أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - غالي المرادني - لماذا خلق الله الألم؟؟؟ 1















المزيد.....

لماذا خلق الله الألم؟؟؟ 1


غالي المرادني

الحوار المتمدن-العدد: 2112 - 2007 / 11 / 27 - 04:42
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


اسمحوا لي أولاً أن اتوجه ببعض التساؤلات التي لابد لنا أن نجيب عنها حتى نستطيع أن نصل إلى اجابات مقنعة..
مثلاً.. كيف عرفت البشرية الفرق بين الخير والشر؟؟ وبين السعادة والمعاناة؟؟
لماذا خلق الله الشر والمعاناة؟؟
هل الله عادل؟؟ ولماذا لا يكون عدل الله مطلق؟؟

لابد لنا من الإشارة بأن التاريخ الطويل للنشوء والارتقاء الذي قطعته البشرية في رحلتها كان سبباً في ظهور أعضاء الإحساس.. وقد كانت هذه الأعضاء سبباً للشعور بالكسب أو الخسارة... ولابد لهذه الرحلة لاستيعاب الكثير من المكاسب والخسائر أن تؤدي بالتدريج إلى الارتقاء بأعضاء الحواس لتسجيل وجود البهجة والألم والسعادة والمعاناة.

ولو أننا تأملنا في تاريخ الأشكال الدنيا في الحياة.. عند العتبات الأولى من رحلة الارتقاء وقارناها بأشكال الحياة العليا التي وصلت إليه اليوم.. فإننا سنكتشف أن الارتقاء في حقيقة الأمر ليس إلا ارتقاء للإدراك... فالحياة تتحرك تصاعدياً في حركة لولبية مستمرة من حالة أدنى من الإدراك إلى حالة أعلى.. مع الصقل المستمر لقدرات الوعي والإدراك...

إن الوعي بالكسب والخسارة يكون خاملاً وخفياً عند البداية... ولا نستطيع أن نحدد مكاناً أو مركزاً معيناً لهذا الوعي والإدراك في تشريح المخلوقات الأولية.. لكننا نعلم أنه من خلال ردود فعلها للعناصر والظروف المحيطة بها أن لها نوعاً من الوعي الخفي.. وهذا الوعي الخفي هو الذي يستعمله الخالق تعالى لإيجاد نوع من الإدراك في الحياة.. وقد قطع هذا الإدراك رحلة طويلة في مسيرة الارتقاء والتطور وصارت له مراكز في الكائنات الحية.. وهذه المراكز هي التي ترسبت فيما نعلم عنه الآن أنه مراكز الحواس.. وعلى ذلك فإن خلْق المخ لا يمكن أن يكون منفصلاً عن هذا التطور في الحواس... فلن يكون لتطوير أعضاء الإحساس معنى بغير تطوير مقابل لجهاز عصبي مركزي ليترجم الإشارات التي ترسلها الأعضاء الحسية ويحولها إلى مشاعر كسب أو خسارة.. معاناة أو سعادة... لذا فإنه من الواضح أن المخ قد تكون في تناظر تام مع نظام الإحساس الأساسي.. وكلما تطور الوجدان والشعور كلما زادت حدة الشعور بالمكسب والخسارة التي تشعر بها المراكز العصبية المعينة.. فتترجم الإحساس بالخسارة إلى شعور بالألم والمعاناة.. وتترجم الإحساس بالكسب إلى بهجة وسعادة... وكلما قل الإدراك والشعوركلما قل أيضاً الشعور بالمعاناة والألم وينطبق نفس الأمر على الشعور بالسعادة... وبالتالي فإن الأجهزة الحسية التي تزود الكائن بشعور البهجة والألم لا يمكن الاستغناء عنها... ومن المؤكد أنه إذا قلت القدرة على الإحساس بالألم والمعاناة لدى أي كائن حي تقل أيضاً القدرة على الإحساس بالبهجة والسعادة بنفس القدر عند نفس الكائن... ومن الواضح أن القدرتين متساويتان تماماً في دفع عجلة التطور.. وكلاهما على نفس القدر من الأهمية.. إذ لا يمكن إلغاء إحدى القدرتين دون الأخرى.. الأمر الذي يخل تماماً بفاعلية النظام الخلاق الذي يعمل على التطور والتقدم.

اسمحوا لي أن اتحدث عن هذا الموضوع من وجهة النظر القرآنية لبعض الوقت.. إذ لا بد لنا أن نؤكد على حقيقة هامة ذكرها القرآن بهذا الخصوص.. فالله تعالى يؤكد في القرآن أنه لم يخلق المعاناة كحالة مستقلة قائمة بذاتها.. ولكن كمقابل لابد منه ولا يمكن الاستغناء عنه للراحة والبهجة.. فغياب البهجة هو معاناة.. والمعاناة هي بمثابة الظل للبهجة.. تماماً كما أن الظلام هو الظل الذي يسببه غياب النور.
إذا كانت هناك حياة فلابد أن يكون هناك موت.. يقف كل منهما على أقصى طرفي قطبين وفيما بينهما درجات متنوعة من الظلال لا حصر لها... وكلما ابتعدنا عن طرف الموت فإننا نقترب بالتدريج من طرف الحياة الذي يمثل الشعور بالسعادة... وكلما ابتعدنا عن طرف الحياة فإننا نقترب نحو الموت باحساس من الألم والمعاناة.. إن هذا هو المفتاح اللازم لفهم الصراع من أجل البقاء الذي يؤدي بدوره إلى التحسين المستمر في نوعية الحياة.. ويساعدها على تحقيق الهدف الأسمى للتطور.

إن مبدأ البقاء للأصلح يلعب دوراً هاماً ومتمماً لنظام الحياة العظيم وارتقائها.. وقد ذكر القرآن الكريم هذه الظاهرة في الآيات التالية:

تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (1) الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ (2) الملك

إن الإجابة عن السؤال الذي طرحناه في البداية (لماذا خلق الله الشر والمعاناة؟؟) قد جاءت بوضوح في هذه الآية وفي أوسع تطبيقاتها... إن الفلسفة العميقة للحياة والموت ودرجات الظلال العديدة بينهما والدور الذي تلعبه في صياغة شكل الحياة وتحسين نوعيتها.. كل ذلك تشمله الآية أعلاه... فهي تحتوي على الغاية من الخلق والحياة والموت كما يبينه الله تعالى.. فنحن نعلم أن الحياة هي فقط قيمة إيجابية.. وأن الموت ليس إلا غياب هذه الحياة.. ولا يوجد بينهما حد فاصل معين وإنما هي عملية تدريجية.. تندرج فيها الحياة في اتجاهها نحو الموت حتى تختفي.. وفي الاتجاه المعاكس أيضاً حين لا يكون للحياة وجود.. أي في حالة موت.. ثم تتجه الحياة من حالة العدم إلى حالة الوجود، فتكتسب القوة والطاقة والإدراك.. وهي تسير في طريقها نحو الموت.. هذا هو المقصد الأعظم في خطة الخلق.. وهذا يقودنا إلى السؤال التالي الذي طرحناه في البداية.. لماذا خلق الله هذا النظام للحياة؟؟؟

لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ (2) الملك

هذه هي الإجابة التي يقدمها القرآن الكريم عن السؤال.. إن الصراع المستمر بين الموت والحياة هو السبب الرئيس الذي يدفع الأحياء إلى حالة مستمرة من المحن والابتلاءات.. وكل من يسلك في الحياة مسلكاً رشيداً واعياً تكون له الفرصة الأكبر في الحياة وينتقل إلى درجة أعلى من الوجود.. إن هذا هو مكمن فلسفة وميكانيكية التطور المذكورة في الآية أعلاه... إن هذا الصراع المستمر بين قوى الحياة والموت هو الذي يزود الأحياء بالقوة الدافعة التي تجعلهم يتحركون باستمرار بعيداً عن الموت أو في الاتجاه إليه... وهذه الحركة المستمرة لابد أن تؤدي إلى التقدم أو التدهور في نوعية الوجود بحسب النطاق الواسع لمتغيرات التطور... وهذا هو جوهر التطور وروحه.

يمكن أن يكون سبب اعتراض البعض على المعاناة مبرراً لو كانت المعاناة قد خُلقت كذات قائمة بنفسها دون أن يكون لها دور تؤديه في تدبير الأمور الدنيوية.. إن غياب الإحساس بالمعاناة وغياب الوعي اللازم لإدراك معاني هذه المعاناة سوف يؤدي حتماً إلى غياب الإحساس بالراحة والسعادة.. فبدون مواجهة الألم وتجربة البؤس لابد أن يفقد الفرح والسعادة كل معنى.. وفي الواقع فإن الحياة نفسها سوف تفقد كل معنى ولن يكون لها هدف وبالتالي فسوف تتوقف عجلة التطور وتخمد في مكانها.. وبناءً على ما سبق فإنه من خلال تطور الحواس البشرية لعب الإحساس بالكسب والخسارة دوره الهام في الحياة.. تماماً مثل عجلتي العربة التي تتحرك عليها.. انْزع إحدى العجلتين وسوف تفقد الأخرى أيضاً معناها وبالتالي تتوقف العربة على الفور. إن الصراع بين الحياة والموت الذي ينتج عن الألم والمعاناة يخلق أيضاً البهجة والسعادة.. وهو العامل الأول في قوة الدفع التي تزود عربة التطور بالطاقة اللازمة للتقدم إلى الأمام دائماً.

وبالنسبة لموضوع المرض والذي يشغل بال الكثيرين فنقول بأنه ومن خلال التاريخ الطويل للتطور فقد كانت الأمراض تتسبب دائماً عن عوامل عديدة ترتبط بشكل مباشر أو غير مباشر بالتغيرات التطويرية.. فالتغييرات البيئية والصراع من أجل البقاء والطفرات والحوادث.. كلها مجتمعة أو كل منها على حدة قد لعب دوره الهام والخاص.. فالأمراض والعيوب والقصور كلها لها دور هام تلعبه لتحقيق الإصلاح والتقدم.. وهكذا فقد راحت أنواع الحياة المختلفة ترتقي وتتطور بغير وعي من جانبها.. ولكن بالتأكيد في اتجاه معين.. ويبدو أنه اتجاه في طريق مهّده الإدراك ليصل إلى إدراك أعظم..

والآن أطلب منكم أن تتصوروا معي نظاماً آخر تغيب فيه تماماً مظاهر الألم والمعاناة.. وأن نضع قاعدة مفترضة تقول: إن جميع أشكال الحياة يجب أن تتمتع بقدر متساوي من البهجة والسعادة بغير أي شعور بالمعاناة على الإطلاق.. وربما عندئذ فقط يمكن إلغاء المعاناة تماماً من الحياة.. وسوف تكون هناك مساواة مطلقة يتمتع بها كل فرد ويقف عند نفس المستوى.. لكن وللأسف الشديد فإننا حين نحاول إدخال هذا النظام الجديد المفترض في أية حلقة من حلقات التطور الطويل فإننا نواجه من المشاكل ما لا يمكن التغلب عليه.. فهذه القاعدة الافتراضية لابد أن تطبق إما عند البدء في أول بداية الخلق.. أو لا تطبق على الإطلاق.. لأن تطبيق التساوي المطلق في أية مرحلة تابعة بعد البداية سوف يكون مستحيلاً دون خلق متناقضات لا يمكن حلها.. ولذا فإننا سوف نضطر إلى العودة إلى نقطة البداية من حيث بدأت الحياة.
وهكذا فلا بد لنا أن نعود القهقري طوال تاريخ الحياة وأن نتراجع على نفس الطريق إلى نقطة البداية لنبني سلماً جديداً للتطور خطوة بعد خطوة.. سوف نحاول.. ونحاول.. ونحاول.. ومهما حاولنا سوف نجد أننا توقفنا عند أول درجة.. والتي هي نقطة بداية الحياة نفسها.. ولن نستطيع أن نتقدم بعدها خطوة واحدة إلى الأمام... وذلك لأن التوزيع المتساوي تماماً للسعادة والغياب الكامل للمعاناة سوف يزيل تماماً أية قوة دافعة للارتقاء.. وهكذا فلن يكون هناك صراع للبقاء.. ولن يكون هناك اختيار طبيعي للأنواع ولا بقاء للأصلح.. ولن تتمكن الأشكال الأولية للكائنات الحية أن تأخذ أية خطوة للتطور إلى الأمام.

إن ما يترتب عن هذا النظام الافتراضي الذي أعدنا تصميمه للخلق هو أن تستمر الحياة على ما كانت عليه.. وسوف تظل بالتأكيد ساكنة وخامدة إلى الأبد.. ثابتة على أولى درجاتها غير المتطورة.. الأمر الذي يجعل خلق الإنسان الأول أمراً بعيد المنال عند بداية الخلق.. وبناءً على ما سبق فإن السؤال الحقيقي الذي يطرح نفسه هو ما إذا كان من الأفضل اختيار نظام تكون فيه المعاناة جزءاً لا يتجزأ منه.. ويستمر فيه الارتقاء بالتحرك إلى الأعلى بحركة لولبية لتحقيق المصلحة العليا للحياة؟؟ أو التخلي كلية عن خطة الحياة خوفاً من عدم القدرة على تجنب المعاناة.. وفي هذه الحالة من التحليل النهائي يكون السؤال المتبقي والذي علينا اجابته هو: "أن نكون أو لا نكون"؟؟





#غالي_المرادني (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الماركسية، والمزيد من التناقضات
- الماركسية.. تناقضات متأصلة
- دين الله.. دين الكهنة.. والتشريعات البشرية
- العلمانية في ميزان العقل


المزيد.....




- وفاة قيادي بارز في الحركة الإسلامية بالمغرب.. من هو؟!
- لمتابعة أغاني البيبي لطفلك..استقبل حالاً تردد قناة طيور الجن ...
- قادة الجيش الايراني يجددن العهد والبيعة لمبادىء مفجر الثورة ...
- ” نزليهم كلهم وارتاحي من زن العيال” تردد قنوات الأطفال قناة ...
- الشرطة الأسترالية تعتبر هجوم الكنيسة -عملا إرهابيا-  
- إيهود باراك: وزراء يدفعون نتنياهو لتصعيد الصراع بغية تعجيل ظ ...
- الشرطة الأسترالية: هجوم الكنيسة في سيدني إرهابي
- مصر.. عالم أزهري يعلق على حديث أمين الفتوى عن -وزن الروح-
- شاهد: هكذا بدت كاتدرائية نوتردام في باريس بعد خمس سنوات على ...
- موندويس: الجالية اليهودية الليبرالية بأميركا بدأت في التشقق ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - غالي المرادني - لماذا خلق الله الألم؟؟؟ 1