أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - قراءات في عالم الكتب و المطبوعات - مهدي النجار - فلسفة الثقافة البديلة في العراق















المزيد.....

فلسفة الثقافة البديلة في العراق


مهدي النجار

الحوار المتمدن-العدد: 2151 - 2008 / 1 / 5 - 10:48
المحور: قراءات في عالم الكتب و المطبوعات
    


تاليف : ميثم الجنابي
منشورات : دار ميزوبوتاميا/ بغداد. 2007
عرض : مهدي النجار
مرت الثقافة العراقية بأزمنة رديئة، رمادية، تشبه الموت الذي يعصر القلب ويسحق الروح، تجرُّ خلفها اسئلة ركيكة واجوبة عليلة مكرورة، مسكونة بالخوف والقهر قبل ان تكون مسكونة باي شئ آخر، لان المفسدة الاستبدادية كانت تعي جيداً بان الثقافة الحرة مثل ريح داهمة تغير المسارات في الافكار والاجتماع والسياسة، تفكك انشطة العقل التقليدية وتصحح حتى الاحلام، لذا ارتجت امامها الابواب والنوافذ وتلاعبت بمفردات الجمال والابداع حتى صار كل ما هو ثقافي ( او ينتمي الى هذا الحقل) عبارة عن نشيد تلقيني ساذج لايعرف غير ترديدة التمجيد والولاء المطلق والبيعة السرمدية، من هنا بات ملحاً ان تنشأ الآن ثقافة بديلة تخرب النظم العاطفية والعقلية وشبكات المفاهيم العتيقة البائدة ، تفككها وتلغيها، لا ان تتصالح وتبني علاقة تسوية معها او تستثمرها بشكل آخر موهوم خالٍ من الطقوس الاستبدادية، الامر يستدعي تاسيس فلسفة بديلة لثقافة العقل والحرية والتسامح، وهذه الفلسفة هي الرافعة الاساسية التي تخرجنا من مأزق وقوفنا المترهل خارج العصر، خارج الالفية الثالثة والاندراج بمسارات الحداثة المادية والثقافية. لقد كان كتاب ميثم الجنابي "فلسفة الثقافة البديلة في العراق" واحداً من الكتب التي تكدح لتصب في ذلك التاسيس الخلاق من خلال غربلة الثقافة العراقية غربلة صارمة لتخليصها اولاً من غجر الثقافة الذين افرزتهم السلطة التي تحولت هي نفسها الى الحضيض فجعلت من الجهلة علماء، ومن انصاف المتعلمين قادة، ومن اشباه المثقفين رعاة للثقافة! وهي نتائج محكومة اساسا بفقدان الدولة لاسس وجودها الشرعي. فالشرعية هي شرط التراكم الثقافي والاحتراف.
ووفق تحديدات الجنابي المختصرة فالمثقف روح ! وحالما يتحول الى وعاء للرشوة السياسية والحزبية ولسانها الناطق، فان ذلك دليل على فقدانه لما يدعيه. وهو عقابه الابدي. بمعنى تحوله الى لسان بلا قلب شأن النائحة المأجورة تبكي في كل عزاء وتستجيب لكل رجاء مقابل المال والجاه. وكلاهما من صنف واحد. ان وجود "مثقف مرتزق" ظاهرة مأساوية بحد ذاتها، وثقافة مرتزقة اشد مأساة، اما "الارتزاق الثقافي" فهي الصيغة الاكثر شراسة للانحطاط الثقافي والسياسي. وذلك لانها تجمع بين الاثنين على شكل دعوى وتحد وبهرجة هي عين الفقدان الشامل للبصر والبصيرة والعقل والوجدان والقلب والروح. بعكس ذلك ( اي بعكس المثقف المرتزق) فان حقيقة المثقف فردانية واحتراف في ميدان الحق والحقيقة. وهي فردانية تستمد اصولها وتحقيقها العملي الدائم في كونه الممثل النموذجي لعوالم الحكمة. والحكمة النظرية والعملية هي خروج على العقل والبقاء ضمن آفاقه الانسانية. وهو خروج يحتوي بذاته على تذليل كل انواع الاستعداد على تبرير الواقع. فحقيقة الحكمة هي تعبير جميل وفاضل عن عوالم الابداع الحر. والابداع الحر معاناة لا يقيدها شئ غير الحق والحقيقة. والمثقف الحقيقي هو من يعيش بمعاييرهما. وهو سر الابداع العظيم، لانه تجسيد فرداني لعوالم الخيال المبدع، اي للابداع المتحرر من الاهواء والاوهام والاغواء.
وفي الفصل الثاني من الباب الاول يطرح الجنابي سؤالين ليستخلص منهما المهمة الشخصية


والمسئولية التاريخية للمثقف: هل من الممكن صنع قاسماً مشتركاً وفعالاً في الظروف الراهنة في ميدان الثقافة والمثقفين؟ وهل من ضرورة له؟ ان التجارب التاريخية للامم تبرهن على ان الثقافة الحقيقية تتجلى في تكامل مثقفيها، وكذلك في منظومة الابداع وتنوعه. وهي مهمة ممكنة التحقيق في ظروف العراق الحالية والمستقبلية عندما تجعل من تكامل السلطة بمعايير الحق والحقيقة بمعاييرها الذاتية مرجعية متسامية للثقافة والمثقفين العراقيين، اي شعارنا النظري والعملي.
وعن علاقة المثقف مع السلطة يستبعد الدكتورالجنابي امكانية اندماج المثقف الحقيقي في السلطة ومؤسساتها، لكنه قادر على العمل معها بمعايير الدولة والابداع والحق. وهي قدرة تفترض في ظروف العراق الحالية تجسيدها وتحقيقها ضمن حلقات ملزمة للمثقف تقوم في الحفاظ على المسافة الضرورية بينه وبين السلطة من جهة، والعمل على ايجاد النسبة الضرورية بين الاخلاق والسياسة في الابداع الثقافي من جهة اخرى. اذ يفترض التزام المثقف الحقيقي في ظروف العراق الحالية العمل من اجل الا تتحول الثقافة الى اداة لطحن الحقائق وتحويلها الى مساحيق لتغطية تجاعيد السلطة وتجميلها. وكذلك مواجهة كل " مقدسات " الجمهور من خلال نقد فكرة " قدسية " الواقع والقيم والافكار ايا كان مصدرها وشكلها.
ان حدود الانحطاط الثقافي في العراق لا حد لها! وهي اشبه ما تكون بالبلادة والسخف والجشع. والصيغة المعقولة لادراكها تقوم عبر تحليل الخصائص العامة الكبرى للثقافة العلنية والمستترة في مرحلة التوتاليتارية البعثية والدكتاتورية الصدامية. ففي ظاهرها لم تكن غير نتاج فج لشعارات اكثر فجاجة وسخافة من حيث مضمونها ومن حيث علاقتها بالواقع ومن حيث مستوى وكيفية تجسيدها. وهو ظاهر ادى الى انتاج مظاهر الابتذال الشامل في مستويات الاحساس والذوق والعقل. والبديل الثقافي الذي يقترحه الجنابي يتمثل في ارساء اسس ونموذجية مايسميه بثقافة العقل النقدي الفعال، اي الثقافة التي تؤلف بين العقل والنقد والفعل في تاسيس منطلقاتها وغاياتها النهائية. والمقصود بالثقافة العقلية هنا هي الثقافة التي تستند في جميع مواقفها من مختلف قضايا الوجود الاجتماعي الى العقل النظري والعملي والثقافي. اما المقصود بالثقافة النقدية فهي الثقافة التي تنطلق من منهجية الشك العقلي من اجل بلوغ اليقين التجريبي. ان الثقافة البديلة ينبغي ان تلعب دورا كبيراً وهائلاً في غرس الروح الاخلاقي، ليس فقط في نقدها الجرئ لكل المواقف والافكار الصادرة عن اي طرف كان ومهما كانت نيته، في حال مخالفتها لمضمون بناء الدولة الشرعية والنظام الديمقراطي والمجتمع المدني، بل وبتقويمها بالشكل الذي يخدم فكرة الحق والعدالة الفعلية للجميع. فهي العملية الوحيدة القادرة على كنس مخلفات الاستبداد وتفتيت بذور التخلف الاجتماعي وتشذيب وتهذيب الثقافة الديمقراطية في النشاط السياسي.
لاننا في مجال عرض كتاب " فلسفة الثقافة البديلة في العراق " والاشارة الى اهميته وتمايزه الفكري عن بقية الانتاج الثقافي العراقي فحسب، وليس بصدد تحليله ونقده الا ان ملاحظات عن الكتاب ترسبت في اذهاننا نشير اليها سريعاً من اهمها ابتعاد الدكتور ميثم الجنابي عن سياق منهجه الفلسفي الرصين في بعض المواضع وزج الثقافي في السياسي بطريقة تبسيطية تصل احياناً الى فجاجة الخطاب السياسي المباشر الذي سعى الجنابي للتخلص من غثاثته وشوائبه ومداهناته حتى انزلق الى اطلاق الاحكام وتقديم النصائح بطريقة وعظية تنتمي الى لهجة الخطاب التقليدي رغم محاولته تبطين ذلك بجملة فلسفية ثقيلة ( انظرالصفحات 12 – 25 على سبيل المثال ) مما ادى الى استخلاص نتائج غاية في الركاكة لاتبتعد كثيراً عن خواص الخطابات التي تثير حماس الجمهور وتدغدغ عواطفهم ومشاعرهم الوطنية والدينية، والا كيف نستطيع الدفاع عن افكار وتصورات "تيارات" تمتد بنيتها الثقافية والفلسفية الى حقبة القرون الوسطى؟! وهل يمكن في حالة انتصارها ان تندرج في مسار البدائل العقلانية والرؤية الانسانية والحق والحقيقة؟! وهل يمكن التقدم خطوة واحدة في تاسيس ثقافة الحق والحقيقة ونحن نسير بقدمين واحدة الى الامام واخرى الى الخلف، وكيف يمكن لثقافات بديلة مرموقة ندعوا الى



تاسيسها ونحن نتفحص الامور ونحللها بعيداً عن جدل الثقافة الحي مع الحياة والواقع، بمعنى هل يمكن التحدث عن ثقافة بديلة زاهرة في مجتمعات معتمة انقطعت صلاتها الاقتصادية والسياسية والثقافية عن فضاءات الحداثة والتحديث والتمدن، مجتمعات راكدة ومنغلقة يعيش نصف سكانها على مفردات القمامة وفي ضواحي اغلب بيوتها من الخرائب والتنك ويتكاثرون بدرجة انفجارية مرعبة، وهل قدمت لهم شيئاً ملموساً وواقعياً يحسن احوالهم واوضاعهم ويخلصهم من الاهوال والمصائب حتى تسحب من تحت اقدامهم بساط التوهم والالتباس والاحلام والاساطير المنهوكة التي تمعنن حياتهم وتعطيها جدوى، سوف لايستمعون لك، او في احسن الاحوال سيقهقهون منك سخفاً وسخرية حين تحدثهم عن التعددية والاختلاف والحوار ومؤسسات المجتمع المدني والديمقراطية والليبرالية، وانت تشيح بوجهك عن جراحاتهم العميقة!
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مهدي النجار/ بغداد/ كانون اول 2007



#مهدي_النجار (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- النفري افكار مشوشة وتاريخ غامض
- معنى الانسان في تصورات ابن عربي
- الذكرى المئوية الثامنة لميلاد العارف جلال الدين الرومي
- ايها المتشددون اصنعوا ثمة شئ للعالم
- السهروردي قتيل الاشراق
- سيبويه رائحة التفاح
- صالح بن عبد القدوس
- بَشَّارُ بن بُردٍ قتيل الهوى قتيل التمرد
- التوحيدي فيلسوف الادباء
- ملاحظات حول بسط التجربة النبوية/اطروحة المفكر الايراني عبد ا ...
- سلطة الله وسلطة البشر
- اهل الكهف والصحوة الاسلامية
- التدين العقلاني
- لماذايندرج الشباب في تيارات العنف
- الزمان العجائبي في سرديات الطبري
- المشروطية والمستبدة
- الفعل الحضاري
- محنة العقل:العفيف الاخضر نموذجا
- محنة العقل :العفيف الاخضر نموذجا
- تصحيح التصورات حول المراة


المزيد.....




- هل تصريح نتنياهو ضد الاحتجاجات في الجامعات يعتبر -تدخلا-؟.. ...
- شاهد: نازحون يعيشون في أروقة المستشفيات في خان يونس
- الصين تطلق رحلة فضائية مأهولة ترافقها أسماك الزرد
- -مساع- جديدة لهدنة في غزة واستعداد إسرائيلي لانتشار محتمل في ...
- البنتاغون: بدأنا بالفعل بنقل الأسلحة إلى أوكرانيا من حزمة ال ...
- جامعات أميركية جديدة تنضم للمظاهرات المؤيدة لغزة
- القوات الإيرانية تستهدف -عنصرين إرهابيين- على متن سيارة بطائ ...
- الكرملين: دعم واشنطن لن يؤثر على عمليتنا
- فريق RT بغزة يرصد وضع مشفى شهداء الأقصى
- إسرائيل مصدومة.. احتجاجات مؤيدة للفلسطينيين بجامعات أمريكية ...


المزيد.....

- الكونية والعدالة وسياسة الهوية / زهير الخويلدي
- فصل من كتاب حرية التعبير... / عبدالرزاق دحنون
- الولايات المتحدة كدولة نامية: قراءة في كتاب -عصور الرأسمالية ... / محمود الصباغ
- تقديم وتلخيص كتاب: العالم المعرفي المتوقد / غازي الصوراني
- قراءات في كتب حديثة مثيرة للجدل / كاظم حبيب
- قراءة في كتاب أزمة المناخ لنعوم چومسكي وروبرت پَولِن / محمد الأزرقي
- آليات توجيه الرأي العام / زهير الخويلدي
- قراءة في كتاب إعادة التكوين لجورج چرچ بالإشتراك مع إدوار ريج ... / محمد الأزرقي
- فريديريك لوردون مع ثوماس بيكيتي وكتابه -رأس المال والآيديولو ... / طلال الربيعي
- دستور العراق / محمد سلمان حسن


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - قراءات في عالم الكتب و المطبوعات - مهدي النجار - فلسفة الثقافة البديلة في العراق