أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - فاطمة الزهراء الرغيوي - حالة سقوط














المزيد.....

حالة سقوط


فاطمة الزهراء الرغيوي

الحوار المتمدن-العدد: 2272 - 2008 / 5 / 5 - 10:37
المحور: الادب والفن
    


قلتُ: بسم الله.. الرحمن الرحيم.. ثم قدمت رجلي اليمنى.. تماما كما يجبُ..
لفحني تيار هواء بارد، تغلغل إلى مسامي كلها. أغمضت عيني.. لوهلة فقط. فتحتهما لأرى..

لا أذكر ما الذي أتى بي إلى هنا.. حاولت أن أتذكر، دون جدوى.. أي اسم أحمله، أي تاريخ أمتلكه، ما الدافع للحظة العبور هاته؟

تخلت عني الذاكرة.. حاولت أن أفكر بعقلانية، هل لخطوتي هذه أهمية، هل ستخلدني. ربما تطهرني من ذنوبي.. أو أنها تكون خطيئتي الأكبر؟

لم يسعفني ذراعي المتهاوي لأرسل تحية لطائر اعترض مساري.. قاومت انجرافي، ورسمت له في مخيلتي مكانا في الفردوس..

تذكرت.. لوحاتي على الرصيف .. ابتسامة دون وجه، جدول بدون ماء..

قال لي متعهد ما:
- أرسم لوحات الفنتازيا والفلكلور.. نساء تقليديات ووجوه ملوحة بالشمس.. هذا ما يطلبه السياح..

لكن الريشة كانت تأبى أن تطاوع جوعي.. مذ أصابتني باللعنة وأنا أعيش على الهامش.. كل ذنبي أني أردت تخليد الوجوه الكئيبة لسكان المدينة على أسوارها.

والدي الفقيه الذي يصلي بالناس، الذي يأمر بالمعروف وينهي عن المنكر، استنكر تعلقي بالألوان.. وأعلن رسوماتي حراما ورذيلة..

تعلمت أن أخبأ ألواني كما يفعل أخي الأكبر بمجلاته التي تعرض أجساد النساء.. والدتي توفر لي من مصروف البيت ثمن ورقة الرسم:
- كفاك رسما على الحيطان..
وأتعلم أن أقترف خطيئتي بصمت على السطح بينما تنهمك هي في غسل الثياب..
- الله يتوب عليك يا بني من هذا الرسم.

وعندما ضاق بي السطح، لجأت إلى المدينة الكبيرة علها تتستر عليّ كما فعلت مع بنت الحاج أحمد التي زنت مع بائع الذهب. المدينة الكبيرة تصيبني بالرهاب.. ترعبني السيارات الكثيرة والمارة المستعجلون.. بالكاد أغادر المحطة حيث رمت بي الحافلة.. أستوطن هامشا فيها.. أراوغ الشرطي، أقدم له لوحة هدية فلا يراني إلا حين يأتي رئيسه.. أرسم وجوه العابرين وأحذف منها العيون التي لا تراني.. أتشارك المسافرين وجباتهم الخفيفة، ألتقط ما يخلفونه فوق طاولات المطعم.. المدينة الكبيرة تمنحني الحب.. رأيتها تنزل من الحافلة مثقلة بالحقيبة، أخذت منها الحقيبة، وحين همت بوضع مبلغ ما في يدي، رجوتها أن تسمح لي برسمها..

اللوحة الكاملة.. بحثت كل يوم عن تفصيل جديد وزاوية أخرى لأجل عينيها.. يوم أهديتها تحفتي، قالت بصوتها الناعم:
- شكرا عزيزي، سأعتبرها هدية زفافي.. وأمام وجهي الخاوي من أي تعبير، أضافت، سأرسل لك الدعوة.. عليك أن تحضر سأعرفك بأشخاص يساعدونك..
أنا وقتها لم أرد غير بعض الحب.. حملت ريشاتي وألواني وهجرت المدينة إلى مدينة اخرى، ومذ ذاك احترفت الهروب.. من هامش إلى آخر..

هربت طويلا، واختزلت معالم الوجوه على لوحات خلفتها في المحطات التي عبرتها..

والآن.. اختفت كل أشكال المدينة.. وحدها الألوان البهيجة ترافقني.. كأن قوس قزح قد امتد ليلفني.. أحاول أن أمد يدي المتهاوية لألمسها.. فتبدأ بالتلاشي.. وحده لون أخضر يبقى.. يلفني تماما.. فأتذكرني طفلا أصبغ بعصارة نبات من حديقة أمي، وردا وزهرا على حائط البيت..

أتذكرني، سعيدا، جميلا... أبتسمُ.. وإذ ذاك أرى الأرض تحتي قد اقتربت بينما أواصل سقوطي..
.....
- انتهى-



فاطمة الزهراء الرغيوي
تطوان- المغرب
http://mima-fzr.spaces.live.com/?lc=1036






ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- متاهة العشق (أو أنت وأنا.. وأنت)
- الثامن من مارس.. وأشياء أخرى
- مرآة لجسد يحتضر
- مد وجزر


المزيد.....




- فيديوهات وتسجيلات صوتية تكشف تفاصيل صادمة من العالم الخفي لم ...
- مونديال الأندية: هل يصنع بونو -مشاهد سينمائية- مجددا لانتزاع ...
- الشاعرة نداء يونس لـ-القدس-: أن تكون فلسطين ضيف شرف في حدث ث ...
- هكذا تفعل الحداثة.. بدو سيناء خارج الخيمة
- امتحان الرياضيات تباين الآراء في الفروع العلمي والأدبي والتج ...
- أصداء حرب غزة تخيم على مهرجان برلين السينمائي -برلينالة-
- من يحمي الكنوز الثقافية في الشرق الأوسط من الحروب؟
- فيلم -في عز الضهر-.. هل ينجح مينا مسعود في مصر بعد نجاحه في ...
- نتيجة الدبلومات الفنية برقم الجلوس في ثواني على بوابة التعلي ...
- صدر حديثا ؛ عندما يغضب المحيط - قصة للأطفال


المزيد.....

- . السيد حافظيوميات رجل مهزوم عما يشبه الشعر رواية شعرية مك ... / السيد حافظ
- ملامح أدب الحداثة في ديوان - أكون لك سنونوة- / ريتا عودة
- رواية الخروبة في ندوة اليوم السابع / رشيد عبد الرحمن النجاب
- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي
- قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي. / رياض الشرايطي
- خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية ( ... / عبير خالد يحيي
- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي
- منتصر السعيد المنسي / بشير الحامدي
- دفاتر خضراء / بشير الحامدي
- طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11 ... / ريم يحيى عبد العظيم حسانين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - فاطمة الزهراء الرغيوي - حالة سقوط