أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - حقوق الانسان - دياري صالح مجيد - مثال لمعاناة عراقية مع مرض السرطان















المزيد.....

مثال لمعاناة عراقية مع مرض السرطان


دياري صالح مجيد

الحوار المتمدن-العدد: 2240 - 2008 / 4 / 3 - 02:18
المحور: حقوق الانسان
    


مثال لمعاناة عراقية مع مرض السرطان
(( ليرحمك الله يا والدي العزيز))
قد يكون لبعض الكلمات المتأخرة طعم كطعم القهوة الباردة لكن باختلاف بسيط وربما مهم وهو أن الكلمات لا بد وان تستعيد سخونتها في ثنايا السطور التي سكبت فيها ولا بد وان تعطي روائحا زكية حالما تجد بريق من يلهبها بنظرات عينيه القارئة لها والمتفكرة في فحواها. هكذا اشعر وأنا اكتب للمرة الأولى عن هذا الموضوع الذي خضت تجربته المريرة قبل مدة من الزمن وذلك حين خطف هذا المرض اللعين رمزا من رموز الحياة المهمة التي تعلمت من كفاحها ونضالها الحقيقي في الحياة كيف أكون شيئا من لا شيء, لقد كان ذلك والدي العزيز الذي ستحل ذكرى وفاته الثانية قريبا.
لقد كانت تلك واحدة من التجارب القاسية التي تعلمت من تفاصيلها المحزنة الشيء الكثير فقد تعلمت كيف يطغى الحزن على بنو البشر كما الطوفان وكما التسونامي عندما يأتي ليغرق جزرا بكرا وأراض لا زالت قادرة على العطاء, انه القدر الخاطف الذي يداهمنا على حين غرة ليسرق منا أحبة على قلوبنا بعكس ما نشتهي ونتمنى.
شعرت في بداية معرفتي بمرض والدي بجزع شديد فالأيام تتوالى مثقلة بالحزن وبصرخات الالامه المتزايدة واللامنتهية إذ لازلت أتذكر كيف كان هذا الإنسان يتقلب على فراشه يستجدي الزمن والألم أن يتوقف لمجرد لحظات كي يتمكن من النوم كي ينسى للحظة واحدة ليس إلا هجمات الأوجاع التي تداهم كل جزء من جسده لكنها رغم كل ذلك لم تستطع أن تنال من روحه الطيبة أبدا ولم تنل من حبه المفرط لعوالم الطفولة البريئة.
كنت اذهب معه دائما إلى الأطباء والى مستشفيات الطب الذري والكاظمية تلك الأماكن التي يخيم فيها الوباء وكأنه صندوق البندورا الذي تحكي عنه الأساطير, لا تتمنى أبدا أن تنفتح أبوابه كي لا ينتشر الشر (( السرطان)) إلى خارج هذا المكان إلى أروقة المجتمع المختلفة كي لا يحرمه من حلاوة الحياة رغم كل ما فيها من بؤس وشقاء. عندما دخلت إلى هناك لأول مرة صدمت بشكل عنيف لما رايته من نماذج بشرية أو قل بقايا لنماذج بشرية مصابة بمختلف أنواع الأمراض السرطانية حتى بدأت اشك بان صحتي على ما يرام أو بأنني لن يأتي علي يوم دون أن أعيش أنا لوعة هذا المرض أو أحيانا اشك بأنني في خضم هذا الحشد من الأجساد المتوجعة اشك بأنني قد أقحمت رغما عني إلى كابوس مزعج لا بد لي من أن اخرج منه بأسرع وقت ممكن, لكن ما إن كنت انتقل من ممر إلى آخر حتى أجد بأنني في قلب الحقيقة المفزعة فإذا ما هربت من رؤية امرأة جميلة لم تذق بعد حلاوة الشباب مصابة بهذا المرض الذي يمص معالم الجمال منها بشراهة منقطعة النظير, حتى افجع بطفل بريء تمص أحزانه وصرخاته هو الآخر مشاعري ليحولني الحزن إلى شجرة عارية بلا أغصان طالما أن ذلك الحزن كان يمر كالخريف في أجواء ذلك المكان الذي كنت ارتجف فيه رغم صيف بغداد القائظ.
في تلك اللحظات كنت دائما أرى الحزن يتعمق في عيني والدي أكثر وأكثر فاعمل على مواساته بعد أن اقبل يده التي كنت دائما في تلك اللحظات و حتى ختامها امسك بها بقوة متوهما بان قوتي تلك اكبر من قوة الموت الذي سيأتي ليخطفه مني والى الأبد, لكن حقيقة ذلك الذي ترك كل هذا الحزن في وجهه و عينيه ذلك الحزن الذي كان يتفجر في لحظات ما كما تتفجر البقع الشمسية كان بسبب رؤيته لتلك النماذج الشابة المصابة بهذا المرض فكان يقول لي (( لقد أخذت نصيبي من الحياة وأنا راض بنهايتي لكن ما ذنب كل هؤلاء الشباب , كل هؤلاء الأطفال ليرجموا في هذا القبر؟ )). وكنت في حينها أراهم كلهم موتى قبل الأوان فلم تكن إجراءات أو علاجات هذا المرض في العراق تجدي نفعا ولم يكن السبب في أن تلك العلاجات قد انتهى مفعولها وإنما لكون الأمراض السرطانية في العراق من ذلك النوع الذي لم يعد من الممكن استجابته لهذه العلاجات فهي أمراض أكثر تطورا عما كانت عليه من قبل أو عما هو عليه الحال في دول العالم الأخرى.
كم كان الألم يحفر في روحي وكأنه لافا بركانية قد تدفقت بكل حرارتها لتشق طريقها نحو ما بقي في من أراض خضراء لتدمرها بعد كل انفجار من انفجارات تلك الأيام العصيبة فكم شعرت بالأسى مثلا حينما رأيت امرأة بسيطة يوحي مظهرها ولكنتها بأنها من أبناء الجنوب الأعزاء جاءت لتحصل على ترياق هذا المرض لابنتها التي لا يتجاوز عمرها العشر سنوات وإذا بصاحب المدخر التابع لمستشفى الكاظمية يقول لها كما هو معتاد في كل مستشفيات العراق (( آسف لا يوجد لدينا هذه الإبرة إذا أردت اذهبي لشرائها من الصيدليات الأهلية سعرها رخيص لا يتجاوز المائة دولار !)), وإذا بها تجر أذيال الخيبة ساحبة طفلتها بيدها ناعتة هذا العالم بالظالم المستبد بأحوال الفقراء والمساكين مذكرة إياه بأنها لا تملك أجرة الباص الذي يأتي بها إلى هذه المقبرة فكيف تشتري الإبرة بذلك السعر؟, فقال لها ما باليد من حيلة راجعينا في الشهر القادم قد يكون لها حل ما. انظر كم قساة نحن البشر نتاجر بالآلام الآخرين دون اكتراث لا جل الحصول على المال لا غير دون أن نفكر بالآلام الطفلة المصابة هذه أو بالآلام الانكسار النفسي الذي شعرت به الأم حينها, وبالمقابل لا أريد أن أبدو كانسان شهم سومري الأصول لكن حقيقة الأمر تمنيت حينها لو أنني استطيع أن أمد يد العون لها لأنني وببساطة كنت اعرف حجم الألم الذي سيفترس هذه الطفلة وكأنه ذئب ينقض على شاة ليس لها راع يحميها منه لكنني لم أتمكن من ذلك لسبب ربما يبدو بسيط وهو أنني كنت ملزم أيضا بشراء هذه الإبرة بمبلغ 100 دولار شهريا.
على أية حال توفي والدي بعد معركة كان الخاسر فيها جسدا ليس إلا أما الروح فقد حققت انتصارا عظيما في هذا الصراع غير المتكافئ , لذا عندما لا قيت احد الأشخاص بعد وفاة والدي قال لي كلمات مواساة فرددت عليه بأنني لست حزين وذلك لان والدي قد تحرر من عذابات هذا العالم الظالم لا بنائه والناكر لما قدموه من جهود في تطويره وإحيائه. وهنا كانت البداية الحقيقية في أن اكتب عن هذه المأساة لكن دون الخوض المعمق في تفاصيلها الحزينة بل بهدف الإجابة عن التساؤل الآتي(( لماذا ازدادت الأمراض السرطانية في العراق؟ ولماذا عندما تذهب إلى مستشفى الطب الذري تجد أكداسا بشرية تتكوم أمام غرف الأطباء يصرخون من الآلام وكأنك أمام حشد من الناس المصابين بمرض الأنفلونزا وليس السرطان؟)).
إن الأمر برمته مرتبط بمغامرات الحروب الطائشة التي عاشها العراق خلال الفترة الماضية والحالية وربما المستقبلية فالأسلحة المحرمة دوليا والأمطار الممزوجة بحرائق آبار النفط في الكويت إلى استخدام غازات الخردل والقذائف الحاوية على مواد مشعة إلى استخدام المولدات الكهربائية التي تنتشر كما السرطان في كل أرجاء العراق , كلها أسباب أدت إلى زيادة الأمراض السرطانية, فبحسب إحصائيات رسمية كان عدد المصابين بأمراض سرطان الرئة في العراق عدا محافظات إقليم كردستان قد وصل إلى 803 حالة في عام 1989 في حين وصل العدد إلى 855 في عام 2000 أما سرطان الثدي فقد ازداد من 763 إلى 1765 والغدد اللمفاوية من 460 إلى 673 وسرطان الدم من 365 إلى 681 للفترة ذاتها, في حين تشير بيانات الجهاز المركزي للإحصاء في تقرير الإحصاءات البيئية لعام 2005 إلى أن عدد حالات الإصابة بالأمراض السرطانية المختلفة قد وصل إلى 7954 حالة في عام 1998 والى 9872 حالة في عام 2000 في مجمل العراق (( عدا إقليم كردستان)). اللافت للنظر أن أبناء العم سام من الذين شاركوا في حرب الخليج الثانية ممن تعرضوا لأثر الإشعاعات وبدأت تظهر عليهم أعراض مختلفة قليل منها يتعلق بالسرطان كانوا يقاضون حكومتهم ويحصلون على تعويضات ورعاية مجانية وكذلك الحال مع العديد من أبناء الكويت الشقيقة الذين كانوا يقتطعون من مبيعات النفط العراقي ضرائب بيئية جراء الدمار الذي لحق ببيئتهم وما أثاره ذلك من انعكاسات صحية على مواطنيهم, وهو برأي الشخصي المتواضع حق مشروع لهم اعتمادا على مبدأ من يلوث يدفع , لكن أبناء العراق بقوا يرزحون تحت وطأة الفقر والسرطان وتحت سقف المتاهة اللامحدود في عالم نسي وجودهم والالامهم بشكل تام نسي تحمل مسؤوليته الأخلاقية حيالهم متلذذا بما يعانون دون أن يكون هنالك من يطالب لهم ليس بالتعويض أو الدلال المفرط وإنما بتوفير العلاج اللازم لشريحة غالبيتها من الفقراء توفير ذلك العلاج مجانا نعم مجانا وهو اضعف الإيمان لا نهم بشر ولا يقلون شأنا عن الجندي الأمريكي أو المواطن الكويتي العزيز على حكومته التي تتفانى في استرداد حقوقه وتتفانى في توفير الرعاية الصحية اللازمة له, أما نحن فللأسف الشديد الكل يصم آذانه عن صرخاتنا. لذا ادعوا المهتمين من أصحاب القرار السياسي في العراق إذا ما قرءوا يوما هذه المقالة إلى أن يأخذوا بعين الاعتبار ولو واحدة من التوصيات التالية:
1- زيارة شخصية من قبل وزير الصحة أو من ينوب عنه للاطلاع على واقع الخدمات الصحية الخاصة بأصحاب الأمراض السرطانية.
2- توفير العلاج مهما كانت كلفته للمصابين دون أن يضطر المصاب إلى شرائه من الصيدليات الأهلية.
3- توفير أجهزة المفراس الحديثة التي تفتقر إليها مستشفياتنا من اجل تسريع عملية تشخيص المرض والعلاج اللازم له.
4- أن تتحمل الولايات المتحدة الأمريكية مسؤوليتها حيال الأمراض السرطانية في العراق بالعمل على تقديم المساعدة في إقامة مستشفيات تخصصية أكثر تطورا والعمل على توزيعها في المحافظات التي تعاني من انتشار تلك الأمراض كي لا يضطر المريض وهو يعيش الآلام السرطان المبرحة للقدوم من محافظات العراق المختلفة للعلاج في بغداد.
5- أن تخصص الحكومة العراقية جزء من ميزانيتها السنوية لرعاية المصابين بأمراض السرطان من جهة والعمل على تشجيع الجهود البحثية الرامية إلى التقليل من الإصابة بهذا المرض من جهة ثانية .
6- أن لا نخشى من الاعتراف بوجود مناطق ملوثة إشعاعيا في العراق يجب إعلانها أقاليم منكوبة غير صالحة للسكن أو الزراعة.



#دياري_صالح_مجيد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الفن والحد من التطرف الديني
- شر البلاء ان تكون فقيرا ضعيفا
- الخطاب الديني والإرهاب
- ارهاب الثقافة في العراق
- العراقيون هل هم بحاجة الى دكتاتور جديد؟
- في رثاء اصدقائي الشهداء


المزيد.....




- اعتقال أكثر من 100 متظاهر مؤيد للفلسطينيين من حرم جامعة كولو ...
- بمنتهى الوحشية.. فيديو يوثق استخدام كلب بوليسي لاعتقال شاب ب ...
- البرلمان العربي يستنكر عجز مجلس الأمن عن تمكين فلسطين من الح ...
- الكويت: موقف مجلس الأمن بشأن عضوية فلسطين في الأمم المتحدة ي ...
- قائمة الدول التي صوتت مع أو ضد قبول الطلب الفلسطيني كدولة كا ...
- لافروف يعلق على اعتقال شخصين في ألمانيا بشبهة -التجسس- لصالح ...
- اعتقال عشرات الطلاب الداعمين لفلسطين من جامعة كولومبيا الأمي ...
- استياء عربي من رفض أميركا عضوية فلسطين بالأمم المتحدة
- فيديو يوثق استخدام كلب بوليسي أثناء اعتقال شاب في الضفة الغر ...
- فيتو أميركي يفشل مشروع قرار منح فلسطين العضوية في الأمم المت ...


المزيد.....

- مبدأ حق تقرير المصير والقانون الدولي / عبد الحسين شعبان
- حضور الإعلان العالمي لحقوق الانسان في الدساتير.. انحياز للقي ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- فلسفة حقوق الانسان بين الأصول التاريخية والأهمية المعاصرة / زهير الخويلدي
- المراة في الدساتير .. ثقافات مختلفة وضعيات متنوعة لحالة انسا ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- نجل الراحل يسار يروي قصة والده الدكتور محمد سلمان حسن في صرا ... / يسار محمد سلمان حسن
- الإستعراض الدوري الشامل بين مطرقة السياسة وسندان الحقوق .. ع ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- نطاق الشامل لحقوق الانسان / أشرف المجدول
- تضمين مفاهيم حقوق الإنسان في المناهج الدراسية / نزيهة التركى
- الكمائن الرمادية / مركز اريج لحقوق الانسان
- على هامش الدورة 38 الاعتيادية لمجلس حقوق الانسان .. قراءة في ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - حقوق الانسان - دياري صالح مجيد - مثال لمعاناة عراقية مع مرض السرطان