أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - اشرف بيدس - الحياة علي حافة الموت















المزيد.....

الحياة علي حافة الموت


اشرف بيدس

الحوار المتمدن-العدد: 2299 - 2008 / 6 / 1 - 09:06
المحور: الادب والفن
    



ما بين حشرجة الموت والاحتضار، ما بين الجوعي والعطشي ، ما بين الحاجة والحرمان، ما بين الغربة والإبعاد، وما بين الحسرة والألم 00 وما بين البكاء والنواح، تنشد الأوطان أغنية الخلاص، ترسم ملامح الوطن، وتعيد كتابة التاريخ من جديد، تذود عن الأرض بالمال والبنين والبنات والسكينة وراحة البال وانقطاع الحلم، تواصل مد جسور البقاءبعظامها وسواعدها وآناتها وآلامها وجراحها00 ينشق ما بين الصحراء النهر يروي الشفاة المتعبة العطشة، ويسقي الزرع علي ضفتيه ، ويعزف لحن الرجوع للغائبين، ويترحم رحمة واسعة علي الشهداء، فتخضر الحياة وتحضر، يدافع الإنسان عن وطنه ويكتب له شهادة ميلاده وصك أمان، يضحي بدمه ، فتعود ضحكة الأطفال لتسع الدنيا وتحتضن الطيور، يشرق صبح جديد يطرح أماناً وأحلاماً للأجيال القادمة00تولد الأوطان فيدفع أبناؤها الأبرار الثمن غاليا00
يأتي الصيف بقيظه متضفرا مع النار المتأججة في صدورنا00 والنار المنطلقة من المدافع00 والنار المتسربة من آبار البترول ليجعل الدنيا جحيما لا يطاق00 وفي هذه الرمضاء نكتب من جديد تواريخ لا تنسي، نكتب علي الجدران وصايا العمر نربت علي الأكتاف، ونشد علي الأيدي00ونردد الشهادة، أوطانكم ملاذكم 00 أوطانكم شرفكم وعرضكم00 ترابها ضي العيون وكحل البنات00لا تساوموا 00 لا تتهاونوا 00 لا تنسوا00 أوطانكم خبزكم وملحكم00 فأصنعوا من قمح الغيطان شوار الصبايا لعرس الشهيد0
كان يدعي الغزاة بأنهم بابا نويل الذي سيوزع علي الأطفال الهدايا والحلوي لكنه أفرط في غدق الهلع والفزع في قلوبهم، وانتزع البراءة من عيونهم، وصوب نحوهم مدافعه وقنابله فاحتلوا أماكنهم راضين مستسلمين بالمشافي، وعلقت لهم المحاليل والمضادات الحيوية، ودارت الكاميرات لتبث لأطفال العالم هدايا بابا نويل وهو يرتدي ملابسه الحمراء بلون دم الأبرياء في فلسطين وأفغانستان وفيتنام واليابان والعراق، كشف بابا نويل عن وجهه القبيح، وعن أنيابه التي غرزها في أجسامهم الطرية البريئة، دارت الكاميرات لتبث لنساء العالم مشاهد النساء المتشحات بالسواد والثكالي علي أبنائهن وأزواجهن وديارهن وأوطانهن00 لم تعد تكفي أسرة المشافي، فالجرح يتسع وينزف ، وتتزايد معه أعداد الجرحي والقتلي، فامتلأت القبور بالشهداء، وامتلأت الشوارع بالدماء المراقة يمينا ويسارا00
أصبح الآن اللعب علي المكشوف، بعدما أسدل الستار علي الهزل الهوليودي الذي كانت يصدرونه عبر الأفواه المأجورة، وباتت الوجوه في الوجوه، تحتد وتنتفض وتكشر 00تفرغ ما بداخلها من شرور 00 تبخ السم هنا وهناك، واتضحا للجميع النوايا السيئة المختبئة والمتسترة 00 وتبخرت الحكمة الكاذبة التي كانت تخفي وراءها الأفعال الفاضحة وجرائم الحرب المجرمة0
في غرف التحقيق، في مراكز البوليس، في السجون
تجمعوا كالدمع في العيون
وهؤلاء كلهم00
في أي00 أي لحظة
من كل أبواب «بغداد» سيدخلون00
نزار قباني
من يري وجوه الطغاة العابسة وهم يلقون بياناتهم العسكرية يدرك جيدا حجم المأساة التي يشعرون بها، يتجلي هذا في نظراتهم الزائغة التي تبحث عن ابتسامة مصطنعة مفتعلة، وملامح الحدة تخلو من أي رضا00 يحاولون قدر استطاعتهم أن يخفوا عن الكاميرات وجوههم القبيحة الدميمة الوقحة00 من يسمع بياناتهم «المضروبة» الكاذبة الخادعة الماكرة، يدرك جيدا حجم المأساة والتخبط الذين يعيشونه، فقد ذلت أقدامهم في الوحل وغاصت، إن حرب الأزرار باتت الآن حرب شوارع، يستخدمون فيها كل الوسائل غير المشروعة والممنوعة والمحظورة، لم تنته المعركة بعد، رغم كل هذا الضجيج والزهو بالانتصار المزيف، في الحرب المزيفة، للنوايا المزيفة00 فلسوف تقصم ظهورهم أجلا أو عاجلا، ويتعقبهم الصبية في الشوارع ويجرون خلفهم ، ولسوف يختبئون في الجحيم حتي لا تطولهم الأيادي00 إن الحرب لم تنته، بل بدأت الآن00 الآن فقط00
سؤال يتردد علي كل الشفاة الآن00 ما الذي يجعل الطاغوت الطاعون يلقي أخباره الملفقة المزورة ويصادر الآراء حولها؟ ما الذي يجعل الغزاة يلجأون لتكميم كل الأفواه؟ ما الذي يجعل الجناة يتعمدون بث مشاهد تجمع الصبية حول جنودهم لإيهام الرأي العام برضاء الناس لوجودهم؟ وهم أعلم بشعورهم0
سيأتي صبحا نرتل فيه آيات النصر، وأناشيد البطولة، فمع صوت المدافع، تصمت القصائد البليدة المستكينة الخاضعة القانعة00ولا صوت يعلو فوق صوت الشهيد، لن يتاجروا بنا علي أرصفتهم المشبوهة00 وسنعرض صورهم القبيحة، وهم يعبئون الرجال ويشحنونهم في العربات معصوبي العين ، مربوطي الأيدي إلي معسكرات الاعتقال ليحاكموهم بتهمة حب الوطن، وفي مشهد آخر يقوم أطباؤهم بالكشف علي أولادهم ونساؤهم، من نصدق؟ عيوننا أم عيونهم! علي من يضحكون علينا أم علي أنفسهم00
هذا زمن الاستثناء والدهشة، ومن الخراب يولد أمل وبشارة يتمثل في راشيل كوري حالة خاصة للمثالية، لا تحمل جنسية ولا تنتمي لوطن00 مثلا لا يمثل استثناء ولا يرسخ قاعدة0
حتي دموع أمهات الطغاة اللائي فقدن أبناءهن، نحترمها، نحترم حرقة قلوبهن وقلقهن، لكننا أحوج لمن يحترم أحزان أمهاتنا الواقفات علي مراسي الوطن في انتظار ابنا لن يعود، وآلاف الزوجات اللائي فقدن أزواجهن00 وآلاف الأطفال الذين فقدوا آبائهم00 وآلاف وآلاف00وآلاف 00 فهذه قطرة حزن في بحور وبحار ومحيطات وأنهار الأحزان العربية الدائمة الدائبة منذ آلاف السنين0
عندما يستصعب علينا ترديد الحكايات المرة في الأزمنة الكالحة، يزحف الشجن إلينا، ويداعب الحزن والألم الساكن في أحشائنا00 نغوص داخل الذكريات لنرتشف المرارة كل صباح، كل مساء، قبل الأكل وبعده، نرتجف، نشعر بالخوف من المجهول والحاضر والقادم والماضي00 نشعر وكأننا في صحراء واسعة شاسعة، نعيش داخل حدود المكان الموحش بنصف قلب ونصف عقل ونصف جسد، فنصير أنصاف بني آدمين، ونتحمل بهذه الأنصاف جرعات الألم مضاعفة00
ما ثمن الدموع التي تذرفها الأمهات كل صباح؟ ما ثمن الخوف الذي ينتاب الأطفال؟ من يدفع ثمن هذه الفواتير الغالية؟ يتسول المرتزقة الجدد داخل أيامنا وليالينا00 يتسكعون ويتجولون، يتصعلكون في الشواريع ويتفقدون الحالة الأمنية، بعدما عمت الفوضي أرجاء المكان، حيث السطو والقتل والبلطجة تحت أعينهم في البصرة، يشجعون عليها ويباركونها، ويقفون يشاهدونها مستمتعين بالخراب، يروحون ويجيئون وكأنها بلدانهم، يدخلون البيوت والمحال والدواوين دون استئذان، ويفتشون ويبعثرون، ويصحبون معهم ما يشاءون من رجال وأمان وأحلام، ويتركون بعضا من زجاجات المياه الغازية الطاغية الغاشمة0
لن نهرب أحلامنا عبر الحدود العميلة 00 ولن ندفن رؤوسنا في رمل الصحراء المستحيلة00ولن نخفي أسماءنا في هوامش الكتب الذليلة00
عندما يصمت القلم عن الكتابة وتتطاير الأوراق البيضاء في السماء00 تسجل العيون الحدث00 وشما علي القلوب 00 لا يموت00 لا يمحي00لا يغيب00 حتي وأن توقفت الشرايين عن ضخ الدماء إلي القلب الجريح الذبيح00



#اشرف_بيدس (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الشتاء الحزين
- راشيل.. زهرة البنفسج


المزيد.....




- الثقافة الفلسطينية: 32 مؤسسة ثقافية تضررت جزئيا أو كليا في ح ...
- في وداع صلاح السعدني.. فنانون ينعون عمدة الدراما المصرية
- وفاة -عمدة الدراما المصرية- الممثل صلاح السعدني عن عمر ناهز ...
- موسكو.. افتتاح معرض عن العملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا
- فنان مصري يكشف سبب وفاة صلاح السعدني ولحظاته الأخيرة
- بنتُ السراب
- مصر.. دفن صلاح السعدني بجانب فنان مشهور عاهده بالبقاء في جوا ...
- -الضربة المصرية لداعش في ليبيا-.. الإعلان عن موعد عرض فيلم - ...
- أردوغان يشكك بالروايات الإسرائيلية والإيرانية والأمريكية لهج ...
- الموت يغيب الفنان المصري صلاح السعدني


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - اشرف بيدس - الحياة علي حافة الموت