أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - ناديه كاظم شبيل - الجاحد العزيز















المزيد.....

الجاحد العزيز


ناديه كاظم شبيل

الحوار المتمدن-العدد: 2157 - 2008 / 1 / 11 - 09:30
المحور: الادب والفن
    


كانت لحظة وداع لا تنسى ،تشبّث الصغير برقبتها بشده ،احست بيديه وقد اصبحتا طوقا حديديا لا يمكنها الخلاص منه ، اجهش بالبكاء ،صراخه يصم اذنيها ويدمي مشاعرها الرقيقه : لا تسافري وتتركيني هنا وحيدا ياعمتي .ردت عليه بحنان وتوسل وكأنها تغريه : سأشتري لك هدايا ، ولعب ،وحلوى لذيذة .اجابها بأصرار : لا اريد شيئا اريد ان تبقي بقربي هنا . قالها وهو يشير بأبهامه الى الارض ويدق بقدميه الصغيرتين . مرّغت وجهها بوجهه الجميل ،قبلته قبلات سريعه وهي تحاول التخلص من قبضته ،هرولت مسرعة الى سيارة الاجره التي تقف بانتظارها ،التفتت اليه لتلقي عليه نظرة الوداع ،ولكن ما شاهدته جعلها تعود جزعة ملهوفة ،اذ كان الطفل الحبيب يضرب على رأسه بكلتا يديه وهو يصرخ ويتلفت هنا وهناك باحثا عن معجزة تحدث لتعرقل سفر العمة الغاليه .عادت اليه ثانية :ناغته وتوسلت اليه ان يكف عن البكاء ،وعندما عجزت عن اقناعه احتضنته وبكت بكاء شديدا ،ثم سرعان ما تركته ودلفت الى داخل السياره . انطلقت بهم السياره بعيدا ، بينما صوت صراخه لا يزال يصم اذنيها ، دموعها تغسل وجهها وتمتد نازلة الى رقبتها .: نشيجها لا ينقطع : ليتني ما ودعته ،قالت ذلك في سرها . لقد احبّها هذا الطفل وتعلق بها من اعماق قلبه ، كان يتحفها بالهدايا كلما زارتهم ،حيث يدخل الى غرفة امه ليحضر لها اصابع احمر الشفاه او اطواق الشعر ويتوسل اليها ان تتقبلها منه ،كان يحرجها بتصرفاته البريئه تلك و كلما اصرت هي على الرفض اصر هو عليها بقبولها ،كان بموقفه هذا يحرج والدته ايضا ، فتتوسل الى العمه ان لا ترد الصغير . حبه لها جعله يستأثر بها لنفسه ،اذ كان يقذف بطفلتها الصغيرة بعيدا عنها كلما حاولت ارضاعها ،ليحتل هو الحضن الدافئ الحنون ثم يحدج طفلتها نظرة الفائز المنتصر .تعوّد هذا الصغير ان يشي للعمة بكل اسراره ويوم انتشر القمل في رؤوس معظم العراقيين بعد الضربة الأمريكية في حرب الخليج ،زف اليها البشرى الغير متوقعه على الاطلاق : عمتي ،لقد أصطادت والدتي من رأسي تسع قملات ليلة امس . خجلت الأم من هذا التصريح الخطير ،ولكن العمة قالت متباهية ،انه عدد قليل بالنسبة لما اصطدته انا من رأس ابنتي ،ضحك الجميع ،وهم يهرشون رؤوسهم بقوه. ان شهامته وكرمه لا تتناسب وعمره ،فكم من مرّة احضر لعمته العزيزه طعاما شهيا ، كانت امه قد اخفته عن عيون الضيوف ،ولكن ما ان يطرق احدهم الباب حتى يسرع ليحضر له ما لذ وطاب ، فهو لا يتعظ من الزجرالعقاب الذي يتلقاهما من والديه ،وكان يشي بوالدته عندما تمعن في عقابه له بأنها تمنعه من استضافتهم حرصا منها لتقديم ذلك لاشقائها .
عندما استشرى الجوع في العراق بسبب الحصار الاقتصادي الظالم ،وعندما تفشّت الجريمه في مدينة السلام ،اتفق والده وزوج عمته هذه على السفر الى بلد عربي مجاور ، ثم محاولة الهجرة الى السويد بعد ذلك ،خاصة وأن عمه الكبير يسكن السويد منذ امد بعيد ، اقسم الاثنان بأنهما سيسافران معا وانه لن يتخلى احدهما عن الاخر مهما كلف الامر . انجزا كل صغيرة وكبيرة واستلما جوازات السفر وحددا يوما معينا لذلك ،ولكن عندما حضر زوج العمه في الموعد المحدد ،استقبله الصغير ليتحفه بالمفاجأة الشريره : لقد ذهب والدي الى المستشفى لاجراء الفحص لأنه سافر الى الاردن وعاد ليلة امس من السفر . لم يستوعب الرجل ما قاله الصغير بالضبط ،فاستفسر من امه ،ولكنها نهرت صغيرها وهي تقول متلعثمه :انه يؤلف كلاما من خياله .ولكن الصغير اصر بأن والده قد سافر وحيدا الى الاردن وعاد بعد ان تلقّى مبلغا ماليا ضخما من عمه الذي تخلى عنه في اخر لحظه .ان خيبة الامل التي احست بها العمه وهي تستمع الى المفاجأة من زوجها كانت شديدة الوقع ،ولكنها ابتلعتها بسهولة ، فالوقت العصيب الذي تمر به يجعلها تتقبل مثل هذه الامور بتسامح رغم شدة مرارته .
سافر زوج العمه وحيدا ، وتعرض للجوع والحرمان ،وتمت المعجزه بسهولة ويسر ، لقد سافر الى السويد وحصل على الاقامه هناك ، ورغم موقف شقيقها المخيّب لامالها ،الا انها حين علمت بأن زوجها على وشك الخروج الى السويد، نصحت شقيقها هذا باللحاق به ،واخبرته انه على وشك الوصول ،ولكنه رفض السفر واكتفى بالملغ الذي ارسله اليه شقيقهما .عانت العمه الكثير من المرارة في فترة غياب الزوج ، حيث اصيبت واطفالها بامراض كادت ان تودي بحياتهم ،فالحشرات المنتشرة فوق كل شئ والذباب و البعوض وماء الشرب الغير مصفى وانقطاع التيار الكهربائي اجتمعت كلها لتخلق بيئة مرضية تثير الرعب . لم يقدم لها شقيقها هذا اية مساعده تذكر،وكان ينظر الى كل ما مرت به من مصائب نظرة المتفرج فقط ،رغم انها طالما ساندته وقت شدته ،فعندما انتخب في بعثة الى خارج العراق ،اقرضته مبلغا من المال ورفضت استلامه منه بعد ان تم منعه من السفر ،وكانت تؤيه في بيتها الى ان تم زواجه من صديقتها ،واهداه زوجها هدية قيمه وهي رحلة الى الحبانيهلقضاء شهر العسل هناك ، ،ولكنه وزوجته نسيا كل هذا .في يوم السفر ، قدمت لها زوجته ملابسا جديدة حسبتها العمه هدية بسيطة ردا للجميل الذي طالما قدمته لهما ولكنها قالت لها مازحه اريد سعرها، فقد كلفتني مبلغا كبيرا ،ثم استلمت المبلغ المحدد .
في الاردن ،كان هم العمه هو الايفاء بوعودها للصغير الحبيب ،كانت تستلم منهم رسائل محملة بالشوق والشكوى من ضيق ذات اليد لتردا صناديق مملؤة بالحلوى الشهيه ،وعندما توسّل اليها صغيرها ان يتذوق واحدة منها ،اقسمت له بانه سيحظي بكل شئ في السويد . وعندما وصلت السويد ،كان جل همها ان تدخل الفرحة الى قلبه البعيد الحزين ، اهدته ملابسا من ارقى الماركات العالميه في الوقت الذي كانت فيه ملابس اطفالها من السكوندهاند ، الرسائل لا تنقطع محملة بالطلبات التعجيزيه ، والتلبية تتم من قبلها بلا تردد .وعندما طالبها شقيقها بمد يد العون له كي يلتحق بهم الى السويد ،اهدته مبلغا ماليا ضخما طالبة منه ان يكون رأس مال يبدا به مشروعا ناجحا في العراق ،قال لها وصوته يرقص فرحا عندما وصله الملغ : سيكون هذا دينا بذمتى اليكم ،وسيكون الربح مناصفه ،شعرت بالرضا وهي تعيد الكلمات على زوجها ،مشيدة بوفاء شقيقها ورجولته ،ولكن ما هي الا اشهر قليله ،حتى ارسلوا في طلب امداد اخر ،لان المشروع تعرض لخسارة فادحه ،وعند وصول المبلغ كرر الشقيق طلبه القديم بالهجرة الى السويد ،اعتذرت الشقيقه بشده ،وحذرّه زوجها من السفر لأن هذا فوق امكانياته ، ولكن شقيقها سافر رغم كل هذه التحذيرات ووضعهم امام الامر الواقع .لم يتلق شيئا بطبيعة الحال وعاد الى العراق بحفي حنين .
بعد سنوات قليلة تمكن شقيقها من الوصول الى السويد ،ونسي كل الخدمات والمساعدات التي منحوها له ،وانكرها تماما ، وتذكر شيئا واحدا فقط انهم لم يساعدوه بالهجرة الى السويد ، حذّر الجميع من ان يخبروهم برقم هاتفه او عنوانه ،وكذلك فعلت زوجته ولم يشف كل هذا غليله ، واخذ ينتقم منهم بصورة مبتذله ،ففي ايام الصفا وعندما كانوا يمطرونه بالخيرات ،كان يكتب اليهم كل صغيرة وكبيرة تحدث عند الاهل والاصدقاء في العراق،ويهوّل لهم الامور بشكل يثيرقلقهم وسخطهم ، تاثرت شقيقته بأحدى الرسائل تأثرا بالغا ،لانه يحدثهم فيها عن جريمة مقترفة في وضح النهاربحق ابرياء لا حول لهم ولا قوه ،استوحت شقيقته من هذه الجريمة قصة تسرد فيها احداث مريرة مؤلمة تتنافي وكل ما يمت الى الانسانية بصفه ، كتبتها ولم تذكر اسم معين او تشير الى مكان الجريمه الحقيقي ، نشرتها لا للتشهير وانما لتوقظ ضمائر البشر التي راحت في سبات من شدة هول ما تعرضوا له من قسوة الحروب والجوع والخوف والالم .لم يكن بحسبانها ابدا ان تتلقى عتابا رقيقا من صاحبة الشأن الذي استوحت صاحبتنا القصة من فعلتها الشنيعه ،تعلمتها فيها ان ابن شقيقها المدلل الذي كانت تتحفه بالهدايا الثمينة والدولارات التي لا تعد ولا تحصى هو الذي اهداها هذه القصة للوشاية بها لا اكثر !



#ناديه_كاظم_شبيل (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حكومتنا العراقيه تجد علاجها في خارج العراق ،ولكن اين يتعالج ...
- لا بد وان تتساقط اوراق المريضة الصفراء
- وكأني بطائرات خادم الحرمين الشريفين
- القانون العادل يعاقب الزاني ويعفو عن الزانيه
- المهدي يملأ الارض عدلا وقسطا ،وجيشه يملؤها ظلما وجورا
- عندما تواجهني ذاتي بالسؤال الذاتي : من تراني انا ياأنا ؟
- اعتبروا من ثورة اطفال العراق ايها السراق !
- كان هدفهم الوحيد العراق
- المرأه العراقيه في عراق ما بعد التغيير
- كان بامكان امريكا القضاء على الارهاب دون اللجوء الى الارهاب
- المغتربون ! في الوطن تقمع حرياتهم ، وفي الغربه تقمعهم الحريه
- بلى، الوطن انسان وارض وذكريات
- أجهلا ام تجاهلا لمقام السيده زينب ياوفاء سلطان؟
- الى منظمة حقوق الانسان! اخوانناالعرب البدون يستصرخونكم
- عندما تصبح اهانة الاخرين لنا اطراء ،فهذا يعني اننا فقدنا اخر ...
- الا من جرّاح ماهر يستأصل الورم السرطاني من وجه العراق الجميل
- سيدتي المغتربه! قبل ان ترفعي سماعة الهاتف
- حجاب المرأة بين التقاليد الأجتماعيه والبيئيه والموروث الديني
- حكومة المالكي! لا الشيعه شيعة علي ولا السنه سنة عمر
- اطفالنا في السويد غربة وضياع


المزيد.....




- -الزمن المفقود-.. الموجة الإنسانية في أدب التنين الصيني
- عبور الجغرافيا وتحولات الهوية.. علماء حديث حملوا صنعاء وازده ...
- -بين اللعب والذاكرة- في معرض تشكيلي بالصويرة المغربية
- مفاجأة علمية.. الببغاوات لا تقلدنا فقط بل تنتج اللغة مثلنا
- بيت المدى يستذكر -راهب المسرح- منذر حلمي
- وزير خارجية إيران: من الواضح أن الرئيس الأمريكي هو من يقود ه ...
- غزة تودع الفنان والناشط محمود خميس شراب بعدما رسم البسمة وسط ...
- شاهد.. بطل في الفنون القتالية المختلطة يتدرب في فرن لأكثر من ...
- فيلم -ريستارت-.. رؤية طبقية عن الهلع من الفقراء
- حين يتحول التاريخ إلى دراما قومية.. كيف تصور السينما الصراع ...


المزيد.....

- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي
- قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي. / رياض الشرايطي
- خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية ( ... / عبير خالد يحيي
- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي
- منتصر السعيد المنسي / بشير الحامدي
- دفاتر خضراء / بشير الحامدي
- طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11 ... / ريم يحيى عبد العظيم حسانين
- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري
- إعدام عبد الله عاشور / عقيل الخضري


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - ناديه كاظم شبيل - الجاحد العزيز