أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - نضال نعيسة - هل كان السلف صلحاً فعلاً؟















المزيد.....

هل كان السلف صلحاً فعلاً؟


نضال نعيسة
كاتب وإعلامي سوري ومقدم برامج سابق خارج سوريا(سوريا ممنوع من العمل)..

(Nedal Naisseh)


الحوار المتمدن-العدد: 2072 - 2007 / 10 / 18 - 12:53
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


حين أتابع المدعو عمرو خالد، أحدث أدوات تسطيح العقل العربي الكثيرة، وهو يتكلم عن قصص أولئك البدو الأعراب الغزاة الأوائل بتلك المسحة من العصمة والتأليه والتنزيه والروح الرومانسية التي توحي بأن من يتكلم عنهم هم ثلة من الملائكة وجدوا، وعن طريق الخطأ، بين البشر، أتقين تماماً مدى العطب والتشويه والتخريف الذي أصاب عقول بعض الناس وجعلها خراج العصر والأوان. ولا يتورع ذاك "الحكواتي المودرن"، عن إضفاء نوع من المؤثرات والمواهب التمثيلية لزوم الحبكة والإخراج المسرحي ترافقها لقطات للدموع العزيزة والغزيرة المدرار التي تفيض من مآقي أولئك المخدرين والمخدرات بتلك السير و"الحتوتات"، وذلك لخلق ذاك الإحساس الطاغي والمطلق بفخامة وعظمة وتفرد ذاك الرعيل الأول من الأعراب، ولولا علمي اليقين بأن ما أراه هو نوع من الشطارة والتجارة والفشخرة والفهلوة والتحايل على الناس، لشاركتهم الدموع والبكاء، ولهرعت لأقرب خياط وفصـّلت عنده، عمامة وجلباب وأطلقت لحيتي وحفرت فوراً زبيبة على جبيني عند جارنا الحداد، كما يفعل معظم شيوخ التأسلم السياسي ودعاة الفضائيات.

ولا يماثل تلك الزعبرات إلا أداء الإعلام الرسمي العربي، وبنفس تلك الطريقة، وهو يتناول إنجازات مسؤوليه وجنرالاته ولصوصه وقطاع طرقه وناهبي أمواله من نجوم المافيات العرب المتلاعبين بقوت الناس، والرابضين على رقاب شعوبهم ككوابيس مزمنة لا أمل ولا شفاء منها، ليظهرهم كقديسين قد هبطوا، اضطرارياً، ولتوهم، من السماء لإنقاذ البشرية مما تعانيه من تيه وزيغ وضلال.

ويصور الخطاب الدعوي الديني أولئك البدو الأعراب على أنهم قمة ما حملته البطون، وما أنتجته أرحام النساء، وفخر الصناعة الصحراوية التي لا يمكن أن تنافس في يوم من الأيام، ومهما أوتيت الأجيال اللاحقة من عبقرية ومواهب وحصافة وذكاء. وأن أصغر أعرابي فيهم وبمقاييسهم، هو أهم بكثير مثلاً، من بيل غيتس، وباستور، وفليمنغ، وأديسون، وغراهام بيل، وماركوني، وإينشتاين، وداروين، وديستويفسكي، وتولستوي، وهوغو، ووايلد، وشكسبير، وبايرون، وشو، والأخوين رايت، وغاليلو، ونيوتن، وفلوبيرت، وأوبنهايمر، وبيتهوفن، ومايكل فاراداي، وباخ، وجان دارك، وروزا لوكسمبورغ، ومدام كوري، والملكة فكتوريا، وروسو، وسقراط، وأريستوفانيس، والكسندر الكبير، وغاندي، وطاغور،ودافنشي، ومارتن لوثر، ومجدي يعقوب، وفالانتاين....إلخ.

وأن جميع تلك البني والمواهب والكوادر العصرية والطاقات التي تنتجها، وتكتنزها مجتمعاتنا اليوم، لا تساوي شيئاً أمام إعرابي فحل أمي مزواج، وكل مواهبه في الحياة أنه وجد وبمحض الصدفة التاريخية، في ذاك الزمان والمكان. وأن أمور الحياة في ذاك العصر الزاهي الناصع البياض الذي لا تشوبه شائبة، وعلى خير ما يرام فلا غلاء، ولا استغلال، ولا فقر، ولا مجاعات، ولا حر، ولا قر، ولا رشوة، ولا تناقضات، ولا عبودية ولا سبايا ولا بؤس ولا قلة أو تعتير على الإطلاق. وأن البشر جميعهم كانوا من صنوف الملائكة والأخيار الأبرار مطيعين خاشعين متعبدين لله ليل نهار. وأن ما فعلوه من غزو ونهب وسلب وما سببوه من حروب وتقطيع لرؤوس العباد وإخضاع للشعوب بالسيف والنار هو المثل والأيقونة والإستراتيجية النهائية الشاملة الجامعة والمانعة وسر الأسرار لخلاص البشرية من عذاباتها وآلامها وتيهها الفكري والفلسفي. وأن ذاك الأنموذج وتلك التجربة يجب أن تحتذى وتبعث في كل زمان ومكان على ما يهوى ويأمل المشروع الحضاري لـ"الإخوان". وأن على الجميع تمثـّل قيمهم البدوية، وتقليدهم في المأكل والمشرب والغزو والزواج والنكاح وامتطاء الجاريات وما ملكت الأيمان من الصبيان والإماء، ومن لا يفعل ذلك فهو معتد آثم هرطيق ومارق زنديق نكـّار ورافضي وباغ.

ولكن حقيقة الأمر تنبؤنا بأن مآلات الأحداث وعواقبها، والنظرة الموضوعية التي تضع التطورات في سياقها النقدي المنطقي، تعطي انطباعات مغايرة كلياً، لما يحاول أن يرسمه شيخنا الجليل في الأذهان، لا ينتفي منها الرعب والدهشة والحيرة في آن. فإن كل ما نعيشه من صراعات طائفية، ومذهبية، وانشقاقات مجتمعية، وانهيارات قيمية، هي بسبب النزعات الدنيوية والسلطوية والتناقضات الحياتية التي فجرها "السلف الصالح" فيما بينهم بسبب من العصبيات القبلية، والنزعات والترسبات الجاهلية، والمصالح الفئوية، والحسابات الذاتية التي أورثت هذا الكم الهائل من الكراهية والحقد والبغضاء، في هذه المجتمعات المنكوبة، وأن السيف والتعاطي العنيف كان ديدنهم وحكمهم الوحيد في كل صراع واختلاف. وأن ذلك السلف الذي لم يكن ملهماً، ومعصوماً عن أي خطأ، كما يشاع ولم يتخرج من أعرق الجامعات ويفتقر للكثير من الخبرة والحنكة في الحياة وتسيير شؤون الدول وإدارة البلاد، ولم تكن الدولة الوليدة دولة مؤسسات، وأن تلك الظروف والمناخات التي وجدوا بها، والملكات والإمكانيات، التي تمتعوا بها لم تكن كافية لوحدها لإحداث الأثر البارز والنقلة النوعية وتحقيق المعجزات.

وفي الحقيقة، فقد جانب الحظ أولئك في تقديم أنموذج سلوكي وسلطوي يعتد ويؤخذ به، أو يمكن التعويل عليه في معالجة أية قضايا، ومشاكل راهنة أو مستقبلية ليمكن استنساخه فيما بعد كطريقة لحكم الشعوب كما تسوق الجماعات السياسية الأمر. ولو تمثلت الدول والحكومات، فعلاً، نفس تلك الإستراتيجية في تعاطيها مع الأحداث، وإدارة الأزمات وتسير شؤون العباد، لانقلبت الساحة الدولية إلى مسرح لصراعات دموية عنيفة ومستمرة لا تبقي ولا تذر وكما حصل على مر التاريخ العربي الذي لم تتوقف خلاله الحروب والتصفيات المنازعات. كما أنهم لم يوفقوا في طرح منظومة فكرية ومعرفية وقيمية متتكاملة ومتميزة تنهض بشعوب هذه المنطقة حضارياً وإنسانياً، بل لقد حملت تلك المنظومة إشكاليات كبرى خلقت التناقضات التي فجرت صراعات لم تنته حتى اليوم، وساهمت في الحط من شأن مخلوقات هذه المنطقة المنكوبة وجعلتهم في حال من الضياع والتيه الإنساني الكبير الذي لم يجدوا له مخرجاً، ولا حلاً حتى الآن. بل فتحت تلك المنظومة الفكرية الباب واسعاً أمام المتنطعين والمفسّرين والمتدخلين والأوصياء والفقهاء الكثر للعبث بها وتأويلها كل حسب هواه وهوى ومزاج المرجعيات السياسية والسلطوية التي وفرت لها لقمة العيش وتغدق عليه مما تيسر من دراهم ودينارات.

ولم يستطع الرعيل الأول من السلف الصالح في توطيد أسس الدولة الناشئة على أسس من الحلول السلمية التي تراعي احتياجات وتطلعات الناس، بل إن "المعالجات الأمنية" والقمعية النعسفية لمجمل الأزمات كانت سبباً في تفاقم الأحداث بطرق مأساوية عمقت حدة التناقضات والتباينات بين مختلف التيارات والمصالح، وافتقرت لبعد نظر استراتيجي وسياسي دقيق والذي كان يجب أن تتحلى به، لاسيما وأنها اتخذت بعداً قدسياً وطهرانياً سماوياً كان يجب أن ينأى بنفسه عن الأهواء والميول الدنيوية، نجم عن تلك المعالجات أخطاء كارثية مهولة وعداوات تاريخية متجذرة تجني ثمارها هذه الشعوب المنكوبة.

ألا يحق لنا أن نتساءل، بعد ذلك كله، هل كان السلف صالحاً كله؟ ومن أين أتت، إذن، كل تلك التناقضات والكراهية والبغضاء التي نشهد بعضاً من فصولها الآن؟ ومن أين لنا، ومن تسبب في كل هذا الكم الهائل من الحقد والتهديد والوعيد والثارات بين القبائل والعشائر والطوائف والمذاهب والأفخاذ؟ وهل هبطت علينا بين ليلة وضحاها، وفجأة، من السماء؟ ألا يحق لنا أن نترك ولو هامشاً بسيطاً للخطأ الإنساني والبشري والضعف البشري والخضوع أحياناً للأهواء والمزاج، فيما حصل من تطورات تاريخية، أم نستمر في نزعة التأليه والتصنيم وصنع الطواطم والأوثان وعبادة الأفراد؟ أما آن الأوان لنظرة موضوعية وحيادية فاحصة لهذا التاريخ بكل ما فيه من مستورات ومخبوءات تعطي كل ذي حق حقه وبعيدة عن شتى التأثيرات والمحظورات؟ وهل نعفي ذاك "السلف الصالح" كلية من مسؤولياته؟ أم نستمر في غض بصرنا عن الحقائق الدامغات، والانقياد الأعمى وراء العواطف المغلفة بالأساطير المقدسة والتابوهات، واتباع سياسة النعام في طمر العقول بالخرافات والأوهام؟





#نضال_نعيسة (هاشتاغ)       Nedal_Naisseh#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- باب الحارة: جذور الاستبداد
- موائد الرحمن
- نحو مؤسسة أكثر تجدداً للحوار المتمدن
- نور الدين بدران: وداعاً
- زمن الحارات
- إستراتيجية الغزو السلفي
- الأميّة بين الجاهلية والإسلام
- الدعارة الحلال
- الفاشية الإخوانية
- الحرب الشاملة ضد سوريا
- متى نفطر على الكرامة والحريات؟
- انتصارات العرب الجوفاء
- مرحى لأستراليا
- السيد محافظ اللاذقية
- المثلية الجنسية ومنع الاختلاط
- هل المثلية الجنسية عيب وعار؟
- خطر الفكر الديني
- الاتجاه المعاكس والأمن الإعلامي العربي
- هل تشفع لنا النذور؟
- بيان من أمير الجماعة الفنية


المزيد.....




- نزل قناة mbc3 الجديدة 2024 على النايل سات وعرب سات واستمتع ب ...
- “محتوى إسلامي هادف لأطفالك” إليكم تردد قنوات الأطفال الإسلام ...
- سلي طفلك مع قناة طيور الجنة إليك تردد القناة الجديد على الأق ...
- “ماما جابت بيبي” تردد قناة طيور الجنة الجديد 2024 على النايل ...
- مسجد وكنيسة ومعبد يهودي بمنطقة واحدة..رحلة روحية محملة بعبق ...
- الاحتلال يقتحم المغير شرق رام الله ويعتقل شابا شمال سلفيت
- قوى عسكرية وأمنية واجتماعية بمدينة الزنتان تدعم ترشح سيف الإ ...
- أول رد من سيف الإسلام القذافي على بيان الزنتان حول ترشحه لرئ ...
- قوى عسكرية وأمنية واجتماعية بمدينة الزنتان تدعم ترشح سيف الإ ...
- صالة رياضية -وفق الشريعة- في بريطانيا.. القصة الحقيقية


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - نضال نعيسة - هل كان السلف صلحاً فعلاً؟