أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اخر الاخبار, المقالات والبيانات - كميل داغر - حكومة الموت وطائر الفينيق















المزيد.....


حكومة الموت وطائر الفينيق


كميل داغر

الحوار المتمدن-العدد: 138 - 2002 / 5 / 22 - 21:02
المحور: اخر الاخبار, المقالات والبيانات
    


حكومة الموت وطائر الفينيق (1)





في مقال بعنوان ((القانون الدولي في مواجهة القوة))، في عدد كانون الثاني الأخير من ((اللوموند ديبلوماتيك))، وقبل مجازر اسرائيل الأخيرة بحق الشعب الفلسطيني، كتبت مونيك شوميلييه ساندرو ما يلي:
((منذ بدايات دولة اسرائيل، تضرب هذه بعرض الحائط كل الاتفاقات الدولية، وكل قيم المجتمع العالمي، في السلم كما في الحرب. ففي داخلها بالذات، العرب ضحايا اعمال تمييز متعددة هي انتهاكات لمبدأ المساواة. وفي الاراضي المحتلة، يتم التعذيب بلا انقطاع (...). وهو يمارَس حتى ضد الاطفال، الذين يتعرض عدد كبير منهم للاعتقال)).
هذا، وتورد الكاتبة سلسلة طويلة من الانتهاكات والجرائم، من بينها ((تهجير السكان، واقامة مستوطنات، وتدمير منازل، وجرف مزروعات، وتوقيفات تعسفية، واغتيالات مبرمجة، وتدابير منهجية من شأنها تجويع السكان، وتدمير اقتصادهم، وإعاقة القدرة على اقامة صلات بالخارج، عدا عن ممارسات لا تشرّف فاعليها، من مثل ما يقوم به مستوطنو الخليل، الذين يوزعون اوساخهم ونفاياتهم على المنازل الفلسطينية الواقعة في اماكن منخفضة، بحيث يتوجب نشر شبكات حماية فوق المدينة العربية)).
وهو واقع ليس مستغربا. ذلك ان الكيان الصهيوني قام منذ الأصل على مبدأ ازدراء كل القيم الاخلاقية والقوانين الدولية، لا بل على اساس الاستعداد الدائم لممارسة شتى اشكال الجرائم بحق الانسانية وجرائم الإبادة، وكل ما هو معروف من جرائم الحرب، لأجل ارساء الدولة الصهيونية والحفاظ عليها. إن اسرائيل والجريمة صنوان لا يفترقان، ومن هذا المنطلق يمكن ان نفهم المأزق القاتل المتمثل بوجود هذا الكيان الذي يتغذى بالموت ويستمر، ما قُيض له الاستمرار، بالموت بالضبط، ولمزيد من الدقة: بالجريمة. وهو الأمر الذي لا بد من ان يضع علامة استفهام كبيرة حول المدى التاريخي الذي يمكن ان تتواصل فيه قابلية هذه الدولة للحياة!!
أولاً: إسرائيل والجريمة
ما أشرنا اليه اعلاه هو بالضبط ما كان يدركه تماما كل المنظّرين لنشوء هذا الكيان، منذ ما قبل نشوئه. فهرتزل يقول في تصوره لطريقة تأسيسه: ((لنفترض أننا أُجبرنا على ان نخلي بلدا ما من الوحوش. يجب علينا ألا نقوم بهذا العمل وفقا لأسلوب الاوروبيين في القرن الخامس، كأن نأخذ الرمح ونذهب كل على حدة للبحث عن الدببة. علينا تأليف حملة صيد كبيرة، ومن ثم نجمع الحيوانات كلها معا ونلقي في وسطها القنابل المميتة)).
ويلخص جابوتنسكي عقيدته وبرنامجه عام 1923 بالآتي: ((الصهيونية مغامرة استعمارية، لذلك فإن نجاحها او فشلها يعتمد على القوة العسكرية. البناء مهم، وتكلُّم العبرية مهم، لكن الأهم، ويا للأسف، هو القدرة على القتل)).
ومن وحي هذه الرؤية الدموية الاجرامية بالضبط، كانت صحيفة ((عالهمشمار)) في اقصى الصراحة حين اعلنت عام 1927: ((علينا ان ننسى اي مشاعر انسانية، وعلينا اطلاق النار بهدف القتل، وليس بهدف الترويع. يجب ان نذبح ونبيد دونما رحمة او احاسيس انسانية. حينذاك نكون، نحن رجال الهاغاناه، جنودا، ويجب ألا نتفلسف. مقابل رأس كل عبري مئة من الرؤوس العربية (...). بهذه الطريقة فقط يمكننا ان نبرهن للمشاغبين كم هو عزيز الدم العبري)).
إن نصوصا كهذه تتضمن بالضبط المصطلحات التي انطلق منها القانون الدولي لإبراز الجرائم التي يفترض بمحاكم الجزاء الدولية ان تدين مرتكبيها وتنزل بهم العقاب الضروري، وبوجه اخص: جرائم الإبادة، والجرائم ضد الانسانية، علاوة على جرائم الحرب.
لكن الغريب والمستنكر لأبعد الحدود، هو ان القائمين على الكيان الصهيوني، الذين نفذوا بدقة توجيهات هرتزل وجابوتنسكي وعالهمشمار، منذ ما قبل نشوء ذلك الكيان، وحتى ايامنا هذه، ظلوا بمنأى عن المحاسبة، لأنهم تسلحوا منذ البدء بدعم اقوياء هذا العالم، وبنوا على اساس ذلك قوتهم الخاصة بهم، في حلف لا ينفصم مع اولئك الأقوياء، ولا سيما الولايات المتحدة الاميركية. لكن كذلك، لأن غرماءهم وضحاياهم ظلوا عاجزين حتى اللحظة هذه عن استخدام الامكانات الهائلة التي في متناولهم لأجل الرد الحاسم على الجريمة الصهيونية ومعاقبة مرتكبيها، واعادة الاعتبار للعدل الانساني. وهي امكانات سنوردها ولو باقتضاب شديد، في معرض الحديث لاحقا عن القانون والقضاء الجزائيين الدوليين، وبعد ان نكون اعطينا لمحة سريعة عن الجرائم الصهيونية في العقود الأخيرة وصولا الى مجازر مخيمي جنين ونابلس وباقي القرى والمدن الفلسطينية، في الفترة الراهنة.
منذ 1948 وحتى المجازر الأخيرة
لقد كانت الاشهر الاولى من عام 1948، التي سبقت اعلان الدولة الصهيونية في اواسط ايار من ذلك العام، مجالا لمجموعة كبيرة من المجازر في القرى والمدن العربية، من ضمنها غارة قوة من البالماخ على قرية سعسع ونسف عشرين منزلا فوق رؤوس سكانها ومقتل ستين منهم في 15/2/1948، والهجوم على دير ياسين في 9 نيسان 1948 ومقتل 254 رجلا وامرأة وطفلا، علاوة على المجازر التي اقترفت خلال حرب ذلك العام وأدت الى تهجير اكثر من ستمئة الف عربي خارج ديارهم، والاستيلاء على كامل مناطقهم واملاكهم. وقد تواصل التهجير والقتل بعد ذلك، ومصادرة الاراضي واعتقال أعداد هائلة من السكان الباقين وإذلالهم وتنكيد عيشهم، علما بأن المجازر لن تتوقف، ومن بينها مجزرة كفر قاسم في 29/10/1956 التي سقط خلالها اكثر من 47 شهيدا. هذا عدا المذابح في الضفة الغربية وغزة، حتى قبل حرب 1967.
وبالطبع، فإن السلسلة ستطول كثيرا، إذا اردنا متابعة كل الجرائم التي ستحصل بحق الفلسطينيين والعرب، سواء خلال حروب 1956 و1967 و1973 و1982، او خلال انتفاضتي الشعب الفلسطيني، الاولى عام 1987، والثانية منذ ايلول 2000. ومن ضمن تلك المجازر البشعة ما حصل بحق آلاف الاسرى المصريين في عامي 1956 و1967، وفي صبرا وشاتيلا عام 1982، وفي قانا عام 1996، وصولا الى المجازر الاخيرة في الضفة الغربية وقطاع غزة، ولا سيما في مخيم جنين.
لقد شهدت حرب شارون الاخيرة على الشعب الفلسطيني شتى انواع الجرائم بحق الانسانية، وجرائم الابادة، وجرائم الحرب، من تدمير البنى التحتية والمراكز الأثرية وسيارات الاسعاف، والمنازل، وجرف هذه الأخيرة على ساكنيها، الى استخدام المدنيين دروعا بشرية، وإعدام الاسرى والمدنيين من دون محاكمة، واغتيال القادة والناشطين، والحصار، ومنع التموين بالماء والكهرباء والطعام والدواء، والحيلولة دون اسعاف الجرحى وتركهم ينزفون حتى الموت، مرورا باعتقال الآلاف وتعذيبهم وإذلالهم، واختفاء أعداد واسعة من المعتقلين، وصولا الى دفن الجثث والجرحى تحت الانقاض، ونقل أعداد كبيرة من الجثث الى مقابر جماعية في اماكن شتى، للتغطية على حقيقة المجازر، وكل ذلك في انتهاك صارخ لكل ما ورد في الاتفاقيات الدولية ومن بينها اتفاقيات جنيف الاربع المشهورة. ونحن نكتفي بالانطباعات التي عبّر عنها مسؤولون عديدون في هيئات ومؤسسات دولية، عدا عن مسؤولين حكوميين وكتاب وصحافيين زاروا ما بقي من مخيم جنين.
فبيتر هانسن، مدير الاونروا في جنيف، اعتبر ان الوضع في المخيم ((ينذر بكارثة انسانية))، بينما روى الصحافي الفرنسي بيار باربانس ان وسط المخيم بات يشبه ((برلين عام 1945)). ووصفت اللجنة الدولية للصليب الاحمر الوضع بأنه ((اشبه بمكان ضربه زلزال)). وصرح مبعوث انان الخاص، تيري رود لارسن، ان ما حدث في المخيم ((فظاعة تفوق التصور)). وحتى مساعد وزير الخارجية الاميركية، وليم بيرنز، قال: ((أعتقد ان ما نراه هنا هو مأساة انسانية مروعة)). اما الأمين العام للصليب الاحمر الدانمركي جورجن بولسين فقال إن ما رآه ((هو اكثر تدميرا وأكثر رعبا من زلزال)). واضاف: ((انه امر لا يصدَّق ان يكون هذا حصل على ايدي بشر)). هذا وقد اعلن الصحافي والكاتب الاسرائيلي اوري افنيري (78 سنة): ((من الواضح ان جرائم حرب ارتُكبت في جنين)).
ثانياً: القانون الدولي في وجه إسرائيل
حتى لو سلّمنا جدلا بالتفوق العسكري للعدو الصهيوني على الدول العربية مجتمعة علما بأنه تفوق نسبي يمكن استدراكه سريعا لو تم السعي الجدي لاستيفاء شروط ذلك ، فلا بد من الرد على نزعة الاستسلام الواضحة لدى النظام العربي بالايمان العميق بأن في متناول ايدينا اسلحة كثيرة بالغة الفعالية إذا ما تم استخدامها جديا، وبصورة صادقة، وبالكفاءة المطلوبة. ومن ضمنها اطلاق الطاقات الهائلة لشعوبنا العربية من قمقم القمع الراهن، واشاعة اوسع للديموقراطية، توحيد الموقف العربي واتخاذ خطوات ملموسة عاجلة لأجل الوحدة الاقتصادية، على طريق الوحدة السياسية الشاملة، سحب الأرصدة العربية من البنوك الغربية، وهي بمئات المليارات من الدولارات، واستخدامها في التنمية المحلية، استخدام سلاح النفط عند الضرورة، مقاطعة السلع الاميركية، قطع العلاقات بصورة ناجزة مع اسرائيل، والتهديد الجدي بقطعها مع الولايات المتحدة وبريطانيا، واي دولة تقدم الدعم لاسرائيل، وأولا، وقبل كل شيء، استخدام القانون الدولي لمحاكمة اسرائيل على الجرائم التي اقترفتها، منذ قيامها، بحق العرب ككل، والفلسطينيين بوجه خاص.
ونحن نقصد بهذا القانون كل الشرائع والأنظمة والاتفاقات المتعلقة بحقوق الانسان وحمايتها، وعلى الأخص:
أ شرعة حقوق الانسان لعام 1948.
ب اتفاقية منع جرم الابادة الجماعية وقمعه، الصادرة عام 1948، والنافذة منذ عام 1951.
ج اتفاقيات جنيف الأربع الصادرة عام 1949 حول الحماية خلال الحرب، والاحترام والعناية المتوجبة بخصوص المرضى والجرحى والغرقى من القوات المسلحة (الاتفاقيتان الاولى والثانية)، واسرى الحرب (الثالثة)، والمدنيين (الرابعة)، علاوة على بروتوكولي عام 1977 المضافين الى تلك الاتفاقيات.
د اتفاقية الغاء جميع أشكال التمييز العنصري لعام 1965.
ه اتفاقية عدم تقادم جرائم الحرب والجرائم ضد الانسانية، لعام 1968.
و القرار 3074 الصادر عن الجمعية العامة، عام 1973، والقاضي بتعقب واعتقال وتسليم ومعاقبة المذنبين بجرائم الحرب والجرائم ضد الانسانية.
ز نظام روما الاساسي، الصادر عام 1998، وهو يتضمن، عدا تعريف وتعداد الجرائم التي يحاكم عليها (وهي جرائم الابادة الجماعية، والجرائم ضد الانسانية، وجرائم الحرب، وجريمة العدوان)، انشاء محكمة جزاء دولية دائمة يكون عليها ان تنظر في تلك الجرائم. وسوف نتناولها بالشرح، ولو باقتضاب، كأحد أشكال القضاء الجزائي الدولي الممكن اللجوء اليه لمحاكمة اسرائيل على جرائمها، في الوقت عينه الذي نعرج فيه ايضا على الوسائل القضائية المتاحة الاخرى.







حكومة الموت وطائر الفينيق (2)
********************************************




لقد نص نظام روما الاساسي على انشاء هذه المحكمة عام 1998، وعلى أنها تصبح سارية المفعول بعد ان تصادق عليها ستون دولة، في اول الشهر الذي يلي مرور ستين يوما على مصادقة هذا العدد من الدول عليها. وهو الأمر الذي حصل منذ 11 نيسان الماضي، في حين بات عدد الدول الموقعة على النظام الاساسي المذكور 139 دولة، وعدد الدول المصادقة 66 دولة في 15 نيسان الماضي. وبالتالي، سيصبح بدء عمل هذا الجهاز القضائي الدولي ممكنا منذ أول تموز القادم.
ومن ميزات هذه المحكمة، التي ستضم 18 قاضيا من شتى النظم القضائية عبر العالم، وسيكون مقرها لاهاي، ان الجرائم التي ستحاكم عليها لا تسقط بالتقادم، ولا يمكن لأحد ان يتذرع بصفة رسمية له لحجب صلاحيتها لمحاكمته، فلا حصانات في وجهها. ناهيكم عن ان المحاكمة تتم بحضور المتهم امامها، وان ثمة ثلاثة مراجع يمكن ان تمارس الادعاء امامها: الدولة المتأذية، او التي يكون مواطنون لها ضحايا لتلك الجرائم، ومجلس الأمن، والمدعي العام في هذه المحكمة، بناء على معلومات تصله حول جرائم يشملها اختصاص المحكمة المذكورة.
إلا أن هناك معوقات ونقاط ضعف عديدة لا تزال تشوب نظام هذه المحكمة وآلية عملها، ولا سيما اختصاصها الزمني، حيث انه ليست لها صلاحية الا بخصوص الجرائم التي ترتكب بعد بدء العمل بهذا النظام الاساسي، كما لا تسري هذه الصلاحية الا على الدول التي تصادق عليه، ويمكنها حتى بعد المصادقة ان تتذرع بالمادة 124 منه، للمطالبة بعدم سريان الصلاحية بوجهها بخصوص جرائم الحرب إلا بعد مرور سبع سنوات على هذه المصادقة، بالاضافة الى قدرة اي دولة سبق ان صادقت على سحب مصادقتها، والخروج من هذا النظام. اكثر من ذلك، لا يصبح بالامكان اقتراح تعديلات على النظام الا بعد مرور سبع سنوات على بدء العمل به.
هذا وإن اسرائيل التي وقعت على النظام، امتنعت الى الآن عن المصادقة عليه. ومن المرجح انها لن تفعل ذلك، الا في حال حدوث ضغط دولي شامل عليها ليس متصورا حدوثه في المدى المنظور. ناهيكم عن ان الولايات المتحدة، ايضا، اعلنت اخيرا (في 6 الشهر الجاري) انها لن تصادق على انشاء المحكمة، لا بل هي تسحب توقيعها على نظام روما الاساسي، وتتنصل من اي علاقة او اعتراف به.
ومن الواضح بالتالي ان هناك نضالا طويلا ينتظر كل الدول والشعوب المحبة للعدالة، لأجل تحويل المحكمة المذكورة الى واقع حي يفرض العدالة، ويقمع النزعة الاجرامية لدى الحكومات والدول التي تمتلك، الى القوة، استعدادا دائما لممارسة العدوان والجرائم بحق الشعوب، طالما ليس هناك من رادع كاف يحول دون ذلك.
2 محكمة جزاء دولية
خاصة بجرائم إسرائيل
حتى لو أمكن تفعيل المحكمة الدولية الدائمة، التي نص عليها نظام روما الاساسي، فستبقى جرائم اسرائيل. بحق الفلسطينيين والعرب الآخرين، التي وقعت، او ستقع، قبل مصادقة اسرائيل على النظام المذكور، من دون عقاب، إذا لم تنشأ محكمة خصيصا لرؤية هذه الجرائم. وهو ما كان ((قرر)) السعي لأجله مؤتمر القمة العربي المنعقد في عمان في آذار من عام 2001، لكن من دون متابعة جدية لهذا المطلب الحيوي جدا. ومع ان ثمة صعوبات كبرى تحول دون انجاز من هذا النوع، يشكل تخاذل الانظمة العربية واحدة منها، فيما يشكل الفيتو الاميركي والبريطاني المؤكدان في مجلس الأمن صعوبة اخرى، فثمة امكانية حقيقية للاستعاضة من هذا الأخير في اتخاذ قرار بالموضوع، عبر اللجوء الى الجمعية العامة، على اساس صيغة الاتحاد من اجل السلام، لأجل انشاء محكمة كهذه تلعب الدور الذي لعبته وتلعبه الى الآن محكمتا الجزاء الدوليتان اللتان اقرهما مجلس الأمن في عام 1993 و1994 بخصوص المجازر في كل من يوغسلافيا السابقة ورواندا.
3 محاكم الجزاء العادية
ان مقولة الاختصاص المسكوني، او الدولي، التي تستفاد من مضمون اتفاقيات جنيف 1949، وتصبح يوما بعد يوم مقولة قانونية تستدعي الاحترام، تتيح الآن اقامة الدعاوى في الجرائم ضد الانسانية وجرائم الابادة، امام محاكم اي دولة تنص قوانينها على هذا الاختصاص، كما حصل في اكثر من مناسبة في السنوات الأخيرة امام المحاكم البريطانية والسويسرية، وبوجه خاص المحاكم البلجيكية، التي تنظر حاليا في الدعوى ضد جرائم شارون في صبرا وشاتيلا، وستحسم بعد اسابيع قليلة (26 حزيران) مسألة صلاحيتها في وجه مزاعم تعتبر ان الرجل لا يمكن ان يلاحق بالجرائم المشار اليها اعلاه، بسبب الحصانة الرسمية التي يتمتع بها.
بين حكومة الموت وطائر الفينيق الفلسطيني
ثمة تغيرات عميقة تحدث في هذا العالم في الفترة الأخيرة. لا تدل على ذلك فقط المظاهرات التي ضمت الملايين وشهدتها شوارع عدد واسع من بلدان العالم، في آسيا واوروبا وافريقيا، وحتى في اميركا بالذات، بل ايضا كل تلك البيانات والاعلانات والتصاريح التي صدرت عن مثقفين ومفكرين وكتاب ومنتديات عالمية، وحتى عن مسؤولين في بلدان شتى عبر العالم. ناهيكم عن تلك الخطوة الرمزية جدا التي صدرت عن دولة صغيرة في منتهى الفقر والبؤس داخل القارة السوداء، هي النيجر، التي قطعت علاقاتها مع اسرائيل احتجاجا على مجازرها بحق الشعب الفلسطيني. وهي خطوة تشكل صفعة حقيقية للعديد من الانظمة العربية الممتنعة الى الآن عن قطع علاقاتها بالكيان الصهيوني. بما يمكن ان تكون اشارة اولى الى ما يمكن ان يحصل لاحقا من عزل حقيقي للكيان المذكور، وللحكومات التي تستمر في التضامن معه، اذا تم اللجوء بشكل جدي الى استخدام شتى الاسلحة المتوفرة لأجل احكام الحصار حوله، والسعي لتشكيل اوسع جبهة عالمية فاعلة للتضامن مع الشعب الفلسطيني، والضغط في الوقت نفسه لمنع الانظمة العربية، من جهة، والسلطة الفلسطينية، من جهة اخرى، من تقديم اي تنازل لذلك الكيان، سواء بخصوص الدولة السيدة في كامل الاراضي المحتلة عام 1967، او بخصوص حق العودة على اساس القرار 194. ناهيكم عن اجبارها على استعادة مطلب انشاء لجنة تحقيق في مجازر اسرائيل الاخيرة، ولا سيما في مخيم جنين، وفرضه عبر الجمعية العامة للامم المتحدة بالذات، تمهيدا لمحاكمتها امام محكمة جزاء دولية خاصة على جرائمها الاخيرة، لكن ايضا على جرائمها السابقة، في مسعى حقيقي لوقف مسيرة الموت التي قد تكون تدفع في مجاهلها الوعرة، ليس الشعب الفلسطيني وحده، بل كل شعوب المنطقة، وربما كل شعوب العالم.
قبل اشهر قليلة، وبالتحديد في 3/12/2001، ظهر اسم نوريت بيليد ألهانان التي سبق ان كانت حملت في عام 1997 نتانياهو وحكومته المسؤولية عن مقتل طفلتها سمادار في عملية للمقاومة نقول ظهر اسمها في نهاية نص نشرته في صحيفة يديعوت احرونوت وجاء في خاتمته:
((لقد كتب ديلان توماسي قصيدة بعنوان: ((ليس للموت حكومة)). وفي اسرائيل للموت حكومة. الموت يحكم هنا. هذه الحكومة حكومة موت)).
وفي وجه حكومة الموت هذه، يبدو شعبنا الفلسطيني كطائر الفينيق. حتى فيما ابناؤه يموتون، إنما هم يتطلعون الى الحياة، الى الانبعاث. ومجددا ودائما ستكون فلسطين خشبة الخلاص، صاعق التحرير، ليس للشعب الفلسطيني وحده بل لكل شعوبنا العربية المهزومة الى الآن، والمجزأة والمغلوبة على امرها. لكن الى حين. ذلك أن ثمة ما يوحي بأن فجرا سيأتي، وبطولات مخيم جنين هي العلامة. كل هؤلاء المقاتلين الذين خرجوا من تحت الانقاض هم العلامة. مهما دمرت واستباحت اسرائيل وأميركا، سيخرجون من تحت الانقاض، وسيبنون عالما آخر. وبمقدار ما يقيض الاستمرار لهذا النضال الصعب وغير المتكافئ الذي يخوضه الشعب الفلسطيني، وبمقدار ما يمكن ان يتحلق حوله من تضامن عربي وعالمي مؤثر، سيكون واردا ان يتحول هذا النضال، وما قد يحرزه من النصر، في تاريخ لاحق، الى رافعة حقيقية لتغيير الوضع القائم.
() محام وكاتب سياسي لبناني.


©2002 جريدة السفير



#كميل_داغر (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- -بحوادث متفرقة-.. الداخلية السعودية تعتقل 4 مواطنين و9 إثيوب ...
- اجتياح إسرائيل لرفح قد يكون -خدعة- أو مقدمة لحرب مدمرة
- بسبب استدعاء الشرطة.. مجلس جامعة كولومبيا الأمريكية يدعو للت ...
- روسيا تستهدف منشآت للطاقة في أوكرانيا
- الفصائل العراقية تستهدف موقعا في حيفا
- زاخاروفا: تصريحات المندوبة الأمريكية بأن روسيا والصين تعارضا ...
- سوناك: لندن ستواصل دعمها العسكري لكييف حتى عام 2030
- -حزب الله-: مسيّراتنا الانقضاضية تصل إلى -حيث تريد المقاومة- ...
- الخارجية الروسية: موسكو تراقب عن كثب كل مناورات الناتو وتعتب ...
- -مقتل العشرات- .. القسام تنشر فيديو لأسرى إسرائيليين يطالبون ...


المزيد.....

- فيما السلطة مستمرة بإصدار مراسيم عفو وهمية للتخلص من قضية ال ... / المجلس الوطني للحقيقة والعدالة والمصالحة في سورية
- الخيار الوطني الديمقراطي .... طبيعته التاريخية وحدوده النظري ... / صالح ياسر
- نشرة اخبارية العدد 27 / الحزب الشيوعي العراقي
- مبروك عاشور نصر الورفلي : آملين من السلطات الليبية أن تكون ح ... / أحمد سليمان
- السلطات الليبيه تمارس ارهاب الدوله على مواطنيها / بصدد قضية ... / أحمد سليمان
- صرحت مسؤولة القسم الأوربي في ائتلاف السلم والحرية فيوليتا زل ... / أحمد سليمان
- الدولة العربية لا تتغير..ضحايا العنف ..مناشدة اقليم كوردستان ... / مركز الآن للثقافة والإعلام
- المصير المشترك .. لبنان... معارضاً.. عودة التحالف الفرنسي ال ... / مركز الآن للثقافة والإعلام
- نحو الوضوح....انسحاب الجيش السوري.. زائر غير منتظر ..دعاة ال ... / مركز الآن للثقافة والإعلام
- جمعية تارودانت الإجتماعية و الثقافية: محنة تماسينت الصامدة م ... / امال الحسين


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - اخر الاخبار, المقالات والبيانات - كميل داغر - حكومة الموت وطائر الفينيق