أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - سيرة ذاتية - كاترين ميخائيل - التاريخ يتكلم الحلقة 125 ولادة اخي ازاد في كهف بيرموس















المزيد.....

التاريخ يتكلم الحلقة 125 ولادة اخي ازاد في كهف بيرموس


كاترين ميخائيل

الحوار المتمدن-العدد: 2103 - 2007 / 11 / 18 - 12:03
المحور: سيرة ذاتية
    


في السابع والعشرين من تموز 1963 , وفي الثانية بعد منتصف الليل , ونحن نغط في النوم ليلة صيفية واذ بوالدتي تنادي باعلى صوتها وهي فزعة : انهضو بسرعة فها هو الحرس القومي قادم الينا. بدت من فوق السطح اضواء العشرات من السيارات القادمة ترافقها الدبابات والمصفحات . كنا نسمع اصواتها بوضوح . كان اخي سفر مختف ذلك اليوم في البيت , وبسرعة فائقة ساعدت والدتي اخي سفر في الوثوب الى الجيران من السطح " الخالة راحي ". كانوا متضامنين معنا , فاخفوه عندهم ولم نجد الفرصة للنزول من السطح فقد وجدنا اولئك المجرمين قد تسلقوا جدران المنزل لنتفاجأ بعدد منهم فوق رؤوسنا ونحن في ملابس النوم . والقسم الاخر يرفسون الباب الرئيسية باقدامهم بقوة ووحشية . هرعت والدتي لفتح الباب لاولئك البرابرة واندفعوا وفوهات البنادق مصوبة نحوها ولعل ما اوقفهم عن الاعتداء عليها هو منظرها وهي حامل في الاشهر الخيرة . سألها احدهم أين زوجك ؟ قالت لقد غادرنا منذ اشهر ولم يعد ولا اعرف عنه شيئا. لم يفسحوا امامها مجالا للكلام او التفكير . لم يمهلها اولئك الاوغاد اكثر من عشرة دقائق ( وكان عددهم اكثر من ثلاثين عنصرا) امروا والدتي تحت تهديد السلاح بمغادرة البيت بصحبة اطفالها . كنا على السطح والبنادق موجهة صوبنا لا ندري هل يريدوننا ان نبقى على السطح ام نغادره . سمعنا صوت والدتي تنادينا وتحثنا على النزول والخروج من البيت . فلم نستطيع حتى لملمة المنامات من على السطح او ارتداء ملابسنا واحذيتنا . سارت بنا والدتي في ذلك الليل تتثاقل في مشيتها بسبب الحمل وتوجهنا الى احد الاديرة وكان يتصدر قمة الجبل دير الربان هرمز القريب من القرية ولا يتجرأ الحرس القومي على الوصول اليه ,
كانت والدتي تسير ببطء شديد وتتوقف احيانا كثيرة , بينما كنت احمل اختي انصار وعمرها سنتان . كانت والدتي قلقة على اخي سفر الذي اخفيناه عند الجيران ونخشى ان يكون الحرس القومي قد اكتشفوا مخبأه . بدأت تبكي وتنوح وتلوم نفسها على ترك اخي هناك . اصوات طلقات الدبابت والمدفعية بدأت تهز الجبل , بعملية الهدف منها تمشيطه ليتسنى للمشاة من الحرس القومي تسلقه . لم نعد ندري ماذا سيحل بنا ؛ نلتصق بالارض حين سماعنا اصوات الانفجارات وبعدها نمشي رويدا لنحتمي وراء صخرة . كنا ستة اطفال مع والدتي اكبرهم انا وعمري ثلاثة عشر عام واصغرنا اختي انصار احملها على كتفي.
بدأ شعاع الشمس الاول يتسلل ونحن نواصل الصعود . انها عملية غاية في الصعوبة فكنا نتدحرج تارة , ونسقط فوق الاشواك تارة اخرى , ونبحث عن قطرة ماء تروي عطشنا . والدتي تحاول اسكات اخوتي الذين يصرخون من الجوع والالم والعطش , تهددهم بان الحرس القومي سيسمعهم وسيقضي عليهم اذا لم يلوذوا بالصمت , بعد طلوع النهار بفترة وصلنا الى كهف امين يختفي مدخله وراء الصخور وهو بعيد عن مرمى المدفعية . ويسمى "كافا سموقا" وبعيدا عن مرمى المدفعية . جلسنا في الكهف حوالي ساعة , كانت استراحة ضرورية لكن لابد ان نواصل الصعود فقد يداهمنا الحرس القومي في اية لحظة , رغم ان الانهاك كان قد نال منا جميعاً , لكن الخوف كان يعطينا دفعاً قوياً للاستمرار . وصلنا قمة الجبل في الثانية بعد الظهر مسيرة استغرقت اكثر من اكثر من اثنتي عشرة ساعة , احرقتنا الشمس باشعتها اللاهبة فوصلنا حافة الانهيار التام ولكننا ونحن هناك شعرنا بالاطمئنان لاننا ابتعدنا عن خطر الملاحقة , ارتمينا على الارض فانعشنا الهواء البارد في اعالي الجبل . لكن شفاهنا كانت عطشى الى قطرات من الماء .
بدأت المدفعية تقصف من جديد , فنهضنا بسرعة نبحث عن اتجاه او مكان مناسب واذا بشخصين يركضان نحونا . فرحنا لاننا عرفنا انهم من جماعة البيشمركة وركضنا نحن ايضا باتجاههم . من بعيد استطعنا تمييز احدهما فهو ابن خالتي صباح توماس والاخر حبيب تومي . فرحنا لتلك المفاجأة السارة ، كانت لا توصف . كانت معه مطارتان من الماء , تآلمنا لمنظر والدتي واشفقوا علي وانا حاملة اختي , وعلى وضع اخوتي العطاشى . بعد ان ارتوينا قليلاً واصلنا المسيرة لنبتعد عن الخطر الماثل امامنا وهو القصف المدفعي المتواصل الذي يستهدف تلك القمم, يحثنا على الاستمرار هو امل اللقاء بوالدي , سآل صباح اين اخي سفر ؟ اخبرته والدتي القصة وهي تذرف الدموع معبرة عن قلقها العميق على مصيره . بدآ صباح يهدىْ من روع والدتي , انه شاب شجاع يتقد ذكاءاً وحيوية لم يكن عمره يتجاوز 17 عاماً انذاك . واصلنا السير والتحدث حتى الرابعة ظهراً . سرنا باتجاه قرية كردية بيرموس دخلناها في السادسة مساءا , وتوجهنا الى دار الشهيد امين عبي اذ يعيش مع والديه . على الفور سقونا ماء اللبن وقدموا معه قطعاً من الخبز , وهذا ما يتبعه الاكراد حين تصادفهم حالات ضربة الشمس او التعرض لها فترات طويلة , ثم هيئوا لنا الطعام بسرعة فائقة , لبن وخبز مع الشاي , ( تتوفر الالبان والاجبان بكثرة عند اولئك القوم لانهم يمتلكون قطعانا من الماشية ) , لم نكن نفهم اللغة الكردية لذا كنا نستعمل لغة الاشارات . غادرنا صباح ليخبر والدي الذي لم يكن بعيداً عن تلك القرية بقدومنا , ثم عاد وهو بصحبته , بحدود العاشرة مساءاً نظر الينا والدي بانفعال شديد وهاله منظرنا . انضم الينا هناك . كان اهل القرية يتبعون نمطا جديدا للحياة بعد تلك الاحداث , يبكرون منذ الخامسة صباحاً ليغادروها الى الكهوف القريبة خوفاً من قصف الطائرات المقاتلة التي تقوم بمسح المنطقة يومياً وكلما اكتشفت قرية مآ هولة تقوم بقصفها وتدميرها على رآس من فيها . عند حلول الظلام يعود الجميع الى القرية لاعداد الطعام وغسل الملابس ويبدآ العمل من الساعة السابعة حتى الحادية عشر مساء فتبدو القرية كخلية النحل مليئة بالحيوية والنشاط.
جهزونا بمستلزمات النوم ولكن المشكلة التي كانت تواجهنا هي ان والدتي على ابواب الولادة ولا يتوفر لديها ما تستطيع ان تحفظ فيه الطفل الصغير من ملابس وحافظات , كما لا تمتلك النقود لشرائها . اخذت منظمة البيشمركة تساعدنا بعض الشيْ , فقدموا لنا النقود لشراء المواد الغذائية الضرورية لنا , كما ارسلت والدتي المتبقي منها مع امرآة كردية لتشتري بضعة امتار من القماش من دهوك , لخياطة ملاءات وحافظات للطفل القادم , وانشغلت طوال الوقت مع والدتي في خياطة ملابس الوليد المرتقب .
توجه ابن خالتي صباح ليلاً الى دارنا للبحث عن اخي سفر واستصحابه معه . كنا قلقين جداً خلال محاولته تلك , لكنه عاد ومعه شقيقي , وكانت فرحة ان تجتمع العائلة وتجد اخي سالماً معافى . اخبرنا اخي ان الحرس القومي سرقوا كلما وقعت عليه ايديهم ووضعوا المواد الغذائية في حديقة الدار وخلطوها جميعا : الرز مع البرغل , الطحين مع السكر مع الزيت وسكبوا فوقها النفط حتى لا يكون بوسعنا الاستفادة منها مطلقاً . كذلك استولوا على مبلغ من النقود مع القليل من الذهب الذين كانا في البيت حين مغادرتنا له وفي نفس اليوم صودرت الدار واقفلت بالشمع الاحمر ومنعوا اياً كان من دخولها , عند سماع والدي لتلك المنغصات لم يآبه لها . وقال ان ذلك لا يثنينا عن عزمنا لمواصلة النضال ولم تكن والدتي اقل اصراراً على تحدي البعثيين وتحملت كل الصعاب لتحافظ على وتيرة الارادة الصلبة لدى زوجها واطفالها .
لم ينقض الاسبوع الاول على وجودنا هناك واذا بالطائرات الحربية تحلق فوق رؤوسنا . كنا في تلك الكهوف اكثر من عشرة عوائل , القت الطائرات قنابلها الحارقة فشب الحريق على طوال المسافة وعزل تلك النار ببطانيات وضعها فوق النار المواجهة لداخل الكهف , ونودي على الاطفال والنساء للخروج من الكهف , لكن والدتي لم تستطيع التحرك فبقيت هناك مع امرآة طاعنة في السن , وبدآت اسمع صوت استغاثة والدتي وهي تقول : ان النيران ستلتهمني وسوف يخنقني الدخان . بدآنا نصرخ ونولول : انقذوا والدتنا ! وبسرعة رهيبة اخترق شاب ذلك اللهب والدخان واطبق على يد والدتي وسحبها . فخرجت قطعة من السواد . اوشكت ان تفقد وعيها . لكنها صرخت باعلى صوتها اين اولادي؟ في الوقت الذي كنا محيطين بها . اذ كانت وجوهنا واجسامنا مغطاة بالسواد . وما ان هدآ روعها قليلاً حتى بدآت تفصح عن مخاوفها بشآن الطفل الذي في بطنها . خالة فهيمة تشجعها وترفع من معنوياتها قائلة : طفلك سليم سيحفظه الله رغم انف البعثيين ! انحدرنا صوب عين قريبة للاغتسال والتخلص من أثار النار والدخان وطبقات من السخام تغطي معالمنا . ولعدم وجود صابون او منظفات , استعملنا الحشائش كعادة الاكراد في مثل تلك الاحوال لكن المشكلة الاكثر صعوبة كانت مشكلة والدتي التي ستضع مولودها في الايام القادمة .
فجر يوم 4 أب ايقظتني والدتي تحثني على مناداة الخالة فهيمة لتكون بجانبها . حضرت المرآة وبلغة الاشارات طلبت مني اعداد الماء الساخن لغسل المولود الجديد , وانا منشغلة بتلك المهمة كنت اسمع صراخ والدتي فنهض اخوتي على الاثر كان والدي يدخن سيكارة اثر اخرى وامارات القلق الشديد بادية على محياه وهو جالس امام الكهف مستغرقاً في التآمل بينما كنا نفترش الارض , واستمرت الحالة هكذا حتى الرابعة مساء . كان املنا الوحيد هو ان تتجاوز والدتي تلك المرحلة العصيبة فكنا نبتهل مع الخالة فهيمة الى الله ان يكتب لها النجاة , غير ابهين لمصير المولود . لا وجود لكادر طبي ولا دواء يساعدها , شروط النظافة معدومة , ولا يتوفر الطعام الجيد لتغذيتها كما لا يوجد ما نكسو الطفل به , والخوف مسيطر على جوارحنا من اللحظات القادمة والخطر المتمثل في القصف الجوي . لكن من حسن حظ والدتي لم يمارس الطيران الحربي نشاطه ذلك اليوم .
بعد ساعات من الالم والخوف والترقب اطل علينا الطفل بصراخه , كنت بجانب والدتي مع الخالة فهيمة التي ارتبكت ولا تعلم بمن تهتم بوالدتي ام بالطفل المرمي على الارض ؟ وعلى الفور التقطت المشيمة وهي تردد ( لااله الا الله ) كانت تمتم صلاة الى ربها ليعينها على انقاذ حياة المرآة التي بين يديها . بعد ان قطعت الحبل السري وتركت والدتي , التفتت الى الطفل لتقول له : انك طفل محظوظ إذلايوجد قصف جوي اليوم .ثم نادت على صغيرها واشارت اليه بان يهرع الى دارهم لجلب حليب لوالدتي , فرحنا جميعاً لنجاحها في اجتياز تلك الساعات الصعبة . وبدآنا نحوم حول ذلك الطفل الجميل الاشقر ونفكر في طريقة توفير الغذاء له . كنت اخبز يومياً على الصاج بعد ان علمتني خالة فهيمة كيفية عجن الطحين وتهيئة الخبز بتلك الطريقة بينما كان اهل القرية يزودوننا باللبن صباح كل يوم , كنا نطبخ الرز مع قليل من الزيت الذي كنت اقتصد به خوفاً من نفاذه , ونآكل معه البصل الاخضر وبعض الخضراوات التي يجود بها اهل تلك المنطقة ، ولكن المسآلة الملحة هي ان والدتي كانت بحاجة الى تغذية جيدة . بعد تفكير جدي بهذه المشكلة سسآلني والدي هل تستطيعين الذهاب الى دارنا مع نساء المنطقة لجلب الدجاج الذي بحوزتنا ؟ اجبته فوراً وبثقة عالية انا مستعدة لهذه المهمة . في اليوم التالي كانت النسوة متهيآت للذهاب الى سوق القوش بصحبة حيوانات لنقل الامتعة . كن يدخلن القوش مساءا فتجري عملية التسوق ليلاً وبسرعة تامة . وبسرعة مماثلة تحمل البضاعة على ظهور الحيوانات وتحزم بحبال سميكة . دخلت معهم اثناء الليل وتوجهت الى بيت عمتي سرة وارتميت في احضانها . لم تعرفني لاول وهلة لاني كنت مرتدية الملابس الكردية . استغربت كيف تمكنت من قطع المسافة تلك والوصول إلى هنا , ذهبت معها ووصلت الى منزلنا عبر سطوح الجيران , كانوا قد احتفظوا بالدجاج العائد لنا كنا نربيه في فنار دارناوالجيران تعبر الى البيت عبر السطح لتغذي الدجاج . اخذت ست دجاجات مع قليل من البيض ومجموعة من الملابس وحملتها فوق ظهر احد الحيوانات , كانت الحادية عشرة مساءا حين بدآنا طريق العودة , مجموعتنا تتكون من خمسة نساء متقدمات في السن واربعة اطفال مقاربين لي في العمر , برفقة كل واحد حيوان لحمل البضاعة . خرجنا من المدينة على شكل قافلة ( تسمى بالكردية كروان) ونحن مسرورين لاننا حصلنا على معظم ما كان ينقصنا دون ان يعترضنا احد من رجال البعثيين الذين يقدمون الى القوش بين حين واخر . المسيرة تستغرق حوالي ست ساعات . وفي قمم الجبال يتربص الرجال باسلحتهم ينتظروننا .
وصلنا في عز الليل , وكان الجميع بانتظارنا على احر من الجمر , وعندما شاهد اخوتي ما تحقق من نجاح رقصوا فرحا ! فهم لم يتذوقوا اللحم منذ اكثر من شهر , ولكن لاحظنا ان دجاجتين منها قد اختنقتا للاسف رميناها واشار والدي الى ان ذلك كان بسبب طريقة ربطهما غير الصحيحة على ظهر الحيوان . تمكن اخوتي من ارتداء الملابس النظيفة بعد ان رموا تلك النفايات الرثة التي كانت على اجسادهم اذ كنا نستعملها باستمرار حتى بعد كل عملية استحمام لانه لا تتوفر غيرها .
ساد جو من السرور اولا ؛ بات باستطاعتنا التمتع بوجبة معدة مع الدجاج , وثانيا لنجاح المحاولة التي يمكن تكرارها لاحقا . بعد اسبوع تهيآت فعلاً قافلة اخرى ( كروان ) للتوجه الى مدينتا ثانية , كنت انا من ضمنها . ولاننا تعرفنا على المنافذ والطرقات السالكة وطريقة الحركة وتوقيتها بدت لنا آلان اسهل من السابق . ساعة العودة كانت هذه المرة في وضح النهار في الخامسة بعد الظهر وفجأة ظهرت فوق رؤوسنا طائرات مقاتلة . تركنا الحيوانات واحتمينا وراء صخرة كبيرة كنا نخشى ان يفلت زمام الحيوانات لضجيج الطائرات, فتضج ولا يعود بالامكان السيطرة عليها . لحسن الحظ لم تتعرض لنا الطائرات ربما لانه كانت لديها مهمة اخرى. ففضل الطيارون ان يوفروا قنابلهم , بدل القائها على قافلة صغيرة لاتشكل هدفاً عسكرياً مرموقاً . وعند وصولنا الى مخبئنا في الليل كان والدي قلقا وسآلنا هل افزعتكم الطائرات ؟ قلت كنت اتصرف كما يتصرف بقية من كان معي , وربطت مصيري بهم في النجاة او الموت وكانت حصيلة زيارتنا للقرية بضعة دجاجات وملابس وسكر مع الشاي . كذلك جلبت لاخوتي احذيتهم , خاصة وان الخريف قادم . امام هذه الحالة البالغة الصعوبة فكر والدي بطريقة توفر مكانا آخر افضل لاسرته واطفاله من ذلك الكهف وتلك الحياة الاقرب الى الموت من الحياة . فكر بترحيلنا الى بغداد وناقش الامر مع اقاربنا الذين سيتولون المهمة بسرية وكتمان ولكن خطر العيش في بغداد والخوف من اكتشاف امرنا كانت من المسائل التي يجب مناقشتها بجدية لكن لابد من المحاولة .
قام بتنفيذ تلك المهمة والد الشهيد امين مام عبي ( العم عبدالله) فقادنا الى قرية عند سفح الجبل تصلها السيارات , فوصلناها في الرابعة فجراً وذهب الى اصحابه وهم بدورهم اتصلوا بصاحب السيارة واستعجلوه لتهيئة لتهيئة مركبته للانطلاق تحت غطاء وجود امرآة بحالة خطرة تشكو من التهاب الزائدة الدودية , ويجب نقلها باقصى السرعة الى المستشفى . دفعوا له اجراً مضاعفاً , واستقلينا السيارة مع والدتي واخوتي الاخرين وتركنا اخي سفر مع والدي هناك . اوصلنا السائق الى الموصل حتى باب المستشفى , فاستأجرت والدتي سيارة توجهت بنا الى محلة السيارات الكبيرة العاملة على خط الموصل- بغداد. في الطريق الى بغداد اجتزنا نقطة التفتيش الاولى بنجاح حيث طلب السائق عدم التأخير في التفتيش لان لديه امرآة مريضة بالزائدة الدودية ويجب نقلها الى اقرب مستشفى فابدى العسكري تجاوبه وسمح لنا بالمرور سريعاً , لكن المخاطر لم تنته اذ كانت تنتشر نقاط سيطرة متعددة على طول الطريق الى بغداد , اجتزناها , جميعاً , بسلام .
وصلنا الى بيت خالتي وارينة في بغداد بعد سفرة شاقة استغرقت 24 ساعة منذ الانطلاقة حتى وصولنا , فكانت مفاجأة سارة لخالتي . استقبلونا بحرارة وحفاوة , وهيآوا لنا الحمام والملابس وقمت انا بمساعدة اخوتي في الاستحمام . انها متعة حقيقية ان يجد المرء نفسه في مكان طبيعي تتوفر فيه كل اسباب الراحة . شتان بين هذا الحمام المزود بالماء الحار الذي يشيع الدفْ والارتخاء وحمام القرية الذي كان عبارة عن صخرة تحت الاشجار تحيط بها اغصان البلوط وامام الصخرة قدر ماء يسخن بالحطب الذي يعمي دخانه عيوننا . كنا نستحم في الليل فقط خوفا من الطيران . بعد الحمام العصري تناولنا وجبة طعام لذيذة , كان قد هدنا التعب بسبب السفرة الطويلة فاسغرقنا في نوم عميق . استيقظنا في اليوم التالي لنجد كل شيْ يختلف عما اعتدنا عليه , هرعت جدتي الينا مسرورة لقدومنا , وفي الوقت نفسه بدآت ترتب لنا مسكنا نستقر فيه ذلك ان المسكن الذي نزلنا فيه تقطنه عائلتان اخريان مع بيت خالتي , وفعلاً اجرت لنا جدتي غرفة عند اقاربها بمبلغ خمسة دنانير شهرياً . ولتوفير المعيشة لنا فكرت والدتي بالعمل , لكن الطفل الرضيع كان عائقاً في سبيلها . معظم الاقرباء ابدوا تعاطفهم وقدموا لنا مساعدات مادية ونقدية مكنتنا من الاستمرار لسنة اخرى واثناءها حاولت والدتي تسجيلنا في المدارس . لكن ذلك كان يضيف إلينا عبئاً ماديا جديدا اولا ، ثم انه لا توجد لدينا وثائق نقل من مدارسنا الى اية مدرسة في بغداد ما حرمنا من التعليم مما فاقم من الامنا ومشاكلنا , فضلاً عن المشاكل والمعاناة والاضطهاد التي كنا نعيشها , فكانت والدتي تبكي مراراً متألمة لمستقبل اطفالها.



#كاترين_ميخائيل (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- المالكي يهين اكبر شاعر عراقي
- لتاريخ يتكلم 124 ملا بختيار وحقوق الشعوب غير الكردية في كردس ...
- التاريخ يتكلم الحلقة 123 تعرضت الى انتقادات شديدة بسبب نشري ...
- التاريخ يتكلم الحلقة 121 -شروط تركيا لحل الازمة
- التاريخ يتكلم الحلقة 120 مقتل الشهيدين بطرس جركو وكوريال تلس ...
- التاريخ يتكلم الحلقة 119 د. نزيهة نجم ساطع في تاريخ المراة ا ...
- التاريخ يتكلم الحلقة 118 نداء الى وزير التربية الخزاعي والسي ...
- التاريخ يتكلم الحلقة 117 لمصلحة من تقسيم العراق
- التاريخ يتكلم الحلقة 116 تجمع نسوي في البرلمان العراقي
- التاريخ يتكلم الحلقة 114الوزيرة جنار يجب ان تنظم الى لجنة ال ...
- التاريخ يتكلم الحلقة 114 ألوزيرة جنار يجب ان تنظم الى لجنة ا ...
- التاريخ يتكلم الحلقة 114 بلدتي القوش الكبيرة الصغيرة !!!!
- التاريخ يتكلم الحلقة 113 دفاعي عن شعبي لم يقف يوما واحدا
- التاريخ يتكلم الحلقة 112 منظمة النزاهة وحكومة المالكي الى اي ...
- التاريخ يتكلم الحلقة 111 مذكراتي في دول العالم لطلب لجوء
- التاريخ يتكلم الحلقة 110 حياتي في بلغاريا تعاسة + تعاسة
- التاريخ يتكلم الحلقة 109 حتى احلامنا عسكرية
- التاريخ يتكلم الحلقة 108 معهد جونا
- التاريخ يتكلم الحلقة 107 من المسؤول عن ابادة الشعوب الصغيرة ...
- التاريخ يتكلم الحلقة 106 قانون النفط والغاز بيد السيد وزير ا ...


المزيد.....




- سقط سرواله فجأة.. عمدة مدينة كولومبية يتعرض لموقف محرج أثناء ...
- -الركوب على النيازك-.. فرضية لطريقة تنقّل الكائنات الفضائية ...
- انتقادات واسعة لرئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي بسبب تصريح ...
- عقوبات أمريكية جديدة على إيران ضد منفذي هجمات سيبرانية
- اتحاد الجزائر يطالب الـ-كاف- باعتباره فائزا أمام نهضة بركان ...
- الاتحاد الأوروبي يوافق على إنشاء قوة رد سريع مشتركة
- موقع عبري: إسرائيل لم تحقق الأهداف الأساسية بعد 200 يوم من ا ...
- رئيسي يهدد إسرائيل بأن لن يبقى منها شيء إذا ارتكبت خطأ آخر ض ...
- بريطانيا.. الاستماع لدعوى مؤسستين حقوقيتين بوقف تزويد إسرائي ...
- البنتاغون: الحزمة الجديدة من المساعدات لأوكرانيا ستغطي احتيا ...


المزيد.....

- سيرة القيد والقلم / نبهان خريشة
- سيرة الضوء... صفحات من حياة الشيخ خطاب صالح الضامن / خطاب عمران الضامن
- على أطلال جيلنا - وأيام كانت معهم / سعيد العليمى
- الجاسوسية بنكهة مغربية / جدو جبريل
- رواية سيدي قنصل بابل / نبيل نوري لگزار موحان
- الناس في صعيد مصر: ذكريات الطفولة / أيمن زهري
- يوميات الحرب والحب والخوف / حسين علي الحمداني
- ادمان السياسة - سيرة من القومية للماركسية للديمقراطية / جورج كتن
- بصراحة.. لا غير.. / وديع العبيدي
- تروبادورالثورة الدائمة بشير السباعى - تشماويون وتروتسكيون / سعيد العليمى


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - سيرة ذاتية - كاترين ميخائيل - التاريخ يتكلم الحلقة 125 ولادة اخي ازاد في كهف بيرموس