أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - حقوق الانسان - ناجي محجوب محمد - ذكرياتي في السعودية ( احتياطي النفط واللامعقول)















المزيد.....


ذكرياتي في السعودية ( احتياطي النفط واللامعقول)


ناجي محجوب محمد

الحوار المتمدن-العدد: 2122 - 2007 / 12 / 7 - 10:59
المحور: حقوق الانسان
    


ذكرياتي في بلد اللامعقول: السعودية( قهر- حزن - جنون)
قادني حظي العاثر- مثلي مثل الملايين من الحالمين أو المتطلعين إلى وضع اقتصادي أفضل- إلى ذلك البلد العربي لأقضى فيه أكثر من أربع سنوات، وكما يصف القرآن قسوة نار جهنم: فإن اليوم فيها – السعودية- مقداره خمسين ألف سنة. في الحقيقة، الحياة في المملكة العربية السعودية تتصف بصفات فريدة، وقاسية، بلد تتحكم في ثروته البترولية الهائلة، فئة من الأمراء المتغطرسين، يحتمون، أو يحميهم نظام ديني استبدادي، غاية في الرجعية، والأغرب من ذلك، أن الولايات المتحدة الأمريكية وبعض الحكومات الغربية، تدعم وتغض الطرف عن ممارسات واستبداد نظام ( اللاهوتي/ ديكتاتوري) السعودي ، بمعنى أنها لا تهتم بتقديم أي فعل قد يتم به تحوُّل ديمقراطي أو اصلاحي في السعودية، بقدر اهتمامها بمصالحها الاقتصادية والسياسية الخاصة، ولما تقدمه لهم السعودية من دعم مادي بلا حدود مقابل حمايتهم.
ذكرياتي هناك، كثيراً ما يقشعِّر لها بدني، لما في ذاك البلد من ظلم – حقيقة ظلم- وامتهان لكرامة الإنسان- سعودي أو غير سعودي-، ففي الحقيقة، فان السلوك المتعالي الذي يمارسه الأمراء ضد بقية الشعب السعودي، ينعكس نفسياً مباشرةً، في التعامل السلوكي للإنسان السعودي مع العاملين معه من الأجانب، في شكل تعويض نقص– بالضبط كما تشرحه مدارس علم النفس الحديث – تعويض للكرامة "المُضاعة".
غالب حياة الناس الوافدون إلى السعودية لأجل العمل، يسودها القلق والخوف، من عوامل مختلفة، مثل أن جو العمل غالباً ما تطغى عليه مزاجية صاحب العمل، - بدون مراعاة لما صحيح وما هو خطأ! وحقيقة أن سيطرة رجال الدين وفرض أسلوب حياة بدائي عليهم ، جعلهم أناس مزاجيين وعاطفيين من الدرجة الأولى ( والتدخُل العقلي) المنطقي لفهم وتسيير أمور حياتهم ، أقل ما يكون. إضافة إلى (القوانين) الخانقة وجو العمل غير السليم، أيضا ما يسمى ب (الكفيل) والذي قد يقوم في أي لحظة باستغلاله بطرق مختلفة مثل أن يطلب منه -وفي الحال- بان يدفع له المبلغ الفلاني من الريالات، وإلا سوف يواجه خطر التسفير إلى بلده، فيضطر إلى تدبير المبلغ مهما كانت قسوة هذا التدبير. من يسمون ب ( المطاوعة) أيضا لهم دور بارز في السعودية، فهم يمارسون صفات المرشد، الناصح، الآمر، الناهي، الزاجر، المُعاقب، المُرهِب، ويمارسون هذه (الهواية) أكثر ما يكون مع الأجانب، فقد يجدونك جالسا وقت الصلاة في مكان ما، فيجبرونك على الركوب مع في عرباتهم الفارهة، وإجبارك على الصلاة معهم أحياناً لصلاتين متتاليتين، وكثير من مناسبات الأفراح التي تتم في أطراف المدن السعودية يتم إفسادها بهؤلاء المطاوعة، ينزلون من عرباتهم وبكل جلافة يوقفون الحفل أو الجلسة بحجة ان هناك اختلاط! (اختلاط الرجال بالنساء) ولا يملك من خُرِب عليهم حفلهم إلى أن يضربوا كفا بكف والنساء إلا أن يزرفنَّ الدموع... وكما قال الشاعر مطر: لمن تشكو.. أللقانون تشكي والقانون معدوم الضمير.. أإلى خُفِ بعيرٍ تشتكي ظُلم البعير...!
المرأة في السعودية هي أكبر الضحايا، والأشد ضرراً من هكذا نظام، ففي الحقيقة، هي تكاد تكون محرومة من كل شيء، فالتقييد والكبت والحِرمان الذي يُمارس عليها يجعلها كالمشلولة، ليس في مقدورها أن تحيا حياة طبيعية، مثل الأخريات في كوكب الأرض هذا، ما يسمى بالزي الإسلامي الذي تُجبر على لبسه، يجعلها ككائن مجهول، ودائما مثار الريبة والشك- رغماً عن كل الخداع والهراء الذي يبث صباحَ مساءْ عن تكريم المرأة- لا يسعك إلا أن تشفق عليها وهي على تلك الحال، عباءاتهم تمسح الأرض كل يوم، وتحمل الأوساخ، من المستحيل أن تتزوج المرأة بالرجل الذي تريده أو تتمناه وهي مكبلة هكذا، بالطبع. وهي أصلاً من الصعوبة جداً ان تتعرف أحداً ما، حتى تلميذات المدارس في عمر السنوات السبع، تُفرض عليهم هذه العباءة العجيبة، تجدهن يجرجرنها بكل براءة بُعَيد شروق الشمس كل صباح، كعبء ثقيل على أجسادهن وأرواحهن الخفيفة.
أنا لاحظت أن المرأة السعودية تتوجس بشدة من الرجل، وتتعامل مع الأغراب بحذر مبالغ فيه، في الحقيقة وبوصف أدق، فإن الأغراب هم السعوديون بالسبة لها، لكنها تستطيع التعامل مع الأجانب باطمئنان وثقة، ربما لإحساسها واعتقادها بأن الرجل يريد فقط جسدها! بالطبع، هي متأثرة بالكم الهائل، من التحذير والوعيد، الديني/ المجتمعي، الذي يستحوذ على فكرها أو تفكيرها محذراً لها من مَغَبة "التفريط" في جسدها! . وحال الشباب كذلك، ليس أفضل من النساء، فهم يعانون من بؤس حقيقي، تلحظه من أول نظرة، في العيون الحائرة، والعقول الذاهلة، ولسان حالهم يقول دائما( والله ما أدري ايش اللي صاير). لا يمكنهم خلق والتمتع بتواصل طبيعي مع (حبيباتهم) من الفتيات، إلا عبر رمي أرقام الموبايلات في الأسواق العامة الكبيرة، أو أمام مدارس البنات الثانوية والابتدائية، في أكثر المشاهد الكوميديتراجيدية في عصرنا الحديث.
أنا، تعطلتُ لما يقارب الثمانية أشهر بدون عمل، وكنت الأشد "شغفا"ً للعمل بمجرد وصولي وأرجع على وجه السرعة!!، سمعتُ من زملاء السكن قصص ترهب الفؤاد عن ما يمكن أن أواجهه لمجرد أي هفوة عفوية أو نظرة تجاه (حُرمة) سيدة، واحتجّت هيَّ على تلك النظرة! كان نومي أشبه بالكوابيس، واختلط على الزمان والمكان، وكأنني رقم من أرقام نسبية اينشتاين!. الإعدام بالسيف مخصَّص له يوم الجمعة، بعد الصلاة، لمن يرميهم حظهم العاثر لهذا المصير، وأغرب شيء أنني لاحظت بعض الناس يبتهجون وهم يحْكُون عن قصة الرأس المفصول عن جسده وهو يقفز ويقع على الأرض بُعَيد ( قَصِّه)! ... كُنت أخاف على نفسي من ازدياد موجة الجنون عليًّ، لكنني كنت أتدثّر بالبطانية وبعض كتب الفلسفة التي زادت من ذهولي وضياعي!.. كنت استغرب منهم بشدة وألَم وهم يحكون عن (صلاح) عائلة آل سعود وحكمها العادل- كانوا يزجرونني بأن هذه (الكبسة) الدسمة من خيرات وعطايا آل سعود ( حفظهم الله!)... ويذهبون إلى الصلاة.. وبعد الصلاة مباشرة، يتناسون عدم صدقهم مع أنفسهم بالخمر، أو ربما أسباب نفسية نتيجة تراكمات واقع مفروض بقسوة عليهم، وينامون ثملين حتى نهارَ عذاب أو عذابَ نهارٍ جديد !
إبان أحداث الحادي عشر من سبتمبر كان المتدينون أو بدقة أكثر رجال الدين الموظفون في بلاط جلالة أمراء السعودية، هم الحائزون على كل شيء وهم كانوا يُعتبرون صفوة المجتمع، بعد الأحداث انقلب كل شيء، وصاروا مصدر ريبة وشك، من قبل نظام الحكم، وصارت صورة السعودية في معظم وسائل الإعلام العالمية تصور باعتبارها مصدر وكهف للقسوة والإرهاب والتخلف واحتقار الإنسان، لهذا فقد بدأ النظام يرتاب فيهم ويحقق معهم ويتجسس عليهم، للحرج البالغ الذي أوقعته فيه أحداث تفجير بُرجي التجارة الأمريكيين.
في السعودية( الحالية) يعاني الإنسان من شتى أنواع الكبت، كبت أفكاره، إحساسه، ألمه، فرحه، كبت شامل يسبب إحساس حقيقي بالدمار الشامل! أغلب الأشياء الجميلة هناك مستنكرة، وكثير من الأشياء القبيحة هناك سائدة وتمارس بكل اعتيادية وكأنها بلد لا تعيش على كوكب الأرض.
بالنسبة لي، في بدايات أيامي هناك، وعندما وصل بي اليأس من فرصة عمل مناسبة، قلت سوف أعمل بأي مبلغ حتى ولو بمائة ريال، وأنا كنت المتطلع إلى الآخرين لكي يجدوا لي فرصة عمل مناسبة، لكنه الحظ وربما سوء تقدير، كان مني. عملت مع سعودي متعجرف، لا يهمه إلا ملذات نفسه وجمع المال، ورغم انه تعلم في أمريكا ويتحدث الإنجليزية بطلاقة، لكنه لم يغادر بداوته كثيراً، وحتى الصفات الجميلة التي في البدوي، كانت مغادرة له. أنا كنت قلقاً ومتوجساً من أن أصنع شاياً أو طعاماً لأيٍ منهم، على ضوء ما سمعته من احتقارهم للذين يعملون معهم، لكنني في ذاك اليوم، وكما وصف القران لحظة الموت ب – فبصرك اليوم حديد – ( بالمناسبة، دائما يخطر لي تأويل غريب لهذه الآية)، كان عملي أن أقوم بطباعة بعض الخطابات الخاصة بعقاراته ومصنعه، لكنه بدأ يطلب مني أن أصنع له القهوة، ترددت بشدة، هل أقبل ويعصرني الحزن أم أرفض وربما أرجع إلى العطالة مرة أخرى، الذي حدث أنني صنعت القهوة له، وكنت اصنعها له كل يوم، وأنا أراقبه بتمعُن، كأنني طبيبه النفسي المعالج! ومنذ ذلك اليوم، بدأت قوة إحساسي وإدراكي تدرك مدى العنصرية والجهل اللذان يسكنان نفوس الكثير منهم بسبب الواقع الاجتماعي المأساوي الذي يفرضه عليهم النظام الملكي المُستبد لعائلة آل سعود الحاكمة في السعودية. ومن النادر جدا أن تجد منهم من يتعامل معك بندية، نظرة إنسان لإنسان، ليس فيها أي من مشاعر أو نزعات التعالي أو ربما (التفوق)، حتى وان نافَقَ بذلك، لكن شعوره وتفكيره الحقيقي، دائما ما تفضحه حركات عيناه ونبرات صوته. مرة طلب مني ذلك الرجل أن اكتب له خطاب استجداء لأحد أمراء ( الطبقة الأولى) لأن الأمير كان قد اشترى منهم قطعة أرض في حياة والدهم، وذلك الأمير لا يريد أن يدفع المبلغ ( مبلغ كبير)، طلب مني أن أكتب الخطاب قائلا لي: أنتم السودانيون تجيدون التعبير!، وطلب مني أنdo the best) )، وأتذكر من العبارات التي طلب مني كتابتها (يا صاحب السمو الملكي، حفظه الله، معروف عنك الكرم، ومساعدة المحتاج، والرأفة بالمسكين، ومعروفة صفات عدلك وشهامتك، أنتم الذين رفعتم اسم المملكة ونشرتم الشريعة، وتحافظون على أمن المسلمين وطمأنينتهم، والذي أرجوه منك أن يتكرم سموك الكريم بالإشارة لدفع المبلغ المطلوب، ولا عدمناك يا صاحب السمو الملكي!)، وعندما سألته أنا: "لماذا لا يريد الأمير أن يدفع المبلغ وبهذه المدة الطويلة" قال لي: " هو ابن الملك، يفعل ما يشاء، ويضع نفسه فوق الجميع" !
كانت العادة السرية، سلوى وعذاب، ملاذاً في الليالي الحالكات! للأسف.. ما البديل؟ لا مفر... على الأقل قد تُخرج الإنسان بصورة ما من جو الإحباط واليأس الذي يغطي تلك البلاد كما ضوء الشمس والأوكسجين. كنت شغوفا أن أرى – على الطبيعة ما قرأته في الشعر الجاهلي وما بعده من إبداع في وصف المرأة العربية، لكنني حقيقة تحسرت على تلك( الموارد البشرية) المهدرة عقلياً، جسديا ونفسياً، وأكثر ما تحسرت عليه الإهدار الجسدي!، كيف لجمال فتان كذاك، يموت، هكذا.. وكأن لم يكن شيئا، إلى العدم! حقيقة يا للحسرة!. تموت الأُسدُ في الغابات جوعاً** ولحم الضأن تأكله الكلاب. الأُسدُ هم الرجال، والكلاب هي العدم، إن جازت المشابهة!.
إذا أراد أجنبي أن يتزوج امرأة سعودية، فإن هذا لا يمكن أن يتم إلا بموافقة ملكية! كم هو الجهل يصنع الغباء ويقتل الحلم والأمل، أمل نساء السعودية في حياة سعيدة!. أتذكر ويا لسذاجتي وبراءتي،عندما كنت أقف في صف التأشيرة أمام السفارة السعودية في الخرطوم، كنت أحلم بأنني أصادق الأميرات والسعوديات اللواتي قال الشعراء العرب أجمل الكلام - كنتُ أبوح بأحلامي ورغباتي لمن هم جواري في صف الأحلام، أمام السفارة، لكنهم كانوا يضحكون ويسخرون من كلامي( أحلامي)- لكن يا لأسفي وأسفهنًّ، منعني منهن ومنعنهن منِّي جدران إسمنتية لا تحس ولا تشعر، ففي السعودية توجد ملايين من السجون والقلاع الحصينة للإقامة الإجبارية للمرأة، وكأن كل نساء السعودية هنّ زعيمات سياسيات، يردنًّ أن يقتلعنًّ تاج العرش من رجال آل سعود ويتوجنًّ به أنفسهنًّ! ولكن .. وكما يقول الناس قدر الله وما شاء الله فعل – هي كذلك: قدر آل سعود وما شاء آل سعود فعلوا!.
طريقة السلام والتحية التي يؤديها الرجال (فقط) على الرجال (الأمراء) هناك، تبعث على الشفقة، يجلس أمير على كرسي، بغرور وغطرسة، ويمد يده، ثم تأتي صفوف الناس وتقبلها بسرعة ورهبة، وتذهب، دون أن يتحرك له جفن، أوضح إشارة على مدى تخلف واستبداد النظام الملكي في السعودية.
طريقة التعاطي أو التعامل مع الأفراد في السعودية تختلف من ناحية الاحترام والتقدير والحرص واللامبالاة مع الشخصية في أي موضوع ما، على حسب جنسيته، فالأمريكي والأوربي والاسترالي ( مواطني الدول المتقدمة ) يعاملوا أحسن معاملة وبحرص وخوف واحترام مُتصنع في غالب الأحيان مهما فعلوا، ولهم (حصانة) مبالغ فيها، يمكن النظر في حادثة الممرضتان البريطانيتان عندما اتهمتا بقتل زميلتهما في السعودية، وكانتا تواجهان حكم القتل بالسيف، و(هاجت) وسائل الإعلام الغربية ضد السعودية، فاضطرت السلطة الأميرية للتدخل ودفع دية الممرضة القتيلة، وإطلاق سراحهن. لكن، وفي المقابل فان مواطني الدول الآسيوية والأخرى المستضعفة، فلا يمر أسبوع إلا وتسمع عند إعدام مواطن من آسيا بسبب حشيش أو كوكايين أو غيره، ويموتون في السجون السعودية بالعشرات، وأمراء السعودية نائمو الضمير، يستغلون ظروفهم، ولا يهتمون بهم، لأن حكوماتهم ضعيفة وليست بقادرة على السؤال عنهم!.
في الحقيقة أنا قابلت عدد من السعوديين، كرماء، وأُصلاء، وكنت أعتز بصداقتهم، واشتاق إليهم الآن، حتى أن شاباً في الرياض أهداني جهاز كمبيوتر، وكانوا في الإحساء يدعوننا في رمضان لتناول وجبة الإفطار ومناسبات أخرى وكنا نذهب دوماً.
في المقابل، كان (كفيلي) أيضا أمير! وفي السعودية يتطلب أن تقوم بعمل ما يسمى ( بتجديد) الإقامة سنويا مقابل مبلغ مادي ويشترط لذلك موافقة( الكفيل)، وهي قصة تراجيدية تسبب قلقاً بالغاً للعاملين في ذاك البلد، بالنسبة لي، ومن أول سنة طالبوني بنقل كفالتي لكفيل آخر، بدعوى أن هذه الاقامات صدرت بدون علم الأمير، وأن من استخرجها هو الوزير بدون علم الأمير!، وعندما طلبت إذن استخراج رخصة قيادة طلبوا مني مبلغ 500 ريال سعودي، لم يكن بمقدوري مطلقاً أن أدفع هذا المبلغ، فقط لإذن رخصة قيادة، وبدون المصاريف الأخرى التي تقارب أيضا 500 ريال، وعندما يئست منهم، وكان هناك أيضا خطاب يسمى ( خطاب التنقل) تجبر على استخراجه لغرض السفر من مدينة إلى مدينة داخل المملكة ، حتى ولو أنت تحمل رخصة إقامة ، ( تم إلغائه الآن بعد تدخل منظمات حقوقية كما ذُكر)، وأيضا تسبب المبلغ المطلوب من حرماني للسفر إلى مدينة جدة. تركت كل شيء وبدأت أتجول وأسافر من الرياض إلى الدمام وأوراقي منتهية الصلاحية، بعد مرور حوالي سنتين، أصررت على السفر، وبعجلة، دون أي تأخير، لكنهم أيضا أدخلوني سجن ما يسمى بسجن ( التزوير) لأن إقامتي صدرت بدون علم الأمير! كما ادعوا. وبعد ثلاثة أيام إلى سجن الرياض، وهو قصة أخرى، السجن ممتلئ عن آخره، لا تجد موطئ قدم، بعض الناس ينامون وهم جالسون، ومعاملة قاسية، من شرطة السجن، أن كان هناك احد مريض أو في حالة طارئة، لا يهتمون مطلقا، حتى ولو تكسر السجن على رؤوس الجميع. بالنسبة للطعام، فقد كان رديئا للغاية، عبارة عن ملاح من نبات القرع أحيانا لكنه في الغالب يكون بائتاً من اليوم الذي يسبقه، وكانت هناك أقاويل وادعاءات بأن الطعام رديء لان بعض المسئولين يتَكَسَبون من إدخالهم لبعض الأفراد إلى داخل السجن ويقومون ببيع الأطعمة بأسعار مضاعفة عما هي عليه خارج السجن للمساجين الغلابة، صندوق البسكويت وزجاجة العصير، هي في خارج السجن بريال واحد، لكن عمال المسؤولين يبيعونها في الداخل بريالين، والناس كانوا مضطرون لشرائها بأي سعر، لكن للحقيقة عندما تم نقلنا من سجن الرياض إلى سجن جدة، كان الطعام في سجن جدة، جيد ومتوفر، وفي سجن جدة لم يكن يوجد أفراد يبيعون الطعام داخل السجن للسجناء، وهذا يؤكد الشكوك في استغلال جهة ما في السجن، لذاك الوضع، وتعمد رداءة الطعام المجاني من قبل السجن، لأجل الكسب المادي.
في الحقيقة، وأنا لا يهمني غير الحقيقة، السعودية تنتهك حقوق الإنسان بصورة سيئة للغاية، مثلا: أنا وجدت أن الكثير من السجناء في سجون الرياض وجدة، يبقون في السجن بالشهور الطويلة، لان من يكفلونهم، فقط يكونوا قد بلغوا عليهم الجوازات باعتبارهم (هاربين) منهم، ويتم القبض عليهم بواسطة (الجوازات) وهي سلطة للتعامل مع الأجانب في السعودية، ويتم إيداعهم السجن( الهاربين)، حتى يحصل حضور كفيل كل منهم، ويمكن أن يبقى السجين في السجن لمدة ستة شهور، وقد صادفت سوداني في السجن، لان كفيله الضابط أراد أن ( يؤدبه وبعد ذلك يسفره إلى السودان) أبقاه في السجن لمدة ستة اشهر، وضاعت نقوده داخل السجن، وصار بنصف عقل!. عدد من المرضى ماتوا داخل سجن الرياض، في الليل، لأن عساكر السجن كانوا يرفضون ولا يستجيبون لنداءات الناس داخل السجن لإسعافهم.
لو رجعت إلى الرحلة من سجن الرياض إلى سجن جدة، فقد كانت شاقة ومرعبة، لأننا منذ تحركنا من سجن الرياض حوالي الساعة الرابعة عصراً، (كان كل شخص مربوط بشخص آخر من اليدين بواسطة سلسلة حديدية)، الشيء المؤلم إنه لم يكن توجد ولا نقطة ماء في البص الذي كان ينقلنا، فمن الساعة الرابعة عصراً والى الساعة الثامنة مساء، كاد العطش أن يقتل الجميع، وكنا نضرب جدار البص الحديدي بكل قوة، ويأس.. لكن لا حياة لمن تنادي!لم يراعوا انه قد يكون هناك مرضى في البص، ومعروف خطورة أمراض الكلى ومن يحتاجون تناول أدوية ما. كان احد رجال الشرطة في الأمام يجلس مع السائق يحمل معه ما لذ وطاب من أنواع مختلفة من العصائر غالية الثمن، والسجائر، وينظر بعينين حالمتين مبتسماً رائق البال، إلى الأفق البعيد!، وفي الأفق القريب من خلفه إخوانه في الإنسانية يتعذبون!، هل كان يشكر الله لأنه نجاه من عزابه؟!. كنا ندخل الحمام اثنان اثنان، في سجن جده ورغم انه كان أفضل من ناحية الغذاء بكثير عن الرياض، في الحقيقة، لكنني أتذكر، وبمجرد وصولنا، أخبرونا بأنه: -ولأي منا- من لا يدفع قيمة (تأمين) لحقيبته أو ممتلكاته فانه لن يجدها عندما يريد أن يسافر، أنا كان عندي حقيبتان بهما كتب ومجلات، وحقيقة أخرى للملابس وجهاز كمبيوتر، طلبوا مني مبلغ 500 ريال تأمين!! فقط لنقلها من السجن إلى الباخرة عندما يحين ميعاد السفر (الترحيل)، وعرفت أن هناك شركة ما، كانت تحتكر هذه العملية، ولها صلاحيات مطلقة! حقيقة انه أسوأ أنواع الاستغلال، أن يُستَغل ظرف إنسان في هذه الحالة، وربما لا يملك شيئا في هذا الظرف بالتحديد، وتضيع ممتلكاته وتذهب إلى جهة ما، ليس لها أي حق فيه- وفي دولة ينام البترول في باطن كما المحيطات!!- وأنا عندما احتججت عليهم بصوت عالي – جلب انتباه كل المنطقة حول السجن- وقلت لهم هل أنتم تنقلون هذه الأشياء بواسطة قمر صناعي لكي تكون بهذا الرسم المبالغ فيه؟- بعض رجال الشرطة السعوديون جعلوا يضحكون على تعليقي، لكن أحد الموظفين اغتاظ من كلامي واستل عقاله من رأسه وهددني بالضرب، عموماً بعد دخول الوساطات قبلوا مني مبلغ 200 ريال، وأنا أتخيل إن لم يكن معي هذا المبلغ، من المؤكد كانت سوف تضيع مني أشيائي!!
وجدت في السجن، احد مواطني السعودية، أصوله من النيجر، مسجون لأكثر من ستة أشهر، لكن وللغرابة، فعندما سألنا عن ماذا فعل؟ حكي لنا : " بأنه كان يقوم بنقل الركاب ( الذين يأتون إلى العمرة) بصورة غير قانونية من مكة إلى جدة بصورة غير قانونية، والعربة كانت تابعة لأحد الأمراء، وقاده حظه إلى إن يضبطه احد من رجال الشرطة العرب، وعندما احتدا مع بعض في الكلام قال (السجين) له ( أعلى ما في خيلك اركبه)، فكتب رجل الشرطة في التقرير كلام مقصود بالضبط ليستفز به العاطفة البدوية الأميرية، كتب( يستغل سيارة ولي العهد لنقل المتخلفين) " المتخلفين هم الناس الذين يتخلفون عن السفر بالبقاء في السعودية بعد موسم العمرة التجاري)، بعد ذلك فقد صدر أمر أميري من الرياض فحواه الآتي" تسحب منه الجنسية السعودية ويتم ترحليه إلى بلده الأصلي" ! في أي بلد في العالم تسحب الجنسية لمُجرَّد المخالفات القانونية؟!
هناك الكثير من السلوكيات في السعودية تؤكد على وجود مشاكل مجتمعية تحتاج إلى العلاج العاجل؛ فمثلا: إذا رأونا نحن السودانيون في مكان ما ينادوننا بعبارة" آآآآآي يا زول" على سبيل السخرية، والتقليل؛ نعم، قد يبدو أن الكثير منهم يقصد مجرد الضحك أو التسلية! لأنني كنت أتحاور معهم دوماً، وتعرفت بصورة جيدة على المفاهيم والدوافع النفسية التي ينطلقون منها، فاغلبهم لا يلقون اعتبارا، وبصورة أدق لا يفهمون مدى الحرج أو الألم الذي تسببه السخرية للإنسان موضوعها، وبالطبع، فان مناهج التعليم العقيمة في السعودية سبب لذلك، فهي تمتلئ بموضوعات وقصص ذات قيمة ضعيفة عن الدولة الإسلامية والبطولات الإسلامية، وتجد فصول كاملة في الكتب عن "محمد بن عبد الوهاب" وتاريخ آل سعود، وتفتقر إلى الموضوعات الحديثة والمفيدة في علوم الاجتماع والإنسانيات والفلسفة والموسيقى... الخ. وفي الحقيقة، فان نظام الحكم الحالي في السودان، هو نظام رجعي، غاية في التخلف، وقد أثر سلباً واهتزت من جراء سياساته المضطربة صورة الإنسان السوداني في ذهن معظم شعوب العالم، وهذا هو السبب الأول، والذي يدفع قيمته الإنسان السوداني في الداخل والخارج، سخرية، واستغلال، وربما استعباد!. وللأسف الشديد يحاكي بكل غباء وانتهازية طريقة السعودية في الحكم.



#ناجي_محجوب_محمد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- البلوزة الحمراء
- مناشدة لوزير الثقافة والشباب والرياضة السوداني لفتح موقع الل ...


المزيد.....




- احتجاجات أمام سجن محلي في تكساس للإفراج عن طلبة تظاهروا دعما ...
- بالصور..اعتقال عشرات الطلاب في تكساس بسبب مشاركتهم في مظاهرا ...
- تأييدًا لغزة.. طلاب وأساتذة يتظاهرون في جامعة سيدني
- شبح المجاعة لا يغيب.. غزيون يشتكون شح السلع وغلاءها
- الحكم على مغنٍ إيراني بالإعدام على خلفية احتجاجات مهسا
- الإعدام لـ11 شخصا في العراق أدينوا -بجرائم إرهابية-
- تخوف إسرائيلي من صدور أوامر اعتقال بحق نتنياهو وغالانت ورئيس ...
-  البيت الأبيض: بايدن يدعم حرية التعبير في الجامعات الأميركية ...
- احتجاجات أمام مقر إقامة نتنياهو.. وبن غفير يهرب من سخط المطا ...
- الخارجية الروسية: واشنطن ترفض منح تأشيرات دخول لمقر الأمم ال ...


المزيد.....

- مبدأ حق تقرير المصير والقانون الدولي / عبد الحسين شعبان
- حضور الإعلان العالمي لحقوق الانسان في الدساتير.. انحياز للقي ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- فلسفة حقوق الانسان بين الأصول التاريخية والأهمية المعاصرة / زهير الخويلدي
- المراة في الدساتير .. ثقافات مختلفة وضعيات متنوعة لحالة انسا ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- نجل الراحل يسار يروي قصة والده الدكتور محمد سلمان حسن في صرا ... / يسار محمد سلمان حسن
- الإستعراض الدوري الشامل بين مطرقة السياسة وسندان الحقوق .. ع ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- نطاق الشامل لحقوق الانسان / أشرف المجدول
- تضمين مفاهيم حقوق الإنسان في المناهج الدراسية / نزيهة التركى
- الكمائن الرمادية / مركز اريج لحقوق الانسان
- على هامش الدورة 38 الاعتيادية لمجلس حقوق الانسان .. قراءة في ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - حقوق الانسان - ناجي محجوب محمد - ذكرياتي في السعودية ( احتياطي النفط واللامعقول)