أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق - تيسير عبدالجبار الآلوسي - البطالة والجريمة والأمن الوطني















المزيد.....

البطالة والجريمة والأمن الوطني


تيسير عبدالجبار الآلوسي
(Tayseer A. Al Alousi)


الحوار المتمدن-العدد: 667 - 2003 / 11 / 29 - 04:53
المحور: اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
    


ما من شك في طبيعة التعقيدات التي تفرض نفسها على جملة المشهد العراقي القائم, وهو مشهد لم يتشكل نتيجة المتغيرات الأخيرة والانعكاسات المباشرة للحرب فحسب بل جاء بعد تراكمات مرَضيّة خطيرة ناجمة عن ممارسات وسياسات النظام الدكتاتوري الذي دفع بـِطاقةِ العمل إلى أتون الحروب مهملا مسائل تأهيلهم وتشغيلهم والتخطيط لمثل هكذا مهمة. ولكنَّنا اليوم أمام محصلة تشير إلى استمرار توقف الدورة الاقتصادية التي صُودِرت بسياسات رعناء من النظام المقبور ولم يترك لشعبنا وقوى الإنتاج فيه أية ركيزة جدية للبناء المباشر السريع عليها بخاصة بُعَيْد ما جرى من تخريب في ظلِّ الأجواء المنفلتة (بل المنفلشة) أمنيا حيث عاث المخرِّبون تدميرا فيما تبقى من هياكل. 
                                      ما لدينا اليوم هو رقم فلكي بالمعطيات النسبية للقراءات الاقتصادية حيث نسبة البطالة تتجاوز الــ  50% وقد تصل بعض التقديرات إلى الــ  70% ما يعمِّق النتائج السلبية الكارثية وانعكاساتها على المجتمع سواء فيما الآثار المادية بالمعطى الاقتصادي المباشر أم الآثار الاجتماعية بتفاصيل المشكلات المعروفة عنها.. فأول الأمر تنتاب الفرد حالات نفسية وتتحول تدريجيا لتعتريه أوضاع الكآبة وردود الفعل المَرَضية ويتضاعف الأمر عندما تبدأ تفاعلات المشكلات النفسية الفردية تأثيراتها على طبيعة النشاط والسيرة الاجتماعيين ومن ثمَّ تعقيدات العلائق عائليا حيث لا يستطيع ذاك الفرد الاستجابة لمتطلبات أسرته وحاجاتها الأساسية, وتتفاعل الأوضاع عبر خصوصية العلاقات الأسرية الواسعة والممتدة في مجتمعنا الذي مازال يحتفظ ببعض الجذور التقليدية المعروفة كالعشائرية وما يتبعها من تداخلات قد تكون سلبية المسار...
                                       إنَّ الحلقة التالية الناجمة عن مسلسل التداعيات السلبية للبطالة يؤشِّر بوضوح احتدام الانفعالية و تحطيم الضوابط الموضوعية لحركة الفرد والكتل التي تشملها ظاهرة العطالة والتبطّل؛ وكجزء من تكسير القوانين وروح الاحتجاج السلبي والوقوف على الضفة الأخرى من مصالح المجتمع بوصفه جماعة متكافلة متضامنة في الظرف الطبيعي يعيش العاطل عن العمل منفصلا في عزلة عمَّا يحيطه من معركة حقيقية واحدة تصب في خيمة الوطن هي معركة بنائه وإعادة الإعمار فيه وفي النفوس التي خرّبها زمن الضيم والاستغلال البشع لكرامات الناس وقيمهم...
                                       وبحصول هذا الانشطار بين الطرفين لا يعود للمصلحة الجمعية التضامنية العامة من وجود في ذهنية المتمردين من العاطلين عن العمل. حيث يتمكن روح التدمير من ذاك الإنسان المريض وتبدأ مرحلة جديدة تالية هي مرحلة الجريمة سواء بحق النفس عندما تكون الممارسات حالة من إيذاء الذات أو في تعمُّد إيذاء الآخر عبر كسر العقد الاجتماعي وقوانين المجتمع وأعرافه الإيجابية المتداولة. وتتسع دائرة الجريمة وكارثيتها مع تشكل حلقات للمتمردين بسبب من لقاء الطبائع المشتركة وهي سمة عادية للكائنات الحيّة عامة (مسألة اللقاء والتجمّع), ولكن غير الطبيعي فيها هو كونها لقاءات تقوم على إيقاع الضرر والتدمير في المحيط الاجتماعي.. وهي تتحول لاحقا إلى تشكيلات نوعية طابعها الأساس هو أعمال العنف وإثارة الاضطراب والهلع... ولا يقف ذلك عند حدود التمرد الاجتماعي المؤطَّر بل يتنامى باتجاه الاحتكاكات السياسية والاصطدامات العنيفة المسلَّحة التي تعقب تلك الفعاليات.
                                      فما يجمع إذن بين البطالة والجريمة هو رابط جدي خطير الشأن ولا مجال في السعي إلى استتباب الأمن واستقرار الأوضاع العامة اجتماعيا وسياسيا من تحقيق الاستقرار الاقتصادي الأكيد بمعالجة مشكلاته وعلى رأسها مشكلة العطالة.. فإذا ما كانت هذه المشكلة (العطالة) بحجم كارثي اجتاز كلَّ الخطوط الحمر وكسَّر أيَّ منطق يحكم حركة الاقتصاد وتأثيراته, فلا يمكن إلا أنْ  نضع هذه المشكلة في أولويات الحلِّ الجذري الذي بوساطته نصل إلى برِّ الأمان وتطبيع الأرضية لوقف آلة التدمير الناجمة عن مثل هكذا كارثة..
                                       ومن المؤكَّد تلازم عمليات إنهاء الجريمتين الاجتماعية والسياسية وحلِّ مشكلة العطالة وإنهاء وجودها بخاصة بهذا الحجم الهائل في نسبته  وفي تأثيراته. ويزداد الأمر تعقيدا مع تداخل المشكلة وتشابكها بحيث كما يقولون "يضيع فيها رأس الشليلة" فنفقد بعده كيفية الخروج من الأزمة بأقل قدر من التضحيات.. وليس بلا خسائر. فعلى سبيل المثال لا يوجد من يريد الاستثمار في الظروف الأمنية الشاذة. والجريمة تتزايد مع امتداد فترة العطالة التي لا حلَّ لها بغير افتتاح مشاريع تتسع وتتوالد بحسب معطيات التطورات الاقتصادية. فما العمل تجاه حالة التخبط والعشوائية التي تصيب واقعنا؟
                                     إنَّ واقعا مريضا كالذي نعيشه يفترض التعاطي مع حالة طوارئ إنسانية قصوى. فمنع الجريمة يحتاج فضلا عن حلول الأمراض الاقتصادية والاجتماعية إلى فرض سيادة القوانين بقوة أكبر من جهات الضبط المدني العادية فلسنا في حالة عادية طبيعية ولكننا في أوضاع شاذة كارثية بعدما تجاوزنا حافة الهاوية وصرنا في قعرها اليوم.. فنحن بحاجة لكلِّ المؤسسات الضرورية لضبط اندفاع الجريمة فغدا يمكن أنْ نتحول إلى وكر للإرهاب في بلادنا وفي محيطنا الأقليمي والدولي ولا عجب إذا ما تضاعفت الأمور مأساويا؟!
                                  ومن هذا المنطلق مازالت بلادنا وستظل لمدى زمني ستحدده تطورات الأوضاع اللاحقة, ما زالت بحاجة للمساعدة الدولية بالخصوص ونحن بحاجة لقوات أمنية وشرطة أو تدريبات من نوع مختلف عن التدريبات التي وُجِدت عهد مطاردة الطاغوت للشرفاء اليوم نحن نحمي الشرفاء نحمي الشعب, ونحن بحاجة إلأى قوات حرس الحدود بغير جيش تمَّ تدريبه على القمع وعلى الأعمال العدوانية فالجيش الذي نريد هو جيش الدفاع الوطني وحماية سيادة البلاد والشرعية الدستورية فيها. وبحاجة إلى قوى الدفاع المدني ومتخصصين في نزع ألغام الماضي المزروعة في مساحات لا نستطيع تحديد مخاطرها التي تتهدد حيوات أبناء البلاد وكانت التقديرات للإشكالية قد أشارت إلى عدد من السنوات قبل تنظيف الأرض العراقية من عشرات ملايين الألغام. فضلا عن التلوث بكلِّ أشكاله والتخريب الذي أصاب البيئة العراقية كما هو معروف في مثال الأهوار...
                                 ولمزيد من طمأنة المستثمر الأجنبي لابد من هذه المعونة الدولية للوهلة الأولى من مسيرة تنشيط الدورة الاقتصادية وكتحصيل حاصل الحدّ من تعاظم مشكلة العطالة ومعالجتها جذريا في مرحلة لاحقة.. وحتى تدور آلة الاقتصاد ينبغي التعاطي مع عدد من الحلول الجزئية الضرورية في تشغيل قوة العمل في حملات تطهير البيئة من آثار المعارك والتخريب وفي تنظيف المدن وإدامة المواقع الاقتصادية وإعداد المؤسسات وأية حملات عمل مقابل أجور مجزية قد تكلّف الدولة مؤقتا ولكنها تظلّ ضرورة جدية اليوم قبل الغد من أجل مجابهة الحاجات المادية للفرد وللعائلة وللمجتمع عامة.
                               إذن فنحن لسنا خارج نقطة الشروع بعودة الحياة الطبيعية ودورتها العادية واستقرار حركة التطور والنمو فيها, ويمكننا إيجاد البدائل التي لا حصر في هذا المسار وقد سبقتنا دول عديدة أخرى في تجاريب إعادة الإعمار في خضم أوضاع شاذة, قد نلتفت للإفادة منها. مع تذكّرنا أنَّ دورة العنف لا تخلق إلا مضاعفة له وتزايدا وإمعانا في ورطته وكارثيته؛ وأنَّ دورة البناء تقف على طريق الصواب في توليد عمار النفوس وإصلاحها وإعادتها لمنطق الفعل السلمي البنَّاء وللقاء التعاضد والتعاون لا لقاء التمرد والمتمردين وما أشرنا إليه من مآسيه...
                                        إنَّ بلادنا غنية بالثروات الطبيعية ولكنها أكثر غنى بثرواتها البشرية كميا ونوعيا ولسنا على الرغم  من حالة التسيّب والانفلات في وضع متكلِّس جامد لا يقبل الحلّ أو يستعصي على العلاج. وهو ما يوفِّر فرصا مهمة وحيوية لوضع أيدينا على الحلول الناجعة ويمكن بثقة القول بأنَّنا قد شرعنا بالفعل في طريق عراقنا الجديد....  



#تيسير_عبدالجبار_الآلوسي (هاشتاغ)       Tayseer_A._Al_Alousi#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- هل توجد مقاومة وطنية خلف غبار جرائم المخربين؟ وما وسائل تنظي ...
- الكلدان الآشوريون السريان بين حقوق المواطنة وإشكالية القضية ...
- القتل الحلال والاغتصاب الحلال والسرقة الحلال؟!! الكلدو آشور ...
- ما يجري للمؤسسات العلمية ودور الطلبة في التصدي لتحديات المها ...
- تشكيل التحالفات السياسية و دورها في التأثير على المشهد السيا ...
- عراقيو المنفى والمهجر وما ينتظر هم ؟! دعوة لاهتمام جدي واتخا ...
- ما وسائل حماية الديموقراطية؟ وهل للديموقراطية أسلحة بالمعنى ...
- مرونة الواقعية السياسية أم مبدئية الرؤى الجامدة؟
- العائلة العراقية وما تتعرض له في غربتها
- العلاقة بين جيلين واستقامة الرؤى
- الثقافةُ والمعارفُ الإنسانيةُ وآثارُها على مستقبلِ التَّغيِّ ...
- الاحتفالُ بالعلميّ والاحتفاءُ بالسياسيّ - ركيزة متينة لبناء ...
- طبيعة مؤسسات الدولة الجديدة وآليات البناء والعمل فيها
- الشبيبةُ العراقيةُ و دورها في بناءِ عالمِ ِ جديد 1 &2
- حقوقُ الإنسانِ العراقي في ظلِّ الاحتلالِ
- استقلال حقيقي أم شعاراتية (تحرير) زائفة؟! 1 - 2 - 3 - 4
- بعض محدِّدات العمل في ظلِّ الديموقراطية 1- 2 - 3 - 4
- مَنْ يكتب الدستور؟
- فَلْنَجْمَعْ ما يكتبُهُ العراقيون بشأنِ الدستور
- علمانية الدولة والدستور لا ثيوقراطيتهما


المزيد.....




- السعودية الأولى عربيا والخامسة عالميا في الإنفاق العسكري لعا ...
- بنوك صينية -تدعم- روسيا بحرب أوكرانيا.. ماذا ستفعل واشنطن؟
- إردوغان يصف نتنياهو بـ-هتلر العصر- ويتوعد بمحاسبته
- هل قضت إسرائيل على حماس؟ بعد 200 يوم من الحرب أبو عبيدة يردّ ...
- الجيش الإسرائيلي يعلن قتل عضوين في حزب الله واعتراض هجومين
- باتروشيف يبحث مع رئيس جهاز المخابرات العامة الفلسطينية الوضع ...
- قطر: مكتب حماس باق في الدوحة طالما كان -مفيدا وإيجابيا- للوس ...
- Lava تدخل عالم الساعات الذكية
- -ICAN-: الناتو سينتهك المعاهدات الدولية حال نشر أسلحة نووية ...
- قتلى وجرحى بغارة إسرائيلية استهدفت منزلا في بلدة حانين جنوب ...


المزيد.....

- الحزب الشيوعي العراقي.. رسائل وملاحظات / صباح كنجي
- التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية الاعتيادي ل ... / الحزب الشيوعي العراقي
- التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية للحزب الشيو ... / الحزب الشيوعي العراقي
- المجتمع العراقي والدولة المركزية : الخيار الصعب والضرورة الت ... / ثامر عباس
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 11 - 11 العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 10 - 11- العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 9 - 11 - العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 7 - 11 / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 6 - 11 العراق في العهد ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 5 - 11 العهد الملكي 3 / كاظم حبيب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق - تيسير عبدالجبار الآلوسي - البطالة والجريمة والأمن الوطني