أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - محمود عبدالله - إشكالية التخلف و الحداثة في الفكر الإيراني.















المزيد.....



إشكالية التخلف و الحداثة في الفكر الإيراني.


محمود عبدالله

الحوار المتمدن-العدد: 2109 - 2007 / 11 / 24 - 11:24
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


(المقاصد الثلاث- القانون، القومية،الإسلامية )

الفكر الإيراني الحديث تشكل منذ اللحظة الأولى من ثنائية مهمة وهي ثنائية "الحداثة" و "التخلف"وأصبحت هذه الثنائية ملازمة له منذ بداية انبثاقه حتى اليوم. ثنائية تحولت إلي معضلة متداخلة و متشابكة ، معضلة أصبحت "إشكالية" لا تفارق هذا الفكر لأنه فكر لم يهدَم أسس التخلف ولم يبن أسس الحداثة التي طلبها ،و عدم إنجاز و نجاح أي منهما أدى إلي تعقيد الإشكالية وتعميق الأزمة التي يعيشهما هذا الفكر طوال فترة ثلاثة أجيال .
وإذا حددنا بدقة بداية انبثاق هذا الفكر تعد فترة ميرزا عباس"ولي السلطنة القاجارية" متوفى عام1832
ميلادي هي لحظة انبثاقه ، حيث تعرف أثناءها الإيرانيون إلي عوامل تخلفهم، وأيضاَ عرفوا مكونات الحداثة و انشغل الإيرانيون منذ تلك الفترة بما انتبه و أشار إليه عباس ميرزا و هما المحورين المهمين-محور: عوامل تخلف إيران ومحور: إدراك مكونات تقدم أوروبا . فعوامل و مكونات هذين المحورين كانت نماذجها كثيرة قد لمسها وتعايش معها عباس ميرزا و هو في منصب ولي العهد, منصب أتاح له أن يصب انشغاله و اهتمامه بعوامل التخلف و تحركه نحو معرفة مكونات الحداثة .
عوامل التخلف و مكونات الحداثة لا يكون أي منهما حدثاَ عابراَ في تاريخ إيران بل تشكل منهما جناحا الوعي- في الفكر الإيراني الحديث- وعي كشف الذات الإيرانية المنهزمة، و وعي كشف الأخر الأوروبي المنتصر، و هذا الوعي ذو الوجهين حمله ذلك السؤال المعروف في التاريخ الإيراني الذي طرحه ميرزا عباس على جوفير مبعوث نابليون القادم من أوروبا إلي فتح علي شاه قاجار- حيث تسائل: "لا أعرف ما هي هذه القوة التي تفوقتم بها علينا، و ما هي أسباب ضعفنا، وما هي أسباب تقدمكم أنتم في أساليب الحروب و الفتوحات و استعمال القوى العقلية التي تتفوقون بها ، فيما نحن نعيش في بئر من الجهل.. قل ماذا نفعل نحن الإيرانيين حتى نكون فطنين "(1) .
وهذا السؤال حمل مقصدين رغب ميرزا عباس التعرف عليهما-
المقصد الاول: التعرف على أسباب و مكونات تقدم أوروبا مكونات كانت حاضرة و فاعلة شهد أثرها في الهزائم إلتي لحقت بإيران في حروبها مع روسيا القيصرية . المقصد الثاني : التعرف على عوامل و أسباب تخلف إيران من أجل تجاوزها- كما سعى لذلك . لذا عُرفت هذه الفترة ببداية اليقظة الجديدة في تاريخ إيران الحديث" تاريخ بيدارى ايرانيان" .وهذه التسمية جاءت أثر ما شهدته تلك الفترة من تحرك و انفتاح باتجاه أوروبا من جانب الإيرانيين ،وعلى محورين-

المحور الأول: إدخال الإصلاحات و النظم الأوروبية إصلاحات بدأها أولاَ- عباس ميرزا عند ما كان حاكماَ على- والى آذربايجان، و هي أول خطة بناء جديدة عرفتها إيران، وشملت تطوير و تنظيم الجيش حيث استفاد من خبرة و تجربة ضباط أوروبيين قاموا بتدريب و تعليم الجيش فنون القتال، و استعمال الأسلحة - السلاح الجديد و بناء مصنع في مدينة تبريز للمدفعية ،ومن أجل استمرار خطة الإصلاح أوفد إلي أوروبا أول البعثات للدراسة و تعلم إدارة نظم الدولة.
المحور الثاني: مسار الارتباط و الاتصال بأوروبا حيث أخذ هذا المسار منذ تلك اللحظة عدة طرق هي-

1: البعثات الإيرانية إلى أوروبا،- 2: بناء المدارس الحديثة،-3 : الترجمة للمصادر الأوروبية،-4: الجرائد و المجلات،-5: وضع الرسائل،-6 : الوسيط المثقف.
و هذا الارتباط و العلاقة التي تشكلت بين إيران و أوروبا أنتجت وعياَ لدى من ارتبط بأوروبا من الإيرانيين خصوصاَ المثقفين وعيا شكل رؤية واحدة تجاه فهم الذات وفهم أوروبا معاَ، و يشرح هذه الثنائية و الرؤية أحد المفكرين الإيرانيين و يقول" اليقظة للأفكار في إيران هي ثمرة التعرف على العلم و التمدن الغربي و التعرف على مدنية الغرب هو من نتائج العلاقة و الارتباط بين إيران و أوروبا...المجتمع الإيراني متخلف عن التطور المادي و العلم و الحكمة ، ولا خبر عندنا عن ذلك التطور حيث الفوضى العامة في إيران هي سبب تخلفنا عن ذلك "(2) ،و تبعاَ لهذا التحديد الذي أشار و لرصد التخلف و التطور أصبحت أوروبا تمثل نموذج التقدم و الحضارة في الرؤية الإيرانية، لذلك المقاصد التي طرحت في إيران من أجل تغيره تم أخذها من المرجعية الأوروبية هي كالتالي .

المقصد الأول- القانون.

و انطلقت هذه الرؤية تبحث لها عن فضاء و مجال للعمل به، و كثرت الدعوات التي أطلقتها مجموعة من الشخصيات التي تعلمت و تثقفت في أوروبا ،و أطلعت على ما يدور هناك من تطور ،و هي شخصيات أصبح عددها في تزايد مستمر،كذلك أصبح لها دور فاعل و مؤثر في مسار إيران المجتمعي و السياسي . و تأثيرها و دورها هذا بدأ يتسع في المجتمع حتى شكلت معارضة لمواجهة حكام الدولة القاجارية ،وهذه المواجهة بدأت على شكل ضغوط من جانب المعارضة من أجل إدخال و تطبيق ما تدعو إليه ، وأولى تلك الدعوات و أبرزها دعوة " ميرزا ملكم خان" 1832 – 1908 الذي طلب من خلالها إدخال و تطبيق"القانون" ،و من وجهة نظره يعد تطبيق القانون هو الحل و في هذا السبيل ولتحقيق مقصده أسس -"مجلة قانون" عام 1890، حيث رأى سبب تقدم أوروبا هو في تطبيق القانون و العمل به .
و هذه الدعوة الأولى تجاه مقصد "القانون" قد وجدت لها من يدافع عنها من الإيرانيين الذين أمنوا أن القانون هو المخرج من ما تعاني منه البلاد من فوضى ،خصوصاَ بعد توقف حكام القاجار عن ما بدأ به ميرزا عباس و تخوفهم من تجربته في إدخال "التنظيمات"، كذلك وقف عملية التجديد الثانية التي سعى لها ما يسمى في إيران "أمير كبير"1851 ، وهذا التوقف زاد البلاد ما وصلت إليه من عدم ضبط للحياة العامة السياسية و الاجتماعية والاقتصادية في ذلك الوقت، حيث رأى المدافعون أن الخلاص من الفوضى يكون في تطبيق القانون و التقيد به، و هو مهمة الدولة. لذلك بدأ التحرك نحو الدولة القاجارية التي رغب الجميع بأن يبدأ التغيير منها لتطويرها- بإدخال التنظيم و الإصلاح الإداري عليها،وتشكيل مجلس الشورى لضبط نظام الحكم ليصبح القانون هو المرجعية بدل الاستبداد و الرأي الواحد، ما تسمى بدولة قانون.
لكن هذا القانون و الإصلاح تعثر و واجه رفضاَ من حكام الدولة القاجارية حيث قام ناصر الدين شاه في أواخر سنوات حكمه 48-1896 ،بإغلاق و إيقاف الكثير من الأماكن ذات النشاطات الجديدة. أصبح الإصلاح يصطدم بمبدأ الاستبداد و هو أساس تشكل الحكم القاجاري، استبداد موروث من الماضي الإيراني أدى في النهاية إلي فشل تجربة إدخال التنظيمات و الإصلاحات على الدولة بشكل تدريجي ,الإصلاحات التي اختارها دعاة الإصلاح و التغيير . و هذا الفشل و الرفض أوصل الأمر إلي مواجهات عديدة و طويلة دفعت المعارضة إلي الدخول في صراع مع الدولة, صراع دفع بالشاه مظفر الدين96-1907 على توقيع نص الدستورعام1907 قبل خمسة أيام من وفاته، دون رغبة منه بل تحت ضغط أحداث ثورة المشروطة, وهي ثورة قد فشلت و لم تنجح أيضاَ في تحقيق هدفها الذي سعت إليه، حيث الامتياز الذي حصلت عليه و هو الدستور جاء بعد فترة الشاه محمد علي 1907-1909 و ألغي الدستور و حل مجلس الشورى لتعود البلاد إلى فترة ما أطلق عليه "الاستبداد الصغير" حيث تأزم الوضع بعد القتل و النهب الذين ترافقا مع إلغاء الدستور و تصفية رموزه التي عملت عليه. و فشلت تجربة الدستور كما فشلت من قبلها مساعي إصلاح الوضع و الحكم . وتعد تلك تجربة قاسية جداَ بالنسبة إلي كل دعاة الإصلاح.التجربة التي حملت معها اليأس إلي النفوس بإصلاح البلاد بشكل عام حيث تمزقت أكثر فأكثر، و هذا ما دفع الجميع من سياسيين و مثقفين في البحث عن وجهة أو مقصد أخر بعيداَ عن الإصلاح و القانون للخروج من التمزق و التأزم الذي وصلت إليه البلاد.

المقصد الثاني- الدولة القومية.

المقصد و الاتجاه الذي طرح بين الأوساط الإيرانية والتف حوله الجميع هو مقصد بناء "الدولة القومية" ، دولة مهماتها الأساسية توحيد إيران جغرافياَ و سياسياَ بالقوة،و تشكيل هوية واحدة للبلد وهي الهوية الفارسية. هذا هو الاتجاه و المضمون العام للمقصد الثاني ، و أصبح هذا المقصد مطلب و دعوة كل الإيرانيين.

والجيل الثاني من القوميين وقف وراء ترسيخ و نشر هذا المقصد بشكل واسع بين الإيرانيين، و يعتبر سيد حسن تقي زاده1878-1970 من أبرز شخصيات هذا الجيل الذي تثقف بالثقافة الأوروبية ومن أشد دعاة الرؤية القومية،على النمط الأوروبي، و دعوته معروفة حيث طلب أن تؤخذ التجربة الأوروبية بكاملها و تطبق في إيران " من القدم حتى مفرق الرأس باستثناء بقاء اللغة الفارسية"، وكان دوره مهماَ في بلورة الرؤية القومية، الرؤية التي اجتمع حولها و دافع عنها الجيل الثاني بكامله الذي تغيرت رؤيته بعد فشل الحركة الدستورية التي عاش أحداثها ، و ما وصلت له أمور البلاد من تدهور و فوضي خصوصاَ قبل و بعد الحرب العالمية الأولي ،و هي إجمالاَ أحداث اجتمعت ليشكل منها الجيل الثاني توجهه السياسي فيطلب تشكيل دولة قومية يقودها رجل قوي و إن كان مستبدا يسيطر على الحكم ليوحد البلاد بالقوة وينقذها من الانقسام و يخرجها من الفوضى ، وقد أصبحت وحدة البلد و فرض الهوية القومية الفارسية هي الاتجاه الذي ساد و تصدر الخطاب الإيراني السياسي و الثقافي ليكون هو الحاكم الرسمي .
ولتحقيق هذا الهدف التف حول هذه الرؤية الجميع من المثقفين إضافة إلي السياسيين، و جميعاَ شكلوا حركة وتياراَ دفعوا من خلاله بالأمور لتعجل في إسقاط الحكم القاجاري و وقفوا إلي جانب رضا خان رغم أنه رجل عسكري و مستبد في آرائه، و هي حركة انقلبت على القانون خصوصاَ وهذا التيار هو الذي دفع مجلس الشورى ليغير موادا من الدستور(36،37،38) مع طرح "مادة واحدة" لصالح رضا خان ليكون تنصيبه شرعياَ في الظاهر. و بعد ذلك التنصيب أصبحت كل الأمور في قبضة "رضا خان شاه إيران" و سار الحكم في عهده على اتجاهين-
الأول: فرض القوة من خلال الجيش الذي كان أداة رضا خان للوصول لكل ما رغب الوصول إليه،و العقيدة القومية الفارسية هي التي فرضت لتشكل الهوية الرسمية لإيران و تحذف هويات كل الشعوب الأخرى و تحارب ثقافتها .
الاتجاه الثاني : النمط في التحديث أو شبه التحديث على الشكل الأوروبي حيث أخذ يتحرك باتجاه تطبيق النموذج التركي البلد المجاور لإيران- تحديث قصد منه تقوية نفوذه و فرض إرادته الاستبدادية.
هذان الاتجاهان أنتجا معارضة له ،ومن طرفين. من قبل – "القوميات" ،ومن قبل "المثقفين الفرس" أنفسهم بعد أن تفرد بالسلطة و أسكت كل الأصوات ، وهي أصوات التي عملت في السر ضد حكمه، و ظهرت في العلن بشكل مباشر لتعبر عن أفكارها و معارضتها ،و ذلك بعد أن دخل جيش الحلفاء إيران و اسقط رضا خان من الحكم – حيث شهدت تلك السنوات فترة من الفوضى و عدم الاستقرار السياسي و الأمني في كل أطراف البلاد . و هي تعد فترة من الحرية في إيران سمحت لكل أطراف المعارضة لتعمل و تنشط في سبيل حصولها على حقوقها، و حل قضاياها لكن ذلك المتنفس من الحرية- لم يطل حيث انتهى بعودة سيطرة المركز و تولي محمد بهلوي الابن الحكم في إيران حيث قضى على كل الحركات لتبقى القضايا دون حل أو تخمد بالقوة فيصبح السكوت نصيبها أو يتم التعامل مع بعضها بشكل سطحي .


فترة حكم محمد بهلوي الابن وريث الأب كانت النموذج و الشاهد في التعامل على هذا الشكل مع القضايا الإيرانية المهمة، و بثلاثة أساليب- أسلوب الإخماد، التعامل السطحي و السكوت التام -
أسلوب الإخماد- تعامل به مع حركة محمد مصدق رئيس الوزراء الإيراني الذي وصل لرئاسة الوزراء بتأييد أعضاء البرلمان و هذا ما دفع محمد بهلوي إلي ترك إيران إلي الخارج حتى تستقر الأوضاع لصالحه فيعود للحكم .و فعلاَ بعد فترة قليلة عاد للحكم بعد إخماد حركة مصدق عام 1953 حركة أراد لها مصدق أن تصحح مسار الحكم و الوضع في البلاد،ومنها خطوته التي أثارت جدل سياسي داخلي و خارجي، و هي عملية تأميم النفط الإيراني التي كانت أهم عامل وراء إخماد حركته .
أسلوب التعامل السطحي- تمثل في المجال الاقتصادي – و منها خطة إصلاح الأراضي عام 1962م، و هي أطروحة قصدت حل مشكله ملكية الأرض، وهي تعد من المشاكل المزمنة في إيران أثر عدم تحديد الجهة المالكة للأراضي الزراعية من الناحية القانونية لذلك أصبحت من أولويات مشاغل رجال الدولة والبرلمان. قضية تنازع فيها طرفان طرف أراد لها أن تنفذ و طرف عرقل العملية، ويمثل الطرف المعرقل الإقطاعيون الذين يشكلون كتلة في البرلمان- حيث كانت خطة الإصلاح مدرجة على البرلمان ليسن قوانينها.
الشاه محمد بهلوي أصدر أمره ليعمل في الخطة لحل مشكله الملكية للأراضي الزراعية و هي ملكية غير مشخصة حيث يخضع تملك الأرض لنفوذ الإقطاعيين وفق علاقتهم بالسلطة فيما تبقى ملكية المزارع للأرض غير مشخصة. و هي خطة أريد منها حل هذه المعضلة وفق ما نص عليه قانون تحديد الملكية و تعيين طريقة "بيع و شراء و إيجار الأراضي الزراعية" - كمدخل لتطوير المجال الزراعي و ارتفاع إنتاجه ،وهي خطة رغم انشغال المجتمع و الدولة بها لكن لم يحالفها النجاح بسبب غياب حل لأساس المشكلة و هي الملكية، و استمرت النزاعات المختلفة بين الدولة و المزارعين ، و بقت القضية معلقة دون حل نهائي لها حتى عام 1984 حيث ألغى هذا القانون من جانب مجلس صيانة الدستور" فقهاى شوراى نكهبان" الذي أعتبر القانون مخالف مع الأسس الدينية . و الأمر كذلك حصل عند ما ارتفعت نسبة عائدات النفط في أواخر عام 1973 العائدات التي فتحت الباب فقط أمام إدخال بضائع جديدة إلي البلد و حصل أثر هذا الانتعاش ارتفاع في مستوى المعيشة بشكل سطحي ،حيث هذه العائدات لم تكن تستثمر من جانب الدولة وفق خطط تنموية لتطوير هياكل المجتمع و مؤسساته - مجتمع أصبح نسبة ارتفاع عدد سكانه تزداد في عقد السبعينات، و هذا الازدياد أصبح لا يتناسب و الإمكانات المتوفرة في مجالات التعليم و الرفاهية و فرص العمل و الاشتغال إضافة إلي أن هذه الإمكانيات التي هي في يد الدولة لم تكن تقدم أو توزع بأسلوب متساوي و مناسب حيث كانت الإمكانات التي تقدمها الدولة منحصرة في مدن دون أخرى ، و في يد مجموعة خاصة تتحكم في شؤون الحكم و المجتمع ،و هو مجتمع ينقسم سكانه بين المدن و القرى .

أسلوب السكوت- و هذا شمل قضيتين الأولى وضع القوميات في إيران حيث تم ممارسة أسلوب التناسي معها- فكل مطالبة كانت تواجهها الدولة بعنف, الأسلوب الثابت. القضية الثانية- السكوت عن أطروحة أن تصبح إيران خلال عشرة سنوات خامس قوة صناعية في العالم حيث التقدم الإيراني تبخر و تحول إلي شعار أثبت فشله عندما تم رفعه في عهد محمد بهلوي شاه إيران الأخير .
هذا الفشل بقى يطارد الدولة و يؤزم المجتمع، وهو فشل تقف وراءه جملة أسباب حملها الوضع الإيراني الممتلئ بالأحداث و المعضلات منها التي هي موروثة"الاستبداد الإيراني" أو تلك التي أضافها تطبيق مقصد الاتجاه والحل القومي"إقصاء القوميات و محاولة تغيير واقعها الثقافي و تركيبها السكاني و الجغرافي"، و هي إجمالاَ أحداث متلاحقة و معضلات متجذرة عصفت في إيران الحديث الذي تشكل وفق رؤية خاطئة لم تعالج و تحل المعضلات بل زادت إليها، و إذا هذه الرؤية الخاطئة التي استندت على الروح القومية أنجزت رغبات القوميين في تحويل إيران إلى بلد تحكمه هوية واحدة فأنها فشلت في الجانب الثاني و هو بناء دولة و مجتمع حديثين يتمتع فيهما المواطن بحقوقه الثقافية و السياسية بعيداَ عن انتماءه العرقي و الثقافي.
ما انتبه إليه الجميع أن أسباب التخلف و عدم التقدم أسباب متشابكة و متداخلة مرتبطة بعضها في بعض أو كما يصطلح عليها هي "إشكالية"،و ليس كما تم تحديد أصل المشكلة في سبب أحادي- ، وهو تحديد أثبت خطأه لأنه أصلاَ تحديد أيديولوجي أعمى لم يشاهد الواقع الذي ينتج نماذج من التخلف يوميا. مساحته تزداد اتساعاَ في إيران أثر ما فرضت تلك التحديدات من أخطاء شتى جعلت كل المشاكل مكبوتة تبحث لها عن أية فرصة لتخرج و تنفجر، و محاولات تجاوزها بعنف الدولة فشلت جميعاَ- و هذا ما أدي أن تكون الدولة الإيرانية أداة لبث التخلف و ترسيخه لا قلعه و التخلص منه، و هذا الأمر قد كشفت عنه كثير من الدراسات(3) مع التجارب التي خصت الحكم البهلوي الذي أستمر يقبض على الحكم 53 عاماَ.
تلك الفترة الطويلة من الحكم أكدت أن الاتجاه الواحد "الحل السياسي"- وحده أصبح لا يكفي في بلد متعدد القضايا والمشاكل حيث الاستبداد السياسي أصبح من ثوابت الثقافة الإيرانية مثلما قد بقت عملية حل قضية القوميات مهملة و مسكوت عنها، و بالتالي تجاوز التخلف في بلد مثل إيران يعاني من هكذا معضلات يصبح (استحالة)- إذا ما تشكلت فيه دولة مدنية تصبح الخيارات في يد المواطنين لتحقيق مقاصدهم و وفق رغباتهم لا أن تفرض عليهم- لأن المقاصد التي فرضت أصبحت تقبض على مصير الجميع لا تفتح أبواب الحرية، ولا تبث المساواة ،و إن ادعت ذلك كما هو المقصد الثالث الإسلامي الذي قبض على الحكم في إيران.


المقصد الثالث- الأصول الإسلامية.

المقصد الإسلامي" الثالث"،هو المقصد الذي يسجل عقد الثمانينات بداية تاريخ وصول الدعاة له لحكم إيران بعد سقوط الحكم البهلوي- مقصد إسلامي تم التأكيد على أنه هو الأصل كما جاء ذلك في دستور البلاد الذي تم تدوينه وجاء في المقدمة منه "إن عدم موفقية ونجاح كل من نهضة المشروطة ضد الاستبداد، والنهضة الوطنية ضد الاستعمار لتأميم النفط عائد إلي عدم توسل المكافحين بأصول الإسلام الأساسية "(4) ، لكن الأحداث الأولى التي رافقت الثورة أثبتت أن الثورة انقلبت على ما دونت ،و لم تنفذ ما قد ألزمت نفسها به، وهي الأصول الإسلامية التي خطت مواد الدستور وفقاَ لها.
حيث تعاملت قيادات الثورة في المركز طهران مع مجمل الأحداث وفق رؤية الحكم أولا- لا العدل و المساواة- كما هي أصول الإسلام و هي رؤية أصبحت ثابتة تنطلق منها لإدارة الأحداث و مواجهة الأزمات. و انعكست تلك الرؤية في مواقف وطريقة اتخاذ القرارات من جانب الثورة تجاه ما تظهر من مشاكل و قضايا أصلاَ جاءت الثورة لوضع مشروع يحمل حلول لها و يعالجها ،لا يحاربها كما فعلت ، و هي قضايا كافح أصحابها في سبيلها، و هو كفاح أدى إلي إسقاط الحكم البهلوي،و في المقدمة منها طلب تشكيل نظام يراعي حقوق الجميع على أساس المساواة، ويعيد لأصحاب الحقوق حقوقهم ، و يفتح لهم فضاء من الحرية ليتمتعوا في حقوقهم بأمان .
إلا أن هذا لم يحصل و شهدت الفترة الأولى بعد استلام مؤسسات الحكم عملية تصفية لأن الثورة لم تف و تنفذ ما قد ألزمت نفسها به، و لم تحمل معها مشروع تغيير يناسب الوضع الداخلي الإيراني حيث لم تقدم لا خطط "تنمية" ولا "رؤية مصالحة و"لا نية إشراك" ، وهي ثلاثية الطموح و الأمل كان يدور حولها،و الجميع ينتظرون من الثورة إنجازها.كما أن إيران كانت تحتاج لهذه الثلاثية- أولاَ: لقلع الفقر و التخلف ،ثانياَ:إزالة الفوارق أثر الوسعة الجغرافية و التعدد القومي،ثالثاَ: حرية التعبير لتعدد التيارات ذات الرؤى السياسية .
والثورة جاءت معاكسة لهذه الثلاثية منذ البداية حيث بدل نشر ثقافة دولة الجميع أبرزت نقيض هذا، و هو خطط طرد و مواجهة عنيفة نفذتها أولاَ- ضد الشعوب غير الفارسية ،ثانياَ- تصفيتها و عزلها معارضيها ،ثالثاَ- إهمال معالجة الفقر و التخلف، و بذلك لم تؤسس لمقصد إزالة أسباب كل أنواع التخلف و نشر التنمية بل تراجعت عن هذا العمل، و بذلك نشرت الثورة بذور ثقافة الكراهية نحوها و التشكيك في نواياها.
وقبل أن تنتهي من تصفية الداخل و تلتقط الأنفاس ورطت إيران في حرب مع العراق لثمانية سنين ضاعت فيها فرص عديدة وأهدرت في سبيلها أموال كانت إيران في أمس الحاجة لها ، و عندما خرجت من هذه الحرب عام 1988 وجد المجتمع الإيراني نفسه في قبضة مجموعة خاصة من رجال الدولة الجديدة تتحكم في هذا البلد. و هذه المجموعة بدل وضع خطط تنمية صحيحة و مدروسة قابلة للتنفيذ لوقف عوامل إنتاج التخلف و الأزمات التي تعمقت أكثر خلال الحرب و تصحيح أخطاءها، وقعت في صراعات داخلية شارك فيها جيلان ,جيل كان قد شارك في الثورة و هو يجد نفسه الحارس و الحامي لها، و جيل خرج من بطن الثورة يدعي لنفسه بأنه يحمل فكر التغيير و إصلاح الأمور، وأصبح الصراع يدور و بأشكال مختلفة للسيطرة على المؤسستين"القوة التشريعية مجلس الشورى"، و "القوة التنفيذية رئاسة الجمهورية"،و في ظل هذا الصراع تم تغييب الخطط الصحيحة و المدروسة المفترض أن تقدم لمعالجة المرض المزمن و هو التخلف ، و هذا التغيب أشتد أكثر خاصة منذ عام 1995 عندما أظهر أحد أطراف الصراع وجوده السياسي باسم الإصلاحيين، و دخل في هذا المسمى كل من لا ينتمي و لا يؤيد اليمين المحافظ المتشدد . و هو تميز توضح أكثر من جانب الإصلاحيين" اليسارالإسلامي" في عام1997 عن اليمين الذي يحظى بتأييد و دعم مؤسسة "ولاية الفقيه مرشد الثورة "،وهي أعلى سلطة مرجعية في إيران تدافع عن بقاء مفهوم الثورة و الاستعانة بروح الثورة لمواجهة ليس التخلف فقط بل الأزمات الداخلية و الخارجية .
هذا ما أكدته أحداث و أوضاع إيران في السنوات الأخيرة التي حملت معها كثير من التوترات و الأزمات الداخلية و الخارجية ، و هي سنوات تعد تراجعية حيث عدم الاهتمام من جانب الدولة أدى إلى ارتفاع نسبة التخلف إلى أضعاف ما كانت عليه في العهد البهلوي بحكم ارتفاع عدد سكان إيران إلي 70 مليون مع فشل خطط التنمية ؛ و هذا الأمر تشير إليه كل الإحصائيات و الدراسات التي تصدر في الشأن الإيراني . و منها دراسات تطرح ثنائية التخلف و الحداثة، و في نفس الإشكالية مثلما يطرح نفس السؤال الذي طرح قبل 170- عام في إيران و في نفس الصيغة – لماذا تخلفنا نحن و تقدم الغرب ؟
المصدر.
1-علوم سياسي ويزه فقه سياسي فصلناميه تخصصى شماره 21-1382.
2- فكر آزادى و مقدمه نهضت مشروطيت- فريدون آدميت ص21- تهران 1340 .
3-اقتصاد سياسى ايران از مشروطيت تا بايان سلسلهْ بهلوى – محمد على همايون كاتوزيان-جاب ششم- تهران1377.
4- قانون اساسى جمهورى اسلامى ايران-تدوين-جهانكير منصور-1379.



#محمود_عبدالله (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الفكر القومي الإيراني الحديث- الجزء الثاني
- الفكر القومي الإيراني الحديث- الجزء الأول
- المجتمع المدني و مفهومه في الوعي الأحوازي- موانعه و سبل تجاو ...
- سلط مرجعيات التخلف الثلاث-اولاً- القبيلة ،ثانياً- الفكر القو ...
- القبلية مضخة التخلف الكبرى- دورها في التخلف الأحوازي الجزء ا ...
- المجتمع المدني مفهومه في الوعي الاحوازي
- الأستبداد و الديمقراطية في إيران- قيمة الطاعة


المزيد.....




- وزيرة تجارة أمريكا لـCNN: نحن -أفضل شريك- لإفريقيا عن روسيا ...
- مخاوف من قتال دموي.. الفاشر في قلب الحرب السودانية
- استئناف محاكمة ترمب وسط جدل حول الحصانة الجزائية
- عقوبات أميركية وبريطانية جديدة على إيران
- بوتين يعتزم زيارة الصين الشهر المقبل
- الحوثي يعلن مهاجمة سفينة إسرائيلية وقصف أهداف في إيلات
- ترمب يقارن الاحتجاجات المؤيدة لغزة بالجامعات بمسيرة لليمين ا ...
- -بايت دانس- تفضل إغلاق -تيك توك- في أميركا إذا فشلت الخيارات ...
- الحوثيون يهاجمون سفينة بخليج عدن وأهدافا في إيلات
- سحب القوات الأميركية من تشاد والنيجر.. خشية من تمدد روسي صين ...


المزيد.....

- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي
- الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل ... / سعيد العليمى
- أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم ... / سعيد زيوش


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - محمود عبدالله - إشكالية التخلف و الحداثة في الفكر الإيراني.