صفحة الجهاد في سبيل استقلالنا لنفتح صفحة الجهاد لصيانته وجعله واسطة لإسعاد الأمة ورقيها. وقد تكون صيانة الاستقلال أشق من الظفر به، وليس السبيل إذاً بهين ولا بيسير، وما هو أمام إرادة الأمة بالأمر العسير، فلندرع إذن بالعزم الماضي والإرادة المتينة.
لقد أورثنا فقدان السيادة الوطنية أجيالاً وتحكم الأجنبي فينا قروناً طوال، أمراضاً ثقالاً، فواجبنا أن نعمل على تقوية أنفسنا وإصلاح ما أفسده الاستعمار، واجتثاث بذور السوء التي بذروها في تربة الوطن الغالي. وإذا كنا قد جاهدنا حتى زال الاستعمار، فعلينا أن نجاهد حتى نعفي أثره ونقضي على ما خلفه من أسواء ومفاسد.
كان الاستعمار عقبة كأداء تعترض تقدمنا ورقينا - ولن ترقى أمة مستعبدة ما دامت الحرية عنصر التقدم الأول - ثم ذهب هذا الاستعمار إلى غير رجعة وجلا الظالمون، فما بكت عليهم السماء والأرض وما كانوا منظرين. وزالت العقبة، وغدونا غير معذورين إذا نحن قصرنا بعد الآن في الجري مسرعين في مضمار التقدم والإصلاح. إننا نودع اليوم عهد الهدم، وقد كانت له سبله وأساليبه، ونستقبل عهد البناء، وله سبله وأساليبه. كنا نقارع بالأمس الأجنبي المستعمر، باعتباره مصدر كل داء وأساس كل بلاء، فصار لزاماً علينا أن نجادل اليوم الفقر، وأن نبدد ظلمات الجهل، وأن نحارب الفوضى والشغب وأن نوطد النظام. علينا أن نكافح العلل الخلقية والنفسية كفاحنا للأوباء الجسيمة. علينا أن نصلح أداة الحكم وأن ننصرف إلى العمران، وأن نعدد الخطوط والبرامج الإنشائية والتجديدية الانقلابية التي تؤدي إلى رفع مستوى الفرد الخلقي والعلمي والاقتصادي والاجتماعي، وأن نفسح المجال أمام الكفايات، وأن نصقل المواهب، وأن نجلو الصدأ عن عبقرية هذا الشعب الذي إذا أتيحت له الفرصة أتى في ميدان الحضارة بما أتى آباؤه الأولون.
علينا أن نرقى باقتصادياتنا، بزراعتنا وصناعتنا وتجارتنا، إلى المستوى اللائق بشعبنا الذكي الفعال. علينا أن نقضي على البلبلة الثقافية والفوضى في مختلف مرافق العمل. علينا أن نصل بهمتنا ودأبنا بين مجد الماضي ومجد الآتي. إنما هذا المجد الذي نريد أن نشيد بنيانه وأن نوطد أركانه إنما تقوم قواعده على تعاون أفراد الأمة، وتكاتف القوم وتوجيه نشاطها نحو إسعاد المجموع وإعلاء شأن الوطن.
إن مثلنا الأعلى الذي نتطلع إليه ليدعو اليوم أبناء هذه الأمة إلى التجرد عن الهوى والترفع عن الصغار، وإيثار المصلحة العامة على الخاصة، والتفاني في رعاية القانون واحترام النظام والولاء للدولة، ومعرفة أن لقاء كل حق للفرد لا بد من واجب عليه.
وتقوم قواعد المجد الآتي من ناحية أخرى على تحلي الحكومة بالعدل مقروناً بالحزم، وبالسهر على مصالح الشعب وتغليب سلطان القانون العادل على كل سلطان، وتنمية الكفايات ومعرفة أن ما كان يجوز في عهد الانتداب والاجتماع قد لا يجوز في عهد السيادة والاستقلال.
وإني لأرجو، على ضوء ما أسلفت، أن نمضي في عهدنا الإنشائي في مساواة لا تفرق بين الأديان والمذاهب، ولا تقيم وزناً لعصبيات الأعراق والطوائف. فنحن حقاً أمة واحدة موحدة، لا أقليات فيها ولا أكثريات.
أما في سياستنا الخارجية، فنمحض دول هيئة الأمم المتحدة أصدق المودة، وستكون صلتنا في ميادين الاقتصاد والثقافة والشؤون المالية الأخرى الصلات التي تقتضيها طبيعة الحياة الدولية وضرورة المساهمة في النشاط العالمي على اختلاف ميادينه وتعدد مناحيه، على أن نقف في ذلك على قدم المساواة مع غيرنا، وعلى ألا تمس سيادتنا الوطنية، وفي نطاق ميثاق الأمم المتحدة، هذا الميثاق الذي دشنا حياتنا الدولية المساهمة في وضعه، وكان الاعتراف العملي باستقلالنا وجلاء القوى الأجنبية عن بلادنا بشير اعتناق الدول لمبادئه وتنفيذهم لأحكامه ورعايتهم مراميه. ونحن في علاقتنا الدولية لن نفرق بين دولة وأخرى، ولن نسلم لدولة ما برجحان أو امتياز ولا بمركز خاص أو ممتاز.
أما صلتنا بالجامعة العربية التي هي حصن العرب المنيع، فصلة الولاء الخالص لمبادئها، والعمل الدائم على ترقيتها وتحقيق أهدافها. فعلى هذه الجامعة المباركة يعقد الرجاء، وبها تناط الآمال، وفيها تلتقي مثلنا العليا، وفي تقويتها وإعزازها وتوطيد دعائمها عزة الجانب ووفرة الكرامة. وبلاد الشام التي كانت مهداً للفكرة العربية في عهدها الزاهر، وحملت رسالة الحضارة بين أولى الدول العربية إلى الآفاق البعيدة، ورفعت راية العروبة إلى ضفاف اللوار وروابي الأندلس وأسوار الصين، لتعلن اليوم أنه تؤمن بالعروبة في أوسع معانيها، وتساهم في إيمان بأداء رسالة العروبة للحضارة الإنسانية، وهي رسالة سامية قائمة على الحق المطلق والسلام العادل. ولقد أعربت عن مشاعركم ورميت عن قوس عقيدتكم حين قلت بالأمس، وأقول اليوم، أننا لن نقبل أن يرتفع علم فوق علم هذه البلاد سوى علم واحد هو علم الوحدة العربية.
وإنه لمن مقتضيات اعتناقنا العقيدة القومية أن تقف سورية من الأقطار والشعوب العربية التي تشكو بعض القيود تقيد سيادتها، وتعمل جاهدة على فكها والانفلات من ربقتها، موقف المتضامن معها، المؤيد الظهير لها، الثابت في نصرتها.
وأما فلسطين العزيزة، الجزء الجنوبي من ديار الشام، فقضيتها قضيتنا، وخلاصها من خطر الصهيونية ركن أساسي من أركان سياستنا، وفي إنقاذها ضمانة لسياسة بلادنا ومستقبل أبنائنا. ونحن مطمئنون إلى تضامن الدول والشعوب العربية في نصرة قضيتها، وإيمان إخواننا العرب من أبنائها سيكفل لعروبة فلسطين بالنصر المؤزر والفوز المبين. إن فلسطين عربية وستظل عربية ولو أطبقت عليها شعوب الأرض.
يا بني وطني،
إن بلاد الشام التي أشرق وجهها اليوم بنور الاستقلال، وتوج مفرقها تاج الحرية، لتبتهج أي ابتهاج بممثلي الدول العربية، ووفود الأقطار الشقيقة يشاركونها اليوم الاحتفال بقيام الجمهورية السورية الفتية، ويضفون على هذا العيد بهجة خاصة فيها كل معاني الجلال. وإنها لا تنسى في زهو المهرجان ما لحكوماتهم وشعوبهم على قضيتها من يد بيضاء، وهي تبعث إلى أصحاب الجلالة والفخامة والسمو، ملوكها ورؤسائها وأمرائها، تحيات الشقيق إلى الشقيق.
إن في اشتراك فصائل من جيوش الأقطار العربية وأسراب من طائراتها لمعاني تقر العيون وتثلج الأفئدة. ففي ذلك معنى تعاهد الجيوش العربية في مختلف أقطارها على الدفاع الموحد المشترك عن حرية كل قطر من هذه الأقطار. وقد رأينا في استعراض الصباح الجندي المصري والجندي العراقي والجندي السعودي والجندي اللبناني والجندي الأردني والسوري، يوحدهم النظام بعد أن وحدهم الهدف وجمعتهم الغاية، فرأينا فيهم نواة الجيش العربي الأكبر، وعاد بنا جلال الموكب العسكري الموحد إلى أزهى عصور التاريخ العربي، يوم كانت أقطار العرب ترسل أفلاذ أكبادها جنوداً في جحافل النصر، تحمل مشاعل الحضارة، حضارة العدل والحق. لقد دل هذا الحشد العربي العظيم على أن مطمح العروبة في توحيد كلمتها صار حقيقة راهنة، فقد انتظمت القلوب قبل أن تنتظم البلدان، ونفذت إلى الأفئدة قبل أن تتجاوز التخوم والحدود. وإنه لمن دواعي سرورنا أيضاً أن يظفر لبنان، القطر العربي الشقيق، بما ظفرنا به، وأن نتطلع من اليوم إلى موعد الاحتفال بجلاء القوى الأجنبية عن دياره، وتتاح لنا مشاركته الابتهاج بعيده الوطني، الذي هو عيدنا، كما أن عيدنا اليوم هو عيده.
ولا يفوتني كذلك أن أنوه بما يخالجني من الابتهاج بحضور ممثلي الدول الحليفة، وأن أبعث إلى شعوبها بتحية الصديق الحر إلى الصديق الحر.
يا أبناء الشام،
لقد بشرنا برسالة الاستقلال، وحملنا أمانة الجهاد لتحقيقه، فتجشمنا كل صعب، ورحبنا بالخطب يتلوه الخطب، ولم يتزلزل إيماننا بحقنا وثقتنا بنصر الله، وبأن المستقبل لنا. ولقد قلت في كلمة وجهتها إلى الشعب في أشد أيام الظلم حلكة وأوغلها اعتسافاً: "إنه مهما كانت الشدائد التي يغالبها القطر الشامي، فإن زماناً أسعد وأهنأ لا بد من أن يدركه ويحيا في ظلاله حياة طيبة". وقد بلغنا الله هذا الأمل، واحتفلنا اليوم بتحقيقه، وجئنا نتقدم من أمتنا ومن الأجيال القادمة، وكتابنا بيميننا، نعلن أننا قد أدينا الرسالة ورعينا العهد وحفظنا الأمانة.
يا شباب الأمة،
إنكم أمل الوطن المرجى لإسعاده، وعلى سواعدكم وهمتكم يعتمد في تحقيق غايته واستعادة أمجاده.
لقد قضينا شبابنا وبذلنا رونق أعمارنا في أداء أمانة تحرير هذا الوطن، حتى منّ الله علينا بالتوفيق وأقر عيوننا بالنصر. وإنا لنرى من مقتضيات هذا العهد الاستقلالي والدور الإنشائي أن نسعى لتشجيع كفاياتكم، وإعدادكم للاضطلاع بأعباء النهوض بوطنكم. وليس أقر لعيوننا وطمأنينة نفوسنا من أن نرى هذا الوطن غنياً بشبابه العاملين، ذوي العزم الماضي والخلق المتين. فأعدوا أنفسكم لتلقي أمانة النهوض بوطنكم والسمو بأمتكم، وبرهنوا بالعمل المجدي والدأب عليه، الترفع عن الصغير التافه، والتطلع إلى الجيل السامي، إنكم خير من ائتمنه الوطن، وإنكم أهل لاعتزازه بهممكم واعتداده بعزائمكم واستناده لسواعدكم.
يا بني وطني،
يطيب لي أن أتحدث اليوم بنعمة الله عليّ، وأن أعرب عما يجيش في صدري من الحبور وأحسه من السعادة، إذ مد الله في عمري، فرأيت وأخواني، الذين حكم المستعمر علينا منذ ربع قرن بالإعدام لأننا أبينا أن نقر الأذى ونقف على الهوان، وأثرناها على استعماره وطغيانه حرباً مقدسة لا هوادة فيها، رأينا اليوم بفضل جهاد الأمة وتضحيتها كيف يعود الحق إلى نصابه، ورفعنا نحن بأيدينا العلم الذي قدسناه، وشاهدنا بأعيننا هزيمة الاستعمار الذي حاربناه. إننا نشكر لله توفيقه، وللشعب ثباته وصدق بلائه. ونقطعه على أنفسنا عهداً أكيداً أن نحافظ على استقلالنا، وأن نحمي حمى حريتنا، وأن نبذل أقصى الجهد لإعلاء كلمة أمتن،ا ولرفع شأن وطننا، والذود عن رايتنا بدمائنا ومهجنا. والله على ما أقول شهيد، وهو بالنصر المبين كفيل.
خطاب الرئيس جمال عبد الناصر حول انفصال سوريا عن الجمهورية العربية المتحدة ()
5 تشرين الأول (أكتوبر) 1961
الأخوة في جميع أرجاء الوطن العربي:
هذه أول مرة اسمح فيها لنفسى أن أوجه الخطاب إليكم جميعاً على هذا النحو الرسمى، ولكنى أشعر أن من حقكم على ومن واجبى حيالكم أن أطلعكم على فكرى، وأن أفتح أمامكم قلبى في هذه اللحظات الحاسمة من نضال الأمة العربية ومن كفاحها في سبيل مثلها الأعلى في الوحدة والحرية.
إننى لا أوجه هذا الحديث إلى شعب الجمهورية العربية المتحدة؛ لأنى أعتبر أن الساعات التي نعيشها الآن ليست ملكنا وحدنا؛ إنما ملك تاريخ سبق، وملك حاضر يبنيه الدم والعرق، وملك مستقبل نحاول تحريكه في ضمير الغيب، إنها ملك نضال قديم مستمر باق إلى الأبد من أجل هذه الأمة العربية ومن أجل عزتها. لهذا أريدكم جميعاً أن تكونوا معنا، وأن تعيرونا كل الفكر الواعى منكم والاهتمام.
أيها الأخوة:
لقد وقع في سوريا ما تعرفون جميعاً، تعرفون ما حدث بالأمس وتعرفون ما يحدث اليوم، وإذا كنت أقول لكم إننى أتابع تطورات الحوادث بقلب جريح؛ فإننى أقول لكم في نفس الوقت إن ما يشغل بالي ليس ما حدث حتى الآن، وإنما يشغل بالي أكثر منه ما يمكن أن يتداعى وراء ذلك من أخطار على الأمة العربية وعلى كيانها وعلى مستقبلها.
وأقول لكم الآن إننى أكاد أرى الأمة العربية مقدمة على محنة رهيبة، وأشعر أن واجبى يحتم على أن أفعل كل ما في وسعى كى أجنب الأمة العربية هذه المحنة؛ لكى يبقى لها دائماً تنبهها إلى الأخطار المحيطة بها، وقدرتها على النضال من أجل أهدافها، لا يشغلها عن ذلك شىء، ولا يشد اهتمامها منه أى اعتبار مرحلى مؤقت.
وإنى لأقول لكم جميعاً - بضمير راض وقلب مستريح - إننى لا أقبل مهما كانت الظروف أن أرى الشعب هنا والشعب في سوريا أطراف معركة وأصحاب خلاف وشقاق، لا أستطيع أن أتصور القاهرة ودمشق إلا إخوة كفاح، وإلا زملاء معركة، وإلا شركاء قدر ومصير مع كل عاصمة عربية أخرى، مع كل مدينة عربية، مع كل قرية عربية. ولقد شعرت خلال الأيام الأخيرة أن ما حدث كله قد فتح فرصة واسعة أمام أعداء الأمة العربية من قوى الاستعمار ومن أعوانه، ومن قوى الرجعية في المنطقة وأعداء تقدم الشعوب، ولقد رأيت رأى العين فرحتهم جميعاً بهذه الفرصة التي تفتحت أمامهم، ورأيت تأهبهم للاستفادة منها لمصالحهم وعلى حساب المصلحة العربية.
لقد أحسست أنهم يريدونها معركة تقتتل فيها عناصر من أبناء الشعب السوري مع بعضها، معركة تقع فيها الفتنة بين الشعب العربي في سوريا وبين الشعب العربي في مصر، معركة تقع فيها شعوب الأمة العربية في حيرة تتوه بعدها في الظلام. ذلك كله كان أمامى، وكان أمامى أيضاً واجبى تجاه الأمة العربية وتجاه المصير العربي، وإنكم لتعرفون أننى اتخذت منذ أيام قراراً بألا تتحول الوحدة العربية بين مصر وسوريا إلى عملية عسكرية، وبناءً على ذلك فلقد أوقفت جميع العمليات العسكرية التي كانت قد بدأت لمناصرة الجموع الشعبية الثائرة ضد الحركة الانفصالية في سوريا.
واليوم أعلن إليكم جميعاً أننى إذا كنت قد رفضت أن تكون الحرب العسكرية وسيلة إلى تدعيم الوحدة؛ فإننى أرفض الآن أن تكون الحرب الأهلية بديلاً لذلك، ولعلكم تذكرون أن الإجماع الكامل كان من شروطى الأساسية لقبول قيام الوحدة بين مصر وسوريا في فبراير سنة 1958.
وإنى اليوم لا أرضى بأن تبقى وحدات من الجيش السوري متربصة بالشعب، ولا أن تبقى جموع من الشعب متربصة بعناصر من الجيش السوري.
إن الجيش السوري يتحمل مسئوليات كبرى تجاه العدو المشترك للأمة العربية، ولن أقبل - مهما كان من تصرفات الآخرين ومن أخطائهم بل خياناتهم - أن تتحول مهمة الجيش السوري إلى عمل بوليسى.
أيها الأخوة في جميع أرجاء الوطن العربي:
إنكم تعرفون إننى داعية وحدة، وإنكم تعرفون موقفي عندما فرضت الإرادة الشعبية السورية الحرة هذه الوحدة الشاملة في فبراير سنة 1958، أنتم تعرفون أنه كان من رأيى أن الوحدة - خصوصاً في فترات البناء الوطنى - عملية شاقة ومرهقة، وكان من رأيى التمهيد لها تدريجياً على سنوات نتمكن خلالها من أن نضع الأسس الحقيقية لها قبل أن نقيم إطارها الدستورى، ولكنى نزلت على الإرادة الشعبية السورية، وكنت أشعر في أعماقى أننى بهذا أحمى الوطنية السورية، وأشارك في إنقاذ الوطن السوري مما كان يتهدده من أخطار الفرقة الداخلية، وفي مواجهة ضغط القوى الاستعمارية.
ولقد أحسست بعد إتمام الإطار الدستورى للوحدة أنه ليس أمامنا وقت نضيعه، لهذا فقد كرست جهدى كله لعمليات البناء في سوريا، وكان تقديرى أن نمضى في ذلك بأسرع ما نطيق لكى يكون هناك أساس للتقدم نحو الرخاء. ولقد تمت خلال ثلاث سنوات ونصف من الوحدة أعمال حقيقية لم تشهدها سوريا في كل تاريخها، أقول ذلك لا لكى أتفاخر به أو أتباهى، وإنما أقوله كأمر واقع تشهد به الأرقام وتؤكد به قدرة الشعب السوري على بناء نفسه إذا ما أتيحت له الفرصة لتركيز جهوده وإحسان توجيهها. في هذه السنوات الثلاث والنصف حاولنا بكل جهدنا توجيه الشعب السوري إلى تكريس جميع إمكانياته في اتجاه البناء؛ بناء الوطن وبناء المواطن.
في مجال بناء الوطن بلغ مجموع الإنفاق العام الفعلى بواسطة الدولة في سوريا من يوم إتمام الوحدة إلى نهاية السنة المالية الحالية 2862 مليون ليرة، بينها 55 مليون ليرة في الزراعة، و238 مليون ليرة في الرى واستصلاح الأراضى، و114 مليون ليرة في الصناعة والكهرباء، و220 مليون ليرة في النقل والمواصلات، و38 مليون ليرة للإسكان، و362 مليون ليرة في التعليم، و77 مليون ليرة في الصحة، و27 مليون ليرة للخدمات الاجتماعية، و19 مليون ليرة للخدمات الثقافية، و155 مليون ليرة في المرافق والبلديات، وبعد ذلك تجىء الاعتمادات التي خصصت للدفاع.
وفي مجال بناء الوطن كان برنامج هذا العام، وهو السنة الثانية من خطة السنوات الخمس، يقتضى توجيه 610 مليون ليرة للتنمية، بينها 82 مليون ليرة للرى وإصلاح الأراضى، و61 مليون ليرة للزراعة، و180 مليون ليرة لصناعة التعدين والبترول والكهرباء، و78 مليون ليرة للنقل والمواصلات، و24 مليون ليرة للتعليم، و8 مليون ليرة للصحة، و4 مليون ليرة للخدمات الاجتماعية والعمالية، و9 مليون ليرة للخدمات الثقافية، و57 مليون ليرة للمرافق العامة والسياحة والبلديات، و65 مليون ليرة للإسكان، و7 مليون ليرة لخدمات الإدارة العامة، و5 مليون ليرة للقطاع التجارى والمإلى، و15 مليون ليرة للتغيير في المخزون، و10 مليون ليرة احتياطى لمواجهة أى نقص.
وفي مجال بناء الوطن كانت هناك خطة تستهدف مضاعفة الدخل القومى السوري في 10 سنوات أو أقل، وكانت هذه الخطة بالنسبة للسنوات الخمس الأولى منها توجه للنواحى الإنتاجية ونواحى الخدمات وحدها ما قيمته الإجمالية 2720 مليون ليرة؛ ومن أبرز مشروعات هذه الفترة مشروع سد الفرات العظيم.
وفي مجال بناء المواطن الحر، في مجال تحرير لقمة العيش، في مجال رفع السيطرة الرأسمالية والاحتكارية عن الفرد السوري تمت الخطوات الثورية الاشتراكية التالية، وأصبحت لها قوة القانون، بعد أن كانت آمالاً بعيدة تراود أحلام الفلاحين والعمال في أمتنا العربية.
تم تنفيذ قانون للإصلاح الزراعى يبغى تحرير الفلاح، وبمقتضاه أصبح أجير الأرض سيداً، وبدأ توزيع 561 ألف و133 هكتاراً على الآلاف من الملاك الجدد.
تم نقل ملكية المصارف إلى الشعب ليكون المال أداة في خدمة الوطن، ولا يتحول الوطن إلى أداة في خدمة المال. تم نقل ملكية شركات الاحتكار إلى الشعب؛ لكى يقف استغلال فئة قليلة من أفراده لسواده الأعظم، واستئثارهم وحدهم بأكبر قسط من الدخل القومى. تقرر أن يكون للعمال والموظفين في جميع الشركات ربع أرباحها، وأن يكون لهم حق الاشتراك في إدارة المؤسسات التي يعملون فيها بعضوين يجرى انتخابهما في مجلس الإدارة.
ومن ناحية أخرى.. من ناحية التأثير العربي والدولى، فلقد كانت هذه السنوات الثلاثة والنصف سنوات مارس الشعب السوري فيها قوة ضخمة لنصرة النضال العربي؛ من سوريا اتخذنا جميع الإجراءات لمناصرة الثورة الوطنية في العراق، هذه الثورة التي أسقطت حلف بغداد وقوضت قوائمه، ومن سوريا تمكنا من التأثير في اتجاهات الحوادث في العالم العربي تأثيراً بنَّاءً ومستمراً.
ومن سوريا استطاع الجيش السوري - بينما الجيش المصري محتشد بكامل قواه على خط القتال - أن يمنع إسرائيل من إتمام تحويل مجرى نهر الأردن، وفي سبيل الحيلولة دون ذلك خاض ضباط الجيش السوري وجنوده معارك محلية ولكنها ناجحة ضد إسرائيل. وفيها وخلالها أدرك العدو أن المضى في المحاولة سوف يجر عليه أخطاراً فادحة.
كذلك مارست سوريا تأثيراً كبيراً على سير حركة التحرير في إفريقيا وفي صد المحاولات الإسرائيلية للتسلل من وراء الحصار العربي عليها وفتح إفريقيا على مصراعيها أمام تجارتها وأمام نشاطها الهدام، وكانت الذروة في ذلك هى مؤتمر الدار البيضاء، الذي أجمعت فيه دول إفريقيا المتحررة على أن إسرائيل أداة في يد الاستعمار الجديد ورأس جسر لمطامعه.
كذلك مارست سوريا تأثيراً واضحاً في تغليب قوى السلام ودفع ويلات الحرب عن البشر، وليس دور الجمهورية العربية المتحدة في مؤتمر الدول غير المنحازة في بلجراد ببعيد.
ذلك كله - أيها الأخوة أبناء الأمة العربية - حدث، وإنى راض به وسعيد، وأعتقد أنكم جميعاً ترون معى أن هذه كلها كانت نقط تحول بارزة في سير المواطن العربي نحو هدفه في الكفاية والعدل، والحق والسلام.
ثم كانت الظروف الأخيرة التي تعرفونها جميعاً، والتي ترون كما أرى أنها محنة رهيبة تهدد الأمة العربية، تبعثر قواها عن مواجهة عدوها الحقيقى؛ الاستعمار والرجعية المتعاونة معه.

أيها الأخوة في جميع أرجاء الوطن العربي:
إننى أشعر في هذه اللحظات أنه ليس من المحتم أن تبقى سوريا قطعة من الجمهورية العربية المتحدة، ولكن من المحتم أن تبقى سوريا. إننى أشعر أن الذي يشغل بإلى ليس هو أن أكون رئيساً للشعب العربي في سوريا، ولكن الذي يشغل بإلى هو أن يكون الشعب العربي في سوريا وأن يُصان له كيانه، ولست أتصور أن أقبل - بأى حال من الأحوال - أن أرى فتنة تهدد الشعب السوري، أو خطراً يتربص به، أو شاغلاً يشده ويبعثر طاقته عن أن تتجه بكل إمكانياتها إلى حراسة المكاسب الشعبية التي حققها في عهد الوحدة، ثم يجد أن ما في يده يسلب منه يوماً بعد يوم، بينما هو مشغول بقضية فرعية مؤقتة سوف تحسمها في نهاية المطاف حتمية التاريخ؛ وأعنى بها الوحدة.
لهذا فإنى الآن على مسمع منكم جميعاً يا أبناء الأمة العربية أعلن ما يلى:
أولاً: إننى أطلب إلى جميع القوى الشعبية المتمسكة بالجمهورية العربية المتحدة وبالوحدة العربية أن تدرك الآن أن الوحدة الوطنية داخل الوطن السوري تحتل المكانة الأولى، إن قوة سوريا قوة للأمة العربية، وعزة سوريا عزة للمستقبل العربي، والوحدة الوطنية في سوريا دعامة للوحدة العربية وتمهيد حقيقى لأسبابها.
ثانياً: لقد بعثت الآن إلى رئيس وفد الجمهورية العربية المتحدة الدائم لدى الأمم المتحدة بألا يقف في وجه طلب قبول سوريا عضواً في الأمم المتحدة، ولقد مر الآن أكثر من أسبوع على ما حدث في دمشق، ولم تستطع الحركة التي قامت هناك أن تحصل على أى اعتراف دولى بها. لم تعترف بما حدث في سوريا حتى الآن إلا خمس دول - واسميها بالدول تجاوزاً - وهى بقايا الأسرة الخائنة للتاريخ العربي في عَمّان، وحكومة "تشان كاى تشك" المطرودة من الصين إلى فرموزا، والحكومة العسكرية الفاشية في تركيا، وحكومة شركة الفواكه الأمريكية المتحدة في جواتيمالا، وحكومة أصدقاء إسرائيل في طهران.
وفي نفس الوقت فإن العالم المتحرر قد عبر لى بحركات شعوبه وبرسائل زعمائه عن تأييده للجمهورية العربية، وإنى أعتبر أن ذلك يكفي فلست أريد أن أقيم حصاراً سياسياً أو دبلوماسياً من حول سوريا، فإن الشعب السوري في النهاية سوف يكون هو الذي يعانى من هذا الحصار ويقاسى.
ثالثاً: لقد طلبت إلى وزارة الخارجية ألا تقف الجمهورية العربية المتحدة حائلاً دون عضوية سوريا في الجامعة العربية، ولسوف نطلب إلى الجامعة العربية أن تشكل على الفور لجنة تحقق فيما يلى:
1- أن تتحقق من أن كل احتياطى الذهب وغطاء العملة السورية كما كان قبل الوحدة موجود بكامله في البنك المركزى في دمشق، وتتأكد أيضاً من أن الخزينة السورية تلقت نقداً من الخزينة المصرية غداة إتمام الوحدة 13.5 مليون ليرة سورية لمواجهة عجز الميزانية السورية في السنة السابقة للوحدة، وتتأكد كذلك من أن الإقليم المصري كان يقدم كل سنة ما قيمته 3 مليون جنيه للإقليم السوري تمكيناً له من مواجهة أعباء البناء، كذلك قدم الإقليم المصري خلال فتره الوحدة تحويلات نقدية قيمتها 9 مليون جنيه إسترلينى لكى يتمكن الإقليم السوري من مواجهة مطالب الاستيراد، ولقد كنت اعتبر أن للشعب السوري حقاً في حصيلة دخل قناة السويس باعتباره شريكاً في معركة تأميمها وانتزاعها من المستعمر.
كذلك أريد لهذه اللجنة أن تتأكد أن إتمام الوحدة جعل الإقليم السوري يتمكن من تخفيض أعبائه العسكرية للدفاع بأربعين مليون ليرة سورية كل سنة؛ بسبب تغيير الموقف الإستراتيجي الناشئ من الوحدة، وبالتالي كان هذا المبلغ يوجه إلى نواحي الإنتاج والخدمات، بينما كانت القدرة الدفاعية للقوات المسلحة السورية أكثر كفاية وفاعلية.
2- أن تتحقق اللجنة من أنه برغم جميع الدعايات التي روجت لها القوى الاستعمارية والعناصر الرجعية المتعاونة معها فإن عدد المعتقلين في سوريا كلها لم يكن يتجاوز 95 شخصاً، بل إني أريد لهذه اللجنة المشكلة من الجامعة العربية أن تتأكد من أنني أمرت بحفظ عديد من قضايا التآمر على الوطن السوري؛ وذلك لكي أبقى لهذا الوطن وحدته، ولسوف يتضح جلياً أن بعض الذين يقودون التيار الانفصالي الرجعى كان يجب أن يكونوا اليوم في قفص الاتهام.
3- أن تتحقق هذه اللجنة من أن قوة المظلات التي هبطت في اللاذقية مساء يوم الخميس 28 سبتمبر كانت تحمل تعليمات بعدم إطلاق النار، ولم يكن معها ملايين الليرات المزيفة كما ادعت عناصر الانفصال، وإنما كان الذي يحمله أفرادها هو بضعة آلاف من الليرات، وأنها لم تكن ليرات مزيفة طبعت في القاهرة كما ادعوا، وإنما كانت ليرات سورية صحيحة.
4- أن تتحقق هذه اللجنة من طبيعة الأعمال التي كان يقوم بها أبناء الإقليم المصري في سوريا، وأن تتحقق من أننا أردنا أن نزيد عدد المدرسين والمهندسين والأطباء في سوريا بالدرجة الأولى؛ وذلك لكي نسارع في دفع عملية التطوير، وإن أحداً منهم لم يذهب ليستغل ولم يذهب ليفتح تجارة ولم يذهب ليجنى ربحاً، وإنما ذهبوا جميعاً ليخدموا بقدر ما يملكون من جهد للخدمة، وفوق ذلك كان الإقليم المصري هو الذي يتحمل مرتباتهم.
أيها الأخوة:
على أنى أرجو أن تقبلوا بصدر رحب بعد ذلك رأينا في نقطة أخيرة؛ تلك هي أن حكومة الجمهورية العربية المتحدة لن تقبل الاعتراف بأي حكومة في دمشق من جانبها، إلا بعد أن تتجلى إرادة شعبية سورية حرة تقرر بنفسها طريقها.
أيها الأخوة:
لا يفوتني في هذه اللحظة أن أوجه شكري العميق وشكر الشعب في الجمهورية العربية المتحدة على العواطف النبيلة التي أبداها الشعب اللبناني وحكومته تجاه أبناء الجمهورية العربية المتحدة الذين أخرجوا من سوريا بطريقة لا أملك الكلمات لوصفها، وإن كان يعزيني عنها ويعزى الشعب في الجمهورية العربية المتحدة أن الشعب السوري ودع بدموعه كل أبناء الجمهورية العربية المتحدة العائدين إليها بعد أن أخرجوا من سوري.
كذلك لا يفوتني أن أوجه شكري العميق وشكر الشعب في الجمهورية العربية المتحدة إلى جميع الشعوب العربية التي وقفت بمشاعرها وتأييدها مع أول تجربة للوحدة العربية. وإني لأثق - نفس ثقتي بالله - أن هذه التجربة لن تكون الأخيرة، وإنما كانت التجربة عملية رائدة استفدنا منها الكثير في تقديري، وسيكون ما استفدناه ذخيرة للمستقبل العربي وللوحدة العربية، التي أشعر أن إيماني بها يزيد قوة وصلابة. إن التاريخ طويل أمام الأمة العربية، والكفاح مستمر يزداد عمقاً بالتجربة.
أيها الأخوة في جميع أرجاء الوطن العربي:
لقد حاولت جهدي أن أؤدي واجبي كجندي في خدمة هذه الأمة العربية، وحاولت ألا أدع مجالاً لفرقة ولا أفتح طريقاً لفتنة. إن عدوى وعدو أمتي هو الاستعمار والرجعية المتعاونة معه، والقاعدة التي يتحفز منها لضرب آمالنا؛ وهى إسرائيل.
إن أملى هو حرية الوطن العربي وحرية المواطن العربي، وإني لأثق في حتمية الوحدة بين شعوب الأمة العربية، ثقتي بالحياة، وثقتي بطلوع الفجر بعد الليل مهما طال.
أيها الأخوة:
أعان الله سوريا الحبيبة على أمورها، وسدد خطاها، وبارك شعبها، وستبقى هذه الجمهورية العربية المتحدة رافعة أعلامها، مرددة نشيدها، مندفعة بكل قواها إلى بناء نفسها؛ لتكون سنداً لكل كفاح عربى، ولكل حق عربى، ولكل أمل عربى، وسلام عليكم جميعاً. وعاشت الأمة العربية، وعاشت الجمهورية العربية المتحدة.
بيان الرئيس شكري القوتلي إلى الشعب بعد الانفصال ()
23 تشرين الأول (أكتوبر) 1961
أيها المواطنون الأعزاء،
لو اختارني الله شهيداً في المعارك التي خضتها إلى جانبكم، منذ خمسين عاماً وأكثر، لأكرم الله شهادتي بجواره، ولكان يوم شهادتي أفضل أيام عمري. أما وقد كتب الله لي أن أرافق طويلاً تاريخ وقائعكم وجهادكم لأذوق من الحياة معكم مرها وحلوها، وأجلس معكم مجالس هوانها ومجدها، فإنني أقلب اليوم صفحات هذا التاريخ الحافل وأشعر من الأعماق أنه من حقكم عليّ، ومن حق الله وهذا التاريخ، أن أقول لكم بأنه ليس في عمري كله أفضل وآثر من يومين اثنين: يوم رفعت باسمكم راية الجلاء وعلم الاستقلال في السابع عشر من نيسان عام 1946، ويوم أعلنت باسمكم في مجلس النواب السوري في الخامس من شباط 1958 وحدة الجزأين العربيين سورية ومصر.
وعندما أخذت من أكفكم مجتمعة مفتاح الاستقلال لأضعه أمام باب الوحدة العربية، كنت على يقين يشبه طمأنينة العبادة بأن الله العلي القدير الذي بيده مفتاح كل مصير، قد أذن لي بأن أختم حياتي السياسية أشرف ختام، لا سيما وقد أغدقتم عليّ من مجد التحايا كمواطن عربي سلم الأمانة بمثل ما أغدقتم على المواطن العربي الذي أحطتموه بقلوبكم وأصدق آمالكم حينما وضعتم على كتفيه أعباء الأمانة. بل كنت أشعر أنكم تودعون رئيسكم وعهدكم الذي أنهيتموه بأطيب ما تستقبلون رئيسكم وعهدكم الذي تقبلون عليه، يقيناً منكم أن من يقرأ الماضي قد يكفيه أن ينظر بعين واحدة، أما من يقرأ في غيب المستقبل إنما يجب أن يقرأ بألف عين، وأن المرحلة الجديدة التي تواجهونها لهي أمر عظيم وحدث جلل.
ويشهد الله أنكم كنتم في الأمر الذي عزمتم عليه صادقين كل الصدق، واثقين كل الثقة بأنكم إنما وضعتم مصيركم في الضفة العليا من الطموح القومي المثالي، طموح الشهداء والمجاهدين الأبرار الأخيار من أخوتكم بعد آبائكم وأجدادكم، الذين لم يبخلوا على مثالياتكم بتضحية مصالحهم وأموالهم وما يملكون، بل قد سفحوا تحت قدم المثالية العربية أطهر الأرواح وأزكي الدماء. يشهد الله أنكم أقبلتم على قيادتكم العربية، في ظل الوحدة، بكل شعور مطمئن ونفس راضية، مهما عرف عنكم من تبصر وحذر إزاء الحكم والحكام، ومهما عرفتم به من حذر وتشكك نحو ما يبذل بين أيديكم من عهود ووعود. وإن يكن الوطن في واقعه اليومي الذي لا مفر منه، ولا سبيل إلى الإشاحة عنه، مجموعة مصالح ومجتمع أفراد، فقد كنتم يوم الوحدة، كما كنتم في أيام مشهودة من تاريخ جهادكم، ترتفعون فوق مستوى الاعتبارات المصلحية لأن عاطفتكم القومية كانت دائماً نداء واستجابة للنداء، وعطاء واستعداداً للعطاء.
في هذا الخطاب الذي أوجهه اليوم إليكم، أيها الأعزاء، لأشهد الله على ما أعرف وأقول، فإنني أشهده تعإلى، وهو العليم الشهيد، على أنكم باختياركم الوحدة المطلقة ونظام الحكم الرئاسي، إنما كنتم تقدرون بكل تأكيد، وتتوقعون بلا شبهات، إنكم بهيئاتكم وأفرادكم، ستشتركون اشتراكاً عملياً في بناء الوحدة وتنظيم كيانها، وتحمل التبعات في تقرير مستقبلها وتوسيع آفاقها، وتشميل دعوتها واجتذاب قلوب العرب إليها بأي شكل من أشكال الوحدة والاتحاد، لأن الوحدة لا تعني عملية ضم، والنظام الرئاسي لا يعني انعزال الراعي عن الرعية. وإنكم وأنتم طلائع دعوة الوحدة في أرض العرب، لا تنقصكم مزايا الشعب الواعي ومآثر المواطنين المجربين في ساحة المعركة، ولا تعوزكم فضائل الذكاء المنظم والعقل المستنير والإيمان القويم.
أقول، كنتم تطمحون عن حق إلى المشاركة في بناء الوحدة وتوطيد دعامتها وتنظيم واقعها، خروجاً بها من حيز العواطف إلى حدود العقل، ومن تجريد الأمل إلى واقع الحياة العملية، لأن أعز ما في الدنيا على الإنسان أن يضع بيده تصوراته، ويصوغ من المادة الملموسة أحلامه. ولقد كانت الوحدة، يوم أذنتم لي أن أعلنها باسمكم، ذروة الحلم الجميل والأماني العذاب، فما أجمل وما أعذب أن تعمل أيديكم في تطهيرها وهندسة شكلها وتخطيط وضعها، وما أعظمها وحدة تمت بالمشاركة الروحية واستقرت بالمشاركة العملية. وإنني لعلى يقين عظيم بأنكم كنتم وستبقون أبداً في حركة البناء العربي الجبار، مهندسي بناء، لا مخربين، وقادحي فكرة، لا مصطلين.
أيها المواطنين، أخواني وأبنائي،
بعد غياب يزيد عن الشهرين، سمعت من البعيد بأنباء وثبتكم وانتفاضة جيشكم الأمين. وعندما عدت إليكم، وجدت نفسي أمام أسئلة وأسئلة تبادرني من حركاتكم وسكناتكم، ومن قلوبكم وأسلنتكم. وكان عليّ أن أرد على أسئلتكم وما يجول في خواطركم.
بجملة صغيرة أجيب على كل ما تتساءلون عنه وتطيلون التساؤل: إنني معكم وإلى جانبكم. إنني أقف معكم لا لأنني أنصركم ظالمين أو مظلومين، فحاشا أن أنحاز إلى الباطل أو أتنكب طريق الصواب. بل إنني معكم وإلى جانبكم لأنني أعرفكم معرفة رفقة لصيقة، وسير على الطريق الطويل، وأعرف إنه لا يمكن، مهما بلغت بكم عظائم الأمور، أن تجتمعوا على باطل وتجمعوا على ضلال.
بهذه الكلمات افتتح الجواب على أسئلتكم، وبكلمات قليلة أختتمه لأقول لكم إن خيبة أملي لكبيرة، وذهني يطوف حائراً في معالم التاريخ القريب، يتحرى معكم إيضاحاً وبياناً.
لماذا استحالت الوحدة إلى سراب؟ لماذا وثب عليها من كان سبّاقاً في الوثوب إليها؟ لماذا أصبحت الوحدة، في واقعها العملي شكلاً لم يكن مألوفاً في عالم الشوق العظيم والأمنيات الرائعة؟ هل ضخمتها تصوراتنا، فضلّت بنا التصورات؟ أم أن العاطفة المثالية التي كانت بكل عنفوانها وراء الوحدة قد وضعت وضعاً مهيناً في الإطار التجريبي الذي أحاط بواقع الوحدة؟
إنني أستطيع أن أقول باسمكم، أيها المواطنون، إنكم لم تفقدوا أبداً حماستكم المؤمنة بوحدة العرب على أبعد مدى وأوسع نطاق. إنما الذي فقدتموه وافتقدتموه هو الأسلوب الصحيح في تجنيد النفوس المؤمنة والأيدي العاملة في ساحة النضال والعمل العربي الموحد.
إننا لا نؤمن بالعزلة في ساحة النضال، والمرحلة أمامنا طويلة، والعدو متربص بنا، متسقط مواضع الضعف في جبهتنا. وإننا لنؤمن اليوم أكثر من أي يوم مضى بوحدة المصير في وحدة النضال.
إننا في ساحة النضال القومي نبتغي جنوداً من كل فئة وطبقة وجماعة، ومن كل حقل من حقول النشاط والإنتاج. ولكن السياسة التي كانت ترسم مناهج الحشد القومي في معسكر النضال، كانت تحشر في صفوف الخيانة والرجعية والتعامل مع الأجنبي والتواطؤ مع الاستعمار، مجموعاً كبيراً من المواطنين، الذين لا يمكن أبداً أن يحشروا في زمر الخونة والعملاء لمجرد انتسابهم إلى فئة من الناس أو طبقة من طبقات المجتمع. كذلك فإن اليد التي كانت تخطط للتعاون القومي لإشراك كل فرد وكل فعالية في أداء شرف الواجب، كانت تثيرها حرباً قاسية بين طبقات المجتمع الواحد، لتشل بالفعل حركة التعاون، وتحول دون انصباب الفعاليات جميعها في ميدان العمل القومي. ولولا وعي الشعب والألفة الاجتماعية القائمة بين أفراده وجماعاته، لسادت روح الكراهية من وراء هذه السياسة المتعسفة. كما أمعن الحكام في بلبلة الأفكار وتمييع العواطف، إلى جانب ما مارسوه من أسباب الضغط والكبت والإرهاب، حتى ساد الذعر وعمّ التذمر، وبات المواطنون لا يأمنون على حياتهم بعد أرزاقهم، مهما كانت الطبقة التي ينتسبون لها والجماعة التي ينتمون إليها. ولقد كنت أنبه وأحذر من مغبة هذه السياسة العقيمة التي تصدر على الهيئات والفئات والطبقات أحكاماً جماعية وتهماً غيبية. وأوضحت في مناسبات كثيرة أننا في هذه البلاد لا نستطيع أن نضع الخيانة والولاء على أساس من تكوين المجتمع القائم، ولا نستطيع أن نبخس المساهمين في الحركات الوطنية خلال أربعين عاماً خدماتهم الجليلة وأيديهم البيضاء على استقلال هذا الوطن العربي وكرامته. وإنه لباستطاعة أي نظام أن يفرض على المواطنين ما شاء من الأحكام ليشرك في أموالهم مواطنيهم إشراكاً عادلاً تقتضيه مبادئ العدالة الاجتماعية وتقدير نصيب العمل. ولكن ليس باستطاعة النظام أن يسلب هؤلاء المواطنين من شرف المواطن السوري، وكرامة الإنسان الحر. بل لا ندري لماذا يعمد الحاكم المسؤول إلى إخراج هؤلاء المواطنين من الاعتبار القومي، وقطع صلاتهم الروحية بالوطن الذي أحبوه وأسهموا في حركة بنيانه، ثم يقول إنه في سبيله إلى اتحاد قومي.
أيها الأخوة الأعزاء،
أمام هذه النماذج من أساليب التفكير والتدبير، وما نشأ عنها من عواقب وحوادث صغيرة وكبيرة، كانت تنتشر أصداؤها كلها في محيطنا الصغير انتشار القصف الشديد، أتساءل اليوم عن سر تعب الوجدان القومي في صلاته مع نظام الوحدة. وأكاد أجد وراء كل شكوى صغيرة أو كبيرة، وكل تذمر كان يفاقم أمره في العام الأخير، أثراً واضحاً لمطلب الشعب في قضايا أساسية هي بالواقع فوق المطالب الاقتصادية المادية أو السياسية، ألا وهي كرامة المواطن، وحريته في الدفاع عن حقه، وصيانة شعوره بأنه فرد ذو كيان وحرمة، وأنه مهما كان صغيراً فإنه لجدير بأن يشارك في أي عمل كبير، ومهما يكن من فروض العدالة الاجتماعية أن يذوب هذا الفرد في المجتمع، فهو إنما يذوب فيه ليعطيه من روحه وجهده ودمه، لا ليذهب فيه هباء وهدراً.
قلنا أيها المواطنون، منذ الأيام الأولى للوحدة، إننا لا نستورد المبادئ ولا نستعير العقائد، ولا نخضع لصانعي المذاهب من شرق أو غرب، يحاولون إغواءنا عن مبادئنا وعقائدنا مما أتى به ديننا السمح وتراثنا الغني وتقاليدنا الحكيمة، ولكننا لم نكن نريد لنظام الحكم أن يفرض تجاربه بالقسر على جمهوره، ولم نكن نريد للحاكم بأساليب قاهرة أن يجرع الأنظمة للشعب تجريع عقاب وقصاص.
نحن نعلم أن عجلة الزمان لا يمكن أن تعود إلى الوراء، والشعوب التي لا تمضي مع مركب التطور تمشي عليها أقدام المتطورين، ونحن لا نستطيع كذلك أن نتنكب طريق الأمم الصاعدة في سلك الحضارة، وأن نطرح ما استحدث من أساليب التصنيع والتنظيم وإنماء الثروة القومية وتكوين مجتمع تسوده العدالة، إنما الذي لا بد أن نعنيه أيضاً ليبلغ الإصلاح أهدافه ونتجنب من السرعة أخطارها، أن روح العدالة الاجتماعية في أساليب التعايش والتعامل اقتصادياً واجتماعياً، ليست في الواقع لدى كل الشعوب، مهما بلغت اشتراكيتها المتطرفة، سوى تسلسل منطقي في معركة تطوير وتدرج. والاشتراكية ليست في ممارستها العملية سوى السير في مناهج مرسومة عبر مراحل طويلة، لأن الخطوة الاقتصادية التي لا ترافقها حالة نفسية واجتماعية ملائمة، تنزلق انزلاقاً طبيعياً نحو هوامش الانحراف والضياع. وإن تشريعاً إصلاحياً يفرض بالقسر يمكن أن يخلق بدقائق وينفذ بساعات، لكن الوعي الاجتماعي الذي يحضن استمرار الإصلاح ويضمن نجاحه لا يمكن أن يخلق إلا بالتطور وبالحسنى التي يجب أن ترافق إنماء الوعي القومي وتفتيح الذات وتجميع الفعاليات. وعندما نقول بالحسنى، التي هي أجمل كلمات التنزيل الحكيم، إنما نقول بالرفق والتبصر في العواقب، ومعالجة الأمور بالحكمة والتسامح، أي بنظام الحرية في اشتراكية سمحاء.
أيها المواطنون، أخواني وأبنائي،
طالما أشرتم إليّ من قريب ومن بعيد، فرادى ومجتمعين، في سركم وعلنكم، وحملتموني تبعات التاريخ وعواقب الأمور، ولطالما وقفت من المسؤولين عن مصير هذه الوحدة موقف المواطن الناصح الذي يخاطب المواطنين كما يخاطب المسؤولين، داعياً إلى الحكمة والصبر والروية. طالما قلت لكم إننا نمر بتجربة فريدة، وإننا مسؤولون عن نجاحها، وإننا لن نفرط بالوحدة. في الوقت نفسه كنت أقول لمن بيدهم الأمر كله إن إعلان الوحدة شيء وممارستها شيء آخر، فبالعواطف قامت، وبالعقل والحكمة وبالحسنى تدوم. وقد بنيت الوحدة على جبل راسخ من الثقة، وليس إلا بهذه الثقة الجماعية يستمر نموها ويصلب عودها. وكانت كل مسؤوليتي، بعد أن تألف جهاز الوحدة السياسي، أن أكون مواطناً مع المواطنين، أشعر بشعورهم، وأفرح لفرحهم، وأتألم لألمهم، ولم أكن ضنيناً بكلمة حق أقولها، سواء أعبرت عن تفاؤل أو تشاؤم أو أية وجهة نظر. بل قد وقفت في بعض الأمور التي تمس كيان الوحدة، ووجدان الشعب من ورائها، موقف المحذر، لا موقف الناصح أو المخبر. وكنت أعلم في كل حال إن الأذن التي تصغي لي إنما هي أذن مجاملة لا أذن وعي، وإن اللسان الذي يخاطبني ليس لسان من يريد أن يعلم بأمر بل لسان من يقول بأنه أعلم بكل أمر. ثم كنت أعود لنفسي لأتساءل: هل يمكن أن نكون أكثر حرصاً على الوحدة من المسؤول عنها، وهي بين يديه وحدة أمام الله والتاريخ وأجيال العرب؟ ومن ذا الذي يجرؤ على التفريط بها وتبذير طاقاتها والاستهانة بالوجدان القومي الذي كان في أساس خلقها وتكوينها؟
إني لأنقل اليوم شعوركم أيها الأخوة، إذ أجيب بأن الذي فرط بالوحدة وأخلى بينها وبين الشعب هو جهاز الحكم برمته من الأعلى إلى الأدنى، جهاز الحكم الذي كان يخبط في أساس الوحدة على غير هدى وتبصر، جهاز الحكم الذي كانت له ألف عين وعين، لكنه لا يبصر بعين واحدة منها، جهاز الحكم تفكيراً وتدبيراً وتصميماً وتنفيذاً. هذا الجهاز الذي كان شديداً في موقف السماحة واللين، جباناً في موقف الحزم وقوة الإرادة، يتراخى عن محور الوحدة ليشد على محور النفوذ الرسمي والأنانية الشخصية، جهاز تألف للوحدة دون مستوى الوحدة خبرة وذكاء ووعياً وإيماناً، وتقرب إلى الشعب، ولكن بوصفه جلاد الشعب، جهاز الحكم الذي تألف كيانه البوليسي من قيادات ضمن قيادات، ولو طال بها الزمن لآل مصير الجمهورية كلها إلى مجموعة أقاليم يحكمها أفراد متنافرون. جهاز عجيب غريب، أنبت للجسم الواحد عدة رؤوس، وللرأس الواحد عدة ميول ونزوات وشهوات. جهاز الحكم تناوبته الزعازع، يتمرد بعضه على بعض، ويتربص يمينه بشماله، وتنفيذيه بمركزيه، حتى لتغدو صورة الحكم في الإقليم مثل صورة الحكم في آخر عهود الخلافات العربية.
ولقد كان في أساس هذه الأخطاء كلها قاعدة واحدة: تأمين الأقلية، وتخوين الأكثرية، وتسليط هيئات مصطنعة وأفراد على تنفيذ اشتراكية تعاونية لا يؤمنون بها ولا يعملون من أجلها ولا يفهمون أي مبدأ من مبادئ العدالة والتعاون. وكان كل مدار الثقة بهم أنهم حاقدون يكرهون الناس، ويتطيرون من وجوه الخير.
وعندما أتحدث عن جهاز الحكم ومساوئه، مصغياً إلى أصوات الألوف من أبناء الشعب، وعلى الأخص في هذا البلد العربي، فإني أشير بوصف خاص إلى إغفال هذا الشعب إغفالاً عجيباً في تقرير أنظمته وعدم الالتفات إلى هيئاته ومنظماته ونقاباته في استطلاع رأي على الأقل، أو عرض وجهة نظر أو مناقشة موضوع. ولم يبق في ساحتكم كمنظمة تزعم الانتساب إلى الشعب سوى الاتحاد القومي، الذي سيطرت عليه القوة التنفيذية سيطرة غاشمة لم تترك له سوى بعض مظاهر الإرادة الشعبية، مثل شؤون بلدية كتنظيف زقاق وتنوير حي وتمديد أنابيب. ولطالما شكا النواب المعينون لمجلس الأمة من عدم جدوى وجودهم تحت قبة المجلس، لأن ليس لهم من وظائف التمثيل النيابي سوى إقرار المشاريع التي كتبها موظفو الدولة، والتصويت عليها برفع الأيدي الصامتة. فإن يكن من وراء كل هذا التحفظ والتزمت نفسية الخوف من الشعب والحذر منه، ففي التاريخ ألوف الأمثلة على أن الشعب لا يلبث أن يحذر من يحذرونه، ويبتعد عن المبتعدين عنه، ويفتح الهوة الكبيرة بينه وبينهم. وإن يكن من وراء هذا الحذر والانكماش خطة مدبرة لتقليص المشتركين في البناء العام عدداً ونوعاً، فلا يبقى في مراتب النظام الاجتماعي سوى جهاز الدولة ومجموعة الأجراء الضعفاء، فإن العدالة الاجتماعية والتعاونية القومية بريئة من هذه الخطط ومخططيها.
ومهما يكن من شأن العقائد النظرية والسياسات العملية التي سادت مصر وسورية خلال الأعوام الثلاثة الأخيرة، فإنه من المحقق المؤكد أن البعض الذي قد يجوز تطبيقه في مصر، لا يمكن ولا يجدي تطبيقه في سورية، لاختلاف البيئات جغرافياً وبشرياً واجتماعياً. ومن المعروف الشائع إن خير الوحدات أو الاتحادات الناجحة في دول الأرض هي التي أعطت لامركزية واسعة لدويلاتها أو لولاياتها، ومنحتها في كثير من الشؤون حقوقاً تشريعية وتنظيمية، تخالف القوانين العليا والأفكار السائدة نفسها، لأن الوحدة في مفهومها العلمي والعملي، مهما يكن نظام الحكم الذي يسودها، ليست في إلغاء المصالح الصغيرة والمحلية، بل بالإقرار بها والاعتراف بضروراتها، والعمل على التنسيق بينها ضمن إطار رحب من السياسة العليا، وبذلك تضمن الدولة تكافل الوحدات الصغيرة وتعاونها، وتتلافي أحوال التمزق والتفكك التي تؤول إليها لزاماً أنظمة ضيقة ونظريات غيبية تفرض على الجماهير بالقسر والإذلال.
ومع كل ذلك، أيها الأخوة والأبناء الأعزاء، فإنني أعيذكم من أن تظنوا بأن التجربة الفاشلة في نظام الوحدة السياسية بين البلدين العربيين، إنما هي فشل للوحدة ذاتها كمبدأ وعقيدة وأمل أجيال. أعيذكم من التشاؤم في تطلعكم إلى مستقبل العرب على ضوء هذه التجربة الأولى في حياة الأمة، لأن هزة الفشل المريع لم تصب وجداننا، ولم تصب عقيدتنا وطموحاتنا القومية النبيلة، بل أجدر بها أن تصيب الذين أخطأوا وضلوا في أساليب النظر والعمل، وابتعدوا عن واقع الأمة وحقيقة الشعب وسنة التطور.
أعيذكم من الحساب العجول بأن فشل التجربة الأولى قد يعني فشل كل تجربة ومضاء في سبيل وحدة العرب. وإنه لجدير بي أن أذكّركم بما قلت يوم قيام هذه الوحدة، بأنه ليس من العجب أن تتحد أقطار العرب، بل العجب كل العجب أن تبقى على القطيعة والفرقة.
بل بوسعي أن أرفع صوتي عالياً بالتفاؤل، لأن التجربة الأولى في حياتنا القومية قد رسمت لنا طريقاً في التخطيط، لتشكل من أشكال الوحدة الراسخة البناء، يتوفر لها الباحثون والعلماء والمجربون، هيئات وأفراداً في كل بلد عربي، قبل أن ينظر فيها رجال الدولة والحاكمون ومجالسهم.
أقول وأرفع صوتي بالتفاؤل، لأن عمر الأمم لا يقاس بالسنوات القليلة، والشعوب التي تتوفر في حياتها التجارب، تتوافر لها دون سواها إمكانات النجاح والصواب. وإن يكن من حظ هذا البلد العربي الأمين أن يكون ميدان التجربة الأولى، فإنه، وهو صاحب رسالة ودعوة عربية عريقة، لأجدر أن يكون اليوم أكثر حماسة واندفاعاً إلى وحدة عربية جريئة يتقدم بها إلى الشعب العربي في جميع الديار، وفي مقدمتها مصر العربية الشقيقة.
ولكي تكونوا، أيها الأخوة المواطنون، على أهبة العمل ومستوى الدعوة والرسالة، عليكم أن تعلموا جميعاً بأنكم يجب أن تنطلقوا من قواعد صالحة للانطلاق، ومن أرض ثابتة راسخة تحت الأقدام. عليكم أن تدركوا بأن وحدتكم الوطنية، المدعومة بتعاون الأفراد والجماعات، وفي مقدمتها رجال العمل السياسي والتوجيه القومي والإصلاح الاجتماعي، هي المنطلق المكين الذي يؤهلكم لأداء الرسالة القومية، ويمهد للكلمة المخلصة الصادقة، ترسلونها في سبيل العروبة والحق.
إن الوحدة الوطنية التي تلزمها ظروفكم الداخلية والخارجية، ضرورة أساسية من ضرورات هذه المرحلة التي نجتازها في حياتنا القومية والدولية، لأنكم، شعباً وجيشاً، غدوتم ملء عين الزمان، والتاريخ ينظر إلى نياتكم وأعمالكم وعواقبها.
إن وحدتنا الوطنية ضرورة مبرمة من ضرورات الدفاع عن كياننا وعن قوميتنا وشرف عروبتنا ونحن نقف على خط النار إزاء العدو الصهيوني الأثيم، الذي لن نغمض عيوننا عن نزوات شروره وعدوانه، ولن نغفل في حسابنا معه مؤامرات الاستعمار ومكائد الغدر والغادرين.
وإن هذه الوحدة الوطنية التي يجب أن تتمسكوا بها أيها المواطنون، وتدعموها بكل عزيمة وإيمان، هي سبيلكم إلى دعم جيشكم الأمين في انطلاقه القوي إلى أهداف أمة العرب في تحرير فلسطين وكسر شوكة الغاصبين.
إن الوحدة الوطنية إنما تقوم على مبادئ وأهداف بينة، تلتفون حولها وتصدقون القول والعمل. ولكم من تاريخكم القريب والبعيد، قبل الوحدة، وقبل الجلاء، ومنذ طلائع فجر الجهاد، مبادئ وعقائد لا يمكنكم أن تحيدوا عنها مهما تبدلت الظروف وأنظمة الحكم وتعاقب الحكام.



وفي مقدمة هذه المبادئ المهمة:
- سلامة وطنية بجيش قوي.
- سيادة الدولة في الدعوة إلى السلام بالعدل وعدم الخضوع لمناطق النفوذ وسياسة الحرب والمعسكرات.
- اشتراك وجداني وعملي في نصرة القضايا العربية، في مقدمتها فلسطين والجزائر وعمان، وجميع قضايا التحرر العربي.
- متابعة الدأب من أجل تحقيق الوحدة العربية، والمباشرة بلا إبطاء في إرساء قواعد التضامن العربي، عسكرياً واقتصادياً وسياسياً.
- إعداد الشعب في الميدان الداخلي إعداداً منظماً، في مختلف نواحي النشاط الاجتماعي والاقتصادي والفكري، للإفادة من جميع الفعاليات على أساس من الحرية، كافلة الإنتاج والإبداع، وفي حدود تنهيج واقعي لإنماء الثروة القومية وبسط العدالة الاجتماعية ورفع مستوى المواطنين، وعلى الأخص عمالاً وفلاحين.
أنتم مدعوون أيها المواطنون إلى وحدة وطنية بميثاق قومي، تقوم على هدى المبادئ والعقائد التي هي مكاسب جهادكم وكفاحكم وسيرتكم القومية المشرفة، التي كانت منذ مطلع هذا القرن قدوة للشعوب ومناراً.
وإنني لوطيد الأمل في أن تبادروا إلى الخروج من تيارات الفترة العصيبة التي اجتزتموها بوعي وسلام، وتتطلعوا إلى المستقبل بشجاعة وعزم وتفاؤل. وأرجو أن تدركوا كل الإدراك حقيقة أولية من حقائقنا القومية العربية: إن أي نزاع واختلاف في الاجتهاد والرأي في نطاق المجموعة العربية لن يكون سوى خلاف عائلي عابر، من شأنه أن ينير الطريق ويرشد إلى الصواب ويمهد لجو أكثر ألفة وصفاء.
وإنه لجدير بي في كلمتي إليكم، أن أخص بتحية التقدير والإعجاب جيشكم المظفر، حامي الديار وحارس الشرف والكرامة والحرية. جيشكم الذي وضع نفسه في خدمة الحق والحرية، وأعرب في انتفاضته النزيهة الخيرة السمحاء عن آلامكم وآمالكم، التي هي آلامه وآماله، فأضاف إلى أوسمته التي تحملها رايته الخفاقة، أثمن وسام هو وسام الشعب.
أيها الأخوة والأبناء الأعزاء،
كلمتي الأخيرة إليكم أنكم أنتم وحدكم مسؤولون في تقرير المستقبل، وأن القيادات في صفوفكم عناوين زائلة، وتبقون أنتم الشعب، سطور البقاء والخلود. ولقد استطعت أن أتوفر على خدمة نضالكم وجهادكم، مواطناً عادياً وجندياً مكافحاً، أكثر مما أتيح لي أن أتوفر لهذه الخدمة الشريفة، رئيساً وحاكماً ومسؤولاً.
ولطالما أغدقتم عليّ من العطف والمحبة والعزة، ما ملأ نفسي رضى، وضميري طمأنينة، وليس من مزيد أبداً. وإن أعظم ما يطمح إليه عامل في الحقل العام، عانق القضية المقدسة منذ مطلع هذا القرن، فتى وشاباً وشيخاً، أن يستحق استمرار الرضى عنه في صفوف المواطنين العاديين، مواطناً صالحاً وجندياً أميناً.







#عزو_محمد_عبد_القادر_ناجي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- النص الكامل لدستور الجمهورية العربية السورية الصادر في 9/2/1 ...
- حقوق الإنسان بين الدستور السوري والقانون
- الدور الفرنسي في عدم الاستقرار السياسي في سوريا
- الدور الأمريكي في عدم الاستقرار السياسي في سوريا
- أول دستور عربي هو دستور المملكة السورية
- الدستور المؤقت للجمهورية العربية المتحدة 1958
- الحق في تكوين الجمعيات والمؤسسات الأهلية في الجزائر
- من حق كوسفو أن تستقل عن صربيا
- دور دول الهلال الخصيب في عدم الاستقرار السياسي في سوريا
- دور المحور المصري السعودي في عدم الاستقرار السياسي في سوريا
- أثر التدخلات الإقليمية: تركيا وإسرائيل على عدم الاستقرار الس ...
- دورالمعسكر الشيوعي في عدم الاستقرار السياسي في سوريا - الاتح ...
- الحزبية والصراع الحزبي في سوريا
- العشائرية وخصوصية الشعب والعوامل الشخصية وصراع الأجيال وتأثي ...
- العامل الاقتصادي والطبقي ودوره في عدم الاستقرار السياسي في س ...
- الطائفية والعرقية ودورهما في عدم الاستقرار السياسي في سوريا
- دور الجيش في عدم الاستقرار السياسي
- انقلابات عسكرية هزت استقرار سوريا
- عدم الاستقرار الحكومي ( الوزاري ) في سوريا
- العوامل الخارجية المؤثرة على الاستقرار السياسي


المزيد.....




- فن الغرافيتي -يكتسح- مجمّعا مهجورا وسط لوس أنجلوس بأمريكا..ك ...
- إماراتي يوثق -وردة الموت- في سماء أبوظبي بمشهد مثير للإعجاب ...
- بعد التشويش بأنظمة تحديد المواقع.. رئيس -هيئة الاتصالات- الأ ...
- قبل ساعات من هجوم إسرائيل.. ماذا قال وزير خارجية إيران لـCNN ...
- قائد الجيش الإيراني يوضح حقيقة سبب الانفجارات في سماء أصفهان ...
- فيديو: في خان يونس... فلسطينيون ينبشون القبور المؤقتة أملًا ...
- ضريبة الإعجاب! السجن لمعجبة أمطرت هاري ستايلز بـ8 آلاف رسالة ...
- لافروف في مقابلة مع وسائل إعلام روسية يتحدث عن أولويات السيا ...
- بدعوى وجود حشرة في الطعام.. وافدان بالإمارات يطلبان 100 ألف ...
- إصابة جنديين إسرائيليين بجروح باشتباك مع فلسطينيين في مخيم ن ...


المزيد.....

- الجغرافيا السياسية لإدارة بايدن / مرزوق الحلالي
- أزمة الطاقة العالمية والحرب الأوكرانية.. دراسة في سياق الصرا ... / مجدى عبد الهادى
- الاداة الاقتصادية للولايات الامتحدة تجاه افريقيا في القرن ال ... / ياسر سعد السلوم
- التّعاون وضبط النفس  من أجلِ سياسةٍ أمنيّة ألمانيّة أوروبيّة ... / حامد فضل الله
- إثيوبيا انطلاقة جديدة: سيناريوات التنمية والمصالح الأجنبية / حامد فضل الله
- دور الاتحاد الأوروبي في تحقيق التعاون الدولي والإقليمي في ظل ... / بشار سلوت
- أثر العولمة على الاقتصاد في دول العالم الثالث / الاء ناصر باكير
- اطروحة جدلية التدخل والسيادة في عصر الامن المعولم / علاء هادي الحطاب
- اطروحة التقاطع والالتقاء بين الواقعية البنيوية والهجومية الد ... / علاء هادي الحطاب
- الاستراتيجيه الاسرائيله تجاه الامن الإقليمي (دراسة نظرية تحل ... / بشير النجاب


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - السياسة والعلاقات الدولية - عزو محمد عبد القادر ناجي - وثائق في تاريخ سوريا