أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - إدريس ولد القابلة - الفنان محمد القاسمي الفيلسوف الصامت















المزيد.....

الفنان محمد القاسمي الفيلسوف الصامت


إدريس ولد القابلة
(Driss Ould El Kabla)


الحوار المتمدن-العدد: 688 - 2003 / 12 / 20 - 09:03
المحور: الادب والفن
    


الفنان محمد القاسمي من مواليد أربعينات القرن الماضي بمدينة مكناس، لفظ أنفاسه الأخيرة يوم فاتح رمضان بالمستشفى العسكري بالرباط بعد معاناة من مرض عضال تصدى إليه بصبر أيوب، لقد رحل عنا الفنان محمد القاسمي في صبيحة 27 أكتوبر 2003.

و كان هذا اليوم خريفي بسمائه الرمادية المعبرة على فصل خريفي مغربي بامتياز. غادرنا القاسمي و ترك وراءه الكثير من المخلفات، تركة تشكيلية و شعرية و علائقية متميزة، و هي تركة مطبوعة بالأمل المرتقب على الدوام.

و محمد القاسمي فنان تشكيلي مغربي أبدع لوحات فنية للتعبير عن الحياة الشارقة، عن الحب، عن العشق، عن النسيان، عن العفو و السماحة، و عن الغضب و الذاكرة. إنه كان من الأصوات القوية التي دافعت بقوة إلى آخر رمق عن الإنسان في شموليته و كينونته.

لقد كان الفنان محمد القاسمي شخصا عاديا، كريما متواضعا. و ترك للدهر أن يطبع ميزة الدوام على إبداعاته الفنية لتبقى شاهدة على إنجازاته بعد أن غادر هذا العالم.

عموما تميزت أعماله بعالمية ذات خاصية شعرية و ميتافيزيقية و فلسفية، و هذا ما جعل أعماله مغروسة في حيواتنا. إن إبداعاته التشكيلية تعتبر شهادات على قوة الكائن الحي، لاسيما في حالات غضبه. و ظل القاسمي هكذا، لم يتغير، مسكونا بنور داخلي يقوده على الدوام لتكريس عالميته المشحونة بالشعرية و الفلسفة و الميتافيزيقا، ليظهر في آخر معارضه الليل الذي خيم على العالم لحجب كلما هو إنساني نبيل.

كان القاسمي  يستيقظ باكرا و يتجول في حديقته،ثم يجلس تحت الشجرة التي تتوسطها و التي غرسها بيده، و ذلك للتأمل في حياته و بيئته و ما يحيط به في انتظار أن تناديه فرشاته و مشغله الكائن قي قاع الحديقة. و لقد فضل في أواخر حياته المكوث بمقره بمدينة بمارة –جنوب الرباط- يعد أن باع سكناه بباريس و قال أنه يريد الموت في بيته بمعية زوجته.

و مقر سكناه هذا يعتبره جنة عدنه الكائنة بين زرقة المحيط الأطلسي و زرقة سماء تمارة. إنها إقامة محاطة بحدائق على النمط المتوسطي و الإفريقي. و القاسمي نفسه هو الذي غرس أشجارها وفق فوضى مفكر فيها، فوضى منظمة تنظيما لا يعيق حرية نطور الطبيعة. و مختلف زوار مقره كانوا يشعرون بمجرد ولوجهم المكان أن هناك علاقة وثيقة بين هذا الفضاء و صاحبه لأنه يعكس شيئا ما من شخصية القاسمي.

لقد سار الفنان محمد القاسمي على درب العصامية لتعميق الخبرة و صقل الموهبة. استقر في بداية مشواره بالرباط و ربط علاقات واسعة بها منذ الستينات. ثم أصبح عضوا نشيطا في الجمعية المغربية للفنون التشكيلية و عضوا ملتزما في اتحاد كتاب المغرب. كان شعاره هو التسامح و احترام الرأي الآخر. و اهتم كثيرا بالتظاهرات الفنية الخاصة بالأطفال، كما دأب على الانخراط في الأعمال الاجتماعية المرتبطة بالمستشفيات و الساحات العمومية (الجداريات) و بالشأن الثقافي و كان دائم الحضور في مختلف التظاهرات.
منذ 1969 بداياته بمدينة مكناس في 1965-1968 و بقاعة باب الرواح بمدينة الرباط سنة 1969 اتجه الفنان محمد القاسمي نحو مسار تميز باستبدال فضاء انشغالاته، مجسدا بذلك مشروعه المسكون بالترحال للبحث عن الحداثة و التجديد. و قد تمكن من تحقيق هذا المشروع بإقحام جسمه في عمله الإبداعي للكشف عن خبايا غير مرئية عملا بمبدأ الحرية حركة دائمة.

و من أهم مميزات الفنان محمد القاسمي أنه استطاع طرح هموم الإنسان و انشغالات العصر بالرموز و الأشكال و الألوان و الصور، كما طرحها بالشعر. لقد وصفه القريبون منه بالفيلسوف الصامت الذي رسم الألفاظ و تشاعر بالصورة و الألوان. فأعماله كانت متميزة و موزعة بين التصوير و التنصيب و النحت و الكتابة الجمالية و الشعر سواء بتأليفه أو إلقائه.

و كانت مواقف الفنان محمد القاسمي مواقف نبيلة إزاء مختلف القضايا، مطبوعة على الدوام بالمبادئ الإنسانية. كيف لا و هو الذي سار على درب رواد الفن التشكيلي المغربي من أمثال الغرباوي و الشرقاوي وبلكاهية و شبعة و مليحي و غيرهم. و هكذا استطاع القاسمي تكوين النواة المحركة لدينامية جيل الاستمرارية للفن التشكيلي المغربي.

لقد عرض أعماله كثيرا بباريس و في البلدان العربية و الأوروبية و الإفريقية. و في سنة 1984 خاض تجربة مع الشاعر عبد اللطيف اللعبي بعد خروج هذا الأخير من السجن المركزي بالقنيطرة حيث قضى به أكثر من عقد من الزمن بسبب أفكاره و آرائه. و كانت النتيجة إبداع تضمن كلمات الشاعر و خطوط و ألوان و أشكال الفنان التشكيلي.

و من أعماله كذلك دفاتر الجنوب 1989، أسطورة الأطلس 1990، و الرايات على شاطئ الهرهورة في 1985 و هي أعمال جعلت الفنان محمد القاسمي يخرج من القماش و فضاء اللوحة التقليدية إلى الفضاء الرحب و الأرض و البحر و الطبيعة.

فقد كان الفنان محمد القاسمي يبحث دوما عن الذات من خلال العمل الفني الذي تجاوز قاعة العرض التقليدية للتدخل في العالم بمختلف مكوناته. و لعل مشروعه المتعلق بالأهرام بمصر كان يهدف بالأساس إلى الانفتاح على العالم و عبره على الكون لتجسيد و بامتياز علاقة الفن بالكون. كما استغل القاسمي على "الحايك" (لباس تقليدي مغربي نسوي أصيل) و كان ذلك بمراكش سنة 1989. كما وظف قصاصات الجرائد و أغلفة الكتب و الملصقات و جملة من الأكسوارات في الأعمال المندرجة تحت تسمية "البيرفورماس" كتشكيل تعبيري يتجاوز فضاء اللوحة.

و قد حصل الفنان محمد القاسمي على عدة جوائز و من ضمنها جائزة الاستحقاق الكبرى سنة 1999 و كانت أول مرة في تاريخ المغرب تمنح لفنان تشكيلي.كما ساهم في بلورة الميثاق الوطني للتربية و التكوين.

و خلاصة القول أن الفنان محمد القاسمي ساهم بشكل فعال في إغناء و تطوير حركية الفن التشكيلي الحديث بالمغرب و في الوطن العربي قاطبة./.



#إدريس_ولد_القابلة (هاشتاغ)       Driss_Ould_El_Kabla#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- من فضائح القائمين على الأمور بالمغرب هل سيبدأ مسلسل كشف الفض ...
- حصار الفنان الفكاهي أحمد السنوسي حلقة من حلقات تضييق الخناق ...
- لازال علي المرابط خلف الأسوار الرمادية العالية و وراء القضبا ...
- هل المسألة الأمنية تعد من الأولويات بالمغرب؟
- -الإهانة في زمن الميغا- أمبريالية- للمهدي المنجرة في طبعتها ...
- داء فقدان المناعة (السيدا أو الأيدز) بالمغرب
- صناعة القرار السياسي بالمغرب
- الحوار المتمدن طوقت نفسها بحتمية الاستمرارية
- المغرب و الجزائر الى متى التنافر؟
- الشهادة المدرسية المزورة فعلت فعلها في الانتخابات بالمغرب
- نمو لن و لم تكن كافية كنسبة%3
- الهجرة السرية معضلة القرن
- من أجل وعي ايكولوجي
- طي صفحة الماضي بالمغرب
- البرلمان المغربي في قفص الاتهام
- بداية تجربة تدريس الأمازيغية بالمغرب
- لازال قانون مكافحة الارهاب يسقط رؤوس الصحافيين
- لازالت الصحافة المغربية في محنة اقتياد صحافي آخر إلى وراء ال ...
- الجماعات المحلية و تسيير الشأن العام بالمغرب التدبير المنتدب ...
- ضريبة الجرأة الصحافية


المزيد.....




- فنانة مصرية شهيرة: سعاد حسني لم تنتحر (فيديو)
- وفاة المخرج ميشائيل فيرهوفن وساسة ألمانيا يشيدون بأعماله الف ...
- -الماتريكس 5-.. حكاية المصفوفة التي قلبت موازين سينما الخيال ...
- -باهبل مكة-.. سيرة مكة روائيا في حكايات عائلة السردار
- فنان خليجي شهير يتعرض لجلطة في الدماغ
- مقدّمة في فلسفة البلاغة عند العرب
- إعلام إسرائيلي: حماس منتصرة بمعركة الرواية وتحرك لمنع أوامر ...
- مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 مترجمة بجودة عالية فيديو لاروز ...
- الكشف عن المجلد الأول لـ-تاريخ روسيا-
- اللوحة -المفقودة- لغوستاف كليمت تباع بـ 30 مليون يورو


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - إدريس ولد القابلة - الفنان محمد القاسمي الفيلسوف الصامت