أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - سيرة ذاتية - عبد الرزاق حرج - سيرة بن سباهي ....الجزء الحادي والعشرون















المزيد.....

سيرة بن سباهي ....الجزء الحادي والعشرون


عبد الرزاق حرج

الحوار المتمدن-العدد: 2322 - 2008 / 6 / 24 - 09:12
المحور: سيرة ذاتية
    


لقد أردت فحسب أن أقول للناس بصدق وصراحة.. أنظروا الى أنفسكم، أنظروا كيف تحيون حياة سيئة مملة. فأهم كل شئ أن يفهم الناس ذلك، وعندما يفهمون سيشيدون حتما حياة أخرى أفضل. ولن أراها، ولكني أعرف أنها ستكون حياة مختلفة تماما، لاتشبه هذه الحياة. وطالما لم تحل فسوف أظل أردد للناس مرة بعد مرة ..فلتفهموا كيف تحيون حياة سيئة مملة....أنطوان تشيخوف ..أديب روسي

أستيقظت صباحا متعب من الليلة المنكودة والسهاد ترك بصماته على وجهي الكحلي ..نهضت مسرعا من الفراش الحار غسلت وجهي المسهد في حمام المحلية. ذهبت الى صديقي القرداغي بدون فطور وأبخرة الحرارة وكوم الغيوم تسير بوجوه رمادية الى الشرق .تخلصت من الشوارع المزدحمة بحركة الناس والمحركات العاجة بروائح الدخان عبرت السوق المختنق في بضاعتها الصيفية ..دلفت الى شقة صديقي القرداغي المحصورة بين شقق المجمع السكاني ..طرقت الباب وجسدي تعفن بروائح العرق الصيفي من صعود السلالم ..فتحت لي الباب زوجته بزيها الكردي ..أمرأة نحيفة وطويلة ووجها طويل وخجل وعمرها في العشرينيات ..قالت لي تفزل ..سألتها عن زوجها ..قالت لي ..أي أي وهي تهز براسها المثلث ..هو أهنا ..دخلت وجلست على أحد الكراسي في صالة الشقة مباشرتا ..قبل أيام كنت ضيف المساء عندهم ..الشقة لم تجرد من الكرامة بالرغم الفقر لكن نوافذها مفتوحة على الطبيعة جدرانها نظيفة مزينة بصور العائلة ولوحات زيتية لرسومات أشجار ووجوه نسائية كردية وجبال شاهقة لكن تتحسر على الهواء ونحس الكهرباء ..وضعت زوجته على طاولة صغيرة مربعة وسط الصالة دورق زجاجي من الماء البارد وقدح يلج بنظافته ..قالت لي ..كاكه وأبتسامة خفيفة على فمها ..(راه،) يجي ..هو( بالهمام، ).. وتركتني وذهبت الى أحدى غرف الشقة.. (أرجو أن يتسع صدر قارئي بفك عقدة السيرة قد أوجع رأس القارئ بالشخصيات الثانوية لكن هي أمتداد للسيرة) ..كنت أنظر الى صور العائلة ومراَة الذاكرة تصفحت سيرة القرداغي ..أتذكر جسمه الطويل والنحيف ووجهه الطفولي منفر ومريض يميل الى الآصفرار لسوء التغذية في زنزانات الآعدام كحبة بطيخ تحت رحمت اللهيب والقلاية وقصات شعره سيئة ويتكلم بفم صغير كوشوشة طفل خجل من صعوبة توصيل الكلام ..لكن عندما كان يتلو( البندر،) حكم الآعدام على القرداغي..رمى حذائه القذر في وجه البندر ..نزل الى الآحكام المؤبدة وهو بحالة صحية سيئة ..كان محاصرا من قبل الآمن في السجن ..كثير الحجر بالرغم صغر سنه ..وملعونا من قبل الشيوعين بسبب قضية عمه الذي أنشق عن الحزب ..في أحد الآمسيات في السجن ..كان السجناء يستمعون الى عرض الآنباء بشكل جبري ..في ذلك الحين سمعنا عن طريق المذياع باسم القرداغي الحضور الى غرفة الآمن ..طول الممر من غرفة الامن الى قواطع السجن عشرات الآمتار ..بعد أكثر من عشرة دقائق ..كانت أصوات الهروات الخشبية والبلاستيكة وايدي رجال الامن تسحب جسد القرداغي على طول الممر الصلب ..توقفت أنفاسنا ونحن ننظر الى باب القاطع وهم يرمون علينا جثة القرداغي ..ركضت بأندفاع لاستقبال جثة القرداغي ..نهض ودفع يداي بقوة ووجهه المنكمش كأوراق الشجر وسط النار يلعن ويزبد بوجهي ..كاد يختنق من شدة الآنفعال والآلم داعب كل كيان تفكيره ..كان يسير وفمه يشتم والدم ينزف من أنفه ورجليه ويديه ورأسه ..عندما وصل الى فرا شه سمعت أسمي عبر المذياع الحضور الى غرفة الآمن ..كانوا ثلاث رجال أمن ينتظروني في الغرفة ..قبل أن أدخل الغرفة ..أمطروني( بالتواثي،) والصفعات ..كان أحدهم قصير القامة سحب رأسي وصدمها بركبته ..وقعت على الآرض الصلبة ..سحبوني الى القاطع والركلات والرفس على وجهي وجسدي ورأسي لم تتوقف الى أن أدخلوني الى القاطع ..فمي تشقق وعيناي نافحه بغباء البطولة بالرغم تورمها وجسدي الضخم أنهرس بجنون ضربات الجلادون....لا أفهم طبيعة الذنب الذي هز كيان رجال الآمن ...كاد واحدا منهم أن يطفأ عيناي وهو يقول أثناء ضربه على عيناي ..أريد أعمي أعيونك ..هاي ..جنها ..أعيون أكحاب ...توقفت سلسلة الذاكرة حين أقبل قرداغي وهو يسلم ..قال لي ..مابك ..قلت لاشئ ..لكن أريد شاي ..ضحك وقال ..زوجتي تحضر الفطور ..كنا نأكل ونتكلم ..قلت له ..أريد ان أترك المنام في المحلية ..قال هذه مسألة بسيطة ..لكن لماذا ..سردت له ماحدث في ليل الآمس ..رجع جسده الى خلف الكرسي ..كان وجهه العنيد حتى الآستبداد جلجله ونخره الحزن المستديم اطفئ روح شبابه مبكرا بالرغم انه لم يتجاوز الثلاثون من عمره ..أصبح وجهه الطفولي كرجل عجوز ..قال لي ..أنت تعرف بيتي مفتوح لك ..هذه مسألة تعرفها جيدا ..لكن عليك أخبار الحزب في ذلك الآمر ..لآن هذه من الضروريات ليس الآ ..خرجت من شقته بعد الآتفاق ان ابيت عنده .. تركت كل الآسباب والتفاصيل حول أستدعاء الجاوي مسؤول الحرس أمام لجنة محلية السليمانية..كان الوقت يزحف الى الظهر ..وصلت الى قاعة الثقافة القريبة من سنتر المدينة ..فيها أجنحة للرسم والمسرح وقاعة للسينما ..ذكرتني في قاعة كولبكيان في بغداد ..بالرغم غير متشابهتان في الآجنحة والمراسم والفنانون ..لكن الفن وصوره بطبيعته يعبر عن الآنسان وبيئته ..ألتقيت بأحد أصدقاء السجن ..جلسنا في أحد غرف القاعة كنا نشرب الشاي ..قال لي وهو يمسح رقبته من العرق بمنديل قماشي ..كان قميصه أسود نصف ردن وبنطاله صيفي أبيض ..كان يسألني وهو يستمر في مسح أنفه المعقوف الى الآسفل ووجهه كقشور الرمان ..قال لي ..سمعنا لك نشاطات في قرداغ ..أو شاركت في أحد الفعاليات الحزبية ..كانت شفتيه ترتسم عليها الآبتسامة الساخرة ..قلت له ..كلا ..ووجهي يبتز وجدان أخلاق الحقيقة .....تقصد الى أحد البيوت في منطقة قرداغ التي يسكن بها الهاربون من النظام ..قال لي نعم ..ضحكت ..قلت هل تعتقد زيارتي الى هيكل بدون أبواب ونوافذ وكهرباء وماء ..وفيها أكثر من عشرة نفرات ..هي جولة ميدانية ..توقفت عن الحديث ثواني ..تابعت الكلام ..قلت له ..تصور ..أشخاص تنام في حفرة كأنها قبر ..نظر لي بعينيه الواسعة ..ووجهه يزداد أحمرار ..قال لي ..لكن أفضل من نوم الشارع ..أضافة لذلك يعطون شهريا 300 دينار سويسري للفرد الواحد ..كان يتكلم كشلال هادر في تدفق الكلمات ..قلت له ..حسب علمي ..ترفع قوائم بأسماء هؤلاء الى حكومة السليمانية ..يحسب لهم كل فرد شهريا ..500 دينار سويسري..بأعتبار لهم علاقة مع الحزب ..قال لي ..ماذا تقصد ..قلت له ..سوف أفسر لك هذه المعادلة البسيطه ..قال لي وهو يمد بوزه ..تكلم .. قلت لنفترض هم الآن عشرة وأنا عندي يقين يزدادون في الآشهر المقبلة..قال نعم ...أضرب 200 في عشرة ..قال ..يصبح ألفان ..هل من المعقول شهريا تقطع 2000 دينار عراقي الى نثريت الحزب ..تابعت كلامي في جمل سريعة ..أي نشاطات ..تصور حتى الهيكل الذي يسكنون به هؤلاء الضحايا بخدمات أجتماعية سيئة ..مسجل أيجار ..قال لي ..لكن من الذي يتحمل المسوؤلية ..الحزب ..أم المسؤول عن هذا النشاط ..توقف عن الكلام بعض لحظات وعيناه شارده ..قال يعني ..أو أعتقد هذه سرقة ..قلت له ..كيف ..قال ..لنفترض الحزب لايعلم لا بالعدد الكلي ..أذن تذهب هذه الآموال ..في جيب المسؤول عن هذه النشاطات ..قلت له ..ولكن كم يأخذ ذلك المسؤول الحزبي من قيادة االحزب ..قال لي بصوت غاضب ووجهه أنكمش كقشرة رمانة جافة ..أكثر من الف وربع ..قلت أجمع هذا المبالغ على هذه الغنيمة أو اللعبة الغبية ..كم يصبح راتب ذلك القيادي في الشهر ..قال ..أعتقد أكثر من ثلاث الآف دينارسويسري ..قلت له ..هذه مجرد نشاطات ترفيهية ..ضحكنا ونحن ننهض ..خرجنا من الغرفة ..عرفني على أحد النساء الآلمانيات في ممر القاعة ..أخذني الى بيتهم القريب الى المستشفى المركزي ..أكلنا وجبة طعام ونحن نضحك من هذه اللعبة القذرة ..يتبع




#عبد_الرزاق_حرج (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- سيرة بن سباهي ....الجزء العشرون
- سيرة بن سباهي ....الجزء التاسع عشر
- سيرة بن سباهي ....الجزء الثامن عشر
- سيرة بن سباهي ....الجزء السابع عشر
- سيرة بن سباهي ....الجزء السادس عشر
- سيرة بن سباهي ....الجزء الخامس عشر
- سيرة بن سباهي ....الجزء الرابع عشر
- سيرة بن سباهي ....الجزء الثالث عشر
- سيرة بن سباهي ....الجزء الثاني عشر
- سيرة بن سباهي ....الجزء الحادي عشر
- سيرة بن سباهي ....الجزء العاشر
- سيرة بن سباهي ....الجزء التاسع
- سيرة بن سباهي ....الجزء الثامن
- سيرة بن سباهي ....الجزء السابع
- سيرة بن سباهي ....الجزء السادس
- سيرة بن سباهي ....الجزء الخامس
- سيرة بن سباهي ....الجزء الرابع
- سيرة بن سباهي ....الجزء الثالث
- سيرة بن سباهي ...الجزء الثاني
- سيرة بن سباهي ..الجزء الآول


المزيد.....




- بوتين: ليس المتطرفون فقط وراء الهجمات الإرهابية في العالم بل ...
- ما هي القضايا القانونية التي يواجهها ترامب؟
- شاهد: طلاب في تورينو يطالبون بوقف التعاون بين الجامعات الإيط ...
- مصر - قطع التيار الكهربي بين تبرير الحكومة وغضب الشعب
- بينها ليوبارد وبرادلي.. معرض في موسكو لغنائم الجيش الروسي ( ...
- الجيش الإسرائيلي يقصف مواقع وقاذفات صواريخ لـ-حزب الله- في ج ...
- ضابط روسي يؤكد زيادة وتيرة استخدام أوكرانيا للذخائر الكيميائ ...
- خبير عسكري يؤكد استخدام القوات الأوكرانية طائرات ورقية في مق ...
- -إحدى مدن حضارتنا العريقة-.. تغريدة أردوغان تشعل مواقع التوا ...
- صلاح السعدني عُمدة الدراما المصرية.. وترند الجنازات


المزيد.....

- سيرة القيد والقلم / نبهان خريشة
- سيرة الضوء... صفحات من حياة الشيخ خطاب صالح الضامن / خطاب عمران الضامن
- على أطلال جيلنا - وأيام كانت معهم / سعيد العليمى
- الجاسوسية بنكهة مغربية / جدو جبريل
- رواية سيدي قنصل بابل / نبيل نوري لگزار موحان
- الناس في صعيد مصر: ذكريات الطفولة / أيمن زهري
- يوميات الحرب والحب والخوف / حسين علي الحمداني
- ادمان السياسة - سيرة من القومية للماركسية للديمقراطية / جورج كتن
- بصراحة.. لا غير.. / وديع العبيدي
- تروبادورالثورة الدائمة بشير السباعى - تشماويون وتروتسكيون / سعيد العليمى


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - سيرة ذاتية - عبد الرزاق حرج - سيرة بن سباهي ....الجزء الحادي والعشرون