من يريد ان يعترض على ما ساكتبه في هذه " المقالة " فارجو منه اّلا يهرب من الحقيقة الى التوصيف الشائع والمبتذل القائل بـ " جلد الذات " ، قولوا ما شئتم اخوتي من المثقفين العرب المعترضين ، ولكن لا تجعلوا انفسكم فوق الاخرين وتغمضون عيونكم عما هو حاصل في حياتنا العربية الكسيحة ! لا تغطوا وجوهكم باسمال بالية وخرق قديمة وانتم تتنطعون وتتفاخرون بامور لم يعد هذا العصر يقبل لأن نصرف من زمننا الثمين عليها اكثر من مما يجب ونحن والاجيال القادمة احوج لمستلزمات اساسية لا حصر لها . ولا اعتقد ان الملايين من هذه الامة لا تتطلع نحو التقدم اللهم الا من غدا صلدا كالحجر ، صم بكم عمي وهم لا يفقهون ! هؤلاء ان كانوا بهذه الرداءة قد سمحوا لالسنتهم ان تستخدم مختلف الشتائم والسباب المقذعة والالفاظ النابية والاوصاف الرديئة فلأنهم اضعف من مواجهة الحقائق على الارض ولأنهم اسوأ خلق الله تربية وسلوكا وتحضرا .. واذا كانت هذه هي اساليبهم من دون حريات وفي مناخات حكم دكتاتوري جائر ، فماذا لو اتيحت لهم الحريات كاملة ومنحت لهم فرص التعبير السياسي ؟ دعونا نتساءل بعض الاسئلة التي اعتقد بأنها مهمة في مثل هذه الايام من مرحلة تزخر بالتحولات الصعبة في كل مكان من العالم الا في عالمنا العربي الذي يتراجع ويتأخر بشكل مخيف .. وكيف بمنطقة الشرق الاوسط التي تزدحم بالمشكلات السياسية والمعضلات التاريخية ؟ ان ما يعنينا نحن بالذات هذه المتغيرات التي كانت قد بدأت منذ العام 2001 وبعد مرور عشر سنوات بالضبط على الحرب الخليجية الثانية وتحرير الكويت من الغزو العراقي العام 1991 . ويبدو لنا ان العرب لم يعترفوا ابدا حتى يومنا هذا بثقل ما حدث في مانهاتن يوم 11 سبتمبر 2001 ، ذلك العصف المأكول الذي نعاني منه نحن العرب ولما تزل تداعياته تشغل السياسة العالمية ، وقد خلق المزيد من الازمات وقاد الى حربين اثنتين اولاهما في افغانستان ضد طالبان وثانيهما في العراق ضد صدام حسين .
التفكير السياسي العربي : ازمة مزمنة !
ان التفكير السياسي العربي لم يزل حتى يومنا هذا يعيش مفارقات عجيبة في دوامة من التناقضات التي لا تستطيع بأي حال من الاحوال مجابهة التحديات الامريكية وغير الامريكية ، كما وان ذلك التفكير لم يتلمس الى حد اليوم السبل والوسائل التي يمكنه من خلالها ان يعّمق التواصل بين مكان وآخر من بيئته العريضة وبنفس الوقت لم يستطع ان يؤسس قطيعة تاريخية ومعرفية او سياسية وايديولوجية ما بين الماضي القريب والواقع المعاصر . ولا يمكننا تبرير كل هذا النكوص ازاء متغيرات المرحلة ابدا ، فالعرب يعيشون اليوم تشظيا في القيم والتقاليد ناهيكم عن كونهم يفتقدون فضاء الحريات في السياسة والثقافة وحتى في الاعلام مما غيّبهم جميعا عن الفعاليات النقدية وابداء وجهات النظر بروح حيادية وبشجاعة ليبرالية . وعليه ، فان العرب اليوم يخفقون اخفاقا شديدا كما كانوا دوما على امتداد القرن العشرين ، في تشييد مفاهيم جديدة ويفتقدون ايضا كما كانوا دوما ايجاد اي حلول ناجعة لمشكلاتهم التي تعصف بهم جميعا . وتزداد الجداليات عقما ، وتندر المواقف الجدلية واقعا .. مما ينتج المزيد من التراجعات . فيتضاءل الكبار امام موجة وطغيان الضعفاء ممن يحسبون انفسهم في سلم المثقفين ! علما والحق يقال ان في خضم عالمنا العربي اليوم نخب رائعة من المبدعين والمثقفين الممتازين الذين تغّيب اعمالهم ويعتم على مجهوداتهم على حساب بلايا الاخرين !
العفونة الايديولوجية والاوبئة السياسية
يكاد يكون الجميع في عداد المستائين من تفاقم الاوضاع سوءا ولم نجد حتى يومنا هذا من لم يتذمر في اي مرفق من مرافق الحياة العربية ! والسبب واضح جدا ، ذلك ان الجميع ينحى باللائمة على الاخر من دون ان يتحمل مسؤوليته هو نفسه في الاخفاق ابدا ! ودوره في نشر الاوبئة السياسية مستغلا اي وسيلة كانت دينية واجتماعية واعلامية من دون ان يعلم انه مصاب بتلك الاوبئة التي ستجعله مريضا لا يقوى على مواجهة هذا العصر .. وعليه ، فلقد كثر انتشار متزايد لانماط معينة من التفكير وولادة اتجاهات وتيارات واصوليات متخلفة وبالية لا يمكن ملاحقة تفريخها يوميا للمزيد من تلك " الانماط " ! ويبدو واضحا ان اغلب هذه " الانماط " سرية تعمل تحت الارض وبين حين واخر ، تقدم خلاصات مكثفة من العمليات او المقولات اي واقعا وخطابا . وعليه ، فان ما ينتظر الجيل الجديد الذي سيفرزه العقد الحالي الاول من القرن الواحد والعشرين ، الخروج من دوامة ما انتجه القرن العشرين من بلايا ورزايا وخطايا ، وليكن ذلك من خلال رجعة نقدية ومكاشفات تحليلية تجسد خلاصاتها صيغ جدلية جديدة توظف النقد وتستوعب التحولات وتحفل بامكانات الاختلاف والتبايانات والمتغايرات ..
لقد راهن المجتمع العربي على مدى خمسين سنة على خطابه السياسي وشعاراته الجوفاء التي سادت في اغلبها التبجحات باسم تعابير نظيفة ورائعة مثل : الوطنية والعروبة والاسلام وضاعت الهوية الحقيقية للانسان في وجودنا بين هذه الدوائر التي دار الانسان في دواماتها في مسيراته ومظاهراته وصحفة ومقالاته واستعراضات خطابات سياسيه واصوات زعمائه والتعبير عن ذاته الكسيحة وتشظت اراءه واتجاهاته في الشارع السياسي سواء في هيجاناته الفوضوية او في سكونياته البليدة ام في احتقاناته العسيرة . واليوم وبرغم كل هذه الاحداث والافعال تكاد تكون ردود الفعل نادرة الحصول بل ويبدو لي ان من كان يذكيها بالمال والخبرة والارتزاقات المعنوية قد غاب عن المسرح وغابت معه حجوم المؤامرات والدعايات والتعليقات الاذاعية والمضاربات التلفزيونية الفضائية التي ارادوها تحريك الشارع السياسي .. وكنت قد كتبت مقالة في جريدة النهار البيروتية سفهت فيها من كان يراهن على الشارع السياسي وادواره وهيجانه .. ووصفته بانه يضحك على نفسه قبل ان يضحك على امة كاملة وجدت عزاءها في السكون والنوم في الكهوف الحجرية . او انها تتجمع لتغرق نفسها بالفوضى وذبح الحناجر من دون طائل !
العرب بين المصداقية والاكاذيب
والدليل على ما اقول : ان ما اكتشف في العراق بعد سقوط النظام السابق يثير العواطف ويهيج القلوب ومع كل ذلك ، فلا ادانات سمعناها في الشوارع العربية ولا قصائد مواساة كتبها شعراء عرب ممن يسمون انفسهم بالمناضلين والقوميين العرب .. ولا مقالات ساخنة مهيجة كتبها من يطلقون على انفسهم بالمحللين السياسيين الذين يقبعون في المدن والعواصم العربية ام الاجنبية ! اذا كان لهذه المكاشفات بداية محددة وانطلاقة معينة ، فالامر يختلف بالنسبة للنهاية التي سوف لن تنتهي وسيظل التاريخ يفرض اسئلته على خفايا عهد عات اسود جائر كان وزير ثقافته واعلامه رجل مثل الصحاف وهو احد ممثلي حزب سمى نفسه قوميا تقدميا وكل الذين واكبوه على امتداد اربعين وخصوصا للفترة 1963 – 2003 يعلم مدى قوة الكلمة العربية من ضياعها وسط فقدان الثقة والمصداقية وفي بحر من التضليلات والاكاذيب والتلفيقات .. وستبقى صفحات ( الامة العربية ذات الرسالة الخالدة ) مفتوحة لكي تستوعب المزيد المزيد بعد ان تأتي اجيال وراء اجيال يزداد عندها الوعي واعادة اكتشاف الذات التي كانت مخربة على امتداد القرن العشرين لاجيال مضت من دون ان تقدّم للحياة العربية المعاصرة ما تنتظره !
واذا ما قيض لمن يتابع المسيرة ان يلتقط الرؤى ويحدد الاهداف ويسير على نفس الخطوات من خلال ما رسمه له من منهج ، فان مثل هذا " المشروع " النقدي في التفكيك والمكاشفات سيخدمه كثيرا وسيكون خطوة اولى لموضوع مفتوح يعد اكثر اتساعا على مختلف الامتدادات ، وينبغي ان ترتسم الافكار الجديدة في تشكيلاتها من دون شهادات كاذبة او مفذلكات مواربة او تلفيقات مفضوحة كتلك التي جنت على تفكير الاجيال ومارسها متحذلقون وافاقون كذابون ليس في سجلهم الا المثالب وهم يستأسدون في ظل القلاع المظلمة السوداء ولكن سرعان ما يفقدون شجاعتهم المزيفة وتراهم كالارانب التائهة الشاردة في الفلوات وهي تختبىء في الجحور والكهوف .
العفونات الاعلامية العربية :
لا يمكننا ان نتخيّل حجم ودور شاشات التلفزيون اليوم في بيوتنا وماذا يتلقى العرب بمختلف فئاتهم العمرية على امتداد ساحاتهم من فضائياته التي لم تصل بعد الى حالاتها الطليعية والطبيعية في التعبير عما يتطلبه واقعنا المزري اليوم من المستلزمات . ان العفونات الاعلامية تستخدم المرايا الاخبارية السياسية والميادين الفنية التي لا تمثل اي نوع من انوا ع الثقافة الحية والناضجة .. وقد بات التلفزيون اداة يستخدمها رجال الدين المتباينين ليوزعوا من خلالها مكروراتهم وارائهم واحكامهم التي تصطدم واحدتها بالاخرى ! وغدت المسلسلات التلفزيونية التافهة بمثابة مادة اساسية يستلهم منها الجيل الجديد مادة عصرة وحياته .. علما بأن اغلب هذه المسلسلات قد وصل الى درجة من الاسفاف والركاكة التي تهلك وتدمر مجتمعات عربية بالكامل باسوأ الحالات الثقافية .. ان الجيل الجديد يتعلم كل التفاهات واقانيم البلادة من الشاشات التلفزيونية العربية التي لا تعرف من " الثقافة " الا اسمها ، فاغلب ما يعرض يصب في ابواب معروفة بأنها مسيئة ليس للاذواق حسب ، بل مسيئة للتفكير .. ان في الثقافة العربية اليوم من التوافه والاعاجيب ما يجعلها اضحوكة بين الامم ، ويكفى الراصد الناقد ان يدقق في بعض من ينتقد الثقافة الامريكية ويصطنع بعض الاساليب المضحكة من اجل ان يرضي الملايين العرب الذين تزداد كراهيتهم لامريكا من دون ان يفصل بين السياسة الامريكية والثقاقة الامريكية ! ان الاعلام العربي بكل امكاناته وفضائياته ومحطاته وصحفه ومجلاته بات وبالا على ثقافتنا التي اضعفها ضعفا شديدا ، والمشكلة ان دولا وحكومات ومنظمات تنساق وراء هذا الزيف .. من دون ان نسمع ونرى عن حالات علاج يمكن ان تكون لها فوائدها في تقويم الثقافة العربية من خلال وسائلنا الاعلامية نفسها . ولابد لي هنا ان اناشد كل الاخوة من المثقفين العرب وخصوصا في مصر ولبنان ان يراعوا جدا ما تبثه بعض قنواتهم الفضائية من الاعمال الفنية الهشة باسم الثقافة العربية .
لعل من اسوأ ما تعانيه ثقافتنا العربية اليوم انما يكمن في ندرة الابداع الذي يتعرض اصحابه وهم قلة نخبوية قليلة تتعرض دوما ومنذ سنوات طوال تتجاوز الخمسين سنة للاهمال والتعتيم الاعلامي في جو تزداد تخمته من الجهلة والمزايدين والمزيفين والمقلدين .. لقد وصل الامر ان اجد من يسمّي نفسه بواحد من رموز الفكر العربي وهو يتهافت للجلوس مع مذيعة تافهة تنال منه باسئلتها وتضحك عليه بتعليقاتها وهو بشوش كالابله بخروجه على الناس يلقي عليهم من تفاهاته البلهاء التي لا تستقيم وواقعنا المؤلم وبقايا نزعته الماركسية التي لم يزل يجد فيها عزاء وهو لا يفقه معنى العولمة التي يرتعش منها ويكرهها ولا يدري قوة صعقاتها ! انهم من المثقفين الذين لا يحترمون انفسهم ابدا كما كان عليه رجالات النهضة العربية الاوائل .
الفنون الابداعية العربية .. اين ؟
لم نعد نسمع ايها العرب في كل مكان طربا عربيا اصيلا ولا الحانا جميلة تنعش الافئدة وتربي الاذواق .. ولم نعد نسمع مقطوعات موسيقية شجية .. ولم نعد نتباهى بفن الموشحات الاندلسية ذات الرقي الثقافي عندما تؤديه الفرق المنشدة على احلى ما يكون ! ولم نعد نسمع لمقرئين عمالقة رائعين لآي الذكر الحكيم ، كما كنا نسمعهم في الغدو والآصال وقد وصلوا في منتصف القرن العشرين الى قمة عطاءاتهم باسمائهم المتعددة ! ولم نعد نجد تلك التقاليد الثقافية والفنية التي تعودتها الجماهير في كل بقعة عربية من اقامة الحفلات الغنائية بمواعيدها المحددة ! ولم تعد المقاهي العربية العريقة ملتقى لندوات فكرية وصولات ادبية وجولات نقدية عندما يجتمع فيها كبار المثقفين والساسة والادباء ! لم يعد الانسان حرا في تفكيره ونقد تصرفات وتقاليد مجتمعه البالية ، فالكل يخافون سطوة المجتمع الذي يستخدم اسلحة باترة قاطعة ولا اخلاقية كما هو حال الدولة وسلطاتها باستخدام وسائلها المرعبة ! ولم يعد الفن السابع ميدانا لبروز تطورات كبرى في التأليف والانتاج والاخراج السينمائي العربي بعد مرور عشرات السنين عليه .. لقد خاب خيبات لا اول لها ولا آخر ! ولم يعد المسرح العربي الذي كان يرتجى منه ان يغدو مدرسة فكرية وابداعية عربية يعبر عن واقع متنوع .. لكنه غدا مجرد ميادين هزل وكوميديات هشة وتافهة وحلبات لهز البطون والارداف والسيقان على حساب الاعمال الفنية الجادة التي يغيب اصحابها عن قصد وسبق اصرار ! ولقد وصل الامر ان تكون مسابقات غنائية تافهة مجال تنافس بين الحكومات والسلطات العربية من اجل ان تصنع كل دولة عربية دمى لها تحركها كيفما تريد عسى ان تحتكر الفن كما تتصور والدعاية باسمها من دون اي حدود دنيا من اللياقة .
الصيحات والدعايات واستعراض العضلات :
من يتابع مسيرة الثقافة العربية المسكينة التي ابتليت بعناصر وشخوص وسلطات واقنية وتقاليد سيئة سيجد انها غدت ميدانا رحبا لاشعال صيحات معينة ودعايات فارغة من اجل استعراض العضلات لواقع رخو وقيم ساذجة من اجل اشغال الملايين من الناس في هذه الامة المنكودة .. واسباب ذلك معروفة منها ما يبلور نفسه لينتج المزيد من العفونة بفعل صدام التناقضات المرعب في دواخل الثقافة العربية : تناقضات شتى لا حصر لها بين ثنائيات الفصحى والمحكية .. الاشتراكية والرأسمالية .. الرجعية والتقدمية .. الدين والدنيا .. القطرية والوحدة .. الراديكالية والليبرالية .. الوطنية والعروبة .. السلطة والمجتمع .. الاحتلال والاحلال .. الخ وفي كل فترة تمر علينا نشهد صيحة عالية تنشغل بها الصحف والذاكرة والاحاديث والتعليقات والمقالات وحتى الكتب وكلها مصطنعة لا تعبر عن واقع سيىء جدا فالكل ينادي بادانته ولكن الكل قابل للتعامل معه او الابتزاز باسمه ! وعندما اقول ( الكل ) فأنني اشمل كل القطاعات والاتجاهات والتيارات مهما بلغت درجتها من الاصولية من جانب او من التحرر من جانب آخر !
والصيحات ( او من يسميها بالصرعات ) يكفي ان نضرب مثلا لما حدث ضد من كفروه ونجحوا في الفصل بينه وبين زوجته فهجروه ثم نسوه ! او من اتهم باشنع تهمة تمس الخيانة الوطنية وحكم عليه بالسجن الشديد ثم افرج عنه وكأن شيئا لن يكون ! او ذاك الروائي السوري الذي انقلبت الدنيا ولم تقعد عندما صودرت روايته العادية كونها تمس الذات الالهية ثم خفت الموضوع ولم نسمع بذكره بعد ذلك ! او ذاك الكاتب الصحفي المخضرم الذي اراد ان يتقاعد قبل ايام عن ثقافته ( ولأول مرة نسمع مثقفا يثير هرجا ومرجا لأنه سيتقاعد ) بعد ان اثار المزيد من الصيحات المهيجة من دون طائل ! او هذا الذي امتنع اليوم عن تلقي جائزة بلده الذي يقيم فيه وتقوم الدنيا ولا تقعد وابتزاز الامة واشغالها باسم المبادىء وكأن ليست هناك قضايا حقيقية تمس جوهر ما تريده الملايين ، فالثقافة هي للمجموع ولن تكن حكرا على فرد معين يطمح لبناء امجاد مزيفة .. الخ وسيستمر مثل هذا المسلسل الغبي الفج في حياتنا الثقافية العربية في التعتيم على قضايا وروائع وابداعات ومساهمات ومشكلات ومعضلات حقيقية بحاجة ماسة الى العلاجات والاصلاحات والتغييرات .. واشغال الناس بتوافه الامور ، والعرب ومصر في مقدمتهم بحاجة الى المزيد من اساليب التحديث في التفكير والتوجهات ازاء المستقبل الذي يبدو لي ان العرب وضعوا لثاما على وجوههم خوفا منه ورعبا من المصير الذي سيواجهونه كونهم ليس باستطاعتهم مواجهة تحدياته وقدرتهم في الاستجابة لها .
واخيرا : ما الذي يمكنني قوله ؟
واخيرا اتساءل : هل سيبدأ العرب قطيعة تاريخية في تفكيرهم واساليبهم من اجل ايقاف هذا الانهيار المريع في القيم والبدء بتفكير جديد .. هل يمكنهم ان يوقفوا غثيانهم ويفصلوا بين الاشياء ؟ هل يمكنهم ان يعالجوا الثقافة العربية لتعبر عن مستلزمات التقدم بدل ان يجعلوها تصفق وراء قافلة لا تدري اين تسير ؟ هل باستطاعة المثقفين العرب ان يكونوا اصحاب مصداقية حقيقية في التعبير عن ارادتهم من اجل التقدم بكل معانيه الخصبة ؟ هل يتوقف البعض من كبار المثقفين والمفكرين العرب في الركض وراء الاعلاميين من اجل لقاء صحفي او تلفزيوني ؟ هل يتقّبل الاخوة في مصر ولبنان خصوصا بعض الاراء التي لا اريد تسميتها بنصائح ويفكروا بها من اجل تصويب هذا التهافت ؟ صحيح انهم ليسوا بمسؤولين عنه ولكنهم يتحملون جزءا من انتاجه . واين هي ابداعات العرب الحقيقية التي تفرض نفسها على العالم اليوم وبايدي ومنتج الجيل الجديد ؟ اين هي ترجماتنا لاعمال وابداعات ثقافات اخرى ؟ هل يمكننا استعادة مشروع الثقافة العربية نهضويا وحضاريا بعيدا عن كل الهشاشة وعوامل التأخر والتخلف ؟ وهل يمكننا فهم آليات هذا العصر وميكانزماته قبل ان نلقي بشتائمنا ضده ونحن نستخدم منتجاته الالكترونية ؟ هل يمكننا ان نغير ما بانفسنا حتى يعتدل طريقنا نحو المستقبل ؟ انني اشك في ذلك !