أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - القضية الفلسطينية - كميل داغر - من تل الزعتر إلى البارد، مسيرة الخذلان والاضطهاد والقهر















المزيد.....

من تل الزعتر إلى البارد، مسيرة الخذلان والاضطهاد والقهر


كميل داغر

الحوار المتمدن-العدد: 2192 - 2008 / 2 / 15 - 10:58
المحور: القضية الفلسطينية
    


حتى منذ ما قبل قيام دولة إسرائيل بسنوات طوال، تبدو فلسطين جرحاً مفتوحاً، وهي بالتالي تنزف باستمرار، إذا لم يكن في الشتات ففي الداخل، والعكس صحيح، علماً بأن النزف يتم أحياناً في المكانين معاً.
وعلى الرغم من أن النزف تزداد حدته، بشكل خاص، في غزة، بحيث ثمة ضرورة قصوى لاستنهاض أوسع تحرك إقليمي ودولي لوقفه، يجب أن لا يؤدي ذلك إلى تناسي المشكلات التي يعانيها الشعب الفلسطيني في أماكن أخرى، من بينها لبنان، حيث وضع على المحك في أواخر الربيع الماضي مصير أحد مخيماته الأساسية لدينا، مخيم نهر البارد، بعد أشهر طوال من المعارك الشرسة للغاية مع الجيش، التي استهدفت في الدرجة الأولى، بلا ريب، منظمة سلفية كـ«فتح الإسلام»، ولكنها أدت عملياً إلى تهجير ثان ٍ لعشرات الألوف من سكانه الفلسطينيين، كما إلى دماره الشامل، فضلاً عن دمار واسع لحق بالمنطقة المحيطة به، المتعارف عليها بتسمية المخيم الجديد، والتي يملكها بعض من هؤلاء السكان ولاجئون فلسطينيون آخرون، ما يدفع إلى التساؤل إذا لم يكن ذلك مقصوداً، وليس مجرد نتيجة لا غنى عنها للحسم ضد «فتح الإسلام».
بذلك، كان مخيم نهر البارد ينضم إلى مخيمات عديدة أخرى سبق أن استهدفت، لسبب أو لآخر، منذ الحرب الأهلية الأخيرة، ولكن على يدي ميليشيات طائفية، كما حصل في تل الزعتر وجسر الباشا، في العام 1976، ومع صبرا وشاتيلا خلال الاجتياح الإسرائيلي في العام 1982، في عدوان أول، مسؤولة عنه إسرائيل والقوات اللبنانية؛ ومن ثم مع هذين الأخيرين أيضاً، في أواسط الثمانينيات وفي عدوان ثان ٍ خاضته هذه المرة حركة أمل، الطائفية الشيعية. وفي كل من تلك الحالات، كان الشعب الفلسطيني يدفع ثمناً باهظاً جداً من حياته ورزقه واستقراره، بعد لجوئه الأول إلى لبنان في العام 1948.

مخيم البارد، إلى أين؟
في حالة المخيمات الضحايا المشار إليها أعلاه، تلازم الاعتداء على اثنين منها، هما مخيما جسر الباشا وتل الزعتر، مع زوالهما النهائي مذاك، وتهجير من بقي حياً من سكانهما، بينما أدى الاعتداء الثاني على مخيمي صبرا وشاتيلا، إلى تهجير قسم واسع من سكانهما الأصليين. الأمر الذي يطرح سؤالاً جوهرياً حول المصير الذي قد يلقاه مخيم نهر البارد، في الأشهر والسنوات القادمة، في ظل زحف المشروع الأميركي-الإسرائيلي المشترك، الذي يشهد تقدماً واضحاً، لأجل الالتفاف النهائي على حق العودة؛ وهو التفاف بين ما يؤدي إليه، فيما لو قيِّض له النجاح، توطين اللاجئين في أماكن لجوئهم الراهنة، ومن ضمنها لبنان. هذا من جهة، ومن جهة أخرى، تكريس الحلم المستمر لدى الحركة الصهيونية والإدارة الإسرائيلية بإعلان ما تسميه يهودية إسرائيل، مع ما قد يتلازم مع ذلك من تغييرات ديمغرافية جوهرية في واقع الدولة الصهيونية، على حساب عرب أراضي الـ 48!! وهو الأمر الذي يدعونا إلى إبقاء كل هذه الاحتمالات الخطيرةنصب أعيننا فيما ننظر إلى الطريقة التي تم التعاطي بها مع المخيم قبل، ومن ثم خلال الحرب على «فتح الإسلام» في فترة أواخر الربيع والصيف الماضي، وبعدها – كما سنرى أدناه – ، وصولاً إلى أيامنا هذه. وهي طريقة تطرح بالتأكيد علامات استفهام كثيرة كان تحقيق صارم ونزيه (سبق أن دعت إليه، عبثاً، قوى عديدة في الساحة السياسية المحلية) هو الوحيد الذي يمكن أن يجلوها ويرد عليها،بما يمكِّن عندئذ من كشف حقيقة ما يعد لمخيم نهر البارد، وعلى الأرجح أيضاً لباقي المخيمات، ولكامل الوجود الفلسطيني على الأرض اللبنانية. وهو تحقيقٌ توقف من سبق أن رفعوا شعاره عن المضي برفعه، تماماً كما يحصل دائماً مع شريحة سياسية عاجزة عن المحاسبة الجدية وحتى النهاية، بسبب ما يعنيه ذلك من ضرورة كشف عورات النظام كلياً – هذا النظام الذي هي جزء لا يتجزأ من أعمدته – ،بما هو نظام طائفي مترهل وعفن وتابع، ويستدعي نفضاً كاملاً وتغييراً من الأساس. هذا في حين ثمة حاجة قصوى لإجراء هذا التحقيق، وتحديد المسؤوليات وإنزال العقاب، وأبعد من ذلك كله فضح الطبقة الحاكمة بأسرها وتعريضها لأوسع محاكمة شعبية على جرائمها بحق الوطن والشعب، وعلى مؤامراتها المشبوهة ضدهما.
‌أ- قبل الحرب على المخيَّم
لقد قيل الكثير عن الطريقة التي جرى بواسطتها إدخال جزء واسع من المقاتلين الأجانب الذين شكلوا في ما بعد الجزء الأساسي من جسم «فتح الإسلام» إلى الأراضي اللبنانية، ولا سيما عبر مطار بيروت، مع ربط ذلك بالمشروع الأميركي لتفتيت الدول العربية، ومن بينها لبنان بوجه أخص، في إطار ما بات معروفاً بالفوضى الخلاقة، وما يفترض أن يلازمها من صراعات دينية وطائفية مطلوبة (تنطلق من تناقض سني مزعوم مع ما سبق أن أطلق عليه الملك الأردني الحالي العميل، بعد والده الراحل، للمخابرات المركزية الأميركية، تسمية الهلال الشيعي!)، وتمهد لقيام «شرق أوسط جديد» كانت قد تحدثت عنه رئيسة الدبلوماسية الأميركية، كوندوليسا رايس، في الأيام الأولى لحرب تموز- آب 2006. وهو المشروع الذي يلقى التعاون من جانب جناح مؤثر في السلطة السعودية على رأسه إبن ولي عهد المملكة، بندر بن سلطان، وربما من جانب أنظمة عربية عديدة استقبلت الرئيس بوش، في الأسابيع الأخيرة، بترحاب قل نظيره، فيما كان البند الأهم على جدول أعماله صفقات أسلحة بعشرات المليارات من الدولارات، وبالتالي إعداد مقدِّمات حروبٍ جديدة في المنطقة وعليها، وبوجه أخص على إيران، لا يمكن التكهن بحجم الكوارث الإقليمية، وحتى الكونية، التي قد تفضي إليها!
كما قيل الكثير أيضاً ولو مع بعض الحياء، وإن من دون أدلة دامغة على ذلك، عن دور أجهزة أمن داخلي لبنانية، في نقل أولئك المقاتلين من مخيمات بيروت (برج البراجنة بوجه خاص) إلى مخيم نهر البارد؛ ومن ثم عن التمويل الذي كان يلقاه هؤلاء من جانب الحالة الحريرية المحلية وثيقة الارتباط بالنظام السعودي، قبل أن تعيد الإدارة الأميركية النظر في الموقف من المنظمة الأصولية – التي كانت قد رسَّخت جذورها في المخيم الشمالي وبدأت تتضح في آن ٍ معالم خروجها مما كانت مرشحة له أصلاً، كحصان طروادة سني في مواجهة حزب الله، في اتجاه علاقة وثيقة بمنظمة القاعدة ومشاريعها المستقلة – فتوعز إلى حلفائها المحليين التحول في الموقف منها باتجاه تصفيتها.
وبالطبع، إن التحقيق «النزيه والصارم»، الذي يفترض أن تضغط باتجاه إجرائه، في تاريخ قريب وقبل استكمال إزالة الأدلة على ملابسات ما حدث بالفعل، حركة شعبية لبنانية وفلسطينية مؤثرة، يمكن أن يكشف الحقائق بخصوص ذلك كله، كما بخصوص التصفيات الليلية التي طالت مجموعة بكاملها من عناصر «فتح الإسلام»، في طرابلس، في أوائل العشرينيات من أيار الماضي، على يد الأجهزة الأمنية – التي باتت تحت السيطرة شبه المطلقة لتيار المستقبل – وذلك من دون تنسيق مع الجيش. وقد كان بين أهدافها، على ما يبدو، توريطه، كما حصل فعلاً، في الحرب الطاحنة التي تلت ذلك في نهر البارد؛ وفي الوقت عينه تصفية مسؤولين، وحتى عناصر عادية، في «فتح الإسلام»، على اطلاع وثيق على العلاقة بالتيار المذكور وحتى، كما أشيع مراراً، بقيادات أمنية، وذلك استباقاً لأي تحقيق جدي محتمل لاحق.
وهو السلوك نفسه الذي سوف يُتَّبع لاحقاً، حين تمت تصفية أحد قياديي مجموعة الضنية المعروف بأبي جندل، في أسواق طرابلس الداخلية، في الأيام الأولى من القتال، علماً بأنه كان أعزل من السلاح، ويجلس بصورة سلمية في مكان عام؛ وفي ما بعد، وإثر انتهاء معارك نهر البارد، في ما يتعلق بمصير أبي هريرة، الذي كان قيادياً، هو الآخر، في المجموعة المذكورة، قبل أن يلتحق بـ «فتح الإسلام» مع العديد من مقاتلي هذه الأخيرة، ويشارك عن كثب في حرب المخيم، لتتم تصفيته بعد أيام على انتهاء المعارك، في ظروف ملتبسة جداً.
‌ب- خلال الحرب وبعدها
لا ريب في أن مقاتلي منظمة «فتح الإسلام» قد استفادوا من عنصر المفاجأة، المتمثل في عدم معرفة الجيش، في الليلة التي شهدت انقضاض قوات الأمن الداخلي على مراكز المنظمة المشار إليها، في طرابلس، بهذا التطور الخطير. وهكذا تمكنوا من مباغتة مواقع الجيش المشرفة على مخيم نهر البارد والإجهاز على العشرات من الضباط والجنود. وهو الأمر الذي جعل قيادة الجيش تتخذ قرارها باستئصال المنظمة المذكورة، ولو على أنقاض المخيم المتواجدة فيه، والانتقال فوراً إلى التنفيذ، على الرغم من وجود عشرات الألوف من السكان الفلسطينيين في المخيم بشقيه، الأصلي (أو القديم)، والجديد، علماً بأن هذا الأخير كان يؤوي أيضاً أكثر من تسعين مسكناً لعائلات لبنانية. وهو الأمر الذي أدى في الأيام الأولى، وقبل اضطرار أهالي المخيم إلى مغادرته، تحت القصف الشديد إلى سقوط العشرات من القتلى بين السكان المسالمين (ثمة إحصاآت تشير إلى حوالى 47 قتيلاً من هؤلاء) عدا الجرحى والمعوقين.
وبالطبع، وفي حين لا يسع أي مراقب موضوعي للفعل وردود الفعل إلا استفظاع الجريمة الغادرة التي ارتكبها إرهابيو «فتح الإسلام» بحق الجيش، لا بد من التشديد أيضاً، انطلاقاً من التطورات الميدانية والسياسية التي رافقت معارك نهر البارد، وتلتها من ثمَّ، وصولاً إلى الآن، على الملاحظات التالية:
أولاً: أن قرار المواجهة الشاملة من جانب قيادة الجيش، الذي لقي تشجيعاً قطيعياً واضحاً من جانب معظم القوى السياسية المحلية، على اختلاف مشاربها وأهوائها ومواقعها، سواء في السلطة، بوجه أخص، أو خارجها (عدا التشجيع الإقليمي والدولي أيضاً)، إذا كان انطلق، في الظاهر، من الضرورة الحاسمة لتصفية حالة إرهابية ظلامية، مرتبطة بمنظمة القاعدة، إلا أنه تعامل مع الوجود الفلسطيني في لبنان بشكل سافر جداً من مواقع عدائية، ومستهينة بأبسط الحقوق الإنسانية لشعب مهجَّر، ولاجئ ويتعرض لشتى أشكال الاضطهاد. ومن هذا المنطلق، إذا كان استدرك الخطيئة البشعة المتمثلة في قصف المخيم، في الأيام الأولى، بصورة عشوائية، هي التي أدت إلى سقوط الخسائر البشرية الكبيرة على صعيد السكان المدنيين، فهو قد عمد بعد خروج هؤلاء إلى التعامل مع آلاف المساكن التي سبق أن بناها هؤلاء وأثثوها، ضمن شروط بالغة القساوة – هي تلك التي واجهتهم بها الحكومات اللبنانية المتعاقبة، منذ لجوئهم في العام 1948، حارمة إياهم من معظم الحقوق الطبيعية في العمل والتملك وممارسة شتى الحريات الديمقراطية التي أقرتها المواثيق الدولية –، تعاملاً لا نبالغ إذا وصفناه بأقصى الهمجية. وهذا ما تظهره الصور التي تسربت من المخيَّم، ولا سيما بعد وقف القتال، وما أمكن أن يشاهده كل الذين تسنَّى لهم أن يدخلوا إليه، لاحقاً، بصورة أو بأخرى. لقد تعامل الجيش اللبناني مع المخيَّم على أساس أنه أرض محروقة، وهو ما سنوضحه أكثر بعد قليل.
ثانياً: أن الموقف الصحيح الوحيد الذي جرى التعبير عنه في الأيام الأولى للمعارك، من جانب قوة فاعلة أساسية في الساحة السياسية المحلية، حين اعتبر الأمين العام لحزب الله أن المخيم خط أحمر، هذا الموقف لم يتلازم مع أي مسعى فعلي لترجمته على الأرض، وسرعان ما جرى تناسيه. وهو مأخذ لا ينبغي أن يسجَّل فقط على الطرف المذكور، بل على شتى القوى الديمقراطية واليسارية، أيضاً، التي امتنعت هي الأخرى (ما عدا بعض الأفراد والمجموعات الهامشية، إجمالاً، في ما يسمى المجتمع المدني) عن الضغط لفرض اعتماد أسلوب آخر في تصفية «فتح الإسلام» لا يضيف إلى مآسي الشعب الفلسطيني كوارث جديدة. ونحن لا نقصر نقدنا هذا على القوى اللبنانية وحسب، بل نشمل به أيضاً المنظمات الفلسطينية المحلية، ناهيكم عن السلطة الفلسطينية في الداخل، بشقيها المتصارعين.
ثالثاً: أن قيادة الجيش تعمدت رفض عروض متكررة، وإن من دون ما يكفي من الإلحاح، من جانب المنظمات المنوَّه بها، بأن تتولى بنفسها إنهاء ظاهرة «فتح الإسلام»، بقواها الذاتية، داخل البارد، بحيث لا تؤدي تصفية هذه الحالة الظلامية إلى دمار المخيم وتهجير أهله كما حصل بالفعل، في ما بعد.
رابعاً: أن أهالي المخيم، سواء خلال مغادرتهم القسرية له، أو بعد تكديسهم في مخيم البداوي القريب، تعرضوا لمعاملة كريهة للغاية من جانب عناصر الجيش، كشفت وسائل الإعلام ومنظمات حقوق الإنسان المحلية والأجنبية صورة عنها في حينه. أكثر من ذلك، كان لافتاً أن قيادة الجيش تعمدت أن تزج في القتال، الذي دارت رحاه حول المخيم وداخله، غالبية من العسكريين من أبناء عكار بالذات، مع ما عناه ذلك من أن معظم القتلى وجرحى الجيش كانوا من القرى والبلدات القريبة من نهر البارد والمحاذية له، الأمر الذي أدى عملياً الى خلق عداء صارخ من جانب أبناء ذلك الجوار حيال أبناء المخيم الفلسطيني، من الواضح أنه ستكون له انعكاسات سلبية طويلة الأمد على العلاقة بين الطرفين، بعد أن كانت علاقة وطيدة على امتداد عشرات السنين عبرت عن نفسها بين ما عبرت بالكثير من المصاهرات، وفي الوقت نفسه بازدهار كبير للتجارة بين المخيم الفلسطيني ومحيطه الطبيعي اللبناني. علماً بأنه لم يكن بين مقاتلي «فتح الإسلام» أكثر من نزر ضئيل جداً من الفلسطينيين!.

إن المعنى الفعلي لما أوردناه أعلاه سوف يتوضح أكثر عبر ما حدث بعد اختتام الأعمال الحربية ويحدث إلى الآن، ونختصره بما يلي:
1. التدمير المنهجي، في الأيام القليلة التي تلت انتهاء المعارك، لشريط من الأبنية على امتداد شاطئ البحر، وبعمق يزيد على المئة والخمسين متراً. ويشاع أن الجيش سيقيم هناك قاعدة عسكرية، ويمنع أي إعادة بناء على امتداد ذلك الشريط بحجة الحيلولة دون تهريب السلع إلى المخيّم، ناهيكم عما يُتداول من مخطط لتوسيع الطريق العام الذي يخترق المخيم القديم، بما يقتطع نسبة كبيرة جداً من مساحته من دون التعويض منها بإضافة ما يعادلها، الذي يصل تقريباً إلى حوالي 50 ألف متر مربع. وهو ما معناه أن المخيّم، بعد إعادة إعماره – إذا حصل ذلك – لن يتسع لكل سكانه السابقين، وسيحول ذلك دون عودة نسبة عالية منهم!
2. منع أي من السكان من العودة الآن إلى المخيم القديم. وحتى بخصوص «زيارة» هؤلاء لبيوتهم، أو ركامها، سعياً وراء العثور على وثائق ثبوتية، أو أي أشياء لها علاقة بذكرياتهم الحميمة، فإن ذلك لا يتم إلا بتقنين صارم، بحيث لا يدخل يومياً اكثر من 15 شخصاً! أما بخصوص ما يسمى المخيم الجديد، وهو الموقع السكني الملاصق للمخيم الأصلي، والمتمثل في أراض سبق أن اشتراها أبناء المخيم المذكور وبنوا فيها مساكن لهم كانت نسبة الدمار فيها أقل بكثير مما فيه، فالعودة إليه تتم بموجب تصاريح عسكرية صعبة المنال جداً وتستوجب الانتظار أياماً (تصل أحياناً إلى أسبوعين). علماً بأن الدخول، كما الخروج، يتمان بعد إبراز تلك التصاريح على الحواجز العسكرية المحيطة بالمنطقة، وبعد الكثير من الإهانات والإذلال والوقوف في الصف ساعات طوالاً. وعلماً بأن عدد العائدين لا يتجاوز الثمانمئة عائلة، من أصل 40 ألفاً من السكان الأساسيين للمخيم ومحيطه، بسبب عدم تقديم الدعم المالي للترميم، أو إعادة البناء، إلى الآن.
3. على الرغم من التعهدات المتكررة من جانب الرئيس السنيورة، خلال معارك الصيف الماضي، لإعادة الإعمار فور توقف القتال، فقد مرت إلى الآن خمسة أشهر، من دون حتى إزالة ركام الأبنية المدمرة، الذي يستوجب لوحده عدة أشهر، ولا شيء يوحي بان إعادة البناء، إذا تمت، سوف تنجز في مدىً منظور. مع ما يعنيه ذلك من معاناة قاسية جداً لعشرات الألوف من السكان، الذين تتكرر معهم الظروف المأسوية لنزوحهم الأصلي عن بيوتهم ومدنهم وقراهم في فلسطين، ويجد الكثيرون منهم أنفسهم مضطرين للسعي وراء الهجرة إلى ما وراء البحار!

هذا ومن الواضح أن كل ذلك كان من ضمن أهداف عدة بات يمكن استجلاؤها بوجه خاص مع مرور الوقت، وبعد التطورات التي طرأت على الصورة حتى الوقت الراهن. وهي التالية:
‌أ- توجيه ضربة قاصمة إلى المخيم وسكانه، على الأقل بواقعه السابق، كمخيم مسلح ومزدهر، وعلى علاقة وثيقة وودية بمحيطه اللبناني.
‌ب- إكراه نسبة عالية من أهله على الهجرة، أو على القبول، في ظروف لاحقة، بما تضغط باتجاهه إسرائيل والإدارة الأميركية، من توطينٍ ثمة جزء أساسي من الشريحة السياسية المسيطرة محلياً ضالع في مخططه وموافق عليه ضمنياً.
‌ج- فرض السيطرة العسكرية والأمنية المطلقة على من يبقى من سكان المخيم، بطريقة تذكّر بما كان قائماً قبل صعود المقاومة في أواخر الستينيات.
‌د- وبالطبع، وبنتيجة كل ذلك، وبوجه خاص بفعل الطريقة الوحشية التي عومل بها المخيم، على امتداد حرب الصيف الأخير، التي لا تختلف كثيراً، من حيث النوع، عن الحرب التي شنتها إسرائيل قبل ذلك بعام واحد تقريباً على الأراضي اللبنانية، هل سيكون من قبيل المبالغة، أو التجني، أن نستشم من ذلك مسعىً لدى من قادوا تلك الحرب ومضوا بها إلى نهاياتها الحالية، للحصول على شهادة حسن سلوك، سواء من الإدارة الأميركية، أو من الفريق الحاكم، الموالي لتلك الإدارة، على طريق الانتخابات الرئاسية المتعثرة بالفعل، حتى الآن، ولكن التي بات المرشح الوحيد لها هو قائد الجيش؟!

عشرات الألوف من فلسطينيي نهر البارد ونسائهم وأطفالهم يقضون هذا الشتاء القارس جداً خارج بيوتهم، بعد أن حرموا مرة أخرى، ليس فقط من المسكن، بل أيضاً من كل الأشياء الحميمة التي ينسجها الناس بعضهم مع بعض، في حياتهم اليومية، وفي صلتهم بالمكان وسكانه، وفي علاقتهم بعملهم. فضلاً عن ذلك، لقد خسروا هذا العمل وأبسط شروط حياة إنسانية كان كل شيء يضغط لحرمانهم منها، بما فيه قوانين الدولة اللبنانية. إن واجبنا جميعاً، كل من يزعمون انهم تقدميون، أو وطنيون، أو ديمقراطيون، أو مجرد مهتمين بالكرامة البشرية، من كل الملل والطوائف والأديان، أو حتى خارجها، أن نعلن تضامناً حقيقياً ملموساً مع هؤلاء اللاجئين الجدد، الذين نتحمل مسؤولية ثقيلة جداً، لأننا سمحنا بأن ترتكب هذه الجريمة بهم أمام أعيننا، ووقفنا مكتوفي الأيدي وهم يستباحون! وهو تضامن لن يكون جدياً إلا بقدر ما ينجح في إجبار السلطة القائمة على المبادرة فوراً لإعادة إعمار المخيم، والتعويض من كل الخسائر التي تعرض لها أبناؤه، وفوق ذلك لتعديل القوانين الحالية بما يتيح تمتع كل الفلسطينيين في الأراضي اللبنانية بكل الحقوق والحريات المدنية المفترض أن يتمتع بها المواطن.



#كميل_داغر (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- لبنان والانتخابات الرئاسية في مَهَبِّ الرياح
- المحكمة ذات الطابع الدولي، أبعادها ومحاذيرها
- أفكار حول دور آخر ممكن-رسالة إلى غبطة البطريرك الماروني نصرا ...
- نحو قرار للجمعية العامة بوقف غير مشروط للنار على أساس آلية - ...
- لأجل أن ينتصر الدم على السَّيف
- ورقة للإصلاح أم لتشريع الفساد والظلم الاجتماعي؟
- سياسة حافة الهاوية وافتقاد يسار ثوري فاعل
- ماياكوفسكي سيكون حزيناً
- لئلا تنجح خطة تقسيم العراق وتقزيمه رسالة إلى أصدقاء عراقيين ...
- لبنان: أزمة وطن وأزمة يسار
- اغتيال الحريري وإطلاق الجن قراءة هادئة لشهر هائج
- مقدمة الترجمة العربية ل-النبي المنبوذ-، الجزء الثالث من سيرة ...
- مقدمة الجزء الأول من الترجمة العربية ل -النبي المسلح- الجزء ...
- رداً على المجلس الأعلى للثورة الإسلامية أليس من خيار غير الن ...
- كلنا معنيون بمصير الشعب العراقي
- حكومة الموت وطائر الفينيق


المزيد.....




- وزير الدفاع الأميركي يجري مباحثات مع نظيره الإسرائيلي
- مدير الـ -سي آي إيه-: -داعش- الجهة الوحيدة المسؤولة عن هجوم ...
- البابا تواضروس الثاني يحذر من مخاطر زواج الأقارب ويتحدث عن إ ...
- كوليبا: لا توجد لدينا خطة بديلة في حال غياب المساعدات الأمري ...
- بعد الفيتو الأمريكي.. الجزائر تعلن أنها ستعود بقوة لطرح العض ...
- السلاح النووي الإيراني.. غموض ومخاوف تعود للواجهة بعد الهجوم ...
- وزير الدفاع الأميركي يحري مباحثات مع نظيره الإسرائيلي
- مدير الاستخبارات الأمريكية يحذر: أوكرانيا قد تضطر إلى الاستس ...
- -حماس-: الولايات المتحدة تؤكد باستخدام -الفيتو- وقوفها ضد شع ...
- دراسة ضخمة: جينات القوة قد تحمي من الأمراض والموت المبكر


المزيد.....

- المؤتمر العام الثامن للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين يصادق ... / الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين
- حماس: تاريخها، تطورها، وجهة نظر نقدية / جوزيف ظاهر
- الفلسطينيون إزاء ظاهرة -معاداة السامية- / ماهر الشريف
- اسرائيل لن تفلت من العقاب طويلا / طلال الربيعي
- المذابح الصهيونية ضد الفلسطينيين / عادل العمري
- ‏«طوفان الأقصى»، وما بعده..‏ / فهد سليمان
- رغم الخيانة والخدلان والنكران بدأت شجرة الصمود الفلسطيني تث ... / مرزوق الحلالي
- غزَّة في فانتازيا نظرية ما بعد الحقيقة / أحمد جردات
- حديث عن التنمية والإستراتيجية الاقتصادية في الضفة الغربية وق ... / غازي الصوراني
- التطهير الإثني وتشكيل الجغرافيا الاستعمارية الاستيطانية / محمود الصباغ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - القضية الفلسطينية - كميل داغر - من تل الزعتر إلى البارد، مسيرة الخذلان والاضطهاد والقهر