أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - غالي المرادني - لماذا خلق الله الألم؟؟؟ 3















المزيد.....

لماذا خلق الله الألم؟؟؟ 3


غالي المرادني

الحوار المتمدن-العدد: 2120 - 2007 / 12 / 5 - 11:47
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


سوف نتناول في هذا المقال الأخير وجهة النظر لكل من الشخص الملحد والشخص المؤمن.. وسنبحث ذات السؤال الذي سبق لنا الإجابة عليه وهو لماذا لا يمكن التخلص نهائياً من كل أشكال المعاناة؟؟ ولماذا هي أمر حتمي؟؟

وإذا بدأنا بوجهة نظر الشخص الملحد، فإنه ومن الناحية المنطقية البحتة فلا توجد هناك مشكلة تبحث عن الحل.. ولا سؤال ينتظر الإجابة.. فالملحد لايؤمن بأن وجوده يعود إلى أي خالق.. وبالتالي فليس هناك من خالق يكون مسؤولاً لديه إذا وجد أي انحراف أو اعوجاج في الخلق الذي حدث عشوائياً وبدون أي تخطيط.. فكل معاناة وكل شقاء.. وكل توزيع غير متساوي للبهجة والسعادة.. ليس من أحد يتحمل اللوم عليه سوى الصدفة وحدها.. وبذلك فإن بحث هذا الموضوع ينتهي هنا.. فالصدفة وحدها هي الخالق.. أو الطبيعة مهما كان المسمى.. فهو شيء غير عاقل.. أخرس وأصم.. أعمى ومشوّش.. وهكذا فلا يمكن أن يوجه له اللوم على أي قصور في وجود قد نشأ أصلاً من الفوضى.. إن ناتج الصدفة بغير الخالق لا بد أن يكون أعمى ومختلاً ومشوّشاً بغير عقل وبلا نظام وبدون اتجاه.

وفي الاتجاه الآخر ومن وجهة نظر الشخص المؤمن.. فلا توجد بالنسبة له أي مشكلة أيضاً.. فهو يرى في الخلق نظاماً وتوازناً واتجاهاً.. وهو يقبل بحكمة الصانع في جميع ما صنع.. وهو لا يرى في الشوكة الناتئة من هنا وهناك في باقة من الزهور زاهية الألوان.. رائعة الجمال والتكوين.. عطرة الرائحة.. سبباً كافياً يجعله يحجم عن قبول الباقة.. أم أن عليه يا ترى أن لا يقبلها؟؟!!

وللأسف، فلو كان ظن الملحد وارتيابه في محله.. يكون الموت هو المخرج الوحيد من بؤس وشقاء الأبرياء الذين يقاسون مرارة المعاناة دون ذنب أو جريرة..
وإذا صح اعتقاد المؤمن في سلامة تصوره لنظام الخلق وغايته.. فإن الموت أيضاً هو المخرج.. ولكن لغاية تختلف تماماً عن غاية الملحد.. بالنسبة له فليس الموت إلا منفذاً للحياة الأخرى.. التي تقود الأبرياء الذين يعانون العذاب في الدنيا إلى عهد لا نهاية له من الأجر والثواب والمكافأة والتعويضات..

قد يعترض البعض ولا يقبل بهذا.. ويظل مُصراً على أنه لا يوجد خالق ولا توجد حياة أخرى للثواب والعقاب بعد الموت.. والجواب السابق لمثل هؤلاء لا قيمة له.. فإذا كان الأمر كذلك فلا داعي لمناقشة السؤال أصلاً.. وعلى هؤلاء أن يتذكروا أن السؤال يمكن أن يناقش فقط من زاوية علاقة الله تعالى بالخلق ودوره سبحانه كخالق.. ذلك أن موضوع الأخلاقيات وصحة أو خطأ أمر ما ينشأ فقط من الإيمان بوجود الله.. فإذا كان الله موجوداً بالفعل فلا يكون من المستبعد حينئذ أن يحدث تعويض عن المعاناة في الدنيا.. وإن لم يكن هناك إله فلا يمكن أن نلومه هو أو غيره على أية معاناة وقعت بمجرد الصدفة.. إذا أننا يجب أن نأخذ الحياة الدنيا بكل ما فيها باعتبارها مجرد حادثة وقعت مصادفة بدون أي معنى.. وبلا أي اتجاه وبغير أي هدف.. وعلى هذا يكون من الواجب قبول المعاناة على أنها جزء من طبيعة الأشياء كما لو كانت شيئاً لا يمكن التخلص ولا الهروب منه.. وفي جميع الأحوال فعلى الإنسان أن يتعلم كيف يعيش مع المعاناة.. إن المعاناة كما سبق وقلنا هي الأساس لقوى الدفع اللازمة للتطور..
إننا نجد في هذه المعادلة البسيطة التي تتكون من المعاناة والسعادة أنه إذا كان الإحساس بالمعاناة يفوق الشعور المتأصل في النفس بالرضى الناتج عن الإحساس بالوجود فحينئذ سوف تُفضل الغالبية العظمى من الناس الموت على الاستمرار في الحياة مع المعاناة.. أي إذا كان معظم أولئك الذين يُقاسون من الألم والمعاناة يفضلون أن يفقدوا الإحساس بالوجود على التعايش مع الشقاء.. فحينذاك تكون الحكمة وراء منهج الحياة بمعاناتها هي محل اعتراض.. إلا أن الواقع الفعلي الذي نراه هو على عكس هذا الافتراض تماماً..

إن الحياة غالية ولا يُفرط فيها.. وأحياناً يكون هذا برغم معاناة الكثير من البؤس والمزيد من الشقاء.. والمُشاهد في هذه الحياة أن هذه هي القاعدة العامة الحاكمة.. مع الاستثناءات النادرة التي هي أقل من أن تُذكر لدى المقارنة.. ويجب علينا أن نتذكر أن الزاوية التي ننظر منها للمعاناة ليست ثابتة.. وفي كل مرة نغير فيها من زاوية النظر للمعاناة يختلف فيها المشهد.. فعلى سبيل المثال فإن الأطفال الذين يتمتعون بصحة جيدة يعتبرون أن الأطفال الذين في المستوى دون العادي يقاسون الكثير من المعاناة.. بينما هؤلاء الذين هم في حالة شديدة من الحرمان والعوز سوف ينظرون إلى الأطفال فوقهم نظرة غبطة وحسد..

وعلى صعيد أوسع.. فإننا نلاحظ أن كل شكل من أشكال الحياة إما أن يكون أسمى أو أدنى من أشكال الحياة الأخرى الأعلى أو الأدنى منها.. وخلال المشوار الطويل للتطور كان الإدراك لقيمة الأشياء يتغير ويتطور من الطبقة الأدنى إلى الأعلى.. وخلال مراحل الارتقاء وحين يُنظر إلى أسفل من مستوى عال.. فإن الأسفل يظهر في موقف متخلف.. والأشكال العليا للحياة تتمسك بهذا الإدراك الأعلى لقيمة الأشياء الذي اكتسبته خلال ملايين السنين من التطور.. وأي تراجع أو فقدان لهذه القيم أو القدرات سوف يتسبب قطعاً في الإحساس بالمعاناة والتي كانت هي نفسها -أي المعاناة- ضرورية للوصول إلى القيم العليا..
ولنتصور مثلاً حالة الديدان بالمقارنة مع بعض أشكال الحياة الأعلى منها.. ولنعقد مقارنة بينها وبين الأشكال الأخرى الأكثر تقدماً في الدرجات الأعلى من سلم التطور.. إنها جميعاً بلا شك غير متساوية في المواهب والقدرات.. فالديدان التي تتغذى على المخلفات العضوية والقاذورات لا يمكن أن تتصور نفسها على قدم المساواة مع الخيول البرية التي تجول حرة في البراري وتتغذى على الحشائش الخضراء.. ومع ذلك فهي لا تتخيل نفسها –الديدان- في منزلة أقل من تلك الخيول.. فإن لكل نوع عالمه الخاص الذي يختلف به عن الآخر.. ولكل نوع قدراته المختلفة ومتطلباته المختلفة وتطلعاته المختلفة أيضاً..
وبناءً على ما سبق فإن عدم التكافؤ هذا لا يعني أنهما كانا هدفاً لأي ظلم وقع عليهما.. ولو تخيلنا حالة بعض الديدان السعيدة التي تتمتع بصحة جيدة.. فمن الواضح أنها جميعها قد تأقلمت مع محيطها التي تعيش فيه.. وهي راضية تماماً بكل القدرات التي زودها بها الخالق تعالى.. ولا تستطيع أن تتطلع إلى أي شيء فيما وراء المجال الذي تعمل فيه حواسها.. ومع ذلك فإنه إذا عُرض على أي طفل بشري أن يستبدل حالة المعاناة التي يقاسي منها بأن ينقلب إلى دودة سعيدة راضية.. فإنه سوف يُفضل الموت عن خيار الحياة في المستوى المتدني لوجود الديدان..
وبالتالي فإن الإدراك لنوعية الحياة التي يحياها الإنسان في مستوى أعلى من مستويات الحياة الأخرى إنما يكفي في معظم الأحوال لتعويض أي ضرر يعاني منه الإنسان.. وبذلك يتضح أن مسألة المعاناة هي مسألة نسبية...

إن اإحساس بالحرمان هو مكمن المعاناة.. فالإدراك بنقص أشياء معينة أو فقدان أمور عزيزة على الإنسان تَعَود الإنسان على امتلاكها هو الذي يثير الإحساس بالألم... ولا يحدث هذا إلا إذا كان الإنسان قد جرب الإحساس بالسعادة من قبل عندما كان يتمتع بتلك الأمور والقيم.. أو إذا رأى الآخرين يتمتعون بها..
ومن ناحية أخرى.. فإن نقص الأمور التي لا يستتطيع الإنسان أن يُدرك قيمتها أو كنهها لا يسبب له أية معاناة على الإطلاق.. وعليه فإن الألم ليس إلا مجموعة من الأحاسيس الناتجة عن فقدان أمور معينة..

وكما ذكرنا سابقاً فإن الإحساس بالكسب والخسارة هو الدافع للتقدم والتطور.. والحواس الخمس التي نتمتع بها إنما هي نتاج لإدراكنا بالكسب والخسارة.. فقد ارتقت حواسنا عبر ملايين السنين من التطور حتى صارت نظاماً ألياً للإحساس.. فالألم والبهجة لا يستطيعان بذاتهما أن يخلقا نظاماً ألياً من الإدراك.. فسوف تنعدم البهجة وينعدم الألم إذا انعدم الإدراك بهما.. فكيف يمكن للعدم أن يخلق شيئاً؟؟؟
إن عدم الإدراك لا يمكن أن يخلق ويصمم إدراكاً.. حتى ولا خلال تريليون من السنين.. فلا بد للخالق أن يكون خالقاً مدركاً.. ذلك الذي يهب الموت إدراكاً ويخلق منه الحياة.. ويبدو أن الخلاق القدير سبحانه قد استعمل الألم والبهجة في نسق لا يزال غير معروف وبأسلوب لا يزال خفياً ليخلق نفس الأعضاء التي تشعر وتحس بهما.. ولو أننا أزلنا الألم كوسيلة في خلق هذه التحفة من الإعجاز الخلاق فسوف تتحول الحياة إلى ركام من حياة خاملة لا حس فيها.. ولا تدرك حتى وجودها.. فهل بعض الحالات الشاذة من البؤس والحرمان تعتبر ثمناً فادحاً لوجود هذا الإدراك العظيم الرائع؟؟!!

ولا بد لي من التأكيد مرة أخرى أن الإسلام يعتبر أن الشر هو مجرد ظل يحدث بسبب غياب الخير..فالشر ليس له وجود إيجابي بذاته..
إننا نستطيع أن نتصور أي مصدر من مصادر النور مثل الشمس أو المصباح وغيرهما.. ولكننا لا نعرف ولا نستطيع أن نتصور أي مصدر للظلام.. فالطريقة الوحيدة التي يمكن بها لشيء ما أن يكون سبباً للظلام هو قدرته على حجز النور ومنعه من النفاذ.. وبالمثل فإن غياب الخير فقط هو الذي يسبب الشر.. ودرجات الشر إنما تتقرر بدرجة التعتيم التي يسببها عامل يعترض الخير..

كذلك فإن الإدراك بتملك شيء ما هو الذي يثير البهجة في النفس.. وأي نقص أو تهديد بنقص أو فقدان لشيء مما يملكه الإنسان هو الذي يسبب له الألم والمعاناة.. ولكن كلا من البهجة والمعاناة يجب أن يتواجدا في معاجلة لقطبين أحدهما سالب والآخر موجب.. إذا أزلنا أحدهما اختفى الأخر.. ولذلك لا يستطيع أحد أن يتدخل في التصميم الخلاق للألم أو البهجة أو الشر أو الخير وينجح في تغيير هذا النظام..

إن الشفقة البائسة التي يظهرها البعض ليس لها القدرة مطلقاً أن تمحو المعاناة من الحياة.. بغير أن تمحو الحياة نفسها.

انتهى



#غالي_المرادني (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- لماذا خلق الله الألم؟؟؟2
- لماذا خلق الله الألم؟؟؟ 1
- الماركسية، والمزيد من التناقضات
- الماركسية.. تناقضات متأصلة
- دين الله.. دين الكهنة.. والتشريعات البشرية
- العلمانية في ميزان العقل


المزيد.....




- إبادة جماعية على الطريقة اليهودية
- المبادرة المصرية تحمِّل الجهات الأمنية مسؤولية الاعتداءات ال ...
- الجزائر.. اليوم المريمي الإسلامي المسيحي
- يهود متشددون يفحصون حطام صاروخ أرض-أرض إيراني
- “متع أطفالك ونمي أفكارهم” تردد قناة طيور الجنة الجديد 2024 ب ...
- لولو يا لولو ” اظبطي تردد قناة طيور الجنة 2024 على نايل سات ...
- شاهد: عائلات يهودية تتفقد حطام صاروخ إيراني تم اعتراضه في مد ...
- أمين عام -الجماعة الإسلامية- في لبنان: غزة لن تبقى وحدها توا ...
- وزيرة الداخلية الألمانية: الخطوط الحمراء واضحة.. لا دعاية لد ...
- لجنة وزارية عربية إسلامية تشدد على فرض عقوبات فاعلة على إسرا ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - غالي المرادني - لماذا خلق الله الألم؟؟؟ 3