س: والآن ، فلنترك السياسة ونرجع الى المحور الثقافي ، كما قلنا سابقا انكم اخترتم مجالات عديدة ومنهم كتابة الرواية كما نعلم ان اول رواية لكم هي رواية "الموسوي" التي طبعت عام 1979 ، الى أي مدى استطعتم تجسيد شخصية الانسان بكل همومه في هذه الرواية؟
ج: تلك الرواية هي ملامسة اولى للمحرم ، واعني بالمحرم هنا الفرد الذي يخرج من معطف القبيلة ليتشرد عاريا ، سوى من ذاكرته الشخصية واقدامه ، ليبدأ اكتشاف العالم بقدميه.. في فترة اصدار تلك الرواية كنت شابا صغيرا رأسي اصغر من اقدامي ، ولكن حدسي كان اقوى من الوعي بالاشياء.. لو توقفت الآن امامها لقرأت فيها مقاطع هي خليط من الشعر والرواية ، مثلا: الحياة لا تفتح ذراعيها لمهزوم.. عندما اقرأ مثل هذه الجملة اكتشف انه استخلاص مبكر على شاب ، هذا من جانب ، من جانب آخر كانت تلك الرواية صدقا للحقائق الروائية في المحيط السوري ، واعني الرواية التي تقوم على السرد والاساسيات ، لذلك قوبلت بمواقف نقدية تراوحت بين اثنين:
ـ الاول تضامن معها حتى العظم دون ان يفهمها او يفهمني .
ـ والثاني تنكر لها لدرجة انه لم يفهمها او يفهمني ، وكان علي ان لا اقرأ لا هذا ولا ذاك وان اقلع عن اصداري عمل روائي لاحق معتبرا ان الرواية حقيقتي الشخصية وسري الشخصي كما جسدي الذي لا يجوز ان اعريه في زحمة الحميدية او امام بقية المخلوقات سواي .
س: هل لديكم مشاريع روائية اخرى؟
ج: كانت لي رواية قيد الطبع ، هذه الرواية تحولت الى مسلسل تلفزيوني من ثلاثين حلقة ، هي قيد الانتاج الآن.. وقبل ان تسأليني ما هي ، سأقول لك انها رواية ابطالها الناس الهامشيين الذين يحيطون بالمدينة العربية فيكونون وقود احتراقها.. بين هؤلاء ثمة عبقريات مختبئة.. عبقريتها يمكن اختصارها بانها ما زالت قادرة على العيش.. مجرد العيش (الممل) بطل فرد يعيش في غرفة مغلقة فيها اطنان من الضوء.. الرجل مصر ان يكون مملا ،فيمل من الملل ويتحول الى رجل مسل ليكتشف مرة اخرى ان التسلية مملة ، وعبر الانتقال من الملل الى التسلية الى الملل يعيد اكتشاف عالم ممل ، المرحوم فاتح المدرس تمنى لو يأخذ هذه الرواية معه الى المقبرة كي لا يصاب بالملل .
س: كاحد المهتمين بالفلم الوثائقي ، الفلم الوثائقي ام الفلم الروائي ايهما يجعل من التاريخ حيا؟
ج: انا منحاز للوثائقي لسبب بسيط لان الحياة اكثر ثراء من الخيال شرط ان تستنفر خيالها على الاخر.. في كل تفصيلة من الواقع هنالك بلاطة روائية علينا الوقوف عليها.. مع ذلك فالمسألة تعود الى الشخص الذي ينتج هذا او ذاك.. هذا سيقودنا الى تشيخوف ، فالافكار على قارعة الطريق ومن قارعة الطريق يخرج انسان يليق بالحياة وآخر يهرب القبر منه وتغلق المقابر ابوابها بوجهه ان رأته .
س: نقف عند كتابكم "ظلال الشخصية" والذي طبع واصدر على اربع اجزاء وايضا كان لك برنامج في التلفزيون السوري باسم "ظلال الشخصية" ما السبب الذي دعاك لتقديم الانتاجين بهذا الاسم ، لماذا ظلال الشخصية؟
ج: بالاساس كان هناك برنامج تلفزيوني اسمه ظلال الشخصية ، البرنامج حولته دار الطليعة الى كتاب ، اما لماذا ظلال الشخصية ، فلان الانسان في ظلاله وليس في تكوينه الذي نراه الان.. دائما كانت الشخصيات كافة في تاريخ البشرية تلقي بظلالها على الاخر ولقد بحثت عن هذه الظلال.. واجهدت في البحث ولكن ربما لم اصل الى حقائق العنوان لسبب واحد او لعدة اسباب.. السبب الواحد هو ان ضيوف هذا الكتاب والبرنامج دخلوه وهم مثقلين بالاخر الذي يراقب حقائقهم فخجلوا بحقائقهم لا لان حقائقهم مخجلة بل لانها التابو ، والاخر الضد يقف امامهم ، انها مشكلة القهر التاريخي الذي يجعلنا نخاف من حقائقنا بما فيها الجميلة منها.. احد ضيوفي كان روائيا مشهورا رسم شخصية العاهرة في رواياته مستمدا هذه الشخصية من امه.. اضطررت في مقدمة كتابي ان اقول : "الرجل تبرأ من امه ، لو كانت لي ام مثل امه لغسلتها بماء الورد ، المحصنات يحملن التاريخ ولكن العاهرات يجلسن فوقه."
س: ما هو مدى علاقتكم بالمسرح ؟
ج: عرضت لي مسرحية واحدة ، وهي مسرحية "سهرة خاصة مع حنظلة بن ناجي العلي" وعرضها المسرح الوطني الفلسطيني في صالة القباني بدمشق ، ثم في بيروت ثم في دمشق ثانية ، والمسرحية هي احتفالية ، ساخرة دامية برسام الكاريكاتير الذي مات اغتيالا بفعل مجهول.. ناجي العلي ، المسرحية هي لحظة وفاء شخصي.. شخصي صرف لناجي العلي وليس للمسرح فقد كان الرجل صديقي مرتين ، مرة في الحياة ومرة في صباحات صحفية التي تنشر رسوماته .
ثمة مسرحية اخرى اقتناها المسرح القومي السوري عنوانها "انا وهو والكلب" وكان المفروض ان تعرض في هذا الموسم ، غير انها وقعت بين يدي مخرج هو الاقرب الى مقعد في صالة اكثر مما هو لغة المسرح.. خفت عليها ان تتحول الى مقعد فاوقفت انتاجها ولست حزينا .
س: هل من الممكن للسينما ان تستفيد من المسرح؟
ج: بالتأكيد فالسينما هي في البداية آلة مسرحية تنكرت لامها واخذت استقلاليتها وباتت مفردة ولكن حين تنام وفي الاشرطة لابد وان تحن الى الام..الى المسرح..احدى المشاكل العميقة في السينما ان تتحول الى مجرد صناعة تكنولوجية .
س: كصحفي واعلامي نسألك كيف يجب ان يكون دور وسائل الاعلام العربية والعالمية تجاه القضية الكردية وخاصة تجاه قضية الابادة الجماعية ، الانفال وحلبجة؟
ج: اعتقد ان الاعلام العربي عموما باستثناء الفضائيات التي ولدت حديثا مهتمة بكل ما لا يهم مواطنيها اولا فماذا عن الهموم الانسانية العامة؟ القضية الكردية هي القضية الابرز الان في المنطقة ، وبالتأكيد هي الابرز في المستقبل وادارة الظهر لها لا تعني الغائها..من الطبيعي ان تكون القضية الكردية قضية هاجس أي صحفي عربي..هذا اذا خرج الصحفي العربي من دوائره الضيقة باتجاه الدائرة الاوسع .
س: ولكن نلاحظ ان الاعلام العربي دائما يحاول ان يقدم صورة النظام العراقي للعالم والمجتمع الدولي على انه نظام يستطيع ان يقود بلاده بسلام وامان ، الا تعتقد ان هذا النوع من الاعلام لا يخدم الانسانية بشكل عام والعراق واقلياته القومية بشكل خاص؟
ج: الاعلام (اعلامات) وليس اعلاما واحدا ، وهو يعكس حقائق مواقف الانظمة التي تمول وترعى وتامر وتنهي وبالتالي فان المحصلة هي ناتج المقدمات . حين يصبح الاعلام ديموقراطيا سيسعى على الاقل بحكم اخلاقيات المهنة الى النقاط المتفجرة واذا لم يكن بحكم اخلاقيات مهنة فبحكم اخلاقيات الانسان الذي لا يستطيع الا ان يكون منحازا الى الحقيقة .
س: برأيكم كيف يجب ان يكون الاعلام الكردي لتعريف وتدويل عمليتي الانفال وحلبجة على اوسع نطاق في العالم والدول العربية؟
ج: مشكلة الاعلام الكردي انه ما زال اسيرا للاحزاب وبالتالي فهو مصاب ايضا بامراض الاعلام العربي . القضية الكردية اكبر من اعلامها ، وواضح ان الاعلام الكردي اضيق من الاسئلة المطروحة على الشعب الكردي..انني اعتقد ان الاعلام الامريكي والاوروبي كان اكثر تأثيرا في توضيح القضية الكردية من الاعلام الكردي ، الاعلام لا يكون اعلاما الا اذا كان وراءه وامامه وفي ثناياه هاجس الديموقراطية .
س: ما هو تفسيركم لتهدم الاواصر بين المثقفين العرب والكرد الى حد ما ، من المسؤل عن ذلك؟
ج: اولا كلمة مثقف كلمة فضفاضة واسعة تتسع للمهرجين كما تتسع للمسكونين بالهموم العميقة، هذا اولا ، ثانيا المثقفون العرب اما افرادا لا حول لهم ولا قوة واما انهم تابعون لمؤسسات هي التي توزع النعمة والنقمة وتسمح وتمنع وبالتالي فالمثقف الفرد الاعزل لا يستطع تأكيد حقائق امة ، ان المثقف المأسور بجدران مؤسسات الانظمة والاجهزة والحكومات فهو محكوم بشروطها وضرورياتها هذا قد ينطبق او بالاحرى ينطبق على المثقفين الكرد والاعمى لا يقود الاعمى على حد قول السيد المسيح..ليكون هنالك تواصل ما بين ثقافتين لابد من مؤسسات ترجمة ، حوار..الخ وليكون ذلك فلابد من مؤسسات ينتجها مثقفون انفسهم لا مؤسسات حكومية متعالية عليهم وعلىشعوبها بدءا من سائق التاكسي وصولا الى عازف الكونشيرتو .
س: واخيرا نسألك هل تزور كردستان.. هل تتمنى ان تزورها ، ماذا تظن بالعالم الكردي؟
ج: اتمنى ذلك ، بل ربما تأتي هذه الامنية في المرتبة الاولى بين اولويات الامنيات..ازورها لا كسائح بل كفعل وان تفتح لي فيها بوابات السؤال الذي يفتح نافذة اجابة بحجم قيمه التاريخية والحضارية والسياسية لشعب ربما كان شظان هو صوته في الموسيقى ولابد من اصوات اخرى تضاف الى صوته..بالمناسبة عندما اسمع الموسيقى الكردية اشعر انها الصوت القادم من
الازل..صوت ما قبل الدولة والملكية والعائلة وحلبجة .
5-2001