|
أنابوليس خليجية: زمن التوافقات
نضال نعيسة
كاتب وإعلامي سوري ومقدم برامج سابق خارج سوريا(سوريا ممنوع من العمل)..
(Nedal Naisseh)
الحوار المتمدن-العدد: 2120 - 2007 / 12 / 5 - 11:48
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
بعيداً عن الكلام الدبلوماسي المنمق، فلن يكون حضور الرئيس الإيراني أحمدي نجاد لقمة مجلس التعاون لدول الخليج "الفارسي" ربما هذه المرة، حدثاً عابراً، البتة، وسيلقي بظلاله لوقت طويل على مشاهد هذه القمم المقبلة، وسيفتح أفاقاً جديدة من التعاطي السياسي والتعاون الإقليمي بين دول الخليج العربي وإيران، ومن منظور جديد، وسترك آثاره على مجمل النظرة العامة للدور الإيراني في المنطقة بعد عقود من التوجس والريبة والمخاوف المتبادلة على ضفتي الخليج. هي ضربة المعلم الإيرانية وملاليها قادمون من على أنقاض أسوار الرفض التقليدية لدورهم الإقليمي. وها هم يحصدون اليوم أثماناً، ولو بدت معنوية وإعلامية حتى الآن، مقابل الملف النووي الخطير الذي كانوا قد طرحوه على ساحة اللعب الإقليمي.
وطبعاً هذا الحضور لم يكن، البتة، خارج توافق وإجماع خليجي عام عليها، ويعلم الجميع بالطبع ما هو الحال بالنسبة للموافقة الضمنية والضوء الأخضر الأمريكي الأكبر. إذن لقد "انصاع" أعضاء المجلس الخليجي لأمَرّ الخيارات الإستراتيجية طراً التي كابر عليها ورفضها لعقود خلت، وتجلى بحضور الجار "الفارسي" القوي، وباللغة السائدة شوارعياً، هذا إذا علمنا أن محاولات دؤوبة وحثيثة سابقاً قد باءت بالفشل لدعوة دول عربية تربطهم معها وشائج القربي وأخوة "العقيدة والدم". فما عدا مما بدا، ليتم رفض الأشقاء في مقابل حضور "الغرباء" الألداء؟ وما هو سر عدم إثارة مواضيع وملفات حساسة كالجزر الإماراتية، إذا لم يكن هناك ثمة قضايا كبرى قد مُـرِّرت من تحت الموائد الأنيقة وطالما أن الجميع كان يعرج على ذلك الملف، ويلعلع بخطاب حماسي وعاطفي بمناسبة ومن دون مناسبة؟ وهذا إذا علمنا بأن عرب الخليج كانوا قد فرضوا طوقاً سياسياً وحظراً محكماً حول منظومتهم النفطية الإقليمية لم يسمح، ولم يتم اختراقه، وبهذه القوة اللافتة، إلا من خلال أحمدي نجاد ممثل آيات الله الأقوياء المحملين بترسانات عسكرية مرعبة خلخلت، وإلى الأبد، موازين القوى الإستراتيجية التقليدية في المنطقة.
لا شك أن ذلك الاختراق الإيراني المثير كان قد ترافق مع حملة إعلامية مفاجئة، ومن جهات مختلفة لتخفيف الاحتقان، وتهدئة التوتر الذي ساد طويلاً على محور الملف النووي الإيراني اعتقد كثيرون معه أن الصدام واقع لا محالة وهو قاب قوسين أو أدنى. وقد أدهشت التصريحات، والانقلاب الإعلامي الغريب ذو الصلة بالأمر الكثير من المراقبين، لاسيما بعد حدوث سلسلة من التوافقات والانفراجات الإقليمية المختلفة، على صعد وملفات أخرى شائكة، وكانت نتائج ومحصلة بارزة، بالطبع، لما جرى في كواليس أنابوليس. ولن ننسى أنه، وبالتوازي مع ذلك كله كان هناك، هدوءاً واضحة على جبهة العمليات في العراق، وتضاؤل الخسائر الأمريكية الشهرية لأدنى مستوى لها منذ بداية الغزو العسكري الأمريكي للعراق. هل ثمة ربط بين هذا وذاك؟ وهل تكون ساحة الخليج العربي "سابقاً"، والفارسي لاحقاً، وبعد هذه التطورات، هي حصة إيران من أنابوليس وجائزة الترضية الإقليمية لها مقابل تسوية أمر البرنامج النووي سلمياً، والقبول، ولن نقول الرضا، الخليجي المرّ بذلك طبقاً للتوجيهات، وربما تحت الضغوط والإملاءات الأمريكية المعهودة؟ فهل ربحت إيران الخليج اقتصادياً على الأقل، وفي هذه المرحلة، في عملية يانصيب التسويات الإقليمية؟ واستطاعت عبر دأب، وحنكة، وصبر ومهارة تفاوضية ودبلوماسية من انتزاع اعتراف إقليمي مدو بها ليس ببعيد عن إذعان أمريكي مر في خلفية المشهد؟
هذه من جهة، ومن جهة أخرى، يبدو أننا أمام مرحلة جديدة، وحقبة تاريخية جديدة من تفكيك آخر المنظومات والتكتلات الإقليمية العربية، بعد انهيار المنظومات الأخرى وتداعيها كمجلس التعاون العربي والمغاربي، وتداعي المشروع القومي العربي الأكبر ، ذات صبيحة من حزيران "النكسة" التعبير الأكثر تهذيباً للهزيمة، أمام استحقاقات إستراتيجية أكبر وأهم شأناً وفاعلية. وسيكون هذه المرة لصالح الجار "الفارسي"، الذي أصبح أمر تجاوزه والتعامي عنه ضرباً من الغباء والطيش السياسي، ومرغم أخاك " الخليجي" لا بطل.
تبدو إيران اليوم أقوى من أي وقت مضى، وتتواجد بقوة في خلفية الطيف السياسي العام في المنطقة. لذا صار من الحكمة والبراغماتية السياسية أخذ دورها ومصالحها بالحسبان وبعين الاعتبار. والسؤال الآن ما هو ثمن هذا "التقايض"؟ وهل الدخول الإيراني من البوابة الخليجية سيقابله خروج من بوابات أخرى في المنطقة وإعادة هيكلة ما للمشهد العام؟ وما هي الأثمان التي ستدفعها إيران والكل يعرف في ألفباء العلم السياسي أن كل حركة بحساب، ولا شيء، يأتي، قطعاً، وهكذا بالمجان.
لقد بدت قمة مجلس التعاون لدول الخليج العربي، ومن منظور آخر، كتحصيل حاصل لما تم إنجازه، وكنشاط ملحق، ومتمم على هامش مؤتمر أنابوليس "الأم"، الذي أفضى على ما يبدو إلى انفراجات وصفقات أخرى "بينية" لم تكن واردة في حساب أشد المراقبين تفاؤلاً نظراً للسرعة والكيفية التي تمت بها. وكأن جورج بوش الابن قد أدرك، وفي هذه الساعات الباقية والمتأخرة، بأن "الله حق". ويريد، من جهة أخرى، أن يغسل في شهوره الأخيرة ما علق من أدران خلال ولايته التي امتدت لسبع سنوات قاسية عجاف عليه وعلى الدولار الأمريكي، بشكل خاص، والذي "طاح"، وأصبح بالأرض مقابل العملات الرئيسية، من فرط الخسائر السياسية والعسكرية المجلجلة والفادحة التي تعرض لها، وبات ينذر بانهيار اقتصادي أمريكي وشيك إذا ما استمر التدهور السياسي والحماقات البوشية على ما هي عليه، قابل ذلك "تأجيل" خليجي لفصل تحالف عملاتها معه الدولار لأن ذلك سيكون قاصمة الظهر للدولار، رغبة منها في إعطائه جرعة من الأمل المشوب باليأس حيال تلك العملة التي باتت وأصبحت شائخة وهزيلة بفعل السياسات المغامرة والتدميرية الخرقاء لجورج بوش، وربما تكون هذه واحدة من الخدمات الجليلة التي تقدمها المنظومة الخليجية الإقليمية وهدية الوداع الأخيرة للحليف الأمريكي.
ولا يمكن النظر لحضور العاهل السعودي عبد الله بن عبد العزيز، المتمنع سابقاً عن زيارة الدوحة، إلا كأحد تجليات تلك التوافقات وربما المصالحات الكبرى، كما هو الحال بالنسبة لشبه التوافق القائم على الرئيس اللبناني المقبل وإذعان صقور "الأغلبية"، وتغير لهجاتهم وخطابهم لجهة تعديل الدستور بعد أن كان قد أعلن السنيورة سابقاً، بأنه سيقطع يديه قبل أن تمتد لتعديله، وبعد أن قرأ جيداً، مع حلفائه الرسائل العاجلة القادمة من واشنطون، لتنفيذها بحرفيتها، لا بل لقد تم رصد تبدل جدري للمواقف بدرجات قاربت المائة والثمانين درجة فقط، وأضحى الصقور بين ليلة وضحاها، حمائم طيعة ترفرف في سرب التوافق الإقليمي والدولي.
إنها إذن أنابوليس، أخرى، ولكن بطبعة، ونكهة خليجية هذه المرة. وإنه، حقاً، زمن التوافقات، وربما الصفقات الكبرى. فهل نقول مبروك لإيران؟ أم "هارد لك" لعرب الاعتدال؟
#نضال_نعيسة (هاشتاغ)
Nedal_Naisseh#
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
في حوار مع نضال نعيسة IPS:عقوبة الإعدام تعزز مصالح أنظمة الا
...
-
الدكتور: دكاترة لا عالبال ولا عالخاطر
-
فالج الفواليج: في الرد على النقاش
-
نُذر الشؤم
-
الكافيار السوري
-
لا لإرهاب الفكر، ومسخ العقل
-
هل كان السلف صلحاً فعلاً؟
-
باب الحارة: جذور الاستبداد
-
موائد الرحمن
-
نحو مؤسسة أكثر تجدداً للحوار المتمدن
-
نور الدين بدران: وداعاً
-
زمن الحارات
-
إستراتيجية الغزو السلفي
-
الأميّة بين الجاهلية والإسلام
-
الدعارة الحلال
-
الفاشية الإخوانية
-
الحرب الشاملة ضد سوريا
-
متى نفطر على الكرامة والحريات؟
-
انتصارات العرب الجوفاء
-
مرحى لأستراليا
المزيد.....
-
سؤال صعب خلال فعالية: -مليونا إنسان في غزة يتضورون جوعًا-..
...
-
كيف تبدو تصاميم الحدائق والمناحل الجديدة المنقذة للنحل؟
-
ماذا يعني قرار ترامب نشْر غواصتين نوويتين قرب روسيا على أرض
...
-
ويتكوف: لا مبرر لرفض حماس التفاوض، والحركة تربط تسليم السلاح
...
-
ويتكوف يتحدّث من تل أبيب عن خطة لإنهاء الحرب.. وحماس: لن نتخ
...
-
فلوريدا: تغريم تيسلا بأكثر من 240 مليون دولار بعد تسبب نظامه
...
-
عاجل | وول ستريت جورنال عن مسؤولين: واشنطن تلقت خلال الصراع
...
-
عاجل | حماس: نؤكد مجددا أن المقاومة وسلاحها استحقاق وطني ما
...
-
الهند والصين تُعيدان فتح الحدود للسياح بعد قطيعة طويلة
-
حتى الحبس له فاتورة.. فرنسا تدرس إلزام السجناء بدفع تكاليف ا
...
المزيد.....
-
شعب الخيام، شهادات من واقع احتجاجات تشرين العراقية
/ علي الخطيب
-
من الأرشيف الألماني -القتال في السودان – ينبغي أن يولي الأل
...
/ حامد فضل الله
-
حيث ال تطير العقبان
/ عبدالاله السباهي
-
حكايات
/ ترجمه عبدالاله السباهي
-
أوالد المهرجان
/ عبدالاله السباهي
-
اللطالطة
/ عبدالاله السباهي
-
ليلة في عش النسر
/ عبدالاله السباهي
-
كشف الاسرار عن سحر الاحجار
/ عبدالاله السباهي
-
زمن العزلة
/ عبدالاله السباهي
-
ذكريات تلاحقني
/ عبدالاله السباهي
المزيد.....
|