أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اخر الاخبار, المقالات والبيانات - سيار الجميل - العراق : احتلالهم سينتهي ووصايتكم لن تنتهي !! قصة حوار ساخن بيني وبينهم















المزيد.....



العراق : احتلالهم سينتهي ووصايتكم لن تنتهي !! قصة حوار ساخن بيني وبينهم


سيار الجميل

الحوار المتمدن-العدد: 710 - 2004 / 1 / 11 - 03:00
المحور: اخر الاخبار, المقالات والبيانات
    


لستم اوصياء على العراق والعراقيين
     تابعت حوارا تلفزيونيا على واحدة من القنوات الفضائية التي لها موقف سلبي من العراق اليوم والعراقيين بشكل عام .. وقد جرى مع الاخ الدكتور غسان سلامة وزير الثقافة اللبناني الاسبق ومساعد الراحل دوميللو في العراق قبل اشهر ، وكنت قد انتقدت بعض تصريحات الاخ سلامه السابقة من العراقيين في جريدة النهار البيروتية قبل عدة اشهر .. ولكنه اليوم بدا لي انه قد اختلف عمّا كان عليه جدا اذ اعجبتني جدا عبارته العاقلة وهو يجيب محاورته الراديكالية المثيرة جوزيل خوري التي لم يعجبها ما قال  بعد ان سّد الباب عليها وبوجهها قائلا : " لسنا اوصياء على العراق والعراقيين .. لندعهم وشأنهم ، ان نجحوا فشأنهم وان فشلوا فشأنهم .. " . هذا " القول " بكل معانيه لا يعجب غالبية العرب الذين وجدوا انفسهم وكأن لهم مع العراقيين محاصصة على المستقبل العراقي ، وكأن العرب هم اصحاب الشأن بالمسألة العراقية بتغييب العراقيين عمدا وباصرار عجيب في اغلب الاعلاميات العربية صحفا ومجلات وراديو وتلفزيون ونشريات ومنتديات وملتقيات  .. ونلمح ذلك واضحا في مؤتمراتهم وندواتهم وتجمعاتهم ومنظماتهم وفي صحفهم العربية ، بل ولم يعد هناك اي صوت مسموع للعراقيين في شأنهم الذي زادوا من تعقيداته كل يوم بل ولم يتخّيل احد ان سقوط صدام حسين ونهايته السياسية المقرفة سيقسم العرب الى قسمين اثنين : قسم عربي معه حتى النخاع تحت مبررات وتسويغات تافهة بعد ان كان العرب يدّعون بأنهم يدافعون عن العراق والعراقيين وليس عن صدام ونظامه . وقسم عراقي ضده لا يمكنهم ابدا تحّمل سماع اسم صدام ، وهم يعتبرون سقوطه والقبض عليه انتصار للانسانية مهما كانت الاثمان غالية !
ثنائية مزدوجة لا محل لها من الاعراب
     هذه الثنائية التي تبدو واضحة اليوم تمام الوضوح في حياتنا العربية ، وكل من يقول عكس هذه القناعة الثنائية ، فهو واهم يزّيف نفسه امام الواقع وامام الاخرين ولم تحّركه الا هواجسه وعواطفه او ربما مصالحه ومكاسبه ازاء الدكتاتور ، او انه مال لصدام بسبب ذريعتين اثنتين لا نغالي فيهما ابدا ، فأما ان يكون كارها لامريكا كراهية الموت ، فيتّقبل صدام نكاية بعدوته اللدود ويغفر له كل الكوارث والجنايات والاثام .. واما يصّفق لصدام من دون وعي ويرقص مع الراقصين من دون ان يدري ما الذي يفعله . وفي كلتا الحالتين ، فالعربي اليوم قد اساء لنفسه جدا عند العراقيين . ان الذي زاد من صعوبة الانقسام بين الطرفين المؤيدين له او المنتصرين عليه هي الاداة الامريكية التي يعتبرها اغلب المؤيدين لصدام حسين احتلالا للعراق فصدّام اذن مبرر عندهم مهما كانت تواريخه مظلمة وصفحاته سوداء .. او تلك التي يعتبرها المنتصرون على صدام تحريرا للعراق منه ، فالقبول الامريكي عندهم تحصيل حاصل ، فصدام عندهم صار في مزبلة التاريخ على ايدي الامريكان .
    الى حد الان والمشكلة مقبولة في كل قرائنها ، ولكنني كعراقي مستقل واعيش في خارج العراق منذ سنوات طوال ، فأنني اصطدم بتداعيات هذا الانقسام المريع الذي لم يحسب العرب حسابه كعادتهم ، وخصوصا بين ( مثقفي ) هذه ( الامة ) الذين تعّودوا ان يأخذوا كل الامة الى الغرق والهزائم والكوارث ، ثم يعودون من حيث ذهبوا يندبون حظوظهم كلها عليها من دون معالجة الاسباب الحقيقية لكل ما عانوا منه من هزائم وفجائع ومن اي حلول .. ولعل من ابرز العوامل الخفية وراء كل هذا الميراث البليد والصعب من الانقسامات والتناقضات العربية ومنذ اكثر من مائة سنة : القاء كل التهم على الاخرين والصهاينة والمستعمرين وتنزيه النفس في الدواخل وكأننا ملائكة لا نعرف الخطأ ابدا ، فالعرب لم يقفوا يوما ليعترفوا بأخطاء جسيمة ارتكبوها وباستثناء حالات تاريخية نادرة ومنها : اعتراف الرئيس الراحل جمال عبد الناصر مثلا بتحمل مسؤوليته كاملة في هزيمة يونيو 1967 ، فان العرب كلهم يلقون بتبعات ما يحدث على الاستعمار والصهيونية والرجعية والعملاء والخونة .. وهم ضحايا ولكنهم منتصرون ومثاليون ومخلدون وممجدون .. وكأن احتلال العراق قد أتى من فراغ ولم تكن له اسبابه ودواعيه بل مسبباته وعلله التي يتحّمل العرب أنفسهم قسطا كبيرا منها الى جانب قائدهم البطل القومي صدام حسين .. واتحّدى من يقول بأن للعراقيين كل العراقيين في الدواخل وارض الوطن كان لهم شأن في كل هذا الطوفان الذي كاد يغرقهم بسيل من الحروب والصراعات والمشكلات والعنف  باستثناء البعثيين والسلطويين وكوادر الحزب المتقدمة فقط .. واكاد اقول بأن العراقيين كلهم مظلومون في ايام حكم الطاغية او بعد زوال حكمه العاتي ورضوخهم اليوم للاحتلال الانكلو- امريكي  .
     ولكن المشكلة ليست مع المحتل الجديد حسب فالقناعة راسخة برحيله عاجلا ام آجلا ، ولكن المشكلة مع الاوصياء الجدد الذين تواصلوا عن اوصياء قدامى على العراق والعراقيين !  مع هذا العربي او ذاك والذي يجد نفسه متحفزا من وراء الحدود للمشاركة رغما عنك ، ثم ينسحب ويقول : هذا من صنعكم انتم ايها العراقيون ! وكأنه لم يساهم في صنع هذا الخلل سياسيا واعلاميا على امتداد السنين بشكل خاص ! اقول ، ان من حقّه المتابعة لما يجري في العراق كواحد من اهم البلاد العربية ولكن ليس من حّقه المشاركة وفرض ما يريده وصيا على العراقيين ويغيبّهم او يعتم عليهم ويتكلم باسمهم ويقرر عنهم وينّظر ويحاضر عليهم ، وهو كالعادة يركن للنتائج ولا يبحث عن الاسباب .. وعليه ، فلقد اصبح العراقيون في نظره وكل العراقيين تبعية خانعة للمحتل لا يمكن التعامل معهم ، كما يجري معهم اليوم في كل المنظمات والتجمعات والمحطات والاعلاميات والشوارع العربية !
حوار ساخن بيني وبين اربعة مثقفين عرب
1/ اللقاء صدفة
     التقيت قبل شهر تقريبا وعلى هامش اعمال ندوة فكرية انعقدت في واحدة من العواصم العربية الجميلة ، وكان ذلك بطبيعة الحال قبل القبض على الرئيس المخلوع صدام حسين باسبوع واحد بالضبط . جلست على مائدة الغداء مع اصدقاء من المثقفين العرب وهم : الدكتور رضوان السيد والدكتور محمد عماره والصحفي احمد فرحات  ثم التحق بنا لاحقا الشاعر محمد التهامي .. ولعل ما سمعته منهم جميعا يعّبر بشكل او بآخر عن رأي عربي موّحد ازاء الاحتلال الامريكي للعراق ليس بسبب العراق نفسه والعراقيين بالذات ، بقدر ما هو مزيج من الكراهية المقيتة التي يكنها العرب للامريكان ثم بسبب الخوف والهلع ان لا يصيب العرب ما اصاب العراق ، ثم بسبب حرمان العرب من ثروات العراق . هذا باختصار ما خرجت به من الحوار الذي جرى بيني وبينهم وقد حدث مصادفة ليس الا بحكم اقامتنا في فندق واحد واشتراكنا في جلسة فكرية واحدة في ذلك الملتقى الفكري . والحقيقة انني لم اكن اتكلم مع الاخ محمد عماره ولم يتّكلم معي في البداية بسبب خلاف حاد كان قد وقع بيني وبينه منذ اربعة اعوام في الاردن وفي ندوة ثقافية على احدى القاعات وكان يحضرها العشرات وكانت تسجّل تلفزيونيا .. ثم تداعى الامر لأن يقع بيننا بعد ذلك خصام في كواليس الندوة من كلام مرير لم يصل الى مرتبة الخشونة ..
2/ الرهان الخاسر
ولكن اجتمعنا على مائدة واحدة وبادرت بالتحية ، وبدأ الحوار ، اذ قام الاخ رضوان السيد بفتح موضوع العراق وهو يحّدث صاحبه محمد عماره من انني ممالىء للوضع الجديد وللتغيير الذي حدث ، ولم اعترض.. فانتقض عماره بكل عصبيته وانتفخت اوداجه كالعادة ..
وقال : ان الله سيغفر للشهيد صدام كل مافعله سابقا في حياته مادام قد وقف ضد امريكا ! 
وهنا بدأت بيني وبينه مساجلة صعبة جدا لم اصّعد مستواها الى ان تكون قاسية عنيفة في البداية لآدعهم يفهمون ما اريد نصحهم به فهم قبل كل شيىء يتكلمون عن العراق وانا العراقي الوحيد بينهم وبالضرورة ما يعنيني هو اكثر بكثير مما يعنيهم ! وقد استوعبت كل كلام عماره وتعليقات رضوان كيلا احولها الى مشادة سخيفة لا مغزى لها  .. ولكن الاخوة العرب لم يدركوا ابدا حجم معاناة العراقيين ابدا ، او انهم يدركون ذلك ، ولكنهم يتغافلون حجم الكارثة عن قصد وسبق اصرار ، فهم كما يسمّون انفسهم " قادة فكر هذه الامة " لا يعرفون الا التنظير ومعه يلوكون الشعارات  .. ولقد بدا لي الاخ رضوان يمزج الجد بالهزل كعادته في مثل هكذا مناسبات غير رسمية وفي مطعم درجة اولى ، وهو كمن يسبح عند الشاطىء فهو يجاريني تارة ، ولكنه يفتعل سؤالا كمن لا يريد ان يقتنع بما هو حاصل ؟ وكنت ارقب الاخ الصحفي احمد فرحات مشدودا الى ما ساقول كعراقي ازاء اثنين من المحاورين العرب ! اجبت عماره عن ( الشهيد ) البطل القومي بما يستحق . وسألوني اين هو الان الا اتعتقد انه يقود المقاومة ؟ اجبت ولم يعرف العالم بعد انه منزو وهارب في جحر بائس وقلت : انه متعّود على التخّفي منذ شبابه ، فهو هارب من العراقيين قبل الامريكيين في وكر بمكان ما من   العراق ! وكنت اتمنى عليه يا اخ عماره ان يحمل سلاحه ويشهره امام العالم كله ويدافع عن بغداد في شوارعها يوم 9 ابريل ويقاتل اعدائه حتى النهاية حتى يقال : قاتل حتى قتل – كما تعّودنا من قراءتنا لتاريخ اجدادنا العظام - .
3/ المقاومة الدينية
     امتد الحديث من صدام الى العراق والعراقيين ، واستعرض الاخ عماره عضلاته عن المقاومة العراقية وصبغها بصبغة دينية وطائفية لا وطنية وسياسية من دون اي اشارة لما قد حصل في العراق من جرائم وتفجيرات ارهابية ضد المدنيين والدبلوماسيين والمصالح العامة .. انه يجعل صداما بطلا قوميا يقود المقاومة العراقية وسيمرغ وجه امريكا بالوحل !
 قلت له : ولكن الحوادث تطال المؤسسات والمدنيين والدبلوماسيين ..
 قال : وليكن !
 قلت : انابيب النفط تفّجر .
 قال : وليكن وليحترق كل النفط !
 قلت وانا اتمالك اعصابي : ولكن العراق كبير جدا ، فلماذا تنحصر اعمال المقاومين اساسا في ( مثلث ) معروف عند الامريكان ؟
 احتّد جدا وقال : نعم كما قلت ذلك في المقابلة التلفزيونية لو قامت الشيعة قائمتها لما بقي الامريكان !
 قلت : ولكن الاخوة الشيعة عندهم مشروع مؤجل ضد الغزاة . وتاريخهم يشهد لهم بالامجاد.
4/ الشيعة العراقيون
    وهنا طال الرجل بحديثه الشيعة كطائفة يخالفها خلافا شديدا حتى من الناحية العقدية في الاسلام .
 قال له رضوان السيد : خذ راحتك يا محمد فالاخ سّيار من الموصل وهو سّني وليس شيعيا !
 اجبت بسرعة وانا اتضاحك وفي قلبي الم شديد : ولكنني عراقي يا اخوان ولا افكر مثلكم ! فنحن مجتمع منسجم ومتداخل ومتعايش من دون كوتات ولا نزاعات ولا صراعات ولا يعرف الا التلاحم على امتداد التاريخ .
قال عماره : نعرف ذلك .. ولكن لو قرأتم ما كتبه ذاك الذي يسمّى بباقر الحكيم الذي قتلوه فهو قد شّوه الاسلام بحديثه عن (.... ) وهذا ما اعلنته على الملأ في التلفزيون !
قلت له : كنت اراقب كلامك في التلفزيون وقد عتبت عليك عتابا شديدا وانت تشتم هذا وذاك.
قال : ولكنني اشدت بالمقاومة الاسلامية التي ليس للشيعة شرف فيها ، وذكرت ما اعرفه عن الباقر الحكيم .
قلت له : وما علاقة هذا كله بموضوعنا ؟ كفاك فالرجل في رحاب الله ولا يغرنك انني على مذهبك .. فانني لا افكر مثلك ! والرجل اعرفه قبل ان اعرفك وهو مجتهد وانت باحث ! وكنت اتمنى ان تعرفه فهو من خيرة رجالات العراق رحمة الله عليه .
5/ اين حلولكم ؟
    تحّملت كل هذا الاحتراب والسجال من البذاءات والتهم من اجل ان ابقي سلسلة الحوار مفتوحا  ومسيطرا عليه دون ان يجّرني احد الى ان اتشنّج او افقد اعصابي ، ليكشف الاخ محمد عماره عمّا في صدره ازاء العراق والعراقيين ..
 اما رضوان السيد فعقّب قائلا : ولكن الامريكان سوف لن يكتفوا بالعراق ، انما ستمتد اياديهم الى كل ارضنا العربية وستكون بلداننا عرضة للتقسيم والهيمنة .
 قلت له : طيب ، اريدكم لا تندبوا ولا تبكوا وتتصايحوا .. فقط امنحوني اية حلول ناجحة في كيفية تجنّب الكارثة كالتي مررنا بها نحن العراقيين وقد كنتم توقدون النار من دون ان تفعلوا شيئا لايقاف العراق عن تماديه بانسحاب نظامه السابق من الحكم وايجاد حلا مؤقتا  ! واليوم ، هل لديكم اية مشروعات عمل عربية وعلاجات اساسية وعملية لا مجرد شعارات وهمية ! هل باستطاعة العرب الوقوف ضد التيارات العالمية الجارفة للنظام العالمي الجديد بكل قوتها اليوم ؟ اليس من العقل الاستجابة للتحديات سريعا بالتعامل مع هذا النظام  بكل ذكاء ومرونة وبراغماتية .. ؟؟
     التفت الصحفي الاخ احمد فرحات وكان هادئا ولكنه كان يراقب المجادلة عن كثب بين طرفين يحملان التوجه الاسلامي بمرئياته المختلفة وبين طرف واحد علّمه تاريخه كيف يرد السهام وكيف يرد الصاع صاعين ..
6/ العراق المحتل
سألني فرحات : كيف يمكنك ان تتخيّل وضع العراق المحتل وهل يمكن للعراقيين القبول بالمحتلين ؟
     قبلت منه السؤال لكنه سؤال حق يراد به باطل وهو يعّبر ويختصر المسافات عن هذا الانقسام المرير الذي نشهده بين اناس عرب واقعيين يؤمنون بمعالجات ناجحة وهادئة وبين خياليين عرب يريدون الفوضى وشعارات وعمليات تحرق الاخضر واليابس .
اجبت بهدوء : لماذا تفترضون ان العراقيين يقبلون بالمحتل الامريكي ، ومن قال لكم ذلك ؟ انهم رحبوا بالتغيير الذي انتظروه بكل جوارحهم بعد ان طال صبرهم عشرات السنين ! انهم لم يرفضوا التغيير ابدا .. ولم يساندوا صدام حسين . والله لوكانوا معه لقاتلوا قتالا شديدا .. لكنهم آمنوا بان الثمن سيكون غاليا من اجل التغيير . وما كان بمقدورهم ان يرفضوا صداما اثناء حكمه هلعا من بطشه وهم يجدون العرب رسميا وشعبيا تمالىء زعيمهم الجائر والوقوف ضد امانيهم المشروعة .
قال رضوان : ولكن ليس كل العرب وقفوا مع صدام قبل خلعه ! انا لم اقف معه وحتى اليوم انا ضده .
قلت له : لم اقصدك يا رضوان .
التفت اليهم وقال : صحيح ما يقوله سيار
7/ اين اداناتكم له ؟
    نطّ عماره من مكانه وقال : نحن ايضا نكره صدام يوم كنا ندينه على حربه ضد ايران عندما كان العرب يصفقون له !
قلت له : هذه فريّة نسمعها من قبل البعض من الاسلاميين في مصر والاردن واماكن اخرى .. فالمجرم يبقى مجرما على مدى كل السنين .. لا ان تدينوه وتجعلونه في اسفل سافلين ، ثم ترفعونه الى السماء ! لماذا سكتم ( مقاطعة من عماره ) ؟ لماذا  لم يسمع العراقيون والعرب اداناتكم العلنية ضد المقابر الجماعية في الشمال والجنوب ؟ وعمليات الانفال واستخدام الاسلحة الكيمياوية ضد العراقيين الاكراد ؟
قاطعني عماره من جديد وقال : انها مقابر الايرانيين وفعلها الايرانيون عندما هبوا على العراق !
قلت مقاطعا : هكذا استرخصتم العراق والعراقيين على عهد الطاغية ولم يكن لكم تأثير لدى العراقيين سنة وشيعة عربا واكرادا .. لأنكم لم تعرفوا من خصوصيات العراق غير صدام ، ولكنكم اليوم افتقدتم كل العراق وكل العراقيين .
قال عماره : ولكن العراق اهله عرب وسيبقى العراق عربيا ومسلما ولا نرضى به غير ذلك
قلت : انت لست عربيا قحا مثلي ولكن عراقيتي قبل عروبتي واتحدى ان كنت تقّدم عروبتك على مصريتك .. فالعراق عربي ولكن له تنوعاته وتعددياته التي لا يمكن ان تلغيها اية اجندة شوفينية وقد كلفت الشعارات القديمة العراقيين كثيرا ..
   اعاد رضوان علّي السؤال من جديد وقد قلب الان موقفه من الهزل الى الجد قائلا : نعم ، نحن نقتنع بكل جرائم صدام وسيئاته ، ولكن لا نقبل ابدا ان يحتّل العراق فالاحتلال سيجرّ نفسه الى كل المنطقة شئنا ام ابينا !
قلت : طيب ، قدموا حلولكم وافكاركم ومشروعاتكم بديلا عن الشعارات والصراخات والبكائيات والتنديدات .. ان استطعتم . واعيد بأن افكاركم عن العراق الحالي والعراقيين كلها خاطئة .. فالهموم العراقية اليوم امنية كلها وليست سياسية موحّدة .
8/ مستقبل العراق
قال رضوان : وما رأيك انت في مستقبل العراق والمقاومة العراقية ؟
قلت : ربما افكر على خلاف ما تفكرون به – كما قلت لكم في بداية الحوار – انني اليوم لا اقبل ابدا ان تبقى الجروح مفتوحة في العراق من دون التئام .. لا اقبل ان يحّطم العراق ويخرج مهزوما من حرب قاسية سبقتها حروب وحصارات وكوارث والام واضطهادات ومظالم .. ويخرج المحتل والغاصب سمونه ما شئتم من دون اية سيادة وطنية ولا استحقاقات ومن دون اي مؤسسات ومن دون اي اصلاحات ولا اجهزة لحفظ الامن .. ان العراق قد انتهى كدولة ومؤسسات منذ التاسع من ابريل 2003 ومر بمرحلة قاسية صعبة .. فكيف يخرج العراق خالي الوفاض من دون اي استحقاقات للحرب ؟ ومن دون اعمار ما حطمته الحرب ؟ ومن دون اي استقرار امني ؟ كيف اقبل ان يحّطم العراق من دون اطفاء لديونه بكل تراكماتها الكبرى والخيالية ؟ هل بقدرتكم انتم وباستطاعة كل هذه الامة العربية المجيدة اطفاء ذلك ؟ اذا كانت هناك ثمة مليارات عراقية لا تريد بعض الدول العربية اعادتها الى اصحابها الشرعيين .. فكيف تريدون ان نغفل عن مصالح  عراقية عليا لابد ان يتحقق شيئا منها لصالح الاجيال القادمة!
اسرع رضوان ليقول لي : بأن لبنان سيرجع ما عليه من ارصدة عراقية .
تابعت لأقول : وهذا مجلس الحكم الذي نددتم به وما زلتم تنددون به .. انا وحدي كعراقي يمكنني فقط مخالفته والاعتراض عليه ، ولكن ليس من حقكم انتم ابدا .. كما ليس من حّقي ان اعترض على اي مؤسسة تشريعية في بلدانكم !
قاطعني عماره وقال : وسنبقى نندد بهذا المجلس ( ..... ) وهو ( ...... ) الذي نصّبه الامريكان  !
9/ الشعارات والواقعية
قلت : العراق لابد له من مؤسسات مهما كان نوعها وهو في ظل سلطة التحالف ، فهي انتقالية ومؤقتة اذ يبدو ان العرب لم تعرف اولويات علم السياسة .. اقرأوا تواريخ بلدانكم اولا واعلموا حقا من اسس دولكم ومؤسساتكم وجيوشكم وبرلماناتكم واجهزتكم .. الم يكن قد جرى كل ذلك على ايدي الانكليز والفرنسيين ؟ ولكن السلطة التشريعية في العراق مؤقتة وسيختار الشعب من يريدهم من خلال صناديق الاقتراع . ثم لا تنسون ايضا ما يحتاجه العراق من اعادة اعمار كل حياته واقتصاده وبنيته التحتية وهي بحاجة الى المليارات .. من سينّظم كل ذلك في ظل فقدان الامن والنظام  . دعوا العراق يستعيد قوته من جديد ودعوا العراقيين يستعيدون انفاسهم .. ثم يعرفون كيفية الوصول قريبا الى استقلال ارادتهم وتحقيق سيادتهم  فكل ما سيحدث في ظل هكذا اوضاع سيزيد من انقساماتهم وسيوقد النار لانفجار احتقاناتهم .. فالمأساة التاريخية التي عاشوها على مدى عشرات السنين لا يمكنكم تخيلها ابدا .. فكفّوا عن نداءاتكم وتحريضاتكم .
  والحقيقة بأن الاخ رضوان السيد قد بدا مقتنعا بكلامي ربما امامي فقط ، ولكن بالتأكيد ان للرجل قناعاته التي لا يمكن ابدا ان يتخّلى عنها . وبالتأكيد ان عماره يعكس رأي الشارع العربي كله ازاء العراق والعراقيين نتيجة كره الامريكيين وكره العراقيين والشيعة في مقدمتهم كما اعلنها صراحة .. ولكن كلامهم كله من دون اي حلول ومعالجات عملية وواقعية يمكنها ان تقود مستقبلنا الى شواطىء الامان . وبدا لي ان الكلام والمنطق والمشاعر العراقية لا يمكنها ان تؤثّر ابدا في العقلية العربية الصلدة والسائدة اليوم والتي تريد من العراقيين ان يشّنوا حربهم المسلحة ضد الوجود الامريكي من دون انتظار ما يحتاجه العراق واهله من المستلزمات والضرورات ودون ان يعلم العرب بأن الضرورات تبيح المحظورات .. ولم يقل اهل العراق انهم سيقبلون بالمحتل او بالهيمنة الامريكية ولكنها مسألة وقت وجدولة زمن ..
10/ الذاكرة العراقية
   وقبل ان نغادر تلك الجلسة الثمينة قلت لهم : تذكروا ان العراق من اغنى بلاد الدنيا وغدا شعبه من افقر الشعوب على عهد صدام حسين .. وتذكروا انني عراقي ومنذ عقود وانا محروم من وطني وخيراته .. فخيراته بعثرها العهد السابق بشكل لا يمكن تخيّله ، فكيف تكون مشاعرك ايها العربي ان كنت عراقيا وقد هجرّوك بابشع الوسائل تشكيكا في عراقيتك ؟! وكيف ستغدو عندما تفقد من اولادك كلهم او بعضهم وهم في ريعان الشباب في حروب عبثية ؟! وكيف ستكون عندما تعلم بأن اموالك تبعثر على غيرك وانت محروم منها ؟! وكيف ستكون وانت لا ترى في العراق الا نفقات على التسلح الجنوني والاعلاميين المهرجانيين وانت بلا مستلزمات الحياة الطبيعية والبنية التحتية ؟! كيف ستكون وانت كل يوم تسمع الى اعلام عربي مزّيف وكاذب ويستخدم كل وسائل العهر ضد مصالحك الوطنية ؟! وكيف ستكون وانت تعيش كل الحظات بالخوف والرعب والاضطهاد ؟! كيف ستكون وانت مكبل بالممنوعات والمحّرمات كلها وفي الاماكن كلها حتى لو كنت في اقصى مكان في العالم .. وتخشى من اقرب المقربين اليك ؟! كيف ستكون نفسيتك قوية جبارة وانت قد مررت باشرس الانسحاقات وقصف الطائرات وسقوط القنابل والصواريخ على مدنك واحيائك وضياعك وكل اراضيك ؟ ! كيف باستطاعتك ان تبقى مكبل الارادة خوفا من السجن والتعذيب والملاحقات والاعدامات وكل المأساة ؟! هل باستطاعتك اي بيت عراقي نسيان من افتقده من زهرة شبابه في الحروب الدموية ؟ هل تعرفون ما الذي فعلته الالاف من عناصر الجيش الشعبي بالعراقيين ؟ هل هناك شعب كالعراقيين هرب منه اكثر من اربعة ملايين من خيرة ابنائه الى حيث المجهول ؟ هل يمكن للعراقيين نسيان اولئك الذين ابتلعتهم البحار والمحيطات ولاقوا من العسف والاهوال في ارض الله الواسعة ؟ هل تعلمون يا مثقفي الوطن العربي والامة العربية ما الذي صادفه العراقيون في المطارات والموانئ العربية منذ العام 1990 ؟ هل نسيتم ما الذي حدث للكويت والكويتيين عندما انقسمت الامة على نفسها ؟
وأخيرا  .. ماذا حدث ؟
    انسحب عماره ورضوان خلسة وحل الشاعر التهامي وانا منشغل وكان التهامي قد كتب العشرات من القصائد بحق العراق وحب العراق منذ ايام عبد السلام عارف وعلى امتداد عهد البعثيين .. كان الرجل ينصت الي فقط من دون ان يعّلق على ما اقول .. ثم خرجت بدوري كي استلقي في غرفتي قليلا .. وفي المساء التقيت الشاعر التهامي صدفة فانكّب على كتفي وفي حلقه غصة وفي عينه دمعة عصية فهمس في اذني : انني احب العراق ولكن لا احب ان يكون تحت القبضة الامريكية ! اجبته على رؤوس الاشهاد بأن العراقيين كلهم وحتى خصومه لا يقبلون ان يكون العراق محتلا او منتدبا  ! وارجع لأقول بعد كل هذا الذي قدمته من التحليلات والرؤى والحوارات والنماذج والافكار .. متسائلا : هل ستنفع كل هذه وغيرها من النداءات العراقية وسط هذا البحر العربي المشحون بالعنف والكراهية والقاء التهم وتشويه الحقائق واثارة الاحقاد وتعكير الامن .. ؟؟ صعب جدا حدوث ذلك .. اذ انني اعتقد ويشاركني اغلب المثقفين العراقيين بأن العراق سيبقى يشكّل عقدة جيوتاريخية بالنسبة للعرب اثر ما يحصل فيه من التغيرات الجذرية .. فلقد خرج اليوم عن طوره القومي العربي الذي قاده على امتداد القرن العشرين ليجد نفسه في طور تاريخي آخر من ظاهرة اخرى في الحياة السياسية ، وسيجد العرب انفسهم من ورائه لا محالة عبر القرن الواحد والعشرين اذ ان الحاجة باتت ماسة لحدوث تغييرات جذرية عند العرب .. وسيكون السيد الرئيس والبطل القومي في خبر كان بعد ان ينتقل من واقع سياسي بليد الى ذاكرة تاريخية مظلمة ! فهل سيتعلم العرب من تجربة العراق المريرة شيئا ذي بال وبسرعة شديدة .. انني اشك في ذلك !
                                                                                                   ( للمقال صلة )



#سيار_الجميل (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الثورة الديمقراطية : هل يدركها العرب ؟ مشروع من اجل التغيير ...
- احمد صدقي الدجاني المؤرخ والمفكر والسياسي الراحل ذكرى شاهد ا ...
- جامعة الدول العربية أزاء العراق والعراقيين تساؤلات عراقية نق ...
- مشهد العراق بين العروبة الوطنية والقومية العربية ..كيف يفهمه ...
- العولمة : الموضوعي والذاتي في المشهد العربي الراهن
- زعماء العراق : نهايات تراجيدية وقبض على صدام ذليلا عند الفجر ...
- النخب العربية بين السلطات والجماهير الطوباوية والانغلاق
- العراق الجديد هل من توظيف حقيقي لدروس الدولة الراحلة ؟
- الحوار المتمدن : رؤية تقويمية براغماتية
- المدينة العراقية زحف التناقضات بين ضراوة الدولة وارتباكات ال ...
- الدولة العراقية الجديدة هل من مؤسسات مجتمع مدني بعيدا عن كل ...
- متى يلد التاريخ عراقا جديدا ؟ بلاد بسبعة ارواح بحاجة الى كار ...
- محمد أركون مفهوم - الانسنة - ومشروع - الاسلاميات التطبيقية - ...
- مزامنات التحّدي الامريكي والاستجابة العربية اثر تجربة عراق م ...
- الثقافة العربية اليوم تأكل ابداعاتها !! عفونة واوبئة وابتذال ...
- شحوب الفكر العربي المعاصر رؤية معمقة من اجل استعادة الامل ال ...
- نقد كتاب عبد الرحمن منيف العراق : هوامش من التاريخ والمقاومة ...
- رموزنا العراقية : علم ونشيد وشعار هل تؤسسون بدائل لها ام تست ...
- خصوصيات العراق ومتغيراته متى تفهمها الدواخل وتدركها الاطراف ...
- اعادة اعمار العراق اقتناص الفرصة التاريخية السانحة


المزيد.....




- الخرطوم تطالب بعقد جلسة طارئة لمجلس الأمن لبحث -عدوان الإمار ...
- استمرار الاحتجاجات في جامعات أوروبا تضامنًا مع الفلسطينيين ف ...
- الرئيس الإيراني: عقيدتنا تمنعنا من حيازة السلاح النووي لا ال ...
- مظاهرة ضد خطة الحكومة لتمديد استخدام محطة -مانشان- للطاقة ال ...
- الدفاع الروسية تعلن حصيلة خسائر القوات الأوكرانية خلال أسبوع ...
- أطباء المستشفى الميداني الإماراتي في غزة يستأصلون ورما وزنه ...
- مجلس أميركي من أجل استخدام -آمن وسليم- للذكاء الاصطناعي
- جبهة الخلاص تدين -التطورات الخطيرة- في قضية التآمر على أمن ا ...
- الاستخبارات الأميركية -ترجح- أن بوتين لم يأمر بقتل نافالني-ب ...
- روسيا وأوكرانيا.. قصف متبادل بالمسيرات والصواريخ يستهدف منشآ ...


المزيد.....

- فيما السلطة مستمرة بإصدار مراسيم عفو وهمية للتخلص من قضية ال ... / المجلس الوطني للحقيقة والعدالة والمصالحة في سورية
- الخيار الوطني الديمقراطي .... طبيعته التاريخية وحدوده النظري ... / صالح ياسر
- نشرة اخبارية العدد 27 / الحزب الشيوعي العراقي
- مبروك عاشور نصر الورفلي : آملين من السلطات الليبية أن تكون ح ... / أحمد سليمان
- السلطات الليبيه تمارس ارهاب الدوله على مواطنيها / بصدد قضية ... / أحمد سليمان
- صرحت مسؤولة القسم الأوربي في ائتلاف السلم والحرية فيوليتا زل ... / أحمد سليمان
- الدولة العربية لا تتغير..ضحايا العنف ..مناشدة اقليم كوردستان ... / مركز الآن للثقافة والإعلام
- المصير المشترك .. لبنان... معارضاً.. عودة التحالف الفرنسي ال ... / مركز الآن للثقافة والإعلام
- نحو الوضوح....انسحاب الجيش السوري.. زائر غير منتظر ..دعاة ال ... / مركز الآن للثقافة والإعلام
- جمعية تارودانت الإجتماعية و الثقافية: محنة تماسينت الصامدة م ... / امال الحسين


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - اخر الاخبار, المقالات والبيانات - سيار الجميل - العراق : احتلالهم سينتهي ووصايتكم لن تنتهي !! قصة حوار ساخن بيني وبينهم