ٱلرجوع إلى ٱللّه!!

سمير إبراهيم خليل حسن

الحوار المتمدن-العدد: 2147 - 2008 / 1 / 1 - 08:17
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    

ٱلرجوع إلى ٱللّه "إليه ترجعون" أمر بيّنه ٱللّه فى كتابه وفى مواقع كثيرة. وقد رأيت فيه أنّه أبرز حقٍّ من حقوق ٱلإنسان. فهو أمر لا يكون لبنىٰۤ ءادم ما لم يكونوۤا أشخاصا أحرارا من مفاهيم ٱلناس ومن سلطة ٱلكهنوت وٱلفرعون. وهذا جعلنىٰۤ أسأل نفسى كيف يكون رجوع مَن يموت إلى حىٍّ لا يموت؟ وهل مَن يرجع إليه يبقى حيًّا ومن لا يرجع يموت؟ وهل يرجع جميع ٱلناس إليه؟ وما هو ٱلسبيل للرجوع إليه؟
وبما تشابه لى فهمه من كتاب ٱللّه رأيت أنّ مَن يرجع إليه هو ٱلذى يرتقىٰۤ بأدميّته ٱلبشرية إلىٰۤ إنسان إلٰهٍ. وهو مَن كان يعلم ويبيّن ويجعل ما فيه من روح ٱللّه مؤيّدا بٱلروح ٱلقدس.
وهذا ٱلفهم تشابه لى من قول ٱللّه لعيسى ٱبن مريم:
"إِذ قالَ ٱللَّهُ يَٰعِيسَىٰۤ إِنِّى مُتَوَفِّيكَ ورَافِعُكَ إِلىَّ ومُطَهِّرُكَ مِنَ ٱلَّذينَ كفروا" 55 ءال عمران.
فقد رفع ٱللّه إليه ٱلإنسان عيسى وهو حىّ لأنه روح منه:
"إنَّما ٱلمسيحُ عِيسَى ٱبنُ مَريَمَ رَسُولُ ٱللَّهِ وكَلِمَتُهُ أَلقٰهاۤ إلَى مَريَمَ وروح مِّنهُ" 171 ٱلنسآء.
وهذا ما يريده ٱللّه من ٱلناس أن يعلموه من بلاغه ٱلعربىّ:
"كيف تكفرون بٱللّهِ وكنتم أموٰتًا فأحيٰكُم ثُمَّ يُميتُكم ثمَّ يُحيِيكُم ثُمَّ إليه تُرجَعُونَ" 28 ٱلبقرة.
فٱلذى يرجع إليه من ٱلناس يموت ويحيا ثم يموت ثمّ يحيا ثم يرجع إليه وهو حىّ ويبقى حيّا لا يموت. فرفع ٱللّه عيسىٰۤ إليه وهو حىّ يبيّن كيف يكون ٱلرجوع. فقد ولد عيسى ٱبن مريم مؤيدا بٱلروح وٱلقدس ويعلم ٱلكتٰب وٱلحكمة وٱلتورـٰة وٱلإنجيل وٱلبيّنات من دون تأثير لمدارس ومفاهيم ٱلناس:
"إِذ قالَ ٱللَّه يٰعيسى ٱبنَ مريَمَ ٱذكُر نِعمَتى عليكَ وعلى وٱلِدَتِكَ إِذ أَيَّدتّكَ بِرُوحِ ٱلقُدُسِ تُكَلّمُ ٱلنَّاسَ فى ٱلمَهدِ وكَهلاً وإِذ علَّمتُكَ ٱلكتٰبَ وٱلحِكمَةَ وٱلتَّورـٰةَ وٱلإِنجِيلَ"110 ٱلماۤئدة.
"وَءَاتَينَا عِيسَى ٱبنُ مَريَمَ ٱلبَيِّٰنتِ وأَيَّدنَٰه بِرُوح ٱلقُدُسِ" 253 ٱلبقرة.
فٱلرجوع إليه لا يكون إلا لمن يكون أمره كأمر عيسى. وهو مَن تحرر من مفاهيم ٱلناس وسعى بنفسه لبنآء مفاهيمه. ولن تكون له ٱلبيّنات من دون نظر وعلم وعقل مع ٱلروح ٱلقدس. أو من دون علم وتصديق بٱلبيّنات وتثبيتٍ للفؤاد بٱلروح ٱلقدس.
لقد أعلن ٱللّه أنّه خالق بشرا من طين من صلصال من حمإٍ مسنون. وبهذه ٱلمصادر ٱلميّتة صنع "هارد وير" وأودع فيه "سوفت وير" هو "ٱلنفس" ٱلتى تمثّل طرفا حيًّا لتكون هذه ٱلمصادر ٱلميّتة مع ٱلنفس جدلية ٱلتكوين (حىّ ميّت).
ثم أعلن ٱللّه أنّه سينفخ من روحه فى هذا ٱلخلق ٱلمصنوع ويجعله ءادما يعلم "ٱلأَسمَآءَ كُلَّهَا". وبذلك جعل له سلطة إدراك وعلم بجميع ٱلأشيآء وهى تسجد له ليعلم بها ويبيّن ما فيها من حقٍّ وناموسه.
ومن بعد أطوار من صناعة "ٱلهارد وير" وصناعة "ٱلسوفت وير". خلق ٱللّه جسم عيسى ٱبن مريم وجعله سليما من ٱلمرض وفى نفسه "سوفت وير" علم ٱلكتٰب وٱلحكمة وٱلتورـٰة وٱلإنجيل وٱلبيّنات وأيّده بـ "سوفت وير" ٱلروح ٱلقدس ليكون ٱلمسيح وٱلمثل على ٱلإنسان ٱلإلٰه ٱلذى يملك مفاهيما تخالف ما ثبت منها لدى ٱلناس وبها يكون له رجوعا إلى ٱللّه ولا يموت.
لقد بيّن كتاب ٱللّه أولوهة عيسى بمآ جآءه من علم وبيّنات وروح ٱلقدس. وهذا ما يظهره قول ٱللّه:
"وإذ قالَ ٱللّهُ يَٰعيسى ٱبنَ مَريمَ ءَأنتَ قُلتَ لِلناسِ ٱتخذونِى وأُمِّىَ إِلَٰهَينِ مِن دونِ ٱللّهِ قال سُبحَٰنَكَ مَا يكونُ لىٰۤ أن أقولَ ما ليسَ لِى بحقٍّ إن كُنتُ قلتُهُ فَقَد عَلِمتَهُ تعلَمُ ما فِى نفسِى ولآ أعلمُ ما فِى نفسِكَ إنَّكَ أنتَ عَلَّٰمُ ٱلغُيُوبِ" 116 ٱلمآئدة.
فٱلقول يستنكر أن يكون عيسى قد قال للناس "ٱتخذونِى وأُمِّىَ إِلَٰهَينِ مِن دونِ ٱللّهِ". لكنّه لا ينفىٰۤ أنّهما إلٰهين. فما يبينه ٱلقول "من دون ٱللّه" أنّهماۤ إلٰهين بتأييد ٱللّه لهما.
فعيسى ٱلإنسان جآءه ٱلعلم وٱلبينات وأيّده ٱلروح ٱلقدس فى عرضها. وهو لم يزعم بعلم وألوهة مقطوعين عمّا جآءه من ٱلعلم وٱلبيّنات وعن تأييده بٱلروح ٱلقدس. وهو يعلم أنّ ٱلقول بألوهته "من دون ٱللّه" ليس حقًّا له فلا يقول هذا بما يملك من علم حصل عليه بما معه من علم وبيّنات وتأييد بٱلروح ٱلقدس. وهو ما بيّنه فى جوابه للفرق بين علمه وعلم مرسله. فقول ٱللّه لعيسى "من دون ٱللّه" لا ينفىۤ ألوهة ٱلإنسان عيسى فهو لم يقل "مع ٱللّه" أو "بديلا عنه" أو "شريكا له". وعيسى ٱلمتألّه بٱلعلم وٱلبيّنات وٱلروح ٱلقدس لم يكفر بقوله للناس ٱعبدونىۤ أنا بل قال لهم "ٱعبدوا ٱللّه هو ربِّى وربكم":
"لقد كفر ٱلَّذين قالوۤا إنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلمَسِيحُ ٱبنُ مَريَمَ وقالَ ٱلمسيحُ يٰبنىۤ إسرٰۤءِيل ٱعبُدُوا ٱللَّهَ رَبِّى ورَبَّكُم إِنَّه من يُشرِك بٱللَّهِ فقد حَرَّمَ ٱللَّهُ عليه ٱلجَنَّةَ ومأوَـٰهُ ٱلنَّارُ وما لِلظٰلمِينَ مِن أَنصارٍ/72/ لقد كفرَ ٱلذين قالوۤا إنَّ ٱللَّهَ ثالثُ ثلٰثةٍ وما مِن إلٰهٍ إلاَّۤ إلٰه وٰحِد وإن لَّم ينتهوا عمَّا يقولون لَيَمَسَّنَّ ٱلذين كفروا منهم عذاب أليم/73/" ٱلماۤئدة.
لقد ورد ٱلقول "من دون ٱللّه" فى ٱلبلاغ ٱلتالى:
"قل يٰۤأهل ٱلكتٰب تعالوۤا إلى كَلِمَةٍ سََواۤءٍ بيننا وبَينَكُم ألاَّ نَعبُدَ إِلا ٱللَّهَ ولا نُشرِكَ بِهِ شيئًا ولا يَتَّخِذ بعضُنا بَعضًا أربابًا من دُونِ ٱللَّهِ فإن تَوَلَّوا فقولوا ٱشهَدُوا بأَنَّا مُسلمُونَ" 64 ءال عمران.
ليبيّن أنّ ٱلدعوة لاتخاذ ٱلأرباب من ٱلناس يجب أن تكون من دون كَفرٍ للحق. فٱلذى يدعوا يعلم أنّ ٱتخاذ ربٍّ له من ٱلناس لا يكون إلا لمن يخلف بنور ٱللّه ويكون ٱبنا له. فلا يتخذ ربًّا مِن مريض ٱلجسم أو ٱلنفس أو جاهل يظنُّ ويكفر.
وورد فى ٱلبلاغ ٱلتالىّ:
"ٱتخذوۤا أحبارهم ورهبٰنهم أربابا من دون ٱللَّه وٱلمسيحَ ٱبنَ مريم وماۤ أمروۤا إلا ليعبدوۤا إلٰها وٰحدا لاۤ إلٰه إلا هو سبحٰنه عمَّا يُشرِكُونَ" 31 ٱلنُّور.
فٱلقول "ٱتخذوۤا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون ٱللَّه وٱلمسيح ٱبن مريم" لا ينفىۤ أنّهم أرباب ولكن يبيّن أنهم أرباب بما فيهم من روح ٱللّه وبه يخلفون. وهو ما يبيّنه ٱلقول ٱلمحدد لاتخاذ ٱلرّبِّ منهم بٱلقول "من دون ٱللّه".
ٱلألوهة واحدة للّه ٱلواحد. وألوهة ٱلإنسان منه "نفخت فيه من روحى". وهى ٱلتى تجعله يرجع حيًّا إلى ٱللّه. فٱلذى يريد ٱلرجوع إلى ٱللّه وٱلبقآء حيَّا عليه ٱلعمل ليعلم ويبيّن ويثبّت فؤاده بٱلروح ٱلقدس.
وٱلروح هو وسيلة نفس ٱلمرء ليسأل ويسير وينظر ويعلم ويبيّن ويفقه ويؤمن ويخلف فى ٱلنور فيكون إنسانًا إلٰها فى ٱلأرض يصلح فيها ولا يفسد. ويبقى يعمل على توسيع نوره وتوسيع علمه فى كيف بدأ ٱلخلق ويبينه فيمهّد لنفسه رجوعا إلى ٱللّه "إليه ترجعون". وبرجوعه إلى ٱللّه يُسعد ويجنّب نفسه ٱلسقوط فى ٱلحافرة.
لقد أرسل ٱللّه ٱلروح ٱلقدس لجميع ٱلناس من بعد مثله عن ٱلإنسان فى عيسى ٱلمسيح. وقد جآءهم ٱلروح ٱلقدس فى كتاب قرأَه ٱللّه من قلب محمد وجعله ينشره منطوقا بلسانه ويخطه بيده فى صحف. ولن يكون للمرء نفع به ما لم ينزّل فى قلبه ويثبّت به فؤاده كما نزل على قلب عيسى مؤيّدا له فىٰۤ إنسانيته وإلوهته وعلى قلب محمد مثبَّتًا به فؤاده فلم يتركه ينطق عن ٱلهوى. ولن يكون للمرء نفع من ٱلتنزيل ما لم يطهّر نفسه مما يقوله ٱلكهنوت ٱلمجنون من مفاهيم ٱلدين جهلا ونفاقا. فدين ٱللّه لا يظهر له إلا فيما يقرأه من ناموس ٱلحقِّ وأشيآئه أو يعلم ببيان ٱلقارئ ويصدقه. وهذا لن يكون للمرء علم به من دون ٱلسير فى ٱلأرض وٱلنظر فى كيف بدأ ٱلخلق أو ٱلانفاق على ٱلسآئرين ٱلناظرين لتؤلّف قلوبهم وتبيّن ٱلحق وناموسه. ولن تكون له خلافة كاملة إلا بما ملك من بيّنات قرأها بنظره أو صدّق بها وبما نزّل من ٱلروح ٱلقدس (ٱلقرءان) فى قلبه وبما يجهد لتثبيت فؤاده به وبه يعقل جميع ما يكشفه ٱلنظر من دين ٱلحقِّ ويصدّقه.
ٱللّه واحد أحد لا شريك له ولا صاحبة ولا ولد وليس كمثله شىء. وهو ٱلذى خلق ٱلبشر وحشا. وبما نفخه ٱللّه فيه من روحه جعله ءادما. وبماۤ أرسل له من بيّنات وبمآ أيده به من ٱلروح ٱلقدس جعله إنسانا يخلف فى ٱلأرض بجميع أسمآئه ٱلحسنى ومنها ٱسم ٱللّه ٱلذى يعرّفه بأنّه نور ٱلسمٰوٰت وٱلأرض. وبخلافته رفعه حيًّا إليه.
فٱلإنسان له بهذه ٱلخلافة أن يكون ربّا وخالقا وإلٰها وعليما وسميعا وبصيرا وقويا ومقتدرا إلىۤ أخر ٱلأسمآء ٱلحسنى وبها يرجع إليه. لكن ليس بٱلزعم أنّ ذلك ما صار إليه "من دون ٱللّه".
فٱلألوهة قوّة إنارة وهى من قدرة نفس ٱلإنسان على ٱلبيان فى ٱلحق بفعل روح ٱللّه فيه ٱلذى جعله ينظر ويحيط ويعلم بٱلحقِّ وينيره ويصدّقه فيؤمن به وبخالقه. وبذلك لا يكون شريكا للّه ولا معه. وهو ما فعله عيسى بٱلروح ٱلقدس ليكون للناس مثلا على ٱلنور وخلافته وٱلرجوع إلى حىٍّ لا يموت. وقد بيّن ٱللّه ما يملكه ٱلإنسان ٱلإلٰه من قدرة على ٱلفعل بقوله:
"أَنِّىۤ أخلُقُ لكم مِّن ٱلطِّين كهيئة ٱلطّير فَأَنفخُ فيه فيكونُ طيرًا بإذنِ ٱللَّه وأُبرئُ ٱلأَكـمَهَ وٱلأبرصَ وأُحُىِِ ٱلموتىٰ وأُنبِّئُـكم بما تأكلون وما تدَّخرون فى بيوتكم" 49 ءال عمران.
أماۤ أكثر ٱلناس وبفعل جهلهم وخضوعهم لكهنوت وطاغوت فرعونٍ أضاعوا حقّهم فىٰۤ أن يكون كلّ منهم إنسانا. وقد جعلهم ٱتباعهم لظنّ ٱلكهنوت ولجهل ٱلطاغوت يقولون عن عيسىٰۤ أنّه ٱللّه وأنّه ثالث ثلاثة "ٱلأب وٱلابن وٱلروح ٱلقدس". وهذا ما قال عنه ٱلقرءان أنّه "كفر" للحقِّ وجهل به. فٱللّه أعلن أنّه جاعل فى ٱلأرض خليفة وعندماۤ أراد تسوية ٱلخليفة نفخ فى ٱلبشر ٱلوحش من روحه فصار ءادما. ثمّ بعد أطوار من ٱلرّسل وٱلأنبيآء ضرب ٱلمثل على ٱلخليفة ٱلكاملة خلافته بٱلعلم وٱلبيّنات وٱلروح ٱلقدس. وهو ما نزل على قلب محمد كما يبينه قول عيسى ٱلذى ذكره يوحنا فىٰۤ إنجيله:
"وأَمَّا متى جآء ذاكَ رُوحُ ٱلحقِّ فهو يُرشِدُكُم إلى جميع ٱلحقِّ لأنه لا يتكلَّم من نفسه بل كلُّ ما يسمعُ يتكلَّمُ به ويخبركم بأُمورٍ أَتيةٍ. ذاك يُمجِّدُنى لأنَّهُ يأخُذُ مِّما لى ويخبركم" يوحنا 16.
فما ذكره يوحنا من قول لعيسى عن "روح ٱلحقِّ" ٱلذى يرشد إلى جميع ٱلحقِّ: "أنّه يأخذ ممّا لى ويخبركم" يبيّن أنّ ٱلعلم وٱلبيّنات وٱلروح ٱلقدس ٱلمؤيّد به هو ما جآء إلى محمّد تنزيلا من ربِّ ٱلعالمين وهو ٱلقرءان ٱلمبين. وهذا يبينه قوله "ممّا لى". فٱلقرءان نزل على قلب عيسى من دون إذن بنسخه ونشره فى صحف. ثمّ نزل ٱلقرءان ٱلمبين مرّة أخرى كنسخة قابلة للنسخ وٱلنشر على قلب ءادمىّ جعله محمّدا من بعد تثبيتَ فؤاده به. ثمّ قُرأت ٱلنسخة من قلبه منطوقة بلسان قومه ومخطوطة بخطٍ يفرق عن جميع خطوط ٱلناس إلى يومنا هذا. وقد نشرت ٱلنسخة مع إذن للناس كأفراد وليس كجماعات لتنزيلها فى قلوبهم ولتثبيت أفئدتهم بها وعقل لما ينظرون ويبيّنون معها. فتكون لهم بها وبما يقرأون ويعلمون من ٱلبيّنات أو يعلمون بها ويصدقون ٱلخلافة وٱلألوهة وٱلرجوع كما كانت فى ٱلمثل عيسى. وبتنزيله يتغير ما بنفس ٱلمرء وتكبر ٱستطاعته على ٱلإدراك وٱلعلم وٱلفهم وعقل بياناته عن ٱلحق ببيّناته وتصديقه. وبه تكون له ٱلقدرة علىۤ إنارة ما بقى فى ظلمات ٱلجهل وٱلعلم بها وتصديقها فيعبد ٱللّه وحده ولا يشرك معه ءابآء وحكاما وكهنوتا.
لقد جآء ٱلقرءان فى طورين. ٱلأول مع عيسى من دون إذن بنسخه. وٱلثانى مع محمّد مع إذن بٱلنسخ وٱلنشر. وحتى يستطيع ٱلناس فهم هذه ٱلمسألة يحتاجون للعلم ٱلذى تأتى به أفعال ٱلنظر فى كيف بدأ ٱلخلق بما يملكون من منهاج ٱلروح ٱلمنسوخ فى ذريّة ءادم. وبعلمهم وبيانهم يدركون ويعلمون حاجتهم لتنزيل ٱلقرءان فى قلوبهم وتثبيت أفئدتهم به لتكون لهم ٱلاستطاعة على ٱلخلافة فى نور ٱلألوهة.
ٱللّه واحد أحد لا شريك له ولا صاحبة ولا ولد وليس كمثله شىء. وهو ٱلذى خلق ٱلإنسان وجعله فى ٱلأرض خليفة يخلف بجميع أسمآئه ٱلحسنى. فٱلإنسان له بهذه ٱلخلافة أن يكون ربّا وخالقا وإلٰها وعليما وسميعا وبصيرا وقويا ومقتدرا إلىۤ أخر ٱلأسمآء ٱلحسنى. لكن ليس من دون ٱللّه. ولن يكون له ذلك من دون علم وبيّنات يقرأها بنظره أو ينفق من أجلها ويعلم بها ويصدقها ومن دون ٱلعلم وٱلبيّنات وٱلروح ٱلذى خرج من قلب محمد. وألوهته تظهر فى قدرته على ٱلإنارة فى ٱلحق ٱلذى ينظر فيه بفعل روح ٱللّه فيه ٱلذى جعله ينظر ويحيط ويعلم بٱلحقِّ وينيره. وبذلك لا يكون ٱلإنسان ٱلإلٰه شريكا للّه ولا معه ولا مثله. وهو يعلم أنّ عيسى ٱبن للّه وإلٰه بتأييد منه. ويعلم أنّ ٱلابن لا يزعم ألوهة لنفسه من دون ٱللّه لأنّه يعلم بما جآءه من ٱلعلم وٱلبينات وبٱلتأييد ٱلجارى من ٱلروح ٱلقدس فى نفسه. كما يعلم ويقول أنّ ٱللّه هو ٱلذى جعله خليفة بٱلنفخ فيه من روحه ثمّ أرسل له نسخة من ٱلعلم وٱلبيّنات وٱلروح ٱلقدس لينزلها فى قلبه ليعقل ما يقرأه ويبينه بنظره وعلمه مع ما نزل على قلبه فيصدق ويتألّه فينير ثم إلى ٱللّه يرجع حيًّا.
أماۤ أكثر ٱلناس فيظنون ويصدقون ما يقوله كل من ٱليهود وٱلنصارى:
"وقالتِ ٱليَهُودُ عُزَير ٱبنُ ٱللَّهِ وقالتِ ٱلنَّصٰرى ٱلمسيحُ ٱبنُ ٱللَّهِ ذلك قَولُهُم بأفوٰهِهِم يُضَٰهئُونَ قولَ ٱلَّذينَ كَفَرُوا مِن قَبلُ قَٱتَلَهُمُ ٱللّهُ أَنَّىٰ يُؤفَكُونَ" 30 ٱلتوبة.
وما يقولون هو ٱلأفك ٱلذى يوصف به قول كاذب يعلم أنّه يكذب ولا يصدّق ما يقوله. فهؤلآء يقولون بأفواههم أنّ كلا من عزير وٱلمسيح ٱبن للّه أما بقلوبهم فلا يصدّقون. وأكثر ٱلناس يهود ونصارى لا يعلمون ولا يستطيعون بيانا وجميعهم ميتون وفى ٱلحافرة يسقطون.
أماۤ أبنآء ٱللّه وهم ٱلقليل من ٱلناس فيخلفون ويتألهون ولا يخالفون رسالة ٱللّه ولا يزعمون أنّهم ألهة من دون ٱللّه ومنهم عزير وٱلمسيح.
عزير وٱلمسيح ٱبنان للّه سوآء صدّق ٱليهود وٱلنصارىٰۤ أم لم يصدقوا. وٱلابن لا يقول للناس أنِّى إلٰه من دون ٱللّه ولا ولد له ولا ٱتخذنى ولدا بل يقول أنا ٱبن للّه وعبد له وإلٰه يعبد ٱللّه ولا يفسق عن أمره وبه يعمل:
"ومآ أرسلنا مِن قَبلِكَ مِن رسولٍ إلا نُوحِىۤ إليهِ أنّهُ لآ إلٰهَ إلاۤ أنا فٱعبُدُونِ(25) وقالوا ٱتَّخّذَ ٱلرَّحمٰنُ ولدًا سُبحٰنَهُ بل عِباد مُّكرَمُونَ(26) لا يَسبِقُونَهُ بٱلقولِ وهُم بِأمرِهِ يَعمَلُونَ(27) يعلمُ ما بينَ أيدِيهِم وما خَلفَهُم ولا يَشفَعُونَ إلا لِمَنِ ٱرتَضَىٰ وهُم مِّن خَشيَتِهِ مُشفِقُونَ(28) ومَن يَقُل مِنهُم إنِّىۤ إلٰه مِّن دونِهِ فَذَٰلِكَ نَجزِيهِ جَهَنَّمَ كّذَٰلكَ نَجزِى ٱلظَّٰلِمِينَ(29)" ٱلأنبيآء.
فٱلرسول إلٰه بعون ٱللّه له فيما يقول ويبيّن. أما مَن يقول من ٱلرسل أنّه إلٰه من دونه فيظلم نفسه بجهلٍ وبقوله ٱلجاهل يُجزى.
كذلك هو حال غير ٱلرسل من ٱلناس. فعندما يزعم أحدهم بألوهة من دون ٱللّه يكون ظالما لنفسه وجاهلا وظنونا كفرعون:
"وقال فِرعَونُ يَٰۤأيُّها ٱلمَلأُ ما عَلِمتُ لَكُم مِّن إلَٰهٍ غَيرِى" 38 ٱلقصص.
فهو يستند فيما يزعم ويظنّ على ما يملك:
"ونادىٰ فِرعَونُ فى قومهِ قال يَٰقومِ أَلَيسَ لِى مُلكُ مِصرَ وهٰذه ٱلأنهَٰرُ تَجرِى مِن تَحتِىۤ أفلا تُبصرونَ" 51 ٱلزخرف.
أما عيسى فيختلف قوله وهو يقول موكّدًا:
"وقال ٱلمسيح يٰبنىۤ إسرٰۤءيل ٱعبدوا ٱللَّه ربِّى وربَّكم" 72 ٱلمآئدة.
"إِنَّ ٱللَّه ربّى وَرَبُّكُم فٱعبُدُوهُ هذا صِرٰط مُّستَقِيم" 51 ءال عمران.
فهو لا يزعم بألوهة من دون ٱللّه ولا بربوبية تستند إلى ملكية من دون ٱللّه. فمن يتبع عيسى ٱلإلٰه ٱلابن يعلو فى ٱلأرض ويرجع إلى ٱللّه ومَن يتبع فرعون ٱلكافر يفسق وينخفض إلى ٱلأرض ويسقط فى ٱلحافرة:
"فَٱستَخَفَّ قَومَهُ فَأَطَاعُوهُ إِنَّهُم كَانُوا قَومًا فَـٰسِقِينَ" 54 ٱلزخرف.
لقد قال ٱللّه عن نفسه:
"يَسئَله مَن فى ٱلسَّمٰوٰت وٱلأرض كلَّ يومٍ هو فى شَأنٍ" 29 ٱلرّحمٰن.
وقال عن ٱلأشيآء:
"كل شىء هالك إلاّ وجهه" 88 ٱلقصص.
فمن يوجّه وجهه للذى فطر ٱلسمٰوٰت وٱلأرض لا يهلك. أما ٱلذى يقول بثوابت مفاهيم ٱلدين وغيرها من ٱلمفاهيم فهو ٱلذى يهلك لأنّ نفسه لا تقرّ بسنّة ٱلتطور ٱلتى بيّنها ٱللّه فيما قاله نوح:
"وقَد خَلَقَكُم أطوارًا" 14 نوح.
ويخالف وينقض قول ٱللّه عن كتابه:
"ٱللَّهُ نَزَّلَ أَحَسنَ ٱلحديثِ كتٰبًا مُّتشٰبهًا" 23 ٱلزمر.
فكلمة "متشابه" تظهر أنّ ٱلمعلومة ٱلتى جاۤء بها ٱلبلاغ عن ٱلحق ٱلشيئىّ تشبهه. وتبين أنّ ٱلبلاغ يشبه ٱلحق فى كلّ طور نظرى وعلمىّ يوصل إليه ٱلإنسان ٱلناظر. فٱلكلمة ترمز لما تريده ٱللّغة ٱلفصحى بكلمة "نسبية". فهى تدلنا على حركة فى مفاهيم ٱلناس لا تتوقف ولا تثبت. كما تدلّ علىۤ أن ٱلقول بإيمان ثابت ينقض ٱلتشابه ولا يصدّق به. فدليل كلمة "متشابه" هو فى دليل ٱلفعل "شبه" ٱلذى يدل على ٱلتماثل بين أمرين فى ٱلمظهر. وٱلأمران هما ٱلمعلومة ٱلتى جاۤء بها ٱلبلاغ ٱلعربىّ وكذلك نظر ٱلناظر وإدراكه ٱلنسبىّ للحق ٱلشيئىّ.
وبما وصل إليه ما تشابه لنظرى وفهمىۤ أقول أنّ ٱلمرء بما فيه من روح ٱللّه له أن يكون إنسانًا وٱبنا وربًّا وإلٰها وله خلافة فى جميع أسمآء ٱللّه ٱلحسنى ثمّ إليه يرجع حيًّا لا يموت. ولن يكون له أىّ منها من دون طاعة لأمر ٱللّه وحده. فقد أمر ٱللّه عباده بقوله:
"قُـل سيروا فِى ٱلأرضِ فٱنظُرُوا كيفَ بدأَ ٱلخَلقَ ثمَّ ٱللَّه يُنشِئُ ٱلنَّشأَةَ ٱلأخِِرةَ إنَّ ٱللَّه على كل شىءٍ قدير" 20 ٱلعنكبوت.
فَمَن يعبد ٱللّه يطع أمره فيعلم ويتطور علمه وإيمانه وتصديقه ويتعاظم بيانه فيخلف فى ٱلنور. وإذا جعل ٱلروح ٱلقدس مؤيّدا لما فيه من روح ٱللّه يكون له ٱبنا فيتألّه وينير ٱلحقّ ولا يفسد فيه ثمّ يرجع إليه حيًّا لا يموت.
أما مَن يفسق فلا يعلم ولا يبيّن ولا يستطيع جعل ٱلروح ٱلقدس يؤيده. فيبقى ثابت ٱلمفاهيم وثابت ٱلإيمان فيهود نظره إلى سلف موتى ليأخذ منهم ٱلعلم بكيف يؤمن وينسى تكليفه بٱلنظر وهو حىّ فيموت ويسقط فى ٱلحافرة ولا يرجع إلى ٱللّه ٱلحىّ.

#سمير_إبراهيم_خليل_حسن (هاشتاغ)      

---

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين	حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات