سيد القمنى
الحوار المتمدن-العدد: 2216 - 2008 / 3 / 10 - 10:54
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
معظم دول الإسلام ، أو رجل العالم المريض ، تأتي في مرتبة أكثر البلدان تخلفاً على كل المستويات ، و ما زاد الأمر نكاية هو الصحوة الإرهابية التي جعلت من المسلمين أصحاب الحظ الأوفر في العمليات الإجرامية الأشد بشاعة في العالم ، مما استجلب على المسلمين عداء العالم كله ، في وقت يشكلون فيه أشد الشعوب تخلفاً و ضعفاً و ما أكثر عددهم و ما أكثر هزائمهم ، و هو ما استتبع ليس العداء فقط ، بل الاحتقار و الحصار و معاملة المسلمين معاملة ترويضية ، كمن يروض حيوانات مفترسة لم يرتق إدراكها بعد ، و لا تملك حساً أو ضميراً إنسانياً ، فيطعمه و يسقيه بالمعونات لكن يحدد له دوراً لا يتجاوزه ، و يقسو عليه أحياناً أخرى فيحاصره ليتم تحجيمه باستمرار ، و يحافظ على بعضهم من الإنقراض كحفرية حية ، و يترك بعضهم في مناطق أخرى يأكلون بعضهم في فوضى خلاقة حتى تصفو النيران عن رماد خامد غير ضار .
و بسبيل العثور على ثقب في هذا الواقع الآسن نحو تغيير و إصلاح يؤدي إلى خلاص و انعتاق منطقتنا مما هي فيه ، انقسم المفكرون في بلاد المسلمين على أطيافهم من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار، إلى فريقين رئيسيين : فريق أرجع الأزمة إلى عدم التزام خير أمة أخرجت للناس بدينها حسب الأصول ، و هو ما يجعلها تطلب النصرة السماوية فلا تستجيب السماء لها ، بل تنزل بها النوازل و الإهانات و الكوارث تقفو بعضها بعضا ، في عملية تأديب ربانية للأمة كلها ، و ذلك لأنها فرطت في فروض و حدود دينها و تأثرت بما عند الشعوب الأجنبية من أساليب عيش هي على النقيض مما جاء في إسلامنا ، لذلك حقت علينا النقمة الإلهية ، و لا حل إلا بالعودة الكاملة الخالصة لهذا الدين و الالتزام الدقيق بأوامره و نواهيه و فروضه و حدوده الشرعية و أخلاقه السامية ، و التسنن الكاملة بسنة رسول الله ( ص ) و سنن الراشدين الهداة المهديين. و عندما يتيقن ربنا من استئهالنا للرحمة حسب معاييره ، و قدر رضاه عما حققنا من حسن عبادة و إخلاص ، فإنه سيتدخل بنفسه لإنقاذ أمته التي اصطفاها لقيادة العالمين ، و هذا الفريق هو الأكثر انتشاراً بين جماهير المسلمين .
و يغلب على هذا الفريق روح التنظيم لتعودهم على الطاعة المطلقة ، فيشكلون جماعات شديدة التنظيم و الانضباط و الاستجابة الحركية السريعة ، تبدو بينها على السطح خلافات في الدرجة لكنها غير نوعية ، فهي تتوافق جميعاً على الأهداف و إن اختلفت الأساليب ، و يزعم هذا الفريق أننا قد جربنا العلمانية ( يقصدون الدكتاتوريات العسكرية ) و النظام الجمهوري و النظام الملكي و الاشتراكية و الرأسمالية ، و سقطت جميعاً و سقطنا معها في المزيد من التخلف و الانهيار ، و لم تجلب تلك التجارب سوى الهزائم المتتالية دون خلاص واضح في المستقبل المنظور ، و لا يبقى سوى استيلاء أنصار هذا التيار على الحكم ليحكموا المجتمع حكماً إسلامياً ، أو بالأحرى أن يفرضوا سلطانهم من خلف ستار لحكام مدنيين أو عسكريين شكليين ، بحيث يكونوا هم المرجعية في اتخاذ أى قرار أو إصدار أى قانون ، و أن يكونوا هم الهيئة المحاسبية الأولى الرقابية ، دون أن يحكموا بشكل ثيوقراطي مباشر ، و بموجب هذا الشكل من الحكم تتم الأسلمة الكاملة للمجتمع و الدولة ، و عندئذ سوف يتدخل رب السماء لينصر أمته و يعيد لها أمجاد الفتوحات ، كما نصر السلف و هم أراذل أذلة .
أما الفريق الآخر ( العلماني ) فقد ذهب مذهباً هو على النقيض بالمرة من الفريق الأول ، و هو الأقل انتشاراً بين الجماهير لكنه الأكثر قدرة على الوصول إلى حلول علمية ،و الأكثر منطقاً ، و الأقوى حجة ، و يستند إلى الواقع الملموس في نجاح العلمانية أينما طبقت . لذلك تتم محاربة هذا التيار و طعنه لدى المسلمين بكونه يناهض الدين و يناوئه ، حتى لا يصل إلى الناس أصحاب المصلحة فيه ، و يعاني هذا الفريق إضافة إلى التحريض ضده وتبخيسه و تكفيره و تخوينه ، من خلل شديد أصيل في بنيته ، لأن العلمانية أو الليبرالية هي حرية فردانية بطبيعتها و بما تتضمنه من مفاهيم ، فيكون الفرد عصياً على الانضباط و التنظيم الحركي ، و لا يخضع العلماني إلا لقوانين العقل و العلم و الأصول الحقوقية و الدستورية للمجتمع المدني ، التي يطيعها عن قناعة و إيمان بحفظها لسلامته و سلامة المجتمع . لذلك فالليبرالية لا تقوم في مجتمع إلا عندما تنتشر بقوتها الذاتية ، و قدرتها على الإقناع و ما تملكه من وسائل و أدوات للأمن الاجتماعي ، و ما تحظى به من أدوات علمية تقدم بها نفسها مدعومة بالبرهان و الدليل مع نضوج الأوضاع الاجتماعية لقيام طبقة صاحبة مصلحة فيها تؤسس لها و تحميها و هو الدور الذي أنجزته في أوروبا الطبقة البورجوازية بعد الثورة الصناعية .
و الفريق العلماني بالطبع لا يرجع الأزمة إلى تأثر المسلمين بثقافات غير إسلامية ، بل يرى أنهم أبعد ما يكونون عن هذه الثقافات بعداً سحيقاً ، و لا يرى أن مصائبنا تبدأ مع الاستعمار الحديث و سقوط الخلافة ، لأن الخلافة كانت قد مرضت و شاخت و كانت فقط تنتظر من يعلن وفاتها ، بل أنها كانت هي مصيبة هذه المنطقة من العالم ، و أن الاستعمار لم يكن سبب ضعفنا ، باحتلاله بلادنا ، لأنها كانت ضعيفة أصلاً مما سمح للآخرين بالتعدي عليها ، فضعفنا أصيل في بنيتنا الثقافية و كان هو سبب الاستعمار و ليس نتيجته . و من ثم يعيد هذا الفريق أزمة المسلمين إلى تمسكهم بتراثهم الذي تجمد و تجمدوا معه ، و هنا ينقسم هذا الفريق ( العلماني ) إلى موقفين ( إضافة إلى الإشتراكيين ) : موقف يرى أن الخروج من الأزمة يتطلب التحرر التام و الإنعتاق الكامل من سلطة التراث الإسلامي أو أى دين آخر، الذي يعوقنا عن التقدم و التكيف مع العصر . و موقف آخر يرى أن المأثور الإسلامي جزء لا يتجزأ من ثقافتنا يستحيل إجراء قطيعة تامة معه ، لأنه هدف غير قابل للتحقيق بالمطلق ، لذلك فالحل يكون بإعادة قراءة هذا المأثور الهائل و إعادة تصنيفه و تبويبه ، و تجديد فهم النصوص بما يتلاءم مع مصالح البلاد و العباد و ظروف العصر و مقتضياته ، و صاحب هذا القلم يعتبر نفسه ضمن أصحاب هذا الموقف الثاني من التيار العلماني ، و يرى وجوب أن يتم هذا التجديد أو القراءة الجديدة بما لا يصدم الإيمان الإسلامي ، و دون الدخول في صراع طائفي مذهبي بين القراءات ، أى تقديم قراءة تصالحية سلامية للمسلمين قادرة على مواكبة المستحداث في عالمنا الدؤب تغيراً و تبدلاً ، مع الطموح إلى أن تحوز هذه القراءة رضى المسلمين و أيضاً رضى غير المسلمين ، و هي مهمة بهذا الشكل تبدو عسيرة بل و ربما مستحيلة ، لكنا سنحاول تجاوز هذه الاستحالة في هذه المجموعة من الدراسات مستعينيين بحب جارف لهذا الوطن و للناس في هذا الوطن ، و إيماناً غير مشوب بقدرة الإسلام و المسلمين على تجاوز كبوتهم التاريخية . لأن أزمة المجتمعات الإسلامية تنهض على واقع مختل ، تحزبت فيه المجتمعات الإسلامية لدينها و تراثها ، بينما هذا التراث تحديداً ما عاد يتجدد أو يتبدل كما كان في حياة صاحب الدعوة عندما كان الوحي يستجيب للمتغيرات ، فكان الله في حياة صاحب الدعوة يتفاعل بوحيه جدلاً أخذاً و عطاء مع حركة الواقع المتغير ، فكان يُُنسى آيات و يُبدل أخرى و يرفع و ينسخ و يمحو و يثبت آيات غير آيات ، و حديث غير سابقة و فعل نقيض سالفة ، و يتطور مراعياً وقائع الأرض و ظروفها المادية البحت . و بوفاة صاحب الدعوة و توقف علاقة السماء بالأرض ، تجمد المسلمون عند آخر نص في تطور الأحكام ليعتبرونه حكماً نهائياً صالحاً لكل زمان و مكان ، بينما هو في حقيقة الأمر و دون أي تجن هو خارج المكان و الزمان ، و الرؤية الوحيدة القادرة على جعله صالحاً لكل زمان و مكان ، تنبع من داخل الإسلام و من ميكانيزمات تكون الوحى خلال 53 سنة ، فالدرس و الأغراض النهائية فيه ، هو إثبات مبدأ التغير و التطور مع كل جديد ، و ليس الوقوف عند آخر تطور حدث في حياة صاحب الدعوة ، لأن التطور و التغير هو قانون الكون الأوحد الثابت .
و الخطورة اليوم ليست على دين الإسلام ، فالدين ، أى دين ، لا يموت و لا يندثر و لأنه فكرة ، لأنه ثقافة ، فلازالت الجميلة بين الآلهة الرافدية (عشتروت) تحاط بالرعاية و التكريم في كل ثقافات العالم و في و في كل متاحف الدنيا ، يحيط بها عشاق من كبار العقول الأركيولوجية و فلاسفة التاريخ و الأديان ، مثلها (إيزيس) المصرية ، مثلها (أدونيس) الفينيقي ، و (البعل) الشامي ، مثلها قصة الخلق المصرية ، و البابلية ، و ملحمة جلجامش ، و حكايات ملقارت ، و ملحمة الطوفان البابلي ، كلها محل احترام و لم تفن ولازالت من التاريخ ، بل وجدت عشاقاً من لون آخر و نوع آخر ، و من انتهي من التاريخ هم البشر من أتباعها و عبادها . الخطورة ليست إذن على دين المسلمين ، فالدين له صاحب كفيل به ، الخطورة الحقيقية هي على المسلمين من الزوال الوجودي من عالم البشرية بالاندثار التام ، بعد أن غابوا عن هذا الوجود كفكرة و فعل و عطاء ، و غرقوا في مستنقعات الجهل الخرافة و التخلف و الجمود و الاستبداد و الانحطاط الخلقي و الإنساني ، رغم أن المسلمين يشكلون حوالي خمس البشرية على الأرض . هنا الذعر الحقيقي أن تطول الأزمة بالمسلمين فيغيبوا وجوداً كما غابوا حضوراً ثقافياً ، و هم حسب ما نعتقد كمسلمين المكلفين بالشهادة على الناس ، بحسبانهم أمة وسطا حسبما أخبر القرآن الكريم ، بينما هم لا عادوا أمة وسطا و لا طرفاً ، و لا هم أمة أصلاً بحالهم هذا ، و لو قلنا تجاوزاً أنهم أمة ، فهم أمة مريضة تصدر أمراضها كراهية و إرهاباً للعالمين .
و ينعي المسلمون على الغرب الكافر تحلله الأخلاقي و عريه و حرياته اللا محدودة ، و يعتقدون أن الأخلاق قاصرة على الإسلام و المسلمين ، و أنها الشئ الوحيد تقريباً الذي تملكه لذلك تعتز به و تنافح عنه و تباهي به الدنيا ، رغم أن الصحوة الإسلامية أثبتت عدم امتلاكها حتى هذا الجزء المعنوي الذي تتباهى به ، فأسقطت جميع القيم الأخلاقية دفعة واحدة ، فصار الكذب مباحاً بعقيدة ( التقية ) ، و أموال البنوك مستباحة لأنها ربوية ، و أموال غير المسلمين غنيمة مستباحة لأنهم محاربون شاءوا أم أبوا و سواء كان ذلك موافقاً فعلاً لشرع الله من عدمه ، هذا ناهيك عن فقه كامل يكرس الاغتصاب بملك اليمين يتم تدريسه حتى اليوم في الفقه على المذاهب الأربعة في مدارسنا الدينية . من الأزهر إلى طالبان، ناهيك عن استمرار الشيعة في العمل بنكاح المتعة ، إضافة لمسيار القرضاوي ، و زواج الفرند عند الشيخ الزنداني ، و العرفي ، و مفاخذة الرضيعة كما أفتى خميني . . . إلخ ، و لا تفهم معنى الزنى هنا بالمرة ، و لا أين هي الأخلاق التي يفاخر المسلمون بها العالمين و التى تقف جميعاً عند أخلاق الجنس وحدها ، و هي الأخلاق المفقودة حتى في هذا العنصر الخلقي الوحيد الذي نتباهى به حجاباً و نقاباً دليلاً على عفتنا الجنسية التى هي كل الأخلاق بنظرنا.
المشكلة التى ستواجه الجديد هنا ، هو اعتقاد المسلم بعصمته ، و الكمال التام للتراث الإسلامي بكليته ، رغم أن التراث الإسلامي بوضعه الحالي قد اختلط فيه الإلهي بوجهة النظر الفقهية بالمذهب بالتأويل المناسب لعصر دون عصر ، بتقنين تشريعات على المذاهب المختلفة على ما بينها من اختلافات شديدة التباين و التناقض على أبسط الشئون ، التي لا تحتمل رأيين أو تفسيرين ، كما في حال الحدود التى تفعل العقوبات البدنية مثلاً ، فقطع يد إنسان ليست شأناً بسيطاً حتى تختلف المذاهب السنية الأربعة حول مستوى القطع : هل هو من الأصابع أم من الكف أم من الكوع أم نخلعها من الكتف خلعاً ؟ و هي آراء المذاهب الأربعة في مستوى القطع ؟ ! ، ناهيك عن القصور الشديد في هذه الشريعة عن مواكبة الزمن ، و هذا قول لا يشين الشريعة و لا يقلل من قيمتها ، فقط دون إغراق في المثالية يعتبرها في كثير منها كانت صالحة لزمنها وحده ، و مما لا يتوافق مع زماننا كمثال واحد ، كانت الشريعة تعاقب بالقطع على السرقة إذا كان المسروق في حرز أى في مكان مغلق ، لكنها لا تعاقب بالقطع على سرقة السائبة ، فهي ليست سرقة تستحق القطع ، كالسوائم الهائمة في الطرقات أو في البراري، و بتطبيقه اليوم ستكون سرقة السيارة غير مستوجبة للقطع لأنها سائبة ، بينما ستكون سرقة الكاسيت الموجود بداخلها هي العقوبة التي تستحق القطع ، لأنه في حرز حسب شريعتنا . المهم أن ذلك إنما يعني استحالة تطبيق العقوبات البدنية بشكل نضمن فيه العدل التام و عدم ارتكاب الإثم في الحكم ، و هو ما يعني أيضاً أن الشريعة كما هي عليه الآن هي وضعية كأى قانون وضعي ، من وضع فقهاء لم يكن يأتيهم جبريل بالوحي .
و من بين هذه الشرائع التي وقفت عند زمانها لا تريم حراكاً ، ويتم فرضها على واقعنا التشريعي و القانوني فيما يعرف بقوانين الأحوال الشخصية ، و التي هي الأشد مساساً بمعاش الناس اليومي ، قوانين الزواج و الطلاق التي لا تكترث لجريمة الخيانة إلا مع الأنثى المحرم عليها ما هو حلال للذكر ، فله الزواج بأربعة ، و له وطأ ما لا عدد له بما ملكت يمينه دون أن يعتبر ذلك زنا في حق الحياة الزوجية تستحق العقوبة و أقلها فسخ العقد برغبة الزوجة المتضررة ، و هو ما لم يحدث إلا بعد إقرار قانون الخلع في مصر ، و الذي يعيد للزوج كل مليم دفعه بعد الأكل و المرعة و المتعة ، حتى تستطيع الزوجة أن تنال عتقها . هذا بينما شرائع البشرية كلها تعتبر إقامة أى علاقة خارج الزواج المفرد على أى لون كانت هي خيانة زوجية . و يحق للزوج طلاق زوجته دون إبداء أي أسباب ، و الشريعة على تنوعها الفقهي لا تعطي للزوجة أى حقوق بمجرد تطليقها أللهم إلا شروطاً سبق إشتراطها أو مؤخر صداق وافقا عليه ، و لسد هذا النقص الشديد اخترع الفقهاء كلّ حسبما ربنا قدره عليه ، بإلزام الزوج بنفقة لزوجته مؤقته ، لم يحدد مدتها و متى تتوقف ( مثلاً عند زواج المرأة مرة أخرى لوجود من يعولها ) ، و هي في الغالب لا تزيد عن مكافأة سنة ، أو نفقة بعدد القروء الأربعة ، إضافة إلى إجتهاد بسنة أخرى تكاليف على الزواج مقابل المتعة و تسمى نفقة متعة .
و هكذا انحرف المسلمون عن الميزة التأسيسية للإسلام التى تخصه بالفرادة بين الأديان ، و هى الاعتقاد في مقدس واحد هو إله مطلق فوق الزمان و المكان ، فاعتقدوا في عصمة رجال مثلنا يصل عددهم إلى الآلاف ، فقدسوا الصحابة استناداً إلى حديث : " أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم " ، و تعريف الصحابي هو من رأي الرسول و لو ساعة ، أي و لو لحظة ، و بهذا يكون تعداد الصحابة المقدسين بالآلاف ، و هكذا استبدل المسلمون جاهلية ما قبل الإسلام ، بجاهلية أكثر نكاية و أشد ضرراً ، تفتك بعقل المسلمين فتكاً ، و عادوا وثنيين ، و أشد ضراوة في وثنيتهم من الوثنيات التقليدية في تاريخ الأديان . بينما الإسلام نفسه كان واضحاً غير ملتبس في قصر القدسية و العصمة على كيان واحد في الوجود هو : الذات الإلهية ، و نعى الوثنيات و الشركيات و الراكنين إلى ما وجدوا عليه آبائهم الأولين ، و خاطب مصطفاه بكل صفات العبد التام العبودية ، و أنه مجرد حامل للرسالة ليس أكثر ، فلا هو رب و لا هو ملك و لا هو معصوم عن بشريته لأن المعصوم هو الكمال الإلهي وحده ، و مع ذلك أعطاه المسلمون أعلى صفات الألوهية و هي العصمة و الكمال ، و هو يناقض تاريخ جدل الوحى مع الواقع و تدخله الدائب لإصلاح مسار أو قررات أو مواقف أو تشريعات ، أخطأ فيها النبي ببشريته و فطرته . فالنبي محمد ( ص ) في صحيح إسلامنا هوعبد من عباد الرحمن و نبي كريم ، أدي رسالة ربه تامة كاملة صافية بيضاء نقية ، و قد خشى النبى ( ص ) من أى قدسية قد تلحقه شخصياً إذا ما حفظ المسلمون كلامه ( حديثه ) إلى جوار القرآن كلمة الله التامة ، لذلك نهى و أكد النهي عن تدوين حديثه و أمر بوضوح : " لا تكتبوا عني سوى القرآن " . و رغم ذلك سمح المسلمون بالتدوين عن نبى نهاهم عن التدوين ( ومانطق عن هوى ) ، بل و اختلاق الأحاديث المكذوبة ونسبتها إلية ، بل وحازت تلك الأحاديث قدسية في المذهب السني ترفعها فوق القرآن كرامة و فعلاً و قدسية ، فقالوا أنها تنسخ آيات القرآن ، كما في إصرارهم على وجوب الاستمرار بالعمل بحد رجم الزاني المحصن استناداً للحديث وحده دون وجود نص في القرآن بهذا الحكم ، و إن كان حد الرجم في الأصل نصاً قرآنياً منسوخاً فالذي نسخه و ألغاه حتى اختفى من القرآن المدون ، هو صاحب القرآن ، رب العزة و الجلالة ، و ليس فقيهاً من الفقهاء ، " قاتلهم الله أني يؤفكون ".
كل هذا الرتل مضاف إليه الزي المشيخي أصبح محل هيبة ورهبة و تقديس و عصمة و كمال مطلق ، حتى ألحق المسلمون القدسية بمن لا قدسية لهم من بشر كالصحابة مثل أبي بكر و عمر وعثمان وعلى وغيرهم ، أو كالمحدثين مثل البخاري ، أو الإخباريين كابن كثير ، حتى وصل التقديس إلى مشايخ وعاظ كالشعراوي مثلاً . فأصبحت تقام له المقامات و تعقد له الندوات و تصنع لتاريخه مسلسلات تعيد زمن المعجزات والألطاف الربانية ، المفتراة على رب العزة .
ترى . . . هل أهان المسلمون ربهم . . . فأهانهم وخسف بهم و كسف عنهم فصاروا عبرة للأمم عندما تضل بها المسالك إلى المهالك ؟ هذا هو أول الغيث القاسى و بداية التشخيص الموجع ، في خريطة الطريق نحو الإصلاح .
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟