أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - فاطمة الزهراء الرغيوي - الثامن من مارس.. وأشياء أخرى















المزيد.....

الثامن من مارس.. وأشياء أخرى


فاطمة الزهراء الرغيوي

الحوار المتمدن-العدد: 2219 - 2008 / 3 / 13 - 08:52
المحور: الادب والفن
    



في ذكرى رحيل شقيقي، محمد الإدريسي الرغيوي.. وذكرى آخر درس تعلمته منه..

كان اليوم حافلا منذ بدايته، طويلا.. استيقظت باكرا جدا. حاولت أن لا أزعج شقيقَي الأصغرين الذين يشاركاني الحجرة. كريم بالخصوص، الكريم بصراخه واعتراضه كلما أصدرت أقل صوت.. غيرت ملابسي مسرعة، عرجت إلى المطبخ، وضعت على قطعة خبز بعض الزبدة، وفي أخرى وضعت بيضة مسلوقة إضافة إلى قطعة طماطم، حملتها في حقيبتي وهممت بالخروج.
- هل أنت ذاهبة يا ابنتي؟ أتاني صوت الحاجّة من الغرفة الأخرى
- نعم، آمّي.. بْالسلامة.
وانصرفت، بينما استرسلت هي في دعائها:
- الله يوقف لك أبناء الحلال في طريقك ويحميك من كل شر..
لسعتني لفحة الهواء البارد، حالما خرجت. أيام الشتاء قاسية. لبست تحت سروالي الجينز سروالا قطنيا وارتديت كنزه صوفية، لكنني رغم ذلك شعرت بالهواء البارد يتغلغل إلى مفاصلي. ربما عليّ أن أقتني معطفا.. عليّ أن أزور محل الطنجاوي يوم الأحد.. قد يكون أحضر سلعة جديدة من سبتة. وقد أتمكن من إقناعه بتقسيط الثمن إلى دفعات.. بضاعته مستعملة لكن منذ أن امتدت شريحة زبوناته لتشمل المدرسات والموظفات، أصبح يتمنع عن تقسيط الدفع.
الطقس بارد فعلا، والليل مازال مستوطنا المدينة.. عواميد الكهرباء تبعث ضوءا خجولا بالكاد يجعلني أتفادى الحفر الكثيرة في الشارع... أقترب من كشك الحارس الليلي للسيارات و..لي. أحيانا أعطيه مبلغا صغيرا.. أعلم أنه سيحميني من مضايقة متسكع سكران أو محشش.
- صباح الخير، أخي عبد السلام.
- صباح الخير، آختي يرد بصوته الجهوري.
ربما صوته هو سلاحه الأكثر فعالية. عبد السلام رجل ضئيل الحجم في بداية الأربعينيات. يعمل ليلا ليترك مكانا كافيا لأولاده الخمسة للنوم مع أمهم في الغرفة الوحيدة المستأجرة. يسهر لآخر الليل مع شباب الحي، يدخنون الحشيش والنكت الجنسية. شقيقي الأكبر يشاركهم السهر.. لحسن الحظ لا ألتقيه إلا نادرا.. يكون قد استسلم لتوه للنوم حين أغادر للعمل وعندما أرجع يكون قد خرج بدوره. أسلم منه طالما تركت له مبلغا مع الحاجّة. إذا تأخرت بالدفع، يختفي شيء من البيت، إناء ما أو لباس.. أحيانا أتعرض لنوبات غضبه:
- ولماذا تعملين؟ أنا الذي يسمح لك بالعمل.. سأسجنك في هذه الدار إلى أن يقبل بك رجل أيها العانس أو تموتين..
وعندما أحاول الاعتراض يرعد ويزبد:
- أنا رجل الدار.. لا كلمة إلا كلمتي..
وتهدئه الحاجّة كعادتها:
- ييه ياولدي، أنت الراجل طبعا..
الله يسامحها.. لو تركتني لكنت اشتكيته للشرطة.. لو أن لي عملا أفضل، لاستأجرت بيتا بعيدا منه ومن هذا الحي المليء بالبؤس.. بيد أن شهادة الليسانس في الأدب العربي لم تؤمن لي عملا.. هي دروس الخياطة التي أنقذتني..
وأنا أقترب من موقف الحافلات، ألتقي بعض المصلين الذاهبين لصلاة الفجر.. الشباب ملتحون، مسرعون، بالكاد يرفعون بصرهم عن الأرض.. الأكبر سنا، يتقدمون بخطوات متثاقلة، يتطلعون إلى الوجوه وهم يقلّبون حبات التسبيح ويتمتمون.. جمعٌ من الفتيات وعدد أقل من الشبان سبقوني إلى المكان.. ألقيت التحية بصوت خافت وأنا أنضم إليهم.. لا تعلوا أصواتنا حتى نركب الحافلة..
- آحْمْد، شغل الراديو.. آحْمْد، هاك كاسيت هيفا الجديد..
وأحمد أو أحد زملائه يتحمل ضجيجنا ومزاحنا ذهابا وإيابا.. حاولت الإسراع للحصول على مقعد، دون جدوى. هذا النهار الذي لم يبدأ بعد طويل، طويل.. واقفة، محشورة بين الآخرين أحاول تتبع الحديث الدائر.. لستُ محايدة.. مثل الباقين أتلذذ بتناقل الأخبار عن سكرتيرة المدير وعلاقتها المزعومة مع المحاسب أو عن طلاق زميلتنا التي تزوجت منذ شهرين..تلك تعويذتنا للانتقال من يوم إلى آخر دون ملل. وصلنا أخيرا. إنها الخامسة صباحا.. بدأت خيوط الضوء تغزل الظلام لتبعده. دخلت إلى مبنى المعمل.. قد لا أرى أشعة الشمس اليوم، وحدها الإنارة البيضاء الساطعة، سترافقني إلى آخر النهار.. أتوجه إلى مكاني متفادية البلبلة المعتادة لزميلاتي. ألقي التحية على بعض المراقبات.. يجب دائما الاحتراس منهن. قد تنقلبن على إحدانا في لمح البصر.. وقد يصل الأمر إلى الطرد.
وضعت بلوزة زهرية اللون مثل الأخريات، وجلست إلى ماكينتي. أزلت غطائها ووضعته قرب حقيبتي على الأرض. ثم باشرت بتمرير قطع القماش تحت الإبرة.. هذا الأسبوع نخيط قمصان نوم حريرية للرجال.. ذات لون أزرق قاتم كلون البحر الثائر أحيانا.. أتصور رجلا يرتديها، ربما كرجال الدعايات، أسمر، طويل ولا مبالي.. محظوظ هو ومحظوظة امرأته.
طوال فترة الصباح، كررت عملية الخياطة مرارا وتكرارا.. أصبحت أرى كل الأشياء زرقاء كلون البيجامات، حتى وجه المراقبة وظهر زميلتي الذي يقابلني.. عليّ أن أزاوج بين السرعة والإتقان. أجري مرتبط مباشرة بالأمرين..
أشعر بجفاف في حلقي، لم أتحدث منذ الصباح، وحده صوت المذياع له الحق في مرافقة ثرثرة المراقبات وضجيج آلات الخياطة.. حوالي العاشرة، نحظى بأول استراحة. أسارع إلى المراحيض. أتزاحم مع الأخريات لئلا أتجاوز الوقت المحدد، أتجاهل مشادة بين زميلتين.. ربع ساعة فقط لنقضي حاجتنا.. أخرج من هناك، أتناول من جيب بلوزتي قطعة بسكويت وألتهمها.. كنتُ مدورة، في الجامعة. كان جسمي المليء يثير الرغبة والغيرة.. الآن لم اعد أحمل إلا عظامي.. وحدهن المراقبات والملتحقات الجديدات بالعمل يتمتعن ببعض الوزن الزائد.
استمر يومي رتيبا، طويلا إلى فترة الغذاء. خمسة وأربعون دقيقة.. تناولت سندوتشي.. وإذ بقي إحساس الجوع ، قررت أن أتطفل على ميزانيتي وأشتري ياغورت.. نجلاء وأخريات يستعرضن مالهن ويطلبن ساندويتش كفتة أو كبد.. هن لا يصرفن على أسرة كاملة.. وأحيانا يكون لديهن صديق يغدق عليهن بالهدايا.
عندما أخبرت سعيد أنني أعيل أربع أشخاص، التفت إلى فتاة أخرى.. نحن في هذا المعمل كثيرات..
وأنا عائدة من فترة الغذاء، استوقفتني المراقبة، هل من خطب، فكرت؟ إذ اصطحبتني إلى مكتب مراقب الإنتاج.
- أدخلي، قال بصوت ناعم بينما تراجعت المراقبة مغلقة الباب وراءها.
تقدمت قليلا ووقفت أمام المكتب..
- أنت حاصلة على الليسانس إذا؟
- نعم، أجبت.
- ممتاز، قال بتحمس، ضاغطا على حرفي الميم.. لقد اخترتِ لمهمة مميزة. سيسري راتبك كالعادة وسترتاحين من ماكينتك لباقي اليوم.. إذا أحسنت التصرف ستحصلين على علاوة وتوصية لمنصب مراقبة.
هل هو يوم سعدي؟ تجاوزت عرض العلاوة لأتخيل منصب المراقبة، أجر أعلى ومجهود أقل..
- ما الذي عليّ عمله سيدي؟
وقف المدير ودار حول مكتبه.. نظر إلي متفحصا، اقترب أكثر ووضع يده على كتفي..
- مم..
هل هذا هو الأمر؟ لا! يا للمصيبة! لم أنا بالذات؟ لم أحاول لفت أنظاره. لم أبتسم له يوما. لم أقل له صباح الخير. أو .. مثل بعضهن، بغنج واضح:
- يناسبك لون البذلة، يا سّي مرزوق.
- انزعي بلوزتك..
ضممت ذراعي على صدري بهلع..
- سيدي، أنا يتيمة الأب، أعيل..
- لا تخافي! قاطعني بصوت منزعج. لست هنا لأجل إرضائي.. انزعيها.
حاولت أن أفكر في سبب يساعدني لأعترض أو لسبب منطقي لأنزعها.. تداخلت في رأسي الصور، نزعتها بتردد..
ألقى نظرة سريعة وعاد لمكتبه.
- يجب أن نجد لك قميصا آخر..
وفي لحظات وجدتني، حائرة، أرتدي قميصا آخر في مكتب المراقبات. وعدت إلى مكتب مدير الإنتاج لأجده رفقة مدراء آخرين.. مثله، تفحصوني بنظرة ثاقبة... شعرت باحمرار يعلو وجنتي.
- إذا أنت حاصلة على الليسانس في.. بادر أحدهم.
- الأدب العربي، سيدي.
- ممتاز.. إذا، سنتوقع أن تتصرفي جيدا. إذا رضينا عنك ستحصلين على العلاوة والترقية..
- نعم، سيدي. لكن..
قاطعني بحزم:
- سيرافقك سّي مرزوق، تقيدي بتعليماته وسيكون كل شيء على ما يرام..
ما الذي سيكون على ما يرام؟.. تبعت مدير الإنتاج إلى قاعة أخرى. هناك كان فريق تصوير ينتظر..
- هذه عاملة لدينا، ستجيب على أسئلتكم.
تطلعت مشدوهة إلى المذيعة وهي تقترب مني بابتسامة جامدة.. بينما سلط تقني ضوءا قويا على وجهي وأمسك آخر بعدسة الكاميرا.. التفتُ إلى مدير الإنتاج متسائلة لكنه اكتفى بحركة رأس خفيفة.
استهلّت المذيعة الكلام بصوت واضح:
- نحتفل جميعا اليوم، بتخليد ذكرى الثامن من مارس.. اليوم العالمي للمرأة.. وهي مناسبة أبينا فيها إلا أن نتوجه إلى شريحة مهمة من النساء لنسألها عما يمثله لها هذا اليوم.. معي إحدى العاملات النشيطات في المجتمع..
أبعدت نظرها عن عدسة الكاميرا وتوجهت إلي مباشرة:
- هل يمكنك أن تخبرينا عما يمثله لك يوم الثامن من مارس؟
....
فاطمة الزهراء الرغيوي
تطوان- المغرب
http://mima-fzr.spaces.live.com/?lc=1036



#فاطمة_الزهراء_الرغيوي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مرآة لجسد يحتضر
- مد وجزر


المزيد.....




- هتستمتع بمسلسلات و أفلام و برامج هتخليك تنبسط من أول ما تشوف ...
- وفاة الفنان المصري المعروف صلاح السعدني عن عمر ناهز 81 عاما ...
- تعدد الروايات حول ما حدث في أصفهان
- انطلاق الدورة الـ38 لمعرض تونس الدولي للكتاب
- الثقافة الفلسطينية: 32 مؤسسة ثقافية تضررت جزئيا أو كليا في ح ...
- في وداع صلاح السعدني.. فنانون ينعون عمدة الدراما المصرية
- وفاة -عمدة الدراما المصرية- الممثل صلاح السعدني عن عمر ناهز ...
- موسكو.. افتتاح معرض عن العملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا
- فنان مصري يكشف سبب وفاة صلاح السعدني ولحظاته الأخيرة
- بنتُ السراب


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - فاطمة الزهراء الرغيوي - الثامن من مارس.. وأشياء أخرى