أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - سيد القمني - الدولة الوهم















المزيد.....

الدولة الوهم


سيد القمني

الحوار المتمدن-العدد: 3891 - 2012 / 10 / 25 - 07:49
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


يورد بن عبد ربه في عقده الفريد ( ج 2 ص 84 ) نص رسالة نبي الإسلام إلى وائل بن حجر الحضرمي كبير أقيال حضرموت ، خاطبهم فيها بلغتهم الشديدة الخصوصية ، و التي لم تتأثر كثيراً بلغة قريش لبعدها المكاني و لتراثها القديم الخاص ، تقول الرسالة النبوية : " من محمد رسول الله إلى الأقيال العباهلة ( أى أصحاب الممالك المستقرة ) ، و الأرواع ( أى حسان الوجوه ) المشابيب ( أى السادة ) من أهل حضرموت ، بإقامة الصلاة و إيتاه الزكاة ، في التيعة ( التيعة تشكل عدد 40 من الشياه ) ، لا مقورة الألياط و لا ضناك ( المقورة هي مسترضية الجلد ، و الألياط هي عيدان العظم ، أى لا يكون جلدها مسترخياً لاصقاً بعظمها / و المعنى كثير اللحم ) . و انطوا ( أعطوا ) التيجة ( أى الوسط ) و التيمة ( الداجنة ) ، لاخلاط و لا وراط و لا شغار ، و من أجبي فقد أربي ( أى أن بيع المحصول قبل نضوجه ربا ) ، و كل مسكر حرام " .

كانت هذه رسالة النبي لأهل حضرموت يدعوهم فيها إلى اعتناق دعوته و الاعتراف بسيادته بإرسال ضريبة المال إلى العاصمة يثرب . و شرحت أهم اهتمامات الدين الجديد فبدأت بالأهم ثم المهم ، بدأت بالصلاة ، ثم توقفت مع الزكاة طويلاً شارحة مفصلة المطلوب من ضريبة المال ، ثم بيان حرمة الربا و الخمر في جملتين لاغير .

الملحوظة الأهم أن الرسالة لم تطلب من أقيال حضرموت و اليمن الخضوع السياسي ، لأن النبي كان نبياً لا مقيماً لدول و حكومات ، الرسالة طلبت الخضوع الديني دون أن تتدخل في الشكل السياسي و الإداري القائم في بلادهم . بل مع اعتراف لتلك البلاد بالاستقلال السياسي و استمرار هذا الاستقرار باعتراف الرسالة لأقيالها العباهلة الأرواع المشايب ، و هو تكرار و ترداد لمعاني السيادة و البروزو القيادة مصحوبة باحترام واضح ، و لم يأخذ عليهم شيئاً في طريقة عيشهم و لا نظام حكمهم بل اعترف لهم به و كرمه بالمديح .

كتاب آخر ضمن رسائله إلى ملوك و حكام عالم زمانه يدعوهم فيها إلى الإسلام ، كان كتاب النبي إلى قيصر الروم ، و هو كما أورد نصه الدكتور محمد حسين هيكل في كتابه ( محمد ) ص 308 ، يقول نصاً : " بسم الله الرحمن الرحيم . من محمد بن عبد الله إلى هرقل عظيم الروم . سلام على من اتبع الهدى ، أما بعد ؛ فإني أدعوك بدعاية الإسلام ، إسلم تسلم يؤتك الله أجرك مرتين ، فإن توليت فإنما عليك إثم الأريسيين ( رعيته ) . يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا و بينكم ، ألا نعبد إلا الله و لا نشرك به شيئا ، و لا يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله فإن تولوا فقولوا : إشهدوا بأنا مسلمون " .

و الملاحظات هنا تقفو بعضها بعضا ، فالنبي خاطب هرقل معظماً له بوصفه ( عظيم الروم ) ، و لم يقل عن نفسه أنه عظيم العرب ، لأن النبي كان نبياً لا ملكاً ، هرقل رجل دولة و سياسة تجوز له مثل تلك الألقاب التفخيمية . و لأن النبي ما كان منشغلاً بالأمر كرجل سياسة مثل هرقل ، إنما كان منشغلاً بتبليغ ما أمره الله بتبليغه ليس أكثر و لا أقل و دونما تفريط أو إفراط ، فإن النبي لم يطلب من قيصر التبعية السياسية و لا تغيير أنظمة الحكم الرومانية السياسية أو الإقتصادية أو الإدارية إلى نظام حكم إسلامي ، لعدم وجود هذا النظام ، فلم تكن الدولة و أنظمة الحكم ضمن اهتمامات الإسلام و نبيه ، كل ما طلبه هو ما كلفه ربه به ، الدعوة إلى الإسلام . فقط !

لم يقل لهرقل ( القرآن دستورنا ) لأن الروم هم أعرف الناس بالدساتير ، و كان لهم دستورهم و قانونهم الديموقراطي قبل ظهور الإسلام بألف عام ، و لأنهم في هذه الحال كانوا سيطلبون الإطلاع على هذا الدستور الجديد ليقارنوه بدستورهم و يفيدوا منه إن تيسر ذلك ، كما سبق و أفادوا من اليونان بإرسال البعثات لدراسة التجربة اليونانية السياسية و القانونية لإتمام كتابة دستورهم . هذا بينما القرآن نفسه لم يكن قد اكتمل بعد عند إرسال تلك الرسائل ، و كان مفرقاً في صدور الصحابة و على العظم و اللخاف و العسيب و الرق و الأحجار.

لو كان الدين مرتبطاً بالدولة و سياستها ، لطلبت الرسالة من عظيم الروم تغيير دينه و تغيير نظامه السياسي و دولته . و هو ما لم تطلبه الرسالة النبوية و لا حتى نوهت عنه . الرسالة لم تقل لهم اكسروا الصليب و اقتلوا الخنزير ، طالبته بالإسلام فقط ، لأن النبي كان يعلم أن الدين شأن و الدولة و سياساتها شأن آخر ، و لم يعلن الإسلام للناس يوماً أنه دين و دولة ، لأنها لم تكن تكليفاً إسلامياً من السماء ، و لأنها لو كانت كذلك ما قصر نبينا في دعوته و لأعلنها واضحة صريحة صدعاً لأمر ربه .

لو كان شأن الدولة هو المطلوب إسلامياً ، ما رفض النبي صيغة الملك التي عرضتها عليه قريش ، بل أن الواضح في القرآن هو رفضه لصيغة الملك كشكل من أشكال السيادة على الدولة ، فقال : " إن الملوك إذا دخلوا قرية أفسدوها و جعلوا أعزة أهلها أذلة " ، فالصيغة الملكية تطلب خضوع المواطنين الكامل ، و هو ما ترفضه و تأباه أنفة البدوي الحر في صحرائه ، لذلك لم ينضم بدو الجزيرة تحت حكم مركزي إلا زمن النبي وحده في شكل تجمع قبلي يمثل مرحلة انتقالية من القبيلة إلى الدولة ، و لم يستمر هذا الطور طويلاً فتفكك التجمع القبلي و النبي على فراش الموت في شكل نزعات استقلالية مرتدة . و طال هذا الطور القبلي حتى أقام ابن سعود بحلفه مع ابن عبد الوهاب شبه دولة ، ولازالت القبيلة فيها سيدة الموقف ، يحفظون إلى اليوم أنسابهم و ولاءهم القبلي دون بقية أمم العالم ، فلو سألت سعودياً عن قبليته لأجابك بسلسلة نسل و نسب طويلة ، و لو سألت ذات السؤال لأمريكي أو فرنسي لما فهم قصدك ، و لو فهم لاعتبرك مجنوناً .

و في القرآن الكريم نجده يحدثنا في سورة الكهف عن ذي القرنين / الإسكندر المقدوني بن فيليب ، و لا شك أن الله كان يعلم أن الإسكندر هو تربية الفيلسوف أرسطو تلميذ الفيلسوف أفلاطون ، و مع ذلك لم يندد بالفلسفة و لا بأرسطو و لا بالسياسة الأرسطية و لا بالجمهورية الأفلاطونية ، لأن شأن السياسة كان خارج اهتمامات الدعوة .

كان الجدير بالتنويه هنا هو لو كانت الدولة شأناً دينياً ، لكان واجباً أن يعقد القرآن المقارنات بين دولته و الدول العظمى في زمنه كما في مصر و روما و أثينا و فارس و غيرها ، كما قارن بين دينه و بقية الأديان الكبرى في زمنه ليبين فضله و تميزه عن بقية الأديان .

و في سورة سبأ يحكي القرآن كيف أرسل النبي سليمان سفيره ( الهدهد ) إلى مملكة سبأ التي كانت تتعبد للشمس من دون الله ، و حمّله للملكة رسالة تدعوها للإيمان ، و قد عرضت الرسالة على ملئها أى شيوخ قومها و وزرائها و أهل الخبرة و الدراية ، في دراسة ديموقراطية للموقف ، و مع ذلك لم يعب القرآن على سبأ نظامها الحاكم و لا ديموقراطتيها البدائية و لا طالبها بتفكيك ملئها ، كل ما طالبها به هو الإسلام .

كان محمد داعياً لدينه لا لدولة الإسلام ، و وفقاً لرغبات السماء ، التي لم يكن من بينها التسلط السياسي و ضم البلدان تحت سلطان العرب .

و إذا كانت الدولة هدفاً لدين الإسلام ، فإن ذلك يدفع إلى التساؤل : لقد كان النبي موجوداً و مدعوماً من السماء رباً و ملائكة و مع ذلك لم يتمكن من إقامة هذه الدولة . . . فلماذا ؟ ، لسبب شديد البساطة هو أن الدولة لم تكن ضمن جدول اهتمامات الإسلام ، و لو كانت كذلك لتحققت على يد نبيه كأعظم دولة خالدة على الأرض ، و لم تنتظر الإخوان المسلمين ليقيموها لنا ، و لا انتظرت دستورنا ليقرر أننا دولة إسلامية ، زيادة في دين الله ، و مزايدة عليه ، و على ربه ، و على نبيه .



#سيد_القمني (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الإسلام و الحضارة
- سعد الدين إبراهيم والاخوان من التعارف إلى التحالف
- مكانة الحجاب بين فضائل العرب
- من ( الشبه ) إلى ( أبى سعدة ) عظم الله أجركم فى الديمقراطية ...
- صاحب الزنج ودين الحرية
- الإخوان وحلهم الإسلامى
- مسيلمة الكذاب بعد التحسينات !!
- خطوطنا الحمراء
- من المحتال ؟
- لقد عادوا بنا إلى العصر الحجرى
- ومن دخل بيت التربيون فهو آمن !!
- الحكومة المدنية الإسلامية أخيرا وبعد طول انتظار !!
- الدولة المسلمة والدولة الدستورية
- أحذروا فتنه المسيخ الدجال !!
- الملجمون في الأرض
- .. ادفنوا موتاكم !
- اعقروا الجمل
- ...1... دراسة - الآخرون
- قمة ال (17) - 4 من 4
- قمة ال (17) 3 من 4


المزيد.....




- صلاة الجمعة الثالثة من شهر رمضان.. الاحتلال يعيق وصول المواط ...
- السعودية.. الأمن العام يوجه دعوة للمواطنين والمقيمين بشأن ال ...
- صلاة راهبة مسيحية في لبنان من أجل مقاتلي حزب الله تٌثير ضجة ...
- الإفتاء المصرية تحسم الجدل حول فيديو إمام مسجد يتفحّص هاتفه ...
- كيف يؤثر التهديد الإرهابي المتزايد لتنظيم الدولة الإسلامية ع ...
- دولة إسلامية تفتتح مسجدا للمتحولين جنسيا
- فيديو البابا فرانسيس يغسل أقدام سيدات فقط ويكسر تقاليد طقوس ...
- السريان-الأرثوذكس ـ طائفة تتعبد بـ-لغة المسيح- في ألمانيا!
- قائد الثورة الإسلامية يؤكد انتصار المقاومة وشعب غزة، والمقاو ...
- سلي عيالك.. تردد قناة طيور الجنة 2024 على النايل سات ولا يفو ...


المزيد.....

- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود
- فصول من فصلات التاريخ : الدول العلمانية والدين والإرهاب. / يوسف هشام محمد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - سيد القمني - الدولة الوهم