أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - أوراق كتبت في وعن السجن - آرام كربيت - الرحيل إلى المجهول تدمر 13















المزيد.....

الرحيل إلى المجهول تدمر 13


آرام كربيت

الحوار المتمدن-العدد: 2200 - 2008 / 2 / 23 - 10:19
المحور: أوراق كتبت في وعن السجن
    


عاد الربيع خميلة صداحة, فراشات راقصة, فرح ينثرحنينه على حواف السماء والتراب وأوراق دوالي الماء. يمشي كرعشة في خدرالأرض, كحلم حنون, كزهرمن جمرالأمنيات. ولد من خاصرته قمراً من سليل الضوء يترصد الألوان المعرشة بلون ذاته.
عادت الروائح العبقة تستيقظ من غفوتها لتملئ الدنيا دفئاً وتألقاً.
همت العصافيربالرحيل إلى الحنين, إلى براعم الغصينات النائمة على نتؤات الزهرالمنبهق من طفح الحياة, إلى الحنين المسافرإلى المجهول, إلى البحث عن لغة تترجم ضوضاء الضوء والوجود والبقاء. على أجنحتها قناديل مضيئة من أشعة الشمس وزرقة السماء.
رحلت من مهجع المستوصف ولم يبق معنا إلا عصفورواحد هدية من الطبيعة.
فروا بريشهم من الضجيج والضوضاء, من الضوء المتيقظ طوال الليل, من زعيق الشرطة وحركة أقدامهم التي لا تنام أوتهدأ. لقد بقي ذلك الجميل, ذلك القادم من أسراب المدى في الجهة الغربية من المكان, بعيداً عن الضوء واللهب, يستغرق في البحث عن الطمأنينة المعلقة في مئزرالحيطان, ينحو نحوالنوم في العتمة العتيقة البعيدة عن الشراقة لأعتقاده إننا راحلون لا محالة إلى رحيل آخر.
لا أدري لماذا استأنس ذاك الجميل البقاء معنا.
ينثرالضوء على الفجرضياء ويرحل نحو أفق البادية ويعود مساء, نافشاً ريشه المخضب بلون الحياة والسعادة. يزقزق في الهزيع الأخير من النهار.
كنا ننتظرمجيئه بفارغ الصبرساعات طويلة من أجل التواصل معه, مع الطبيعة, مع ذاتنا. أقف مذهولاً على قدرة هذا الكائن على لملمة بقاءه على هذا الخلد الجميل بمنتهى الدقة والرقة والذكاء, لا يخزن طعامه ولا يحمل معه شيئ. يأكل إلى أن يشبع ثم يرفرف طائراً إلى حيث الماء والسماء والأرض, إلى حيث ضحك الأطفال. كان نذراً من السماء, غواية, عذوبة الوجود والحياة بيننا في ذلك الامتثال الصعب, حضورشهي للحرية.
بوجوده نحس إننا في هذا الوجود, في هذا الكون المبهرالمتألق.
نظل مسمرون في أماكننا ننظرإلى وجه الحياة في وجهه وعينيه, إلى ريشه وجناحيه, إلى السعادة في عينيه, نفرح لفرحه, للقاءه الماء والصباح والكائنات الأخرى. نفرح للقاءه النبض الآخر منا في الحياة, تلك التي نحن منها. يبادلنا البسمة بالبسمة والسعادة بالسعادة. ينفش ريشه, يزقزق بصوت عالي, ناقلاً نظراته إلينا, معبراً عن أمتثاله للغناء, للطرف الآخرمن الحياة, أمتلائه بها من مكان إلى مكان كأنه يقول لنا:
لقد زرت الواحات والأشجار, النساء الجميلات وساحات لعب الأطفال. لا تيأسوا فالحياة ما زالت في خلدها, على أيقاعها, باقية تغني للفجروالصخر, للبحروالنهر, لكم, للقادم من الأيام, للأفاق الآخر.
كل يوم يخرج من النافذة, ونخرج إلى الباحة.
هو إلى الحرية, ونحن إلى صناع الموت.
هو يرفرف في السماء ونحن ننحني ونركع لأحذية السلطان.
كل يوم يخرجونا إلى الباحة, بعد إدخال الفطور, أربعة أو خمسة منا, يجلدوا أمام مرأى الشمس والضوء, تحت قبة السماء, بالكوابل المطاطية المحلزنة بالاسلاك المعدنية, ملفوفين بالدولاب الأسود الدائري. بعدها يرموننا تحت حرقة النهار بين أيدي تجارالقتل والموت لتتولى إكمال تعذيبنا.
كان حدود الضرب يبدأ من الثلاثين كبلاً إلى المئة وخمسون تقريباً
صارت أعصابنا متعبة, مرهقة لا نعرف ماذا نفعل. سلمنا قدرنا للقدريشكل نهاية مأساتنا. لقد أثقلت الجراح والأوجاع أجسادنا, وغرزت آلة القمع ثقوبها في نفوسنا وخلفت ورائها سوداوية لا تزول مع مرور الأيام والسنين.
ثقبت أذني أكثر من سبعة إلى ثمانية مرات. ما أن تلتئم حتى تتمزق. أضع ورق المحارم داخل أذني حتى تتمكن من تلقي الصدمة بأقل قدرمن الأذى والوجع. دائماً الجهة التي كانت تتعرض للتمزق هي اليسرى. إحدى المرات بينما كنت مستعداً للصفع على الجهة اليسرى, مغمض العينين ورافعاً رأسي بناء على طلبهم. جاءتني صفعة الشرطي على الجهة اليمنى لأنه كان أعسراً. لم أكن قد وضعت شيئاً في أذني اليسرى لحمايتها, حتى أتمكن من سماع ما يقولون. من الصفعة الأولى وقعت على الأرض وتمزق غشاء الطبل في الجهة اليمنى مني, وكانت اليسرى متمزقة قبل هذه بيوم واحد. صرت أمشي كالأثول أو السكران لا أستطيع أن أتوازن ولا أعرف ماذا أفعل.
في/23/ تشرين الأول/اكتوبر/ أخذوا الأخ فراس يونس لإنتهاء حكمه/15/سنة. وفي /19/كانون الأول من العام نفسه/1996/أخذوا الأخ ياسين الحاج صالح أيضاً لإنتهاء حكمه/15/ سنة مع إضافة سنة أخرى على حكمه لرفضه الشروط. وفي /14/ كانون الثاني من العام 1997أخذوا يوشع الخطيب لإنتهاء مدة حكمه/15/ سنة
في شهر آيارمن العام 1997 أخذوا أسامة عاشور وعبد الكريم عيسى/15/سنة و/14/ سنة على التوالي.
راح عددنا يتناقص تدريجياً.
صارعددنا /17/ فرداً. وبقي الضرب والحراسة الليلية موزعة على العدد المتبقي.
تم الاحتفاض بتيسيرحسون وبسام بدورالذين أمضوا ثمانية أعوام في السجن. لقد أبقاهم النظام في السجن مدة سنة إضافية عن الحكم الذي أقرته محكمة أمن الدولة.
في 28آب من العام 1997 تم نقلنا إلى الباحة الثانية, المهجع الثاني.
لم تكن تتجاوز مساحة المهجع الأربعين متراً مربعاً.
المكان أشبه بزريبة, حضيرة مرقعة الاوصال, موصولة بشكل هجين, غرفتان صغيرتان إحداهما معتمة, المرحاض يجلس في إحدى زواياها, أما الغرفة الثانية فتجلس تحت الشراقة. ينام فيها ثمانية أفراد, ويجلسون النهاركله فيها على فرشهم تحت رحمة الظلمة وقتامة الجدران ورائحة المجاري المتصاعدة من فوهة المرحاض الذي لا يتجاوزالثمانون سنتيمتروعلى مدخله الصغيرمجلى الصحون والكاسات البلاستيك وبقية أدوت الأكل. هو مرحاض ومطبخ وجزء من الغرفة مركون في الزاوية.
شيئ كريه للغاية.
كان المهجع حماماً للشرطة أوالسجناء فيما مضى من الوقت. مبنى قديم ومقرف. لقد بنوا جداراً فاصلاً ما بين المهجع والباحة بطول خمسة أمتار وعرض متر واحد من أجل توسيعه, عليه نافذة مسدولة بساترمن النايلون المصنوع بأيدينا.
كنا نجلس في هذا الممرالضيق بعيداً عن الشرقة اللعينة لتقطيع الوقت وتمريره.
لقد نقلونا أكثر من مرة من هذا المهجع الكريه ثم أعادونا إليه.
إنه خيمة الموت, وشاح مسربل بالعتمة الداكنة. يذكرني شكله بالجبانة, بالقبروالموت المؤجل. يرمي في داخلي إحساس بالكآبة والحزن والنفور. خطوطه وشم مطرزبالمرارة, ينحو في الخفاء إلى إنطفاء الصوت الآخرمنا, من الحياة. يترك إنزواء الموج داخل نزيف دمنا, ليخبو كضوء النيزك في صدورنا. يعمل المكان على ترويض أرواحنا وتسكين نبضها لكي تهبط إلى مزالق بعيدة لتتواطأ مع السديم. أقول:
ما هذا المكان, ماهذه المصيبة التي تنتظرنا. مكان مغلف بالجدران العريضة,السميكة السوداء, تتصدى لتقزيمنا في مساحة ميتة من العالم.
زريبة أوحضيرة موت, تستحضرالتفنن في تذويبنا, تذويب الأفق المرئي للبصرمن أجل أن يموت الحلم داخل الحلم, ليموت الألق والحلم في النفس.
لم يكن لدى الخيال القدرة على الطيران بنا من هذا الكابوس الطويل, لم يستطع حملنا على جناحيه والرحيل بنا إلى عوالم أقل قسوة. لم يستطع أن يحفزنا, أن يأخذ بأيدينا, يجرنا وراء الفجرالآخرالمفتوح.
إنه مكان مهجور, ترك للزواحف تعبث فيه وفينا.
هل يمكن للإنسان أن يتنفس في هذه البلادة المكدسة, في هذا الجماد المركون على خاصرتنا. كنت أحس أن نبضي وحنجرتي منصهران في صوتي, في نواح ليالي المهجورة, المنسوجة من أملاح مكدسة.
غاب عنا الفجر, غادرنا هواء الفجر, لون السماء وأهليلج الشمس الحالمة وراء بقاءها بيننا. سكينة الموت بقيت محلقة في وسطنا مدة أعوام طويلة في هذا المكان المهجور.
المكان وحده كان كاف لتمزيقنا من الداخل.
رحلت منا شهوات الفرح بالأمل, بالحلم. غادرت بؤبؤة عينينا رسوم الجمال ومهابط الزهر.
هل يعرف المرء ماذا يعني أن لا يرى الإنسان بقعة مضيئة, لون مبهج, أن لا تطأ قدمه ندى التراب الندي ورطوبته مدة طويلة من الزمن. أن يعيش فوق بقع الجفاف حتى يجف نسغه وصورته.
آه.. كم كنت أحن لملمس التراب الطري الحنون. كنت أحن لمداعبة المطرتحت المطر, مداعبة المطرلأقراص الماء فوق الماء, لملامسة الماء لندى الأرض في مواسم الجفاف.
كانت هناك بقعة ضوء صغيرة تتسلل من تحت الباب, خلاء منذورللصورالمختفية تأتي من وراء الجدران, يحفزان موسم الجنون, تتمدد على صقيع أيامنا وليالينا. عندما نريد أن نأخذ مساحة فرح نتمدد على الأرض, ننبطح لنرى بعض العصافيرمن تحت الباب كيف تأكل وتتحرك وتطير.
هذه اللحظة كانت الأجمل في يومنا الطويل, نهرب فيها من الصمت والقرف.
رحنا نقطع الأيام الطويلة في هذا المكان الكئيب. نكثرمن الحديث عن الماضي, لأنقطاعنا السديمي عن الحياة والأهل والأصدقاء, نعيد ونكررما قلناه من حكايات وقصص.
في الثامن من حزيران من العام 1998أخذوا الذين قضوا في السجن المدد على التوالي:
مصطفى حسين/15/ سنة وثمانية أشهر. صفوان عكاش وبكر صدقي وعزيز تبسي/15/ سنة وثلاثة أشهر. الحارث النبهان/13/ سنة وثمانية أشهر. أديب الجاني وحسين السيبراني/10/ سنوات وستة أشهر. تيسير حسون وبسام بدور/9/ سنوات وشهر.
بقينا ثمانية أفراد.
في /15/ تموز من العام 1998 جلبوا سلامة كيلة ونعمان عبدو, محمود عيسى وجريس التلي ومحي الدين شنانة.
مضت الأيام تمضي رتيبة, مملة, متعبة لقلة العدد وللعبء الذي نحمله على أكتافنا لقلة عددنا.
قي الشهرالسابع من العام/1999/ أخذوا:
راتب شعبو/16/ سنة ومحي الدين شنانة /13/ سنة وعبد الله قبارة /12/ سنة وبعدهم بشهرونصف أخذوا حكمت مرجانة/12/ سنة وفي نهاية الشهرالعاشر أخذوا محمد خير خلف/ 12/ سنة.
في آذارمن العام/2000/أخذوا سلامة كيلة.
بعد وفاة حافظ الأسد بشهرين تم الافراج عني بعد أن أمضيت/13/ سنة في السجن. عروني مرة أخى كما تعرى الآيائل من جلودها. باعدوا القدمين واليدين. مدوا أيديهم في فمي وأسناني وراحوا يفتشوا الأماكن الداخلية مني, ثم وصلوا إلى مؤخرتي, راحوا يعبثون بها. كل شيئ فيّ عاري إلا العينين فقد غزوها بالطماشة. لم يكن معي إلا بقية إسمال بالية.
في طريق العودة إلى الحسكة عرجت على المطعم في مدينة تدمرلأشرب كاساً من الشاي مع القليل من الخبز. دخلت إلى الحمام لأغسل يدي ووجهي. رأيت مرآة معلقة على الجدار. لأول مرة أرى وجهي بعد سنوات طويلة. يا هول ما رأيت. قلت:
ما هذا يا إلهي.. ماذا فعل بي الجلاد. أين وجهي وشعري ولون الفرح في أهدابي. أين تلك الابتسامة المحلقة فوق باقات الورد على خدودي.
وجه أصفرجاف, متعب, منذورللضياع والتشتت, كثيرالتغضنات والتجاعيد, خال من أي لون له علاقة بالحياة أو يشيئ بالحياة. وجه عصبي الصورة, أنواله مقطعة الأبعاد, فيه حفركثيرة موزعة على قسماتي هنا وهناك. تزحف على خارطة جمجمتي أوردة كخطوط متنافرة, كخرائط متباعدة. وجه مرتبك خال من أي لغزأوتعبير, ينزع إلى المتاهة, إلى حكاية عارضة, خيال عابث بلا حلم أو أمل, خطوط الشرايين فيه قاتمة.
ذهول قاتم شدني إلى الخوف من وجهي وصورتي. وقفت مذهولاً من ذهولي على نفسي, استطلع الآهات التي تخرج من كبدي على شكل صرخات تحفز الصرخة, تحفر في داخلي وتخرج مني على شكل كلمات مخنوقة مقطعة فيها بحة مسروقة ترتد إلى داخلي قلت:
آه.. ما هذا.. ماذا حدث لي.. ما هذا الوجه.. هذا ليس أنا.
هذا ليس وجهي الذي أعرفه, إنه وجه إنسان غريب, مدمر. خرائب العالم كلها مكومة فيه. هذا الوجه وجه إنسان خرج من بين الأموات. يا رب لماذا تركتهم يفعلوا بي كل هذا. كيف استطاع الجلاد أن يسرق قسماتي, وجهي القديم, النضارة والشباب والجمال, هيكل تكويني, إشراقة الروح في قلبي. رحت أكثر النظروأقول:
محا الجلاد لوني المتماوج النقي, اللون المخضب الفاتح المملوء بالحيوية والنشاط واستبدله بالظلال السقيمة والسقم. أجفاني مهدلة, عيناي منكمشة على بعضها منغروزككتلة مهملة في المحجرين, فمي رخو لا يقوى على نقل الكلمات, والشيب يغطي شعري. وجه ما بين الموت والحياة, فيه اغمضاضة الروح, مكسر الشريان والصوت.
حفر فيه زمن الجلاد عميقاً.
قلت في نفسي:
كيف سأقابل أبي وأبي والناس بهذا الوجه المشوه, هذا الوجه المأسور, كثيرالرضوض مرسوم لصدى الموت العميق. لقد حفرالجلاد في كل خلية مني دملة وقيح. وجهي مثل مدينة مهزومة, مدمرة, كثيرة الخرائب والحرائق. محفوربأزاميل صدئة. ماذا بقي مني. هل أنا مهزوم أم واقف على قدمي, هل أدري أم لا أدري.. لا أعرف.
آه يا أبتاه كيف سأقابل حبيبتي بهذا الوجه الأبتر, المسحوق, المسحوب اللون والصورة. من أنا اليوم, ومن سأكون غداً, وكيف؟
طوفان من الخراب يسكنني, قرون الأيائل مغروسة في خدي وصدغي وجبيني وجبهتي وملامحي.
من أنا..
إنه التأريخ الأعرج الذي يسيرعلى قائمتين مكسورتين.
أما نحن فلا قامة لنا تحمينا من مجوس القهرالمستمر.
أمعنت النظرفي المرآة أكثر:
رأيت نيرون بجانبي, في الجهة المقابلة لجهتي, إلى الوراء, إلى الميمنى والميسرى, محتلاً كل المساحة التي أنظر فيها إلى نفسي. كان واقفاً بكامل قامته, وزينته وسطوته, سيفه خارج غمده, مشرع, صولجانه وعصاه بيده واقفة, ينظر إلي مبتسماً أبتسامة صفراء صارخة. وعلى مبعدة قليلة منه كانت روما تشتعل تحت لهب أسود. حرائق روما الملتهبة, دخانها في أنفي وفمي, صوت الاستغاثات الموجوعة للموتى والجرحى والمنكوبين في أذني. النارتتأجج وتشتعل, تأكل الأخضر واليابس. وبجانبه وجانبي وجه أمه الحزينة متعفنة, معلقة على الشجرة, تاكل الغربان قلبها وعينيها. كان ينظر إلي ضاحكاً ويلتفت مشيراً إلى والدته, المنكوبة, المقتولة على يديه. صرخت في وجهه, قلت:
ـ لماذا قتلت والدتك يا نيرون؟ قال:
ـ من أجل اللذة. وأردف:
العنة. لذة العنة هي السبب. أنا مصاب بالعنة وحب المجد. العنة تمنحني الشهوة واللذة وترفعني إلى الأعلى, إلى فوق. هذا العنين سيبقى, وستبقى والدتي متعفنة, معلقة على الأشجار, وستبقى المدن محترقة والأشجار مقصفوفة, الأنهارجافة, والبحارإلى رماد وكل شيئ إلى خراب إلى أن يبث الزمن في الأمر. لا تحزن على نفسك يا هذا, مازال الطريق أمامك طويلاً, الأمراض الكثيرة في الطريق إليك, ستفتك بك. سيلاحقك التعب والغربة. ستبقى عتمة السجن داخل نفسك, لن تخرج منها. ومضى يقول ساخراً:
الذين في الخارج ليسوا أقل خراباً منك, أكاد أقول إنه وضعهم أسوأ منك.
خرجت مكسورالنفس, متوجساً, قلقاً, متعلثم الكلمات لا أقوى على هضم كسرة الخبزالتي أمامي.
سارت بنا الحافلة.
كان السائق ومعاونه يتكلمان معي, يحاولون أن يخرجوني من صمتي وإنطوائي على نفسي, يسقوني الشاي بين الفنية والأخرى. في استراحة دير الزورقدموا لي وجبة طعام على حسابهم, رزودجاجة. قلت له أيها الأخ الصديق:
لا أستطيع هضم الطعام النظيف والدسم. لقد تعودت على طعام السجن الكريه والوسخ, ولا أستطيع أن أغيره الأن. أحتاج إلى وقت طويل قبل أن أتمرن على الجديد. نظرإلي ساخراً قال:
ـ ماذا تقول. لا تستطيع أن تأكل القليل من الرز. قلت:
ـ لا.. لا أستطيع. سأصاب بالإسهال بعد قليل وستكون هناك مشكلة. أنا أعرف ماذا أقول.
يتبع..



#آرام_كربيت (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الذئب يشم ويطارد 2
- الذئب يشم ويطارد
- الرحيل إلى المجهول تدمر12
- الرحيل إلى المجهول تدمر11
- الرحيل إلى المجهول تدمر10
- الرحيل إلى المجهول تدمر 9
- الرحيل إلى المجهول تدمر 8
- الرحيل إلى المجهول تدمر7
- الرحيل إلى المجهول تدمر 6
- ملكة دول الشمال مارغريتا الجزء الأخير
- ملكة دول الشمال مارغريتا الجزء الثاني
- ملكة دول الشمال مارغريتا
- الرحيل إلى المجهول تدمر5
- الرحيل إلى المجهول تدمر 4
- الرحيل إلى المجهول تدمر3
- الرحيل إلى المجهول تدمر2
- الرحيل إلى المجهول سجن تدمر1
- الملك السويدي كارل الثاني عشر
- الملكة السويدية كريستينا
- الرحيل إلى المجهول ما بعد النطق بالحكم


المزيد.....




- تقرير أممي مستقل: إسرائيل لم تقدم حتى الآن أي دليل على ارتبا ...
- الأمم المتحدة تدعو بريطانيا إلى مراجعة قرار ترحيل المهاجرين ...
- إغلاقات واعتقالات في الجامعات الأميركية بسبب الحرب على غزة
- مراجعات وتوصيات تقرير عمل الأونروا في غزة
- كاريس بشار لـCNN: العنصرية ضد السوريين في لبنان موجودة لدى ا ...
- رئيس بعثة الجامعة العربية بالأمم المتحدة: العمل جار لضمان حص ...
- الأمم المتحدة: نزوح أكثر من 50 ألف شخص بسبب المعارك شمال إثي ...
- بعد تقرير -اللجنة المستقلة-.. الأونروا توجه رسالة للمانحين
- مراجعة مستقلة: إسرائيل لم تقدم أدلة بشأن ادعاءاتها لموظفي ال ...
- منتقدة تقريرها... إسرائيل: الأونروا جزء من المشكلة لا الحل


المزيد.....

- في الذكرى 103 لاستشهادها روزا لوكسمبورغ حول الثورة الروسية * / رشيد غويلب
- الحياة الثقافية في السجن / ضرغام الدباغ
- سجين الشعبة الخامسة / محمد السعدي
- مذكراتي في السجن - ج 2 / صلاح الدين محسن
- سنابل العمر، بين القرية والمعتقل / محمد علي مقلد
- مصريات في السجون و المعتقلات- المراة المصرية و اليسار / اعداد و تقديم رمسيس لبيب
- الاقدام العارية - الشيوعيون المصريون- 5 سنوات في معسكرات الت ... / طاهر عبدالحكيم
- قراءة في اضراب الطعام بالسجون الاسرائيلية ( 2012) / معركة ال ... / كفاح طافش
- ذكرياتِي في سُجُون العراق السِّياسِيّة / حـسـقـيل قُوجـمَـان
- نقش على جدران الزنازن / إدريس ولد القابلة


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - أوراق كتبت في وعن السجن - آرام كربيت - الرحيل إلى المجهول تدمر 13