أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - غالي المرادني - الماركسية، والمزيد من التناقضات















المزيد.....

الماركسية، والمزيد من التناقضات


غالي المرادني

الحوار المتمدن-العدد: 2071 - 2007 / 10 / 17 - 12:27
المحور: ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
    


قام السيد "فؤاد النمري" في رده في العدد 2001 بعنوان من ينقض ماركس (3) على مقال نشر لي في موقع الحوار المتمدن العدد: 2007 بعنوان "الماركسية.. تناقضات متأصلة" بالإشارة بغير علم لمأزق آخر تواجهه الماركسية. وفي هذا المقال لن أرد على تعليق السيد "النمري" فيمكن للمهتمين قراءة الموضوعين على موقع الحوار المتمدن وليحكم كلٌ بما يشاء. ما يهمني هنا كما أسلفت هو الإشارة إلى تناقض آخر في فلسفة ماركس.

إن المأزق الآخر الذي تواجهه الماركسية هو أنه لا يمكن تعريف الأخلاقيات على أنها مصطلحات حزبية، فإن المجتمع الذي تعلم وتدرب على أن يرفض كل الالتزامات الأخلاقية تجاه الآخرين.. لا يُتوقع منه أن يفي بحق هذه الالتزامات تجاه نفسه. ذلك لأن السلوك الإنساني عامة يشير إلى أنه إذا تعَوّد المرء على اللاأخلاقيات، فإنه يظل دائماً بلا أخلاقيات. ونفس هذا المبدأ ينطبق على النظام القيادي الشيوعي، إذ يبدو أن اللاأخلاقيات تُقََوّي من قبضة الفساد على النظام الذي تتولاه هذه القيادة، وكلما ازداد فسادها كلما ازدادت هي غلظة وقسوة حتى تظل لها السيطرة الكاملة.

إنه لمن غير الممكن للأخلاقيات واللاأخلاقيات أن تتوجه حصراً في اتجاه واحد معين.. فمن المستحيل أن تعامل القيادة الشيوعية العالم الشيوعي بالأخلاقيات، حتى لو قرروا وأرادو ذلك، بينما هم مدربون على التعامل مع العالم غير الشيوعي والمصالح غير الشيوعية بدون أدنى الالتزامات الأخلاقية. وقد كان هذا العامل وحده قوياً وكافياً ليحقق سقوط الديكتاتورية الشيوعية على المدى الطويل. إن العبارة الشهيرة تقول: " السُلطة مَفسدة، والسُلطة المطلقة مَفسدة مطلقة" وهي تنطبق تماماً على القيادة الشيوعية. واللاأخلاقي لا يمكن أن يبقى طويلاً دون اللجوء إلى القسوة والاضطهاد والتغاضي التام عن مقتضيات العدالة. وكما أن الكراهية تُوَلّد الكراهية.. كذلك لا تؤدي اللاأخلاقيات إلا إلى المزيد من اللاأخلاقيات. وهذه الحالة المتواصلة من التغاضي عن القيم الأخلاقية عند أعلى مستوى من هرمية القيادة الشيوعية لهي كفيلة أن تؤدي حتماً إلى دكتاتورية مطلقة لاأخلاقية. ولا يمكن لهذه الدكتاتورية المطلقة اللاأخلاقية أن تبقى لزمن طويل محصورة فقط في دائرة معينة ضيقة من القيادة.. إذ لابد من أن يسود الفساد أيضاً جميع المستويات المجاورة والقريبة لدائرة اتخاذ القرار من أجل الحفاظ على استمرار بقائهم الجماعي.. وهكذا تبدأ الرقعة البغيضة من اللاأخلاقيات بالتزايد والاتساع أكثر فأكثر إلى أن تنتشر في جميع المستويات.

إن أي حكومة شيوعية تأتي إلى السُلطة، لا يمكن أن تُزاح بواسطة ثورة البروليتاريا.. فإن السُلطة والقوة التي تملكها هذه الحكومة هي قوة شمولية وبلا أية رحمة.. عدا عن أن كلمة "رحمة" أو حتى مجرد بعض الألفاظ عن الأخلاقيات لا مكان لها في قاموس الماركسية. لقد كان "ستالين" نموذجاً لقانون السلوك الماركسي اللاأخلاقي.. إذ أن جرائم القتل الجماعية التي ارتُكبت ضد أفراد البروليتاريا أنفسهم على مذبح الماركسية خلال الحكم الدكتاتوري لنظام "ستالين"، لهي أكبر شاهد على "روعة إنجازاته" من وجهة نظر الفلسفة الشيوعية بالطبع.

وللأسف.. فقد فشلت عبقرية "ماركس" في اكتشاف الضعف المتأصل في ماديته الجدلية.. فإن قبضة الشيوعية حتى ولو كانت أقوى من الأعاصير العاتية، والزلازل المدمرة.. فإنها ما كانت لتنجح في تسوية الأعلى بالأدنى في المجتمع الإنساني. إن البحر العاصف بأمواجه المرعبة الهادرة يعود إلى الهدوء بعد أن تكون كل عوامل الطبيعة من ثَوَران واضطراب قد بلغت ذروتها.. ثم يبدو بعد ذلك في صورة من الاستقرار والسكون.. وبالمثل فإن الصحراء المنبسطة المترامية بلا تلال أو هضاب، تعطي الانطباع الخادع بوجود السكون والهدوء الشامل. وهذا الهدوء المؤقت للبحر والسكون الخادع في الصحراء هو الأقرب إلى واقع الأمر بالنسبة لمفهوم الماركسيين للاستقرار والسلام في المجتمع الإنساني... ولكن قليلاً ما يعلم الماركسيون أن صورة الهدوء والسكينة هذه التي تقدمها لنا الطبيعة ليست في الحقيقة سوى صورة للموت. فحيثما يوجد التساوي المطلق ينعدم التفاعل بين قوى الطبيعة. لقد نسيَ الماركسيون أيضاً أن الهدوء التام للبحر، والسكون الميت للصحراء، لا يشارك الإنسان حرية اختيار الغش أو الاحتيال وخلق أعالي وأداني زائفة، بعدما لم يكن هناك أعالٍ وأدانٍ في الواقع. وبالإضافة.. فإنه من المستحيل للإنسان أن يخترع نظاماً يزيل كل عناصر العلو والتدني من المجتمع الإنساني. فإن قطرات المطر قد تبدو متشابهة، وذرات الرمال قد تكون كل منها صورة طبق الأصل من الأخرى.. ولكن البشر لم يخلقوا ليكونوا كذلك.

إن الأفراد في الفلسفة الماركسية هم الذين يخلقون المجتمع المثالي الذي تسوده االسكينة والدعة الشيوعية. فإذا كان لكل مواطن في الدولة الشيوعية فرصاً اقتصادية متساوية، وكل منهم يتناول نفس الكمية من الخبز والزبد واللحم، إذا كان كل ما يحيا الإنسان من أجله أو يتمنى تحقيقه قد وُضع في متناول يده في تطابق تام مع كافة متطلباته.. فلا يمكن أبداً أن تنمو الرذائل الإنسانية التي تتولد من الجشع... ففي مثل هذا المجتمع الذي يتساوى كل أفراده اقتصادياً، يبدو أنه لا حاجة فيه لأحد أن يسرق أو يسلب أو يغش أو حتى يحاول أن يجمع ثروة.. حيث لن تستطيع الثروة أن تأتي إليه بشيء أكثر مما توفره له الدولة.. ولا بد أن مثل هذا المجتمع سيتخلص في النهاية من كل الجرائم، لأن الجشع الذي هو أقوى العوامل المسببة لارتكاب الجريمة يكون قد اجتث تماماً من المجتمع.
عند ضمان تحقيق هذه الحالة من الفرص المتساوية، والحاجات المتساوية، والتلبية المتساوية لهذه الحاجات، شرط أن يقوم كل فرد في المجتمع بالمشاركة في العمل حسب جهده.. فعندئذ فقط يمكن أن يتحقق الحلم الشيوعي بتوفير الاستقرار التام.. ومثل هذا المجتمع لن يحتاج إلى دولة تحكمه أو تنظم أموره.. وهذا هو المجتمع المثالي للمادية الماركسية.

إن اتجاهات التطورات السياسية والاقتصادية الأخيرة في العالم قد أبطلت هذه الأسطورة المادية.. ولكن جنة عدن الماركسية ليست في حاجة إلى قوى خارجية لتحطيمها.. فإن التخلي عن الأخلاقيات في حد ذاته كان هو العامل الكافي لضمان هلاكها في نهاية الأمر.
وهناك صدوع أخرى متأصلة في فلسفة ماركس الصارمة.. فبصرف النظر عن أنها لا تُقدم أية قواعد أخلاقية تحث أفرادها على القيام بمسؤولياتهم بأمانة وإخلاص.. فإن الإنكار القاطع لوجود الله تعالى والتأكيد على أنه لن تكون هناك حياة بعد الموت وبالتالي فلا حساب ولا عقاب.. كل هذا يشجع موظفي الحزب على عدم الانضباط وعدم الخضوع للقواعد والقوانين، وللنزوع إلى الأنانية والمصلحة الذاتية.. وهذا يؤدي إلى أن تجتاح الجميع حالة كاملة شاملة من الأنانية التي لا يكبح جماحها قيود أو حواجز تمنع من تحقيق الرغبات الخاصة والطموحات الذاتية. ويشعر المرء أنه في حلٍّ من أي قيد ليفعل كل ما يروق له ليشبع كل ما يعتمل في نفسه من مشاعر الجشع والطمع.. وكما يحدث دائماً.. تتضافر أعمدة الفساد مع بعضهم البعض للدفاع عن مصالحهم الطبقية.. وهم دائماً يستطيعون أن يجدوا الوسائل التي تحول دون انكشافهم وبالتالي عدم تعرضهم للعقوبة.. وهكذا فإن الطيور تقع على أشكالها. ولعل هذا النُّزوع الفطري تجاه السلوك الإناني لدى الإنسان هو الذي جعل ماركس يقرر أن الإنسان حيوان لاأخلاقي.. ولكن قليلاً ما كان يدرك حينذاك أن هذا النزوع الفطري هو الذي سوف يحقق في النهاية انهيار الإمبراطورية الشيوعية.
وفي ضوء ما سبق.. وعند إعادة النظر في بحث المشاكل التي تؤدي إلى انهيار الإمبراطورية الشيوعية.. نجد أنه ليس من المتعذر معرفة السبب الرئيسي للإنهيار، وهو فساد الأخلاق لدى الموظفين العموميين. لقد كان الفساد في العالم الشيوعي هو المسؤول الأول عن إنهيار الإمبراطورية الشيوعية المتمثلة في الاتحاد السوفياتي. وعلى هذا.. كان فشل النظام مكتوباً ومسجلاً في قدَر الشريعة الشيوعية حين تم إبعاد الأخلاقيات منها.

وفي الختام فمن جانب هناك الحقيقة المستمدة من وحي الله تعالى.. ومن جانب آخر.. هناك ما يُسمى بالحقيقة المستمدة كلية عن طريق الفكر الإنساني.. وليس من الصعب أبداً اختبار فضائل كل من الفلسفتين. إن الوحي الإلهي يعلن بكل قوة ووضوح أن تحقيق العدالة والإنصاف في شؤون الإنسان لا يمكن أن يتحقق بغير أن يكون تطبيقاً كاملاً.. فإن الفساد الأخلاقي والمبادئ الأخلاقية المبنية على العدالة المطلقة لا يمكن أن يجتمعا سوياً.. إن الحق المطلق هو جوهر جميع الأخلاقيات، والأخلاقيات الكاملة هي جوهر كل حق. وعلى هذا.. بغير إعادة زرع القيم الأخلاقية الكاملة في الإنسان، لا يمكن أن يُتَصَور تحقيق حلم إقامة الجنة على الأرض. وكان هذا دائماً الحكم العام الشامل خلال جميع العصور.

لقد قام ماركس ليتحدى هذه الفلسفة القديمة قدم الزمن.. والتي تقوم على الوحي السماوي.. وقد رفض ماركس هذه الفلسفة رفضاً باتاً.. وتقدم بدعوى مضادة مفادها أن الإنسان ليس في حاجة إلى الهداية الربانية.. بل كان من رأيه أنه لا وجود لأي إله. وعلى هذا يكون على الإنسان أن يشق طريقه بنفسه حتى يحقق أحلامه بخلق جنة على الأرض.. ولذا فقد قام ماركس بشق الطريق معتمداً على ذكائه وألمعيته.. فكان طريقاً يخلو تماماً من الهدي الإلهي.








#غالي_المرادني (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الماركسية.. تناقضات متأصلة
- دين الله.. دين الكهنة.. والتشريعات البشرية
- العلمانية في ميزان العقل


المزيد.....




- رحل النبيل سامي ميخائيل يا ليتني كنت أمتلك قدرة سحرية على إع ...
- رحل النبيل سامي ميخائيل يا ليتني كنت أمتلك قدرة سحرية على إع ...
- الانتخابات الأوروبية: هل اليمين المتطرف على موعد مع اختراق ت ...
- صدور العدد 82 من جريدة المناضل-ة/الافتتاحية والمحتويات: لا غ ...
- طلاب وأطفال في غزة يوجهون رسائل شكر للمتظاهرين المؤيدين للفل ...
- إندبندنت: حزب العمال يعيد نائبة طردت لاتهامها إسرائيل بالإبا ...
- كيف ترى بعض الفصائل الفلسطينية احتمالية نشر قوات بريطانية لإ ...
- حماية البيئة بإضاءة شوارع بتطبيق هاتف عند الحاجة وقلق البعض ...
- شاهد كيف رد ساندرز على مزاعم نتنياهو حول مظاهرات جامعات أمري ...
- نشرة صدى العمال تعقد ندوة لمناقشة أوضاع الطبقة العاملة في ال ...


المزيد.....

- مساهمة في تقييم التجربة الاشتراكية السوفياتية (حوصلة كتاب صا ... / جيلاني الهمامي
- كراسات شيوعية:الفاشية منذ النشأة إلى تأسيس النظام (الذراع ال ... / عبدالرؤوف بطيخ
- lمواجهة الشيوعيّين الحقيقيّين عالميّا الإنقلاب التحريفي و إع ... / شادي الشماوي
- حول الجوهري والثانوي في دراسة الدين / مالك ابوعليا
- بيان الأممية الشيوعية الثورية / التيار الماركسي الأممي
- بمناسبة الذكرى المئوية لوفاة ف. آي. لينين (النص كاملا) / مرتضى العبيدي
- من خيمة النزوح ، حديث حول مفهوم الأخلاق وتطوره الفلسفي والتا ... / غازي الصوراني
- لينين، الشيوعية وتحرر النساء / ماري فريدريكسن
- تحديد اضطهادي: النيوليبرالية ومطالب الضحية / تشي-تشي شي
- مقالات بوب أفاكيان 2022 – الجزء الأوّل من كتاب : مقالات بوب ... / شادي الشماوي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - غالي المرادني - الماركسية، والمزيد من التناقضات