أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - اشرف بيدس - الشتاء الحزين















المزيد.....

الشتاء الحزين


اشرف بيدس

الحوار المتمدن-العدد: 2289 - 2008 / 5 / 22 - 04:40
المحور: الادب والفن
    



في الشتاء الحزين نتنازل عن أرصفة النوم وعن دفء الحكايات التي تقصر مسافات السهر وعناء البرد، والتفكير في غد يحمل أخباراً مشرقة لأطفال مازالت قلوبهم بيضاء في حاجة ملحة للأمان كبقية أطفال العالم.. لشوارع آمنة، ليس مهما أن تكون واسعة أو ضيقة. يحتاجون إلي فرشة دافئة.. حضن لم توقفه صفارات الغارات.. مدرسة يتعلمون فيها..
نتنازل عن أوراق الشجر التي نتدثر بها من عيون البصاصين.. ونبقي في مواجهة الريح عراه .. يصفر في أحلامنا ويداعبنا رغما عنا.. يطلق كوابيسه المزعجة التي تستبيح الهدوء المؤقت.. وتراهن دائما علي راحتنا.. ويجاهر في إباحية بصلفه وغطرسته مزهوا بقوته في ظلمة الليل وسكونه.. يتسكع في الشوارع المذعورة التي تستريح من يوم شاق ويتعقبها أينما ذهبت لتداوم في الغد يوما أكثر شقاء..
مازلنا نسير علي الأرض العرجاء.. بنصف ساق، وأحيانا نحبو.. نحصي التراب والرمال وأثار الخطوات.. ورغم أن الطرق بحالتها المعهودة مليئة بالحفر والنتوءات والاكمنة.. إلا أننا مازلنا نسير في رحابة ولم نتذمر مما يعترض خطانا.. نزيح الأذي عن الطريق.. ونكمل السير.. وتمضي بنا الأيام إلي حيث ما تخبئه.. فلا نتوه في غياهبها ولا تتباعد أيادينا المتشابكة.. وتصير الأكتاف في الاكتاف تشد من أزر بعضها البعض.. فالمشوار طويل.. أطول من جروحنا الساكنة في صدورنا..
شتاء حزين.. صيف حزين .. هكذا تأتي علينا الأيام وتتوالي فصولها الحزينة.. نترجي الرزق وطلب العيش.. ونشقي في توفير القليل من احتياجاتنا التي لا تكفي.. نغسل الثياب البالية.. ونسد الجوع ببعض ما توفر.. ونجهض الرغبة في الشبع .. بنصف الحاجة نعيش.. نمنع الدموع المترقرقة المحبوسة في الأهداب من السقوط .. ونقمع الآهات في الصدور ونكتمها.. لكننا بشوشون باسمون مقبلون علي الحياة.. وكأن رغد العيش موفور إلي حد التخمة ، ويحركنا إلي المزيد.. هناك دائما ما يدفعنا لتجاوز رغباتنا نحو أشياء أسمي وأنقي وأرقي.. تلك غايتنا التي لن نحيد عنها .. تعبث بنا الحياة حينا ونعبث بها أحيانا.. تهزمنا ونهزمها.. تطول منا الكثير ونطمح فيها للقليل.. لكن الأيام تدور علي أي حال.. ونأمل ألا تدور علينا .
.. نعيش تحت خط الفقر.. وتحت الخط الأدني من الفقر.. نعاني.. نعاني.. مللنا المعاناة.. ترتد إلينا استغاثاتنا ونداءاتنا وصراخاتنا من جديد فتؤلمنا وتقتلنا وتزيد معاناتنا وتكون أشد وطأة من تلك التي يطلقها المحتل..
نحن العشاق المؤجلون حتي اشعار آخر، تسنح فيه الظروف بإعادة أجنحة الطير المتساقطة.. وينقشع عن السماء الغبار الكثيف حتي تطير دون رصد أو مراقبة ودون أن تأخذ تصاريح بالعبور والتحليق من أجهزة القمع.. فالطير في أوطاننا يحتاج دائما أذوناً للطيران.. وحتي يأتي يوم مشهود سنظل في الطوابير ننتظر..
نحن المشتاقون دوما لأحيائنا المهجورة ومدارسنا الموصدة وبيوتنا المقلوعة وأحلامنا المؤجلة بأوامر منع الحلم والحياة.. نحن المشتاقون لهوائنا وزيتوننا وخبزنا وملحنا ومائنا دون وصاية أو تقتير.. ونحن المشتاقون لألبوماتنا الخاصة والتي تجمع صور الآباء والأجداد وذكريات الطفولة والتي صودرت بحجة خطورتها .. فهم يصادرون كل شيء يمكن استغلاله لكشف ادعاءاتهم وضلالهم..
«سجل!
أنا عربي
وأعمل مع رفاق الكدح في محجر
وأطفالي ثمانية
أسل لهم رغيف الخبز..
والأثواب والدفتر
من الصخر..
محمود درويش»
يحاولون حجب الشمس عنا بأسوار أسمنتية حتي إذا فتح صبحنا الحزين عينيه لا يري شيئا سوي جرافاتهم ودباباتهم وعساكرهم.. نتلقي الضربات والطعنات من كل اتجاه.. ونقاوم في وهن.. لكننا نقاوم.. ونفتش في الجرائد والأخبار عن خبر يسر القلب.. فلا نجد شيئا غير القتلي والجرحي والمفقودين والمعتقلين والمنفيين.. ولائحة كبيرة بالممنوعات والمحظورات.. فلا شيء يأتي من الغرب يسر القلب..
ثلثا شعبي لاجئ .. لا يستطيع العودة إلي دياره.. ثلثا شعبي مطرود قسرا وطوعا.. لا يستطيع العودة مرة أخري.. كل اللاجئين عادوا .. إلا نحن.. كل المطرودين عادوا إلا نحن .. كل المسافرين عادوا إلا نحن.. يرسم الشتات فينا خرائطه الخرافية..
الثلث الباقي من شعبي تجري له عمليات التصفية كل يوم .. كل يوم.. لا توجد جريدة في الدنيا إلا وتحمل خبرا عن شهيد .. او موضوعا مقرونا بالصور عن عمليات القمع والبلطجة التي تمارس كل يوم .. كل يوم..
في الوطن الممتد من الجرح إلي الجرح.. ينمو في العدم قبس من نور.. يتخفي وراء الصمت الموحش.. يوقظ في الأحداق الرغبة.. ويواصل زحفه .. يعلن عن عصيانه.. يتسنح فرصة يجثم فيها علي صدر المحتل.. يتمهل أحيانا .. يتروي.. لكنه لا يفقد إصراره وإيمانه.. فحياته دوما مرهونة بفك الأسر عن أوطانه..
من خلف الاسوار الشائكة العالية نشتاق للبحر المسجون.. وتعز الرؤية لدقائق.. تبدو النظرات شحيحة نفتح كتب التاريخ لنبحث عن صورة مفقودة ..
يتساقطون .. يتساقطون.. من الذاكرة ومن التاريخ يتساقطون.. ينزع الموت كل يوم من البساتين زهرة رويناها بدمائنا وما تبقي من ماء كنا نشربه.. يخطف أحلي الزهور ويخلف وراءها الذكريات الحزينة .. عندما يأتي موسم الحصاد لا مفر من جني الثمار.. وإلا سقطت علي الأرض وداستها الأقدام.. وما أكثر مواسم حصاد البشر في أوطاننا..
هل نحن في حاجة إلي سيف مسحور يشطر كل رءوس الشياطين والأبالسة والأفاعي السامة.. سيف يعيد من جديد.. ترتيب الفوضي المنتشرة في كل الأرجاء.. سيف يقيم العدل ويثبته ويحميه.. نحتاج إلي سيف عادل يكيل بمكيال الحق والصدق، لا يرتدي أقنعة للمتاجرة والمزايدة.. وفرض معايير مختلة حسب الحاجة وما تقتضيه المصلحة..
هناك أناس في الجانب الآخر .. ينتظرون ويتطلعون إلينا.. يأملون الخير أو بعض الخير.. يتوجسون فينا المروءة .. لكننا نخذلهم دائما .. ونحبط آمالهم.
فعندما تتواري الحقائق الناصعة ليحتل البهتان جانبا كبيرا من حياتنا نتوه في سراديب العدمية ونفقد القدرة علي تمييز الأشياء.. تترامي الصور والحكايات وتمر علينا دون أن ننتبه لما تحويه من مآس وفواجع ونهايات سريعة وغير سعيدة لكل ما يحيط بنا..



#اشرف_بيدس (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- راشيل.. زهرة البنفسج


المزيد.....




- للجمهور المتعطش للخوف.. أفضل أفلام الرعب في النصف الأول من 2 ...
- ملتقى إعلامى بالجامعة العربية يبحث دور الاعلام في ترسيخ ثقاف ...
- تردد قناة زي ألوان على الأقمار الصناعية 2025 وكيفية ضبط لمتا ...
- مصر.. أسرة أم كلثوم تحذر بعد انتشار فيديو بالذكاء الاصطناعي ...
- تراث متجذر وهوية لا تغيب.. معرض الدوحة للكتاب يحتفي بفلسطين ...
- -سيارتك غرزت-..كاريكاتير سفارة أميركا في اليمن يثير التكهنات ...
- -السياسة والحكم في النُّظم التسلطية- لسفوليك.. مقاربة لفهم آ ...
- كيف تحوّلت الممثلة المصرية ياسمين صبري إلى أيقونة موضة في أق ...
- تفكيك مشهد السلطة في الجزيرة السورية
- تفاصيل حوار بوتين ولوكاشينكو باللغة الإنجليزية في الكرملين ( ...


المزيد.....

- منتصر السعيد المنسي / بشير الحامدي
- دفاتر خضراء / بشير الحامدي
- طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11 ... / ريم يحيى عبد العظيم حسانين
- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري
- إعدام عبد الله عاشور / عقيل الخضري
- عشاء حمص الأخير / د. خالد زغريت
- أحلام تانيا / ترجمة إحسان الملائكة
- تحت الركام / الشهبي أحمد
- رواية: -النباتية-. لهان كانغ - الفصل الأول - ت: من اليابانية ... / أكد الجبوري


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - اشرف بيدس - الشتاء الحزين