أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - سيد القمنى - اعقروا الجمل















المزيد.....


اعقروا الجمل


سيد القمنى

الحوار المتمدن-العدد: 1819 - 2007 / 2 / 7 - 11:59
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


لم يكن المتفجر فردا منفلتا متوحدا، بل تأكد أنه ضمن خلية، والله يعلم أين بقية الزنابير، لكن الفكرة لا تنتفى بهذا الاكتشاف لأنه قد صار ممكنا أن يقوم بالفعل الإرهابى شخص مفرد، كما حدث بطعن مواطن لسائح يقبل زوجته قبل التفجير بأسبوع، لقد علمناهم وثقفناهم أن هذا المشهد الذى ترق له حواس البشر فى كل الأرض فيهشون له ويبشون وتخفق قلوبهم له حنانا وتفيض مشاعرهم بالإنسانية، علمناهم فى المدرسة وفى التليفزيون والمسجد وداخل الأسرة أنه مشهد قبيح داعر غير محتشم، فكان رد فعل المواطن هو خروج الطاقة التى زرعنا مولدها بداخله، حتى إنه لم يستطع أن يقاوم مولد الكراهية والقبح بداخله فطعن الزوجين بالمطواة، فأى قبح وكراهية زرعنا فى بلادنا الجميلة الرقيقة ست الحسن كله؟!إن مولد القبح والكراهية والقسوة كمولد الطاقة، ينفجر مع ازدياد الضغط بداخله، وهو ما يقع تحته المسلم المسكين مع ما يتعرض له من ضغط هائل من أهل الدين فى بلادنا أكثر مما يتعرض له أى أهل دين آخر فى العالم، فبينما يكفى المسيحى صلاة أن يرشم الصليب فى ثانية واحدة، فإن المسلم مطالب بالتحول إلى آلة ميكانيكية تردد ذات الفعل كل يوم، فهو مطالب بأن يذهب إلى المسجد خمس مرات فى اليوم، ومطالب باستمرار بقراءة القرآن والتباكى إن لم يستطع البكاء وأن يقضى فيه يوم العمل الرسمى بلا إمكانية لأحد أن يطالبه بأداء عمله وهو يقرأ القرآن، وتلاوة ما لا حصر له من أدعية وأذكار تصاحب كل حركة وكل سكنة من صحوه فجرا إلى لحظة دخوله فراش الزوجية. عملية ترديد تكرارى فيسرح منه العقل فلا هو مع ما يتلو ولا هو مع ما يجرى فى واقعه ليفهمه، فى فاصل ساتر بين العقل وبين واقع العالم الذى يجرى من حوله، فيصبح فى حالة هلوسة مستديمة ضاعت معها القدرة على التمييز بين الجميل والقبيح، وبين الخير والشر، وبقيت فقط قيمة الحلال والحرام من وجهة نظر الإسلام وحده، على المسلم محظورات ضاغطة عاتية، فهو ممنوع من السؤال خارج القواعد المسموح بها، وحرية التفكير، فهى كما حدد الدين شروطها، وكذلك تمتنع حرية الرأى، ولا حوار إلا حول كتاب الله وشئون الشريعة كما قررها فقهنا. وللملبس شروط وأصول تحولت إلى فرائض إسلامية مستجدة كالحجاب، وياليتهم فرضوا للمسلمين شيئا يدفعهم للأمام ماداموا قد قرروا أن يضيفوا لفرائض الإسلام ما لم يكن فيها بابتداع غير حميد. وعلى المسلم أن يكون حافظا لكثير من آيات النجاح عند الإقدام على الفعل وآيات إعماء الخصم وفك بصيرة المسلم وجلائها، المسلم محروم من الكرنفالات الجماعية التى تجمع أبناء الوطن كله على الحب والتلاقى فى شوارع الوطن ليحبوا بعضهم ويحبوا الوطن، المسلم محروم من الترفيه والرقص الجميل الراقى والفن الذى يرقى الأحاسيس، محروم من السينما ومن الرواية ومن المسرح ومن الموسيقى اللهم إلا الدفوف وهو ما لا علاقة له بالموسيقى. المسلم محاصر حتى الشلل فى العقل فيسلم عقله لنواب الإسلام على الأرض، لأن هناك من يفكر له، وهو ما يقوم على مبدأ أن الرسول لم يكن ينطق عن الهوى وهو رسول، وكان لا يجيب عن أى سؤال لمسلم إلا بعد وصول الوحى، فما بال المسلم وهذا نبيه وسنته وقدوته، هل بإمكان المسلم أن يخطو خطوة من تلقاء نفسه؟!
أما المرأة المسلمة فهى إلى عبودية ذليلة كما قال إمام المفسرين الرازى، فهى عنده بعد تطبيق كل واجباتها تصبح كالأسيرة فى يد الرجل، ويقول قرضاوى «الجزيرة/ حلقة الأهلية السياسية للمرأة»، مفسرا ما تنوء به المرأة المسلمة، فهى إضافة إلى كل المطلوب من المسلم الذكر، فإن عليها واجبات أكثر وحصارا أشد، يقول قرضاوى:«ضوابط أكثر للمرأة لأن الرجل ليس فتنة كالمرأة، يطلب منها تغطية الشعر والنحر والعنق ولباس ما لا يشف ولا يصف.. المرأة مطلوب منها من الضوابط ما ليس مطلوبا من الرجل»، ويفسر قرضاوى السر فى كل هذا الضغط على المرأة دون الرجل بقوله: «المرأة تودى الراجل البحر وترجعه عطشان.. وإن كيدكن عظيم»!

ولهذا القدر سلمت المرأة عقلها وروحها واعتقدت أن تلك فروض دينية مقدورة عليها، حتى قامت الدكاترة السيدات الأزاهرة يكفرن كاتب هذه السطور عندما تحدث عن حقوق المرأة المطلوبة لها كمواطن كامل الأهلية كالرجل عبر الإعلام والتعليم والمسجد، وحتى الجماعات الدينية الأهلية، أمكن السيطرة على عقل المواطن، ومن ثم إمكانية توجيهه حسب المراد، أصبحنا أدوات فى أيديهم يفعلون بنا ما شاءوا، إن شاءوا حاربوا بنا من أجل أمجادهم، وإن شاءوا حولوا بعضنا إلى آلات تفجير متحركة، فهناك فريق الوعظ والإرشاد، وهو الأكثر خطورة لأنه الذى يفرش الأرض الثقافية للإرهاب، وهناك فريق التبرير الإعلامى للأعمال الإرهابية، يدين من طرف اللسان ليبرر بأسوأ التبريرات، وهناك فريق التفجيرات المحترف الذى يترك لفريق آخر مهمة الدفاع عنه وتبرير فعله، فإن ضاقت الحلقة ادعوا أن هؤلاء قلة لا شأن لهم بالمسلمين، وأن الإسلام برىء منهم، وأنهم يتفجرون حولنا وفينا وفى كرامة بلادنا وفى ديننا لأنهم قد حرموا من الحرية. أترون مكاسب الصحوة الإسلامية المباركة؟! أتروننا فى قاع الأمم تخلفا، بل أكثر الأمم حصولا على احتقار العالم؟! أترونهم وقد أوهموا شبابنا أن الاستبداد شأن حديث العهد اخترعته الحكومات الحالية بدعم من دول الكفر، وعلى رأسها الطاغوت الأمريكى، وأن قيم الحرية والعدالة والمساواة كانت هى السائدة فى مجتمعات المسلمين قبل ظهور الاستعمار، يقولون ذلك باسم الدين المفترض فيمن يتحدث باسمه أن يكون لسانه أكثر طهارة من ذلك، وأرفع من ذلك التدنى والكذب على الوطن وأهله من أجل مكاسبه السيادية على أكتافنا طوال تاريخنا الأسود الدموى المرعب منذ الفتح وقوانينه. فى هذه الشبكة العنكبوتية التى مدت خيوطها الشريرة فى كل الوطن واستشرت سرطانيا فى عقل أبناء الوطن، تتوه منك الإجابة وأن تتساءل: من المجرم القاتل؟! فى حادث الأزهر، وما قبل الأزهر، وما بعد الأزهر؟! هل هو الشيخ المرجعى للإخوان وإخوانهم على مختلف الأصناف الشيخ قرضاوى، الذى وقف ضد السياحة، وهى المصدر المالى الأكثر ضمانا لمصر من أى مصدر آخر، لأنها تملك كنزا يعدل كنوز العالم الأثرية مجتمعة، فقال فى حلقة «الظاهريون الجدد/ الجزيرة»: «يزعمون أن مصلحة الناس أننا نبيح لهم البغاء.. أن نبيح للناس المسكرات تشجيعا للسياحة»، وبداية كان هذا مدخله لتكفير السياحة: البغاء والمسكرات، لقد كانت مكة كذلك لكن النبى منع هذا الدخل الاقتصادى مقابل دخل آخر، هو الجهاد فى سبيل الله من أجل الحصول على دخل أعظم وأفضل بفتح البلدان واحتلالها ، لأن الله قال: «وإن خفتم عيلة فسوف يغنيكم الله من فضله، يعنى إذا كنتم خايفين من ضيق، ربنا هيوسعها عليكم، وفعلا وسع الله عليهم بالفتوح والغنائم»، انظر إلى النصب على المسلمين وعلى الله على الملأ! المقابل إذن هو الجهاد لاحتلال العالم بعد إلغاء السياحة من بلادنا. بينما ملك البحرين فى جواره رفض الاستجابة لطلب المتأسلمين فى بلاده إلغاء الخمر، لأن مملكة البحرين تحقق الآن أعلى عائد اقتصادى بالنسبة لعدد سكانها لكونها «موناكو» الخليج، بفضل مجىء العرب المحرومين من الخمر فى بلادهم إلى البحرين ليعيشوا هناك فى لون من السياحة لا علاقة له بالآثار التى يقتل شبابنا زوارها.

رغم أن هناك آثارا جميلة ومهمة فى البحرين، لكنها لم تكن يوما السبب فى ارتفاع الدخل الاقتصادى لهذه الدولة الصغيرة المنفتحة بذكاء بعد أن كانت أفقر دول الخليج. إن موقف قرضاوى ليس موقفا شخصيا بالتأكيد ضد مصر وضد توفير مصدر رخاء لأبنائها، لأنه يقف ضمن جوقة كاملة تردد ذات الخطاب، معظمهم فى مصر، قرضاوى يرى: «أن هناك من يسعون إلى تفكيك الإسلام.. فيريدونه إسلاما بلا جهاد، وزواجا بلا طلاق، وعقيدة بلا شريعة، وحقا بلا قوة، ومصحفا بلا سيف، هو رسالة تشمل كل جوانب الحياة من أدب الاستنجاء إلى بناء الدولة. يشرع للإنسان منذ أن يولد إلى أن يموت». دون أن يقول بالطبع أنه لا يوجد قول شرعى فى الشأن السياسى ونظام الحكم فى الإسلام، حتى لو قام بتأويل بعض الأحاديث فإنه سيجد أنها أقل بما لا يقارن باهتمام الإسلام بنظافة العربى مثلا: «أدب الاستنجاء»، وشروطه، فاهتم بشئون وتفاصيل ليست بذات شأن فى حياة المجتمعات والدول وسياستها، وأهمل الشأن السياسى، مما يشير إلى أنه قد ترك الشأن السياسى للمسلمين، لكن قرضاوى ورجاله يقولون إن الشأن السياسى هو حكم الله وليس البشر وبما أن الله لن يحكم بنفسه، فهم قد اختاروا أنفسهم للحكم بالنيابة عنه! أوهم قرضاوى شبابنا المسلم بفكرة شمولية الإسلام تلك، وأنها أصل الإسلام الذى دونه الكفر العلنى، حتى اضطره المفكرون الليبراليون للاعتراف بأنها أبدا لم تكن أصلا من أصول الإسلام، وبقوله فى الجزيرة فى 20/2/2005: «لما سقطت الخلافة الإسلامية وليس للإسلام سلطة دينية، ماعدش للإسلام شىء، لذلك الإخوان وحسن البنا كانا من أبرز دعاة هذه الفكرة». وفكرة الحاكمية ظهرت متأخرة فى كتابات سيد قطب، إنما فكرة الشمولية بدأها حسن البنا منذ سنة 1928. هذا قول مولانا فى اعتراف شديد الوطأة لا تعرف معه ما يجب أن نفعله مع مثل هؤلاء الذين أوهموا المسلمين بشمولية الإسلام لكل حركة وسكنة للمسلم، وساعدتهم الدول الإسلامية عبر ما تملكه من وسائل تثقيف إعلامية وتعليمية لتأكيد هذه المعانى التى ليست أكثر من معان وأفكار لجماعة محظورة ملوثة بالدم. لكن قرضاوى سعيد بما أنجزه فريقه فهو يقول سعيدا ومعه كل الحق: «أصبح المسلمون يتنادون فى كل مكان بتحكيم الشريعة الإسلامية، ولو عمل الناس استفتاء من يحكم: الشريعة أم القانون الوضعى؟ الشريعة الإسلامية ستكتسح». ومع الشمولية الموهومة للإسلام بالصلاحية لكل مكان وزمان، التى بدأ زرعها وريها منذ حسن البنا فقط، يجب علينا الرجوع للقرن السابع الميلادى فى كل شأن من شئوننا، ومسألة السياحة لا يعرفها الإسلام ويرفضها إذا لم تكن فى النطاق الإسلامى، فلا سياحة فى الإسلام لأنه «لا يشد الرحال إلا إلى ثلاث: المسجد الحرام والمسجد الأقصى ومسجدى هذا»، يعنى قبرص واليونان كفر، وكلما تعمقت أكثر كان كفرك أعظم، المتعة الشخصية ممنوعة، إن أردت المتعة فقد حددها لك الدين لتضع هناك أموال رحلتك زيادة فى حصة البنوك السعودية، هذه هى السياحة المسموح بها، ومعلوم أن التأكيد عليها كان لضمان استخدام الأماكن المقدسة كمصدر للكسب والرزق، أما آثارنا الأعظم فى العالم على الإطلاق فهى سياحة محرمة لاقترانها بالمرفوض عمله فى مكة والمدينة، ونحن لسنا لا مكة ولا المدينة، ولا نطمع فى مثل تلك القدسية، بقدر ما نريد أن نستثمر منجز أجدادنا التاريخى كى نعيش كما يعيش البشر، من المسئول، هل هو سيدى المفتى الذى ينشغل بالحضارة الإسلامية التى نامت ويريد أحدا ليهزها لتصحو لمصلحة البشرية، أكثر من انشغاله بمصرنا وهمومها ودوره المنوط به من أجلها «ندوة بمسجد النور عن الحضارة الإسلامية نظمتها وزارة الأوقاف المصرية». من المجرم القاتل السياف أو المتفجر أو جاز الرقاب؟! أم كلنا مجتمعا ودولة وحكومة؟! أطمئنكم جميعا، يقول حجة الإسلام أبوحامد الغزالى إن كلنا أبرياء: الحكومة بريئة والقاتل برىء، وقرضاوى برىء، الكل أبرياء، لأن الله هو الفاعل الحقيقى: «إن الله هو الذى خلق القدرة فى الإنسان على فعل الأعمال، فالله بهذا النظر هو المخترع للعمل كله لأن الإنسان ما كان قادرا على فعل ما لم يخلق الله فيه القدرة على ذلك الفعل». انشغل إمامنا بآخرتنا وإثمنا من عدمه، أما من مات ومن تعرض للظلم ومن قتل، وأنظمة العبودية والقهر والثقافة التى تحرض على الكراهية والموت والغم، كل هذا لم يفعل بذاته، إنما الله هو الفاعل. اطمئنوا إذن! لقد تركنا الإرهاب ينمو ويترعرع عندما سمحنا للفكر الإخوانى بالتغلغل فى إعلامنا وتعليمنا حتى بثوا فى عقول أبنائنا ما لا علاقة له لا بدين ولا بإسلام ولا بوطن، لقد نما الإرهاب عندما تركناهم يؤسسون فى عقل المسلم المصرى أن المواطنة والجنسية بدعة، لأنهم لا يعترفون بالأوطان، إنهم أمة لا إله إلا الله فى أى مكان، لقد استفحل شأن الفكر الكاره عندما سمحنا لمؤسسة الفتوى بالقول فيما هو خارج اختصاصها، وعندما سمحنا لأكثر المشايخ قسوة أن يفتى فى تلفازنا وإذاعاتنا وفضائياتنا حتى تناقضت الفتاوى مع بعضها، وتناقضت كلها مع القانون الوضعى الذى نكفره علنا وندرس هذا التكفير لأبنائنا مفضلين عليه قوانين القرن السابع الميلادى، ومن قال بغير ذلك تتم محاكمته، وهى إحدى التهم التى واجهها صاحب هذا القلم ذات يوم مضى، ولن يعود سادتى أبدا، وكونوا على يقين من ذلك. لقد انتشر السرطان عندما سمحنا لهم بسلب أرواح عيالنا لأن أى واحد منهم يطلب من رعاياه المؤمنين تسليمه عقله عندما يستفتيه ويسأله ويتتلمذ عليه لأنه المتحدث باسم الإسلام. لقد ترعرع الفيروس عندما سمحنا لشحنة الكراهية أن تتجه ضد الناس أنفسهم ومصالحهم، عندما شحذنا الأرواح بكراهية دول الغرب المتقدم حتى تكره شعوبنا كل ما يتعلق بالغرب حتى لو كان الحرية والكرامة والديمقراطية، بدلا من أن تتجه ضد من مرمغوا كرامتنا فى الطين أمام العالم من مشايخ وميليشيات المسلمين المسلحة! لقد أعطيناهم الحق فى أن يعودوا لضرب الوطن وقتل الأبرياء عندما أطلقوا فى كل صحفهم قومية ومستقلة وحزبية وصفراء على ما يحدث فى العراق فى جانب المتسللين العرب وبقايا البعث الدموى ضد أهلنا فى العراق لقب «المقاومة»، وهو لقب تشريفى قصدنا به أنها مقاومة وطنية مشروعة، وقام مشايخنا يشبهونها بالمقاومة الفرنسية عندما احتلها النازيون، هذا رغم أن مفكرينا الإسلاميين يعلمون أن الإسلام ليس فيه وطن أصلا كى نحارب دفاعا عنه لأن الجهاد هو فى سبيل الله لا يعترف بالأوطان لأننا أمة لا إله إلا الله. وقفنا مع السنة فى العراق عندما رفضوا المشاركة فى الانتخابات، وإن لم يكن من البعض بالقول الصريح المباشر فقد جاء ضمنا، لعلمهم أن خروج قوات التحالف سيترك الشعب تحت رحمة هؤلاء الإرهابيين يعيدون فرض ديكتاتورية حطمتها الإرادة الدولية، بما لديهم من مخازن سلاح هائلة سلمها لهم أتباع صدام بعد سقوطه، نحن نعلم أن السنة لا يريدون مشاركين لهم فى حكم العراق، لا كرديا ولا شيعيا ولا مسيحيا ولا آشوريا ولا كلدانيا ولا مندائيا، ثم إذا كانت مقاومة وخيار وطنى عراقى يقوم بها العراقيون؟! فلماذا تضرب المقاومة أهلها ومواطنيها وهى الوطنية؟! إنهم يضربون أغلبية الشعب الذى توجه لصناديق الاقتراع ومعه كفنه ليقول لهم: لا انتهى زمنكم وزمن احتكاركم للسلطة. لكن السنة لا يتنازلون عن قناعة أن حكم العراق حق مكتسب لهم دون غيرهم، ودخول الانتخابات يحمل اعترافا بحق الآخرين فى المنافسة على الحكم، وهو المبدأ المرفوض، وبينما المتطرفون يمسكون بسيدة مندائية ليقطعوها قطعا صغيرة وهى حية كان إعلاننا يبرز نجاحات المقاومة الباهرة وبشاعة الاحتلال الأمريكى، إننا عندما نهلل لهذه المقاومة فى العراق، فلا نبتئس عندما يخرج علينا المتفجرون فى وطننا بعد أن آمنوا بما نقول لهم. قرضاوى يقول فى حلقة الظاهريون الجدد بالجزيرة: «إن الإنسان يضحى بنفسه من أجل دينه، ويضحى بوطنه من أجل دينه، فالدين مقدم على الإنسان». إن قراءة هذا النص هكذا يجعله غير مفهوم، لكنه يصبح مفهوما عندما نرى لوحة الأزهر يوم قدم الصبى المتفجر دينه على وطنه. لماذا؟ لماذا أهاجم وطنى من أجل دينى؟ يجيب قرضاوى : «لإقامة الدولة المسلمة التى تحكم بشريعة الله. وعلى الدعاة أن يعملوا بكل ما يستطيعون، ويهيئوا الرأى العام لتقبل فكرتهم وقيام دولتهم»، وأن «على المسلم أن يكره الكفر والفسوق والعصيان ولا يرضى بالمنكر الذى تطفح به الحياة من حوله، فإن أدنى درجات الإيمان أن يغير المسلم المنكر بقلبه، أى يكرهه ويتألم به ويسخط عليه، وأرفع من ذلك درجة أن يغيره بلسانه إن استطاع»، وأرفع من هذا أن يغيره بيده إن استطاع، كتابه: ظاهرة الغلو فى التكفير ص 566، ولاحظ عنوان الكتاب، وما يقول هو من سماحة مقابل ظاهرة الغلو فى التفكير، أن بغير المسلم بيده بغض النظر عن القانون وعن حياة الناس وعن كرامة الوطن، وبغض النظر كيف فهم هذا الذى سيغير بيده دين الإسلام. يقول أيضا: إن جهاد الكفار والإلحاد والعلمانية والتحلل وما يسندها من قوى داخلية أو خارجية فهو الآن فريضة العصر وواجب اليوم/ قرضاوى/ كتابه فى فقه الأوليات/ ص 116». إن التربية والتعليم الناجعين يخلقان فردا يحب الحياة لا أن يكون حاقدا كارها لها، فيهلك نفسه ويهلك الآخرين، هذا بينما تحولت جامعات البحث العلمى فى بلادنا إلى جماعات دينية تتحاور فى الحلال والحرام وتبحث فى التفاسير الدينية بدلا من البحث فى قوانين الفيزياء والرياضيات، إن جامعاتنا تبحث قضية الحجاب والنقاب والعفة والفضيلة وأركان الدين وتستضيف زغلول النجار ليجلس أمامه علماء جامعاتنا مبهورين بكشوفه العالمية، وهو الانبهار الذى يشير إلى مستوى معرفة أساتذتنا الجامعيين بما تخصصوا فيه من علم. لقد نسيت الجامعة دورها كباحث علمى أول فى الوطن مهمته كشف أمراض الوطن المستوطنة فى عالم الطب أو فى عالم الثقافة، لمكافحته من أجل الصحة البدنية والعقلية للمواطن، واستغرقت فى البحث فى العسل وبول الجمل، فتركت اختصاصها واستولت على دور المسجد، والمسجد لا يرى بأسا فكل الطرق تؤدى إلى الحكومة الإسلامية. وإن الزائر لجامعة الزقازيق تحديدا - التى كان منتحر الأزهر من طلابها النوابغ - سيجد الشعارات المكتوبة فى كل مكان، وكلها شعارات لا علاقة لها بعلم، بل هى شعارات العار والكراهية والحجاب والجهاد. لقد روينا بذرة الإرهاب الكريهة عندما سمحنا للقانون وللتعليم والإعلام أن يقسم أبناء الوطن إلى فريقين، وأن الوطن من نصيب فريق دون فريق، وأن الصواب فريق واحد هو الحق المطلق، وأنه مكلف بتصويب الآخرين، أو إبادتهم إن لم يتمكن من تصويبهم. لقد تسرطن العقل بالإرهاب عندما اختفى من ذاكرتنا طه حسين وماذا قال ولماذا، وبقى خالد بن الوليد البطل الفاتح الذى ارتكب من الجرائم فى حياة النبى ما دفع النبى ليرفع يديه إلى السماء مناديا: «اللهم إنى أبرأ إليك مما صنع خالد»، عندما ظلت رموز الطائفة الواحدة المتسيدة هى الحاضرة بسيفها القاطع وخيلها الناقع وبطولات قتالها المجيدة، وعندما غيبنا عن الوعى طلعت حرب وماذا فعل بعيدا عن القتل والقتال. نسن قواعد قانونية مرورية تنص على عدم تدوين أى شعارات تشير إلى الديانة فى السيارات جميعها، واليوم سيارات الحكومة نفسها تنوء بأحمال من هذه الشعارات الممزقة لمعنى الوطن والمواطنة، أما السيف العظيم على الزجاج الخلفى للسيارات مع الآيات، فقد لوحظ أنه قد بدأ يرسم هذه الأيام بلون الدم. إنها التجربة التاريخية التى مر بها المسلمون فى فجر تاريخهم فى معركة الجمل عندما خرجت السيدة عائشة أم المؤمنين رافعة راية العصيان ضد خليفة المسلمين على بن أبى طالب، وهى المعركة التى قامت بين مسلمين صحابة على قيادة أحدهما زوجة النبى، وعلى قيادة الآخر ابن عم النبى وربيبه وزوج ابنته، وفى كلا الفريقين خيار صحابة كبار وكثر. عندها تجلت مشكلة بشأن الجهاد وشروطه، فبعد أن هزم على عائشة، طالب المسلمون عليا بنصيبهم من الغنائم، ورفض على لأن هذه الحرب بين مسلمين، ورد عليه المعترضون: «أبحت لنا دماءهم ولا تحل لنا أموالهم وأعراضهم»، فقال لهم الإمام على: من نصيب من منكم ستكون أم المؤمنين! لقد سقط فقه القتال وشرعنته عندما كان من مسلم ضد مسلم وتوقفت نتائجه وشروطه وأحكامه. أما الصحابى الجليل سعد بن أبى وقاص، فقد رفض الدخول فى أى من الفريقين، وقال: «لا أقاتل حتى تأتونى بسيف يعقل ويبصر وينطق فيقول أصاب هذا وأخطأ هذا»، وهو الموقف الصواب بأى معيار وزنته، وبعده كان موقف الإمام على، والمسلمون يتدافعون قتالا عن جمل أم المؤمنين وهى تركبه تحرضهم على القتال، ولما طال الأمر حتى مات الآلاف حول جملها كان أمر الإمام على أن «اعقروا الجمل». كان القرار خطيرا إزاء حساسية الموقف، فالجمل فيه أم المؤمنين وظعينة رسول الله، مما أكسب الموقف كله حساسية قدسية، لقد كان جمل أم المؤمنين رمزا أعطى هذه الموقعة اسمها التاريخى «موقعة الجمل»، الجمل كان رمز ثقافة هى ثقافة الخروج على الخلافة والشرعية وعلى قانونها، هى ثقافة اعتراض المسلم بالسلاح مع الاحتجاج بالدين، لذلك نادى على الناس: «اعقروا الجمل لأن فى بقائه فناء العرب».

أبناء وطنى: اعقروا جملكم. اعقروا الجمل حتى لو كان مقدسا حتى لا يفنى المصريون، فقد عقره قبلكم الإمام على كرم الله وجهه حتى لا يفنى العرب.



#سيد_القمنى (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ...1... دراسة - الآخرون
- قمة ال (17) - 4 من 4
- قمة ال (17) 3 من 4
- قمة ال (17) 2 من 4
- قمة ال (17) 1 من 4
- رسالة من سيد القمنى
- إنها مصرنا يا كلاب جهنم
- -نوتة- التكفير الجاهزة في مجمع البحوث: للمشايخ حق - الفيتو-! ...


المزيد.....




- قوى عسكرية وأمنية واجتماعية بمدينة الزنتان تدعم ترشح سيف الإ ...
- أول رد من سيف الإسلام القذافي على بيان الزنتان حول ترشحه لرئ ...
- قوى عسكرية وأمنية واجتماعية بمدينة الزنتان تدعم ترشح سيف الإ ...
- صالة رياضية -وفق الشريعة- في بريطانيا.. القصة الحقيقية
- تمهيدا لبناء الهيكل المزعوم.. خطة إسرائيلية لتغيير الواقع با ...
- السلطات الفرنسية تتعهد بالتصدي للحروب الدينية في المدارس
- -الإسلام انتشر في روسيا بجهود الصحابة-.. معرض روسي مصري في د ...
- منظمة يهودية تستخدم تصنيف -معاداة السامية- للضغط على الجامعا ...
- بسبب التحيز لإسرائيل.. محرر يهودي يستقيل من عمله في الإذاعة ...
- بسبب التحيز لإسرائيل.. محرر يهودي يستقيل من عمله في الإذاعة ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - سيد القمنى - اعقروا الجمل