أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محموديعقوب - وشم على ساعد لاعب البليارد















المزيد.....

وشم على ساعد لاعب البليارد


محموديعقوب

الحوار المتمدن-العدد: 2170 - 2008 / 1 / 24 - 08:52
المحور: الادب والفن
    



كاتب فعال
القراءات : 3
التعليقات : 0
المشاركات: 5
التسجيل : الإثنين 24-12-2007


لذا هيأت أموري ، وسويت شؤوني ، للقيام بمثل هذه المغامرات ،
وأعدد ت عدتي ، وصعدت مركبي ، متوكلاً على ربي ، ونشرت القِلع
، وطويت لجج البحار المدلهمة المزلزلة ، صابراً على الرياح
العاتية


لا أحدَ شغفه أدب الرحلات الجغرافية الى الحد الذي شغفني في مقتبل شبابي . حتى جُعلت أتحسر على ذلك العصر الذي فاتني .. عصر الرحّالة الجوالين .. وفود الله المعتمرين ، المعتمدين في سياحتهم على رب العالمين .
لكنما أمراً واحداً ظلّ ينغرُ في داخلي ، ويحزّ في نفسي ، فلطالما تساءلت بأن تلك الرحلات وذلك التطواف ، كم سيكون حماسياً ، ملتهباً ،لو أنه وطأ العالم الجديد ، وأماط لثامَ سره العنيد !..

لذا هيأت أموري ، وسويت شؤوني ، للقيام بمثل هذه المغامرات ، وأعدد ت عدتي ، وصعدت مركبي ، متوكلاً على ربي ، ونشرت القِلع ، وطويت لجج البحار المدلهمة المزلزلة ، صابراً على الرياح العاتية . حتى رسوت على برها بأمان .
رحت أقطع الفجاج « ذات األأقاليم العريضة ، والبلاد ألأريضة ، المتناهية في كثرة العمارة ، والمتباهية في الحسن والنضارة » .حتى صرت إلى الطرف البعيد .. الطرف الشمالي الغربي .. الطرف البارد الرطب .. الطرف « الأغر » ، تحت غيومه التراكمية الغامضة المنذرة ، وفي صخب حياته وهديرها الذي لا يكلّ .
ساقتني قدماي إلى قاعة رحبة ، باذخة المعالم ، مشعشعة الأنوار . تتدلّى عناقيد الأضواء الملونة من أفنانها كأنها في بهرجة أعراس . تقدمت فيها على بساط أحمر وثير .. بساط من تلك الرياش المفروشة على البلاط المرمري الزاهي ، إلى ركن من أركانها ،حيث طاولة بليارد . تسوّرَ حولها لاعبان يتنافسان بحماس. يتبادلان الأدوار كل حين . جذبتني مهارتهما في اللعب ، وثورة الجَمال من حولهما ،
فتوقفت متفرجاً عن كثب .
وقفت ساكناً ، متوحداً ، دون أن يحسّ بوجودي أحدٌ . بل أستطيع الجزم انني لم أكن موجوداً بالنسبة لهم ..
الصمت يطفو حيناً ، فترتفع قعقعة الكرات وأصوات العصي .. حادة ، متتابعة ، ودقيقة ، ونابتة في الرأس . وحيناً آخر ، ينفجر ينبوع الأعجاب ، بصيحات فاضحة
أو تأوهات مؤاسية ممطوطة ، ولا يتردد البعض منهم عن التعبير عن ذلك بحركات
ماجنة . إحتدمت المنافسة بينهما حين إنبرى للّعب أحدهما ، وكان طويلاً ، متماسكاً ،
مجللاً بشعر أشقر ، واثق الحركات . أمسك بعصا الضرب ، وراح يمسح طرفها المدبب بمنديله وهو يردّ على تعليقات زملائه بأجوبة مقتضبة ، صارمة وقاطعة .
لمّا بدأ لعبه ،إنظمّ العديد ممن كان في الجوار للمتعة .. رافق ذلك لحظات من السكون الغامر والترقب . ثم ما لبثت صيحات الأعجاب أن تدفقت
عارمة من ركننا البعيد وحتى باب القاعة ،لافتةً جميع الأنظار صوبنا . فيعمد اللاعب إلى طبع قبلات سريعة على أطراف أصابعه ويرسلها إلى الجمع بأبتسامة
فخورة هادئة ..
كانت طريقة لعبه ساحرة ، غامضة ومريبة ، ولم يكُ ليخطأ في شيْ ، يضرب بالكرة الأساسية ، دافعاً العديد من الكرات الأخرى إلى فوهة الهاوية .. تلك الكرات التي تتدافع بأضطراب شديد ، مرجوجة ، مصطدمة ببعضها البعض ، منزلقة بسرعة
خاطفة إلى لحدها !..
في آخر الأمر ، لم يتبقَ على طاولة اللعب سوى كرتان . واحدة إلى أقصى اليمين ،
والثانية إلى أقصى اليسار ، بينما كرة الضرب مرتدة إلى الخلف قليلاً من جهة
اليمين ، وقد توقف ذلك اللاعب متأنياً ، يتأملهما ملياً ، في الوقت الذي لغط فيه الجمهور عن إستحالة ضرب الكرتين معاً من ذلك الموضع الحرج .
وقف الرجل مستريحاً ،بارداً . وقف على قدم واحدة ،متكأً على عصاه ،رافعاً ساقه الثانية معقوفة إلى الخلف ، متلعاً رأسه الأشقر بأطمئنان ، تماماً كما يفعل طائر البجع حين يشبع ويرتوي .
إعتدل بعد ذلك ، وتناول عصاه ، ومسح طرفها مجدداً . ثم بسط ساعد يده العارية
اليسرى على الطاولة ،فرانَ على طول الساعد وشمٌ غريبٌ ، أزرق مخضر . وضع بين أصابع يده هذه الطرف المدبب للعصا ، وعاين هدفه بنظرة مسددة ، نافذة ، ليفلت بعدها العصا بضربة سريعة ، عاصفة ، لاتكاد تُرى ،ضارباً الكرة اليمنى التي خطفت الكرة اليسرى وانحدرت بها إلى القرار . حدث هذا في رمشة عين . كانت ضربة ماهرة ، غاية الأتقان ، تنم عن شجاعة ودهاء .. لمسة سحرية ،
لايتقنها حتى الشيطان نفسه ،لم تتطلب مجهوداً مضنياً ،اطاحت بآمال خصمه ،
مؤججة المشاعر ، وجعلت القوم من حوله ، تارة في دهشة ، وتارة في عجب ،
وتارة في جلبة وهياج .. وبين تاراتهم هذه بقيت واقفاً ، واضعاً يديّ على رأسي ،
وكأنه كان هدف الضرب ، مستولياً عليّ شعورٌ قاتمٌ ، بأن طريقة اللعب وعلى هذا النحو ليست سوى سياسة ضرب الرأس بالرأس !..
حين افقت من شعوري ، كان اللاعب لايزال باسطاً ذراعه على الطاولة ،
رافعاً وجهه الباسم ملوحاً بأبتسامة الرضا والأمتنان لمشجعيه .
رحت أمعن النظر إلى الوشم الممتد على ساعده .. الوشم الذي كان مجموعة زخارف غريبة متصلة على شكل متوازي مستطيلات منكفيْ إلى الأمام ،وثمة خطوط ملتوية
من الأسفل ، مشتبكة معها ، تظهر بشكل دوائر ، فيتجلى الوشم في النهاية على هيئة قاطرة مندفعة بقوة .. قاطرة لا تعرف التراجع ، مندفعة بعزم وتصميم طالما أنها
راسخة على هذا الذراع الصلب .
بعد ان أنهيت تدوين مشاهداتي هذه ، عمدت إلى إهمال ذكر أربعة أسطر منها ،
لأنها ليست من نسيج أدب الرحلات الجغرافية ، وتحسباً من أن يعيبها عليّ من سيتتبع أمر هذا النوع من الأدب .. وتلك الأسطر ألأربعة هي :
(حين إنفض الجمع الهائج عن طاولة اللعب مبتهجاً ، بقيتُ مسمراً في مكاني وحيداً ،
ساكناً ، كما كنت ، لم يلتفت إلى وجودي احدٌ ،ضعيفاً ، متقهقراً أزاء ما حصل ،
اختليت بالطاولة وحدي ، ودسست يدي في فوهتها الجانبية ، وأخرجت الكرات منها،
ورصفتها على السطح ، وانحنيت فوقها مهموماً ، أندب حظها العاثر ) .

-------التوقيع-------






ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- شراع لمركب الخريف
- الليل اذا سجى ( الى ماركريت حسن )....1
- جذور ألهكسوس ألميته
- أنه هو ألعراق...ج 2
- انه هو العراق وانه
- قصة كفاحي
- أنه ألعراق..وأنه
- قصه قصيره كرابيت


المزيد.....




- مهرجان الناظور لسينما الذاكرة المشتركة في دورة جديدة تحت شعا ...
- جولات في الأنفاق المحيطة بالأقصى لدعم الرواية التوراتية
- الثقافة والتراث غير المادي ذاكرة مقاومة في زمن العولمة
- الروائي الفلسطيني صبحي فحماوي يحكى مأساة النكبة ويمزج الأسطو ...
- بعد تشوّهه الجسدي الكبير.. وحش -فرانكشتاين- يعود جذّابا في ا ...
- التشكيلي سلمان الأمير: كيف تتجلى العمارة في لوحات نابضة بالف ...
- سرديات العنف والذاكرة في التاريخ المفروض
- سينما الجرأة.. أفلام غيّرت التاريخ قبل أن يكتبه السياسيون
- الذائقة الفنية للجيل -زد-: الصداقة تتفوق على الرومانسية.. ور ...
- الشاغور في دمشق.. استرخاء التاريخ وسحر الأزقّة


المزيد.....

- المرجان في سلة خوص كتاب كامل / كاظم حسن سعيد
- بيبي أمّ الجواريب الطويلة / استريد ليندجرين- ترجمة حميد كشكولي
- قصائد الشاعرة السويدية كارين بوي / كارين بوي
- ترجعين نرجسة تخسرين أندلسا / د. خالد زغريت
- الممالك السبع / محمد عبد المرضي منصور
- الذين لا يحتفلون كتاب كامل / كاظم حسن سعيد
- شهريار / كمال التاغوتي
- مختارات عالمية من القصة القصيرة جدا / حسين جداونه
- شهريار / كمال التاغوتي
- فرس تتعثر بظلال الغيوم / د. خالد زغريت


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محموديعقوب - وشم على ساعد لاعب البليارد