أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - جاكلين سلام - سفر ايوب – خربشات على حافة الحياة















المزيد.....

سفر ايوب – خربشات على حافة الحياة


جاكلين سلام
كاتبة صحفية، شاعرة، مترجمة سورية-كندية

(Jacqueline Salam)


الحوار المتمدن-العدد: 128 - 2002 / 5 / 12 - 20:18
المحور: الادب والفن
    




خشْ .... خشْ ... خشْ ... ياالهي، يا حب، يا موت، يا ضحكاتهم، يا لوعة دمي ...
ماذا يحوي هذا الكيس البلاستيكي ؟ وله كل هذه الخشخشة التي تبعث في صدري رائحة احتراق وهواجس تشبه الموت. صور فوتوغرافية ؟
كيف حصل وأصبح التاريخ والبلاد والشخوص والذكريات، صورا فوتوغرافية تخشخش في رأسي منبعثة من داخل هذا الكيس !
أيعقل هذا، أبكل هذه القسوة تحولت الدروب وقسماتهم وزهورهم وخراباتهم الى صور بالالوان، وبالابيض والاسود...وها صور القتلى في فلسطين تقض صمتي ايضا .
أرتعد من أوراق مصفرة وحية، أنشرها على منضدتي ثم بسرعة أُعيدها الى الكيس ذاته ، وأنصرف الى المذياع، أبحث عن لحن يراقص فوضى تقصفي الاخير
ماذا سأسمع الآن: هل "المسايا " ل باخ، ام تأوهات فرعونية ؟
لا سأُخِرس كل مصادر الصوت الآن
وأنت ايتها الذاكرة اخرسي قليلا، أيضا
لأحتفل بكَ ايها الوقت الخشن، المراهق، العربيد، الدموي، الخارج عن كل الحجج الأنسانية والأعراف والديانات، أيها الوقت الحقيقي باكثر مما يُحتمل...
أنا، ظلي المرمي في حجرة انفرادية، تطل على ساحة الضباب ، الضباب الباذخ الكريم الذي يتواطأ مع كل شيئ ويتحالف مع كل شيئ ليغيّب من امامي كل شيئ، والبناية الحجرية العالية التي كنت اراها كل صباح ... وارتدّ بنظري عنها، الى ماوراء وراء الافق لأقول : صباح الخير أيها العالم. العالم لا يجيب، واذا تكرم بالاجابة يقذفني بصور موتى واحصائيات غير موثقة.
لابأس، سأشعل سيكارة اخرى .
يسترعي انتباهي احصائية على غلاف علبة السكائر تشير الى تصنيف حالات الموت في كندا ومنذ عام 1996 جاء فيها :
حوادث القتل: 514 شخص / موت بسبب الكحول : 1900 شخص / حوادث السير: 2900 شخص / انتحار: 3900 شخص / واما الموت بسبب التدخين : 4500 شخص !
وأنفث الدخان وسؤال يرطم فوضاي: وبأي نوع من الموت سصينفكِ الأحصاء ؟ وأي خراب اشرس سيقطفكِ ؟

هل أنتِ حزينة ؟
هل حقا ما تقولين أن في الصدر متسع لكل شيئ، لاحتمالات العطر والصفعة والحب والموت والرقص والخرائب ؟
وأجيب بسرعة الطلقة بلا مراوغة: لست أعرف، لا أريد أن أعرف أيضا ...
أعرف، أن هذه خربشات أيوب وعلى صحو لاذع على شفير الحياة – الموت .

أترك القلم على الورق الذي أصبح خرابة تشبهني، وأنصرف الى تنظيف البيت، سأمسح الغبار، ألملم الأوراق وقصاصات الجرائد وآخر نشرات الأخبار التي طبعتها من مواقع فضائية، أحشرها في احدى زوايا الغرفة على عجل، كمن يحاول أن يخفي أثار حادثة نكرة أو كسيدة بيت متعبة يفاجئها زوار بلا موعد ...وتحاول أن تبتسم لهم وتقنع نفسها أن البيت أنيق!
العالم ليس انيقا، بل الأحذية التي تلبس في الرؤوس أكثر منها في الأقدام ...
لماذا نحاول أن نخفي كراكيب الروح وخرابيش تنخر عظامنا شبه المتكلسة ؟
لماذا يجب ان يكون البيت نظيفا ومرتبا، وأراني اشبه طابات صوفية مبعثرة تلهو بها قطة على طول الخط ...
يجب أن يكون البيت نظيفا.
ولكن أوراقي ليست نظيفة ومرتبة
الرقيب الذي في رأسي يلوح: ماذا تقصدين بالأوارق النظيفة ؟
أف ...ولماذا تريد يا ايها ال.... تبريرا لكل كلمة ! ...
كيف يحصل وأتذكرالزبال الذي كان يجمع القمامة في الصباح هناك ، ويفرغ الحاوية التي تتكأ بجانب الجدار الخارجي للبيت. - واعتقد انه كان يحبني أيضا ! - كان يقرع بابنا القديم ويبتسم حين افتح له: أين القمامة اليوم يا سيدتي ؟
كنت أُجيبه مبتسمة: لا ادري !
وأشك في انه كان بتلك الدرجة من الاخلاص لقضية النظافة العامة والواجب الوطني والقومي. أتذكره الآن وجيدا، رغم انه لا صور فوتوغرافية بيننا!

خش ... خش ... خش ... ازيح الكيس بما يتحويه جانبا واتمدد على الاريكة.
ياترى لماذا كانوا يسمون المبنى الحجري الكبير في بلادي والذي كان يبنى في المقابر لدفن الموتى جماعيا، بالخشخاشة ؟
ماذا يفعل الجيران في البناية المجاورة في هذا الليل ؟... اقف لأنظر، لارى ،لاسمع شيئا، ويخذلني غبش الرؤية ويرحمني صوت " سلام "

سلام ؟ وارتعش أمام هذه الكلمة، الجرعة المضادة لكل الذي حولي -وحولكم ربما-
" سلام " يكبر، ومساحات السلام تتقلص يوما بعد يوم في عروق الوطن والغابات والزمن.

لماذا لا تَدعي الحديث عن سلام جانبا ؟ انه اكبر من كل كلماتك واكثرها عصيانا أيضا
" سلام " يكبر وأسئلته أيضا ...
أمي، لماذا يقتل الاطفال هناك في فلسطين ؟ لماذا .....ولماذا ... ولماذا؟
أنظر اليه بحيرة العاجز، بضعف من لا حول له ولاقوة وأضيف: ما رأيك بُني لو نشاهد الآن افلام كرتون ؟

آه، ياصديقي الذي هناك، سمعت أن أطفالك جياع ...يالهف قلبي ، كم سيطول بكم الحصار أيها الرب: ألستَ تسمع، ألستَ ترى؟ ...أيوب يا صديقي كم مثقل دهرنا بالفجائع...ياللهباء ..
ألم أقل لك يا صديقي ان الله مشغول بأضابير الشهداء واعمارهم، ولم يستخدم الكمبيوتر بعد، لم تصله منجزات العولمة
تنزلق الدمعة المكتومة وتغيب الرؤيا وحرقة في العينين كما مخارز يزرعها الوقت سخيا في صدري. تندلق عبر الشبكة الالكترونية كل ساعة أطنان من صور القتلى الجرحى، الاستغاثات والصفعات المضادة ، ووحدها جدران البيت شاهد علي وأنا في زحمة الحصار هذا، وحده بياض الورق الذي تلوث من نزق قلمي شاهد أيضا...

خشْ... خشْ... خشْ... أُبعِدُ الكيس الذي فيه صورنا الفوتوغرافية وقصاصات من التاريخ وأخبارعتيقة من هنا وهناك .... وأنتقل الى الاريكة الاخرى- تغيير المكان ضروري ايضا - الاريكة هذه تقابل الشرفة، الشرفة كبيرة، تطل على الضباب، الضباب ثقيل ويحجب عن روحي شمس كانت في احتمال السقوط .

لماذا أُبحلق في الاحصائية على علبة الدخان ؟
أُأقارنها بالاناقة المحتملة التي سيتم وفقها طمر جثث القتلى واعمارهم في رام الله وجنين وقبل ان يتمكن حتى الذباب الأزرق من وضع مجساته على كامل الخرابة وقبل أن يصورها الآخر لتبقى فوتوغرافا عاريا للقادم من الاجيال والايام ؟
أمْ ستُغيب العيون والقامات والاحلام ولن يعرف حتى الله ولا جدنا التاريخ الهزيل، بأي ذنب قُتلوا ؟ والى متى سيتشردون حالمين ببقعة حياة

الذاكرة محمولة على نعش الوقت في صور فوتوغرافية، حبنا، صورنا، أطفالنا، تاريخنا متاحف فوتوغرافية وبعيدة عن الحقيقة .
ألسنا نحاول أن نبتسم كلما وقفنا امام الكاميرات وعدسات المصورين ؟ واذا تناسينا يطلب منا المصور بأناقة قولوا :cheeeeeese

خارجة من صوري، من ذاكرتي وذكرياتهم، أمشي وسط الحشد الذي انتظم ليهتف مجروحا في الشارع الكندي: أوقِفوا القتل والدمار.... تأخذنا العاطفة الجماعية والوعي الجماعي والموت الجماعي ...تنفطر القلوب، تشحب العيون، وأتابع السير وئيدة، متعثرة بي وبهم ، وبهن وتنتهي الطرق الى مبنى من حجر، انه مبنى حكومي عتيد. نرفع أصوتنا الكسيرة والنداء الاخير للحياة، حاملين صور قتلانا، الفوتوغرافية . ومن ثم نعود من حيث أتينا واحدا ... واحدا ... واحدة ... واحدة ...
أرتدي قناعا آخر الآن، لأخربش شيئا، لأحاول أن أكتب شيئا، وجاهدة أحاول ألا يرتطم رأسي بهذا الفراغ الثقيل وأتشظى بين جدراني بلا أدنى أثر . خش ... خش ...خش ...




جاكلين سلام / كندا
15 نيسان 2002













#جاكلين_سلام (هاشتاغ)       Jacqueline_Salam#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ايا ايوب , صديقي


المزيد.....




- “أقوى أفلام هوليوود” استقبل الآن تردد قناة mbc2 المجاني على ...
- افتتاح أنشطة عام -ستراسبورغ عاصمة عالمية للكتاب-
- بايدن: العالم سيفقد قائده إذا غادرت الولايات المتحدة المسرح ...
- سامسونج تقدّم معرض -التوازن المستحدث- ضمن فعاليات أسبوع ميلا ...
- جعجع يتحدث عن اللاجئين السوريين و-مسرحية وحدة الساحات-
- “العيال هتطير من الفرحة” .. تردد قناة سبونج بوب الجديد 2024 ...
- مسابقة جديدة للسينما التجريبية بمهرجان كان في دورته الـ77
- المخرج الفلسطيني رشيد مشهراوي: إسرائيل تعامل الفنانين كإرهاب ...
- نيويورك: الممثل الأمريكي أليك بالدوين يضرب الهاتف من يد ناشط ...
- تواصل فعاليات مهرجان بريكس للأفلام


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - جاكلين سلام - سفر ايوب – خربشات على حافة الحياة