أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - التربية والتعليم والبحث العلمي - تركي البيرماني - المناهج العراقية بين الواقع والطموح















المزيد.....



المناهج العراقية بين الواقع والطموح


تركي البيرماني

الحوار المتمدن-العدد: 2103 - 2007 / 11 / 18 - 11:57
المحور: التربية والتعليم والبحث العلمي
    


المناهج العراقية بين الواقع والطموح
قبل الحديث عن أسس بناء المناهج في العراق ومتطلبات تطويرها لابد لنا من التعريف بمفهوم المنهج وأسس بناءه والحوارات الجادة حوله في المؤسسات التربوية المتقدمة كمعيار ومرشد يساعدنا في اعتماد نظرة موضوعية لتقويم واقع المناهج العراقية وكيفية تطويرها من هذا المنطلق سنبدأ بنظرة تاريخية عن تطور مفهوم المنهج وديناميته والعوامل المؤثرة في بناءه وتطويره
نظرة تاريخية
تتسم المناهج الدراسية بتاريخ موغل في القدم خاصة المفهوم التقليدي للمنهج(الآراء والأفكار المتعلقة بعملية التعليم والتعلم).فهذه المناهج قديمة قدم عملية التعليم والتعلم وقد رافقت الإنسان منذ وجوده على هذه الأرض أثرت فيه وتأثرت به كانت بسيطة ببساطة حياته وقلت حاجاته وبساطتها. لهذا من الصعوبة بمكان تحديد فترة ظهورها والأصعب من ذلك تحديد من هو أول مخطط للمناهج في حين من السهولة بمكان تحديد أول مخترع للكومبيوتر أو الطائرة فالبابليون والسومريون والمصريون القدامى كانت لهم أراء مكتوبة في عملية التربية والتعليم ويصدق ذلك على اليونانيين فكان لأفلاطون في القرن الرابع قبل الميلاد أراء في المناهج كما إن للمسلمين باع طويل في هذا المجال فللفارابي ولإخوان الصفا وللمعتزلة وابن سينا وابن رشد وابن خلدون وغيرهم الكثير لهم أرائهم ومواقفهم الفكرية والفلسفية في التربية والتعليم وكان لهم قصب السبق في ظهور العديد من المدارس الفكرية كالمدرسة النقلية والعقلية والبرجماتية.في حين كانت أوربا تغط في ظلام دامس في العصور الوسطى حيث سيطرت الكنيسة على مجالات الحياة المختلفة ومنها التعليم وحاربت الفكر الحر والفلسفة وسادت المناهج التقليدية في كل مؤسسات التعليم.هذا الواقع لم يدم طويلا لان الحياة في صيرورة مستمرة والعلاقة بين التربية والمنهج التربوي علاقة دينامية.فكان لبزوغ الثورة الصناعية تأثير ايجابي كبير على عملية التعليم والتعلم وعلى المنهج ومحتوياته. أدى ذلك إلى ظهور التربية المهنية ومع ذلك استمرت الصيحات المتعالية التي تدعو إلى تغير المناهج وعلى الرغم من كل المحاولات التي تدعو إلى تغير المناهج في هذه الحقبة بقيت المناهج تهدف إلى إعداد الرجل المسيحي ذو الياقة البيضاء والدخل الخاص وحتى نهاية القرن التاسع عشر. ويصدق ذلك على وأوربا الشرقية لان مناهجها لم تكن أفضل من نظيراتها الغربيات فمناهجها تقليدية تفصل بين الجانب النظري والعملي وتأكد على الجانب النظري في المقام الأول وحتى وصول الأحزاب الاشتراكية إلى الحكم عام 1917 بعد الثورة الروسية التي عمدت إلى ادلجة التعليم وربطه بفلسفة الثورة ويستدل على ذلك من مقولة لينين يجب إن لا يكون التعليم محايدا موضوعيا بل منحازا. وقد أعقب ذلك عام 1918بقولة(إن عملنا في التعليم يستهدف تحطيم البرجوازية ونحن نعلن انه ليس هناك مدرسة خارج السياسة فهذا كذب ونفاق)104:1 إن ادلجة التعليم لم تقتصر على روسيا فحسب بل تبعتها كل دول أوربا الشرقية .لقد اتسم المنهج السوفيتي سابقا بتنمية الاتجاه التماثلي في التعليم مع وجود بعض الاستثناءات البسيطة هنا وهناك كمناهج الموهوبين .لقد استطاعت هذه الايدولوجيا إن تجعل من الاتحاد السوفيتي دولة متطورة تكنولوجيا إلا أنها لم تستطع إن تجعل من الإنسان السوفيتي حرا وذا عقل مفكر ناقدا بل هناك من يرى إن هذه الايدولوجية عملت على أتمتت الإنسان وكانت من الأسباب التي أدت إلى سقوط الاتحاد ألسوفيتي سابقا.إن هذا النوع من التعليم لا يرقى بالإنسان ولا يجعله أفضل مما هو عليه أو أكثر حرية أو أكثر إنسانية.إما المناهج في الولايات المتحدة فقد اتسمت بالتغير المستمر ففي القرن الثامن عشر وبعد وصول المهاجرين الجدد إليها أكدوا على أهمية التربية وعلى الجانب النظري منها وعلى الفنون الحرة السبعةliberal arts(النحو والبلاغة والمنطق والحساب والهندسة والموسيقى والفلك). هذا التيار لم يصمد إمام الحركة الفكرية التي تؤكد على أهمية الطفل ودوره المركزي في العملية التربوية. لقد أثير جدلا واسعا في هذه المرحلة حول طبيعة الخبرة التي يجب إن تقدمها المناهج وكيف تنظم الخبرة هل وفقا للأسلوب المنطقي أم للأسلوب المنطقي النفسي؟ هل نؤكد على طبيعة المادة أم على المادة التي تحقق إرضاءا نفسيا للمتعلم؟ نتيجة لهذا الجدل بدأ التأكيد على ان المناهج يجب إن تنظم تنظيما منطقيا وان يتولى الكبار تحديد محتويات هذه المناهج. وظهرت العديد من اللجان للقيام بهذه المهمة. ونتيجة لهذا الحراك الفكري بزغ علم جديد هو علم المناهج كعلم متخصص قائم بذاته في عشرينيات القرن العشرين ويعد بوبيت Bobbitt رائدا من رواد هذا العلم وتعد كلية التربية في جامعة كولومبيا أول كلية تفتح قسما لدراسة هذا التخصص وتبعتها بعد ذلك العديد من الجامعات. ومع كل هذا التطور والنقاش المحتدم لم يتوصل المتحاورون إلى مفهوم جامع مانع للمنهج للاختلافات الفكرية والفلسفية لهؤلاء المتحاورون. في هذه الحقبة كان لجون دوي دورا متميزا في إرساء الفلسفة البرجماتية التي كان لها تأثيرها الكبير على مفهوم المنهج وأسس بناءه في الولايات المتحدة وقد تمحورت المناهج حول المتعلم وحاجاته الحياتية. وان هدف المناهج تحقيق الخبرة من خلال تفاعل المتعلم مع الموقف. واشتد الصراع والجدل بين المدرسة الأساسية والمدرسة التقدمية حول عملية تخطيط المنهج ومن يتولى مسؤولية التخطيط هل المختصون في المناهج أم المختصون في المادة؟ ما دور الطلبة في التخطيط؟ ما دور المجتمع؟ 2: في مرحلة الخمسينيات من القرن العشرين نشر رولف تايلرRalph Tyler كتابه الموسوم المباديء الاساسية للمناهج والتدريس و.يعد هذا الكتاب المرجع الأساس في تخطيط المناهج فقد طبع أكثر من 33طبعة حتى عام1980 ويدرس في العديد من الجامعات الأمريكية ويحدد المؤلف خطوات تخطيط المنهج من خلال الإجابة على الأسئلة التالية:
س1 ما الاهداف التي تسعى المؤسسة التربوية إلى تحقيقها؟
س2 ما الخبرات الضرورية لتحقيق هذه الأهداف؟
س3 كيف يمكن تنظيم هذه الخبرات بشكل فعال ومؤثر؟
س4 كيف يمكن التحقق من إن هذه الأهداف قد أنجزت؟3:3
لقد اتسم المنهج الدراسي في الولايات المتحدة بالدينامية والاستجابة السريعة لمجريات الإحداث الداخلية والخارجية فعلى سبيل المثال إن إطلاق القمر الصناعي السوفيتي الأول سبوتنكsputink عام 1957كان له تأثيره الكبير على المناهج في أميركا فقد خصصت الحكومة الفدرالية بليون دولار لإعادة النظر بالمناهج وبدأ التأكيد على المدخل الأكاديمي الذي يؤكد على المعرفة وبداء التخلي عن الحاجات الذاتية للمتعلم. على الرغم من كل هذه التغيرات المتلاحقة على المناهج ظهرت أصوات تسم هذه المناهج بالركود وعدم مقدرتها على مواكبة المستجدات. ففي عام 1961 أكد بوشواب على هندسة المنهج ويقصد بها مجموع عمليات بناء المنهج وتكوينه وتطبيقه وأكد على ضرورة النظر إلى المنهج كنظام. في عام 1962 كان لهلدا تاباhillda taba رأى في بناء المنهج وتطويره وتتضح إبعاده من خلال النقد الذي وجهته لنموذج تايلر فهي ترى إن تايلر يسير في بناء المنهج وتطويره من القمة إلى القاعدة أي من القيادات العليا إلى المدرسين في حين ترى إن تطوير المناهج يجب إن يسير بعكس الاتجاه الذي اعتمده تايلر . وفي مرحلة الثمانينيات من القرن العشرين بدأ العديد من المختصين في هذا الحقل ينظرون إلى المنهج كنظام وفي مقدمتهم كل من مكدونل وكلي فهما يعتقدان إن المنهج نظام وجزء من نظام فهو بالنسبة لهم ليس جدولا للدروس ولا المفردات المقررة بل هو نظام يتكون من مدخلات عديدة له إجراءاته ومخرجاته. على الرغم من كل التطور الذي حققه هذا الحقل استمر النقد الموجه إلى عملية تخطيط المناهج وخاصة عندما دخلت اليابان كمنافس اقتصادي قوي في هذه المرحلة وقد وجه اللوم إلى المناهج لأنها جعلت من المتعلم محورا للعملية التربوية. فالمناهج من وجهة النظر هذه تقدم المتعلم للمعرفة بدلا من إن تقدم المعرفة له. وان تفوق اليابان يعود إلى تقديمها المعرفة وفرضها العديد من الساعات الدراسية على الطلبة. في عام 1983ظهر تقرير تحت عنوان امة في خطر يظهر تدني المستوى التعليمي ويعزوه إلى ضعف مستوى المعلم. وفي نفس المرحلة اكتشفت الولايات المتحدة إن التعليم في اليابان وفي كوريا الجنوبية يتفوق على التعليم فيها. وظلت اللجان التي أصدرت تقرير امة في خطر تواصل مناقشاتها التي مهدت لظهور الخطوة التي رسمها بوش عام1990بعنوان أمريكا عام 2000 والمتضمنة وضع إستراتيجية للتعليم تشتمل على الكثير من التوصيات التي طالب بها تقرير عام 1983 ( امة في خطر) . في خضم الحوارات الجادة والدراسات العلمية المتخصصة التي أنجزتها اللجان المتعددة بدأ النظر إلى المنهج من منظار شمولي واسع وتكاملي فلم يعد المنهج الآراء والأفكار التي تقدمها المدرسة أو الطريقة التي يعتمدها المدرس داخل الصف ولا حتى ا لمفردات المقررةsyllabus ف هوس(Hass) على سبيل المثال يعتقد إن فلسفة المدرس تحدد نوع المنهج المدرسي لان المنهج من وجهة نظره إعداد للحياة الاجتماعية وان إدراك المدرس لطبيعة المتعلم ولطبيعة الحياة الجيدة هي التي تحدد الإجراءات التي يعتمدها داخل الصف لتحقيق أهدافه. وفقا لوجهة النظر هذه فان المنهج يعني الخبرات المقدمة والمستندة إلى رؤية فلسفية. ويؤكد دولdol1- 1992 على شمولية المنهج وديناميته وان المنهج الفاعل لابد إن يشتمل على معلومات وخبرات مخطط لها رسمياformalوأخرى مختبئةhidden curriculum وان يشتمل على إجراءات وعمليات تؤدي إلى التعلم بمفهومه الشمولي على إن تتولى المؤسسة التعليمية مسؤولية الإشراف والتوجيه.إذن المنهج هو عملية تخطيط ولا تخطيط في إن واحد. ويقصد بالمنهج المختبئ كل الفعاليات والممارسات والارتباطات الحب الكره التخريب التعصب الطائفية التدخين و كل الممارسات والآثار والقيم والمفاهيم التي يكتسبها المتعلم من غير إن يخطط لها لهذا يمكن القول إن.للمنهج الخفي تأثير فاعل على حياة المتعلمين مما يتوجب على العاملين في الحقل التربوي إعطاء هذا النشاط الاهتمام الذي يستحقه عند التعامل مع مجريات العملية التربوية داخل المؤسسة التربوية.
إن المفهوم الواسع للمنهج يعني أكثر من تنظيم للخبرات وأكثر من طرائق تدريس انه يعني إعادة تأهيل المؤسسة التربوية ككل بدا بالإدارة وصولا إلى المدرسين وكل ما يحيط بعملية التعليم والتعلم ولكي تستطيع مؤسساتنا التربوية إن تكون مكان مناسب للتعليم والتعلم عليها
1- إن تمتلك كادرا إداريا يؤمن بإدارة التطوير لاالتسيير
2-إن توفر بيئة منفتحة تتسم بأجواء من الحرية الملتزمة
3- إن توفر الظروف المناسبة لمساعدة العاملين على استغلال الإمكانات والوقت المتاح استغلال امثل
4-التأكيد على أهمية العمل الجمعي التعاوني
5-الانفتاح على المجتمع المحلي والإسهام في تطويره
6-إن تعتمد الحوار كفلسفة وتقنية لتحقيق أهدافها

المناهج العراقية الواقع والطموح
من خلال الاستعراض التاريخي لتطور مفهوم المنهج في العالم والحراك الاجتماعي والتربوي الذي صاحب هذا الحقل والاهتمام الكبير من رجال التربية والسياسة والاقتصاد في هذا الحقل الحيوي الذي يعد المرتكز الأساس لأي عمل تربوي لا بل هو أساس التطور الحضاري والاجتماعي لأي مجتمع من المجتمعات فالعلاقة بين تطور المنهج وتطور المجتمع علاقة دينامية لهذا أعطت الدول المتقدمة اهتمام متميز لمناهجها في حين لم تعط الدول المتخلفة اى اهتمام لهذا الجانب فكانت كما هي عليه ألان مما جعل مناهجها تقليدية وستاتيكية أكل الدهر عليها وشرب ونحن في العراق كإحدى الدول المتخلفة لم نعر المناهج اهتمام يذكر على الرغم مما لها من دور حيوي في بناء المجتمع وتطويره وعلى الرغم مما يمر به العراق من تغيير جذري في مختلف مجالات الحياة بدا بتغير النظام السياسي الدكتاتوري وصولا إلى النظم الأخرى في المجتمع ومنها النظام التربوي وان عملية التغيير هذه تتطلب تغيير جذري لمفهوم المنهج ولفلسفته وأسس بنائه ولكي نلقي الضوء على واقع المناهج الدراسية في العراق في المرحلة الراهنة لابد من الإشارة باقتضاب إلى مناهج التعليم في حقبتي الاستعمار المباشر والحكم الوطني
من المعلوم إن الهدف الأساسي لكل المستعمرين بدا بالعثمانيين وصولا إلى الانكليز هو تخريج إنصاف متعلمين لإشغال الوظائف الكتابية في مؤسسات الحكومة المختلفة من اجل تسهيل مهمة المستعمرين في إدارة دفة الحكم وكانت المدارس بمناهجها ومعلميها أداة لتحقيق هذا الهدف فالمستعمرون لم يكونوا جادين في نشر التعليم في العراق فقد أوكلت الدولة العثمانية مسؤولية التعليم الابتدائي إلى المواطنين سواء في فتح المدارس أو الإنفاق عليها ونحن نعلم حالة الجهل والأمية والفقر الذي يعانيه المجتمع العراقي آنذاك لا يؤهله لفتح المدارس ناهيك عن الإنفاق عليها وكانت المدارس تدرس باللغة التركية بدلا من العربية ويكلف المؤلفون الأتراك في كتابة الكتب كاللغة العربية والتاريخ والدين الإسلامي إما العلوم الأخرى فتترجم من الفرنسية 158:5 لم يكتف الأتراك بعدم تشجيع التعليم بل اثاروا الطائفية واعتمدوا سياسة فرق تسد وحرموا شريحة اجتماعية كبيرة من حقها في التعلم والتوظيف كما عملوا على احتقار العراقيين وما قول الوالي التركي في البصرة إلى(جون فان ايس)عندما أراد فتح مدرسة أمريكية عام 1903 قال له الوالي العثماني متهكما :ما أنت وأضاعت وقتك في تعليم الحمير! 78:6. ولم يكن البريطانيون أكثر اندفاعا في نشر التعلم من زملائهم العثمانيون 1914-1921اهمل التعليم الابتدائي وتولى مسؤوليته أنصاف أميون واعتمدت بريطانيا النظام التعليمي المعتمد من قبل العثمانيون فقط أبدلت اللغة التركية بالعربية في التدريس وبقيت المدارس بدون منهج دراسي محدد أو كتاب مدرسي يعتمده المعلمون 71:4 واستوردت الكتب الدراسية من مصر ومن الهند وهذه الكتب لا تفي بحاجات الطلبة والمعلمين

المناهج الدراسية في مرحلة الحكم الوطني:

حاولت العديد من الحكومات المتعاقبة ومنذ عام 1921 وضع سياسة تربوية تخدم الوطن والمواطن إلا أنها لم توفق في ذلك لأسباب عديدة لا مجال لذكرها هنا. لهذا بقيت المناهج امتداد للمراحل السابقة المتميزة بعدم وجود سياسة تربوية واضحة الإبعاد محددة المعالم يمكن على ضوئها وضع أسس علمية لبناء المناهج أو تطويرها.لهذا بقي الكتاب المستورد بمثابة المنهج الدراسي وقد شجعت بعض الحكومات حركة التأليف والترجمة إلا إن هذه العملية بقيت اجتهادية تتوقف على ثقافة المسؤول وعلاقته بالمؤلف أو المترجم كما لم توضع معاير للتأليف أو الترجمة وبقيت اغلب الكتب المؤلفة والمترجمة لا تلبي حاجات الطلبة أو المجتمع. ونتيجة للانفجار المعرفي والتقني وظهور العولمة وكذلك الضغوط الداخلية والخارجية لم يعد بإمكان الحكومات إبقاء الوضع كما هو عليه والاستمرار بتدريس مقررات أكل الدهر عليها وشرب لهذا حاول البعض منها إجراء إصلاحات شكلية على المناهج إلا إن هذه المحاولات لم تحقق أهدافها نتيجة للارتجال ومحاولة تقليد الآخرين في حين حاولت حكومات ادلجة المناهج كالنظام الدكتاتوري السابق ولم يستطع إن يحقق أهدافه هو الأخر ويمكن إن نعزو أسباب هذا الفشل إلى عدم جدية هذه الحكومات في تحقيق تطور جذري في المناهج الدراسية مما دفعهم إلى عدم الاستعانة بالمتخصصين في هذا الحقل لأنهم لا يؤمنون بأهمية هذا التخصص لعدم معرفتهم بفلسفة المنهج وبنظرياته وأسس بناءه.فالعديد من العاملين بالوزارتين يفهمون المنهج بأنه المقرر الدراسي وان هذه المقررات لا تتطلب أكثر من وجود متخصص في المادة المقررة ولم يدر بخلدهم إن هناك فرق كبير بين المقرر والمنهج وبين المنهج والكتاب المنهجي وبين هذا والكتاب المساعد.والشكل التالي يوضح هذه الفروق:
1- المنهج = كل الأنشطة والفعاليات والإجراءات المعتمدة لتحقيق مخرجات مستهدفة

2- البرنامج: =مقررات مختلفة من حيث تنظيمها ومحتواها


3- المقرر:= الوحدات والموضوعات المراد تدريسها


4-الموضوع(الوحدة)= عدد من الدروس يتطلب عدد من الأيام أو الأسابيع لتدريسه


5- الدرس:=كل الإجراءات والفعاليات التي تمارس من قبل المدرس والطلبة أثناء حصة الدرس لتحقيق أهداف إجرائية حددها المدرس

من الملاحظ إن عدم الاهتمام وسوء الفهم للمناهج لا يقتصر على العاملين في الوزارتين فحسب بل إن اغلب التدريسيين لا يفرقون بين المنهج والمقرر أو بين الكتاب المنهجي والمساعد ومن أسباب سوء الفهم هذا يعود إلى إن المناهج الدراسية الجامعية لا تعير تدريس المناهج الاهتمام اللازم فاغلب المقررات لا تدرس مادة المناهج حتى في كليات التربية .تعد مادة المناهج مادة ثانوية تدمج مع طرائق التدريس وتعطى ساعة واحدة لمرحلة واحدة فقط.لهذا ليس مستغربا إن لا يعرف خريجو هذه الجامعات عن المناهج فلسفتها أهدافها أسس بنائها دورها في عملية التربية والتعليم.كما لا يوجد أي قسم في الجامعات العراقية مختص بالمناهج وطرق التدريس ويمنح شهادة علمية ماجستير ودكتوراه كما هو الحال في كل جامعات العالم المتقدمة فعلى سبيل المثال في عشرينيات القرن الماضي فتح قسم للمناهج في جامعة كولومبيا وتبعتها العديد من الجامعات في الولايات المتحدة وفي العالم ويمنح القسم شهادة الماجستير والدكتوراه في المناهج وطرائق التدريس إن اهتمام جامعات العالم بهذا الاختصاص لم يأتي من فراغ بل لإيمان هذه الجامعات بأهمية هذا التخصص ودوره في العملية التربوية لما يقدمه من مشورة في بناء وتطوير المناهج وتقويمها.فمن غير المستغرب إن نجد المناهج الدراسية لدينا تتسم بالتقليدية وضعف المواكبة وتقديم المعرفة الخامدة المملة التي تدفع بالمتعلمين إلى كره المدرسة وزيادة حجم الإهدار فيها ويصدق ذلك بصورة واضحة على مناهج التعليم الثانوي والعالي.لا نأتي بجديد حين نقول إن المناهج المبنية على أسس علمية وتحت إشراف متخصصين في هذا الحقل تجعل العملية التربوية أكثر حيوية وجاذبية للطلبة وتسهم في إعداد مخرجات قادرة على التكيف لسوق العمل وتطويره وكذلك قادرة على مواجهة الاتجاهات المتخلفة و التكفيرية لما تتمتع به من فكر حر ودينامي متفتح لهذا لابد من تطوير المناهج الدراسية في مختلف مراحل التعليم وان أي عملية تطوير لابد إن تبدأ بتشخيص الواقع الميداني للمناهج

واقع المناهج في الجامعات العراقية
على الرغم من كل المحاولات الجادة والترقيعية إلا إن المناهج الجامعية بقيت تقليدية بكل معنى الكلمة وبكل المراحل التي تمر بها عملية بناء المناهج أو تطويرها وتنفيذها وتقويمها ومن معالم المناهج في الجامعات مايلي:
1-اللجان المسؤلة عن بناء وتطوير المناهج في اغلب الجامعات لا تتسم بالتخصصية فاغلب المشاركين بعيدين عن تخصص المناهج لا بل إن البعض منهم من لم يستطع تحديد مفهوم المنهج ولا يعرف وجود مثل هذا الحقل وأين يدرس كما إن البعض منهم لم يقرا كتابا تخصصيا في هذا الموضوع ولم يعرف التطورات المتلاحقة في هذا الحقل ولا يعرف مبادئ وأسس بناء المنهج وتطويره
2- تتسم المناهج بالتقليدية والاستاتيكية : ينظر العاملون في حقل التربية إلى المنهج بأنه ترمومتر يتحسس الإحداث من حوله ويستجيب لها يؤثر فيها ويتأثر بها فعلى سبيل المثال غيرت المناهج في الولايات المتحدة لمرات عدة لإحداث خارجية وداخلية منها على سبيل المثال إطلاق أول قمر صناعي سوفيتي عام 1957 أدت هذه الحادثة إلى تغيير المناهج في الولايات المتحدة وكذلك غيرت المناهج عند بروز عملاقين اقتصاديين جديدين هما كوريا الجنوبية واليابان وأصبحا منافسين خطيرين للاقتصاد الأمريكي أدى ذلك إلى تغيير المناهج مرة أخرى كما إن التقرير الذي أصدرته إحدى اللجان الأمريكية ( امة في خطر) أدى هذا التقرير إلى تغيير المناهج فيها . فإذا قارنا واقع مناهجنا في العراق بما حدث في الولايات المتحدة نجد إن مناهجنا تتسم بالاستاتيكية فقد مرت علينا كوارث عديدة ولم تتغير هذه المناهج كالانقلابات الكثيرة والمتتالية والحرب على الأكراد والمعاهدة التي عقدها صدام مع الشاه وأعطاه بموجبها نصف شط العرب والحرب العبثية مع إيران واحتلال الكويت والحصار الاقتصادي والمقابر الجماعية كل هذه الكوارث ومناهجنا نائمة في سبات عميق وكأن الإحداث لاتهم العراق بشئ ولا يتوجب على التربية الاستعداد لمواجهتها أو تجنبها فالمناهج باقية كما كانت عليه قبل خمسين عاما
3- المعلومات التي تقدمها المناهج خامدة تهدف إلى حشو أ ذهان المتعلمين بأي شيء وبكل شيء من اجل حفزهم على الحفظ والتذكر غير أبهة بان الذكاء عملة نادرة يجب الحفاظ عليه وتطويره
4- ابتعادها عن الجوانب العلمية في التخطيط والتنفيذ والتقويم:
إن غياب الأسلوب العلمي في بناء المناهج له تأثيره السيئ على مجمل العملية التربوية وعلى مخرجاتها ( الشهادة وحاملها )
5-الخلط بين الفكر العلمي والفكر الميتافيزيقي مناهجنا عاجزة عن حسم الموقف لصالح الفكر العلمي من خلال اعتماد السببية العلمية
3- إن ظاهرة التلقين والحفظ الآلي التي تبشر بها المناهج هي عملية اخصاء لعقولنا وتسهم إسهاما مباشرة في عقمها الفكري 27:7
4- المناهج تعني عدد الساعات والمواد المقررة
5- أهدافها تتسم بالعمومية وعدم الوضوح
6- المقررات فيها الكثير من التكرار
10-المناهج بعيدة عن متطلبات سوق العمل
11-تتسم بالتخصصية الضيقة وضعف الربط بين العلوم الإنسانية والصرفة لأنها تعمل على تجزئة المعرفة وتفكيكها
12-ضعف الانفتاح على المجتمع المحلي والإفادة من الخبرات الموجودة فيه

شروط المنهج الدراسي الفاعل :
1- إن يأخذ بنظر الاعتبار طبيعة الواقع الاجتماعي والاقتصادي السائد ويعمل على تطويره
2- إن يلبي حاجات حقيقة أنية ومستقبلية
3- ان يسهم إسهاما مباشرا في حفز المتعلمين على معرفة إمكاناتهم وقدراتهم الذاتية
4- ان يوفر أفضل فرص للتعلم
5- ان ينمي لدى المتعلمين القدرة على الاستشراف المستقبلي
6- ان يعي كل من المدرس والطالب أهداف المنهج المقررة
7- ان يسهم في توضيح إن الحياة في صيرورة مستمرة وان القيم والمعتقدات متغيرة
8- ان تتصف خطة المنهج بالمرونة
9- ان تطبق الخطة على نطاق ضيق
10-ن يكون المخطط ملم بالثقافة العامة والتخصصية
11-ان يأخذ بنظر الاعتبار القوى المؤثرة في بناء المنهج
12-ان يكون هناك تعاون صادق بين المخطط والمنفذ
13-ان تعتمد التغذية المرتدة
14-ان يكون المخطط على بينة من المهام التي يضطلع بها الخريج ويقدر على وصفها وتحليلها
15-ان يمتلك المخطط القدرة على الاستشراف المستقبلي لتطور المهام والإعمال وسوق العمل والواقع الاجتماعي والاقتصادي للمجتمع الذي سيعمل فيه الخريج
16-ان يكون المخطط على معرفة دقيقة بإمكانات المؤسسة أو المعهد الذي سيطبق فيه المنهج
17-ان يسهم المنهج إسهاما مباشرا في تنمية التفكير الحر ويمكن المتعلمين من مواجهة مشكلاتهم الحياتية وكيفية إيجاد الحلول المناسبة لها
18-ان يمكن المتعلمين من استخدام التكنولوجيا الحديثة وتوظيفها لمعالجة المشكلات الحياتية
19-ان يسهم إسهام كبيرا في تنمية الرغبة في العمل الجمعي التعاوني
20-ان يسهم في إلغاء الحواجز بين التعليم النظر ي والعملي
21- أن يعطي إجابة واضحة على الأسئلة التالية لكل من له علاقة :المدرس:ماذا ادرس؟ لماذا؟ وكيف؟ الإداري ما المستلزمات؟ المقوم: ماذا أقوم؟وكيف؟ الطالب: ماذا ا تعلم؟ الجهات المستفيدة:ما نوع الخريج؟
بناء أو تطوير المناهج
من الشروط الأساسية لبناء أو تطوير المنهج معرفة واقع هذه المناهج والظروف المحيطة بها إضافة إلى معرفة معايير وشروط المنهج الجيد وقد تحدثنا سابقا عن هذين العاملين وبإسهاب إلا إن هذين العاملين لوحدهما لا يمكنهما بناء منهج دراسي فاعل إلا إذا توفر مايلي:
1- وجود فلسفة وفلسفة تربوية واضحة الإبعاد ومحددة المعالم ونحن في الوقت الراهن لا نمتلك مثل هذه الفلسفة ولا نعرف إبعادها
2- وجود أهداف عامة واضحة محددة هي الأخرى غير متوفرة في الوقت الراهن
إن إيجاد هذين العاملين يتطلب من المؤسسات التربوية (الوزارتين) إجراء دراسات نظرية وميدانية لتحديد إبعادهما وبعكسه فان أي عملية بناء أو تصميم للمناهج ستعد عملية ترقيعية علما إن هذين العاملين لوحدهما يسهلان كثيرا على المخطط إتباع الخطوات الأخرى التي يجب عليه إتباعها لبناء المنهج أو تطويره

المراجع
1-علي عزت بيجوفيتش الإسلام بين الشرق والغرب مؤسسة العلم الحديث بيروت 1994
2-Ronald c –Doll carriculum improvement 4th edition -
3-Ralph W. Tyler Basic Principles Of Curriculum and Instruction 1975
4- عبد الرزاق الهلالي تاريخ التعليم في العراق في عهد الاحتلال البريطاني 1914_1921 وزارة التربية بغداد 1975
5-جميل موسى النجار تاريخ التعليم في العهد العثماني الأخير 1869_1918 دار الشؤون الثقافية العامة بغداد 2002
6-تركي البيرماني مجلة كلية التربية جامعة الفاتح العدد الثاني والعشرين 1998
7- محمد جواد رضا أزمة الحقيقة والحرية في التربية العربية المعاصرة الكويت 1987



#تركي_البيرماني (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- تجويد التعليم الجامعي في العراق
- النتائج الكارثية للمحاصصة على التعليم في العراق
- القيادة وامن المجتمع
- المعلم وتقنيات المواجهة
- الجامعات العراقيه الواقع والطموح
- التعليم غير قابل للمحاصصة
- تصورات لمعالجة هجرة الكفاءات


المزيد.....




- السعودي المسجون بأمريكا حميدان التركي أمام المحكمة مجددا.. و ...
- وزير الخارجية الأمريكي يأمل في إحراز تقدم مع الصين وبكين تكش ...
- مباشر: ماكرون يهدد بعقوبات ضد المستوطنين -المذنبين بارتكاب ع ...
- أمريكا تعلن البدء في بناء رصيف بحري مؤقت قبالة ساحل غزة لإيص ...
- غضب في لبنان بعد تعرض محامية للضرب والسحل أمام المحكمة (فيدي ...
- آخر تطورات العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا /26.04.2024/ ...
- البنتاغون يؤكد بناء رصيف بحري جنوب قطاع غزة وحماس تتعهد بمق ...
- لماذا غيّر رئيس مجلس النواب الأمريكي موقفه بخصوص أوكرانيا؟
- شاهد.. الشرطة الأوروبية تداهم أكبر ورشة لتصنيع العملات المزي ...
- -البول يساوي وزنه ذهبا-.. فكرة غريبة لزراعة الخضروات!


المزيد.....

- اللغة والطبقة والانتماء الاجتماعي: رؤية نقديَّة في طروحات با ... / علي أسعد وطفة
- خطوات البحث العلمى / د/ سامح سعيد عبد العزيز
- إصلاح وتطوير وزارة التربية خطوة للارتقاء بمستوى التعليم في ا ... / سوسن شاكر مجيد
- بصدد مسألة مراحل النمو الذهني للطفل / مالك ابوعليا
- التوثيق فى البحث العلمى / د/ سامح سعيد عبد العزيز
- الصعوبات النمطية التعليمية في استيعاب المواد التاريخية والمو ... / مالك ابوعليا
- وسائل دراسة وتشكيل العلاقات الشخصية بين الطلاب / مالك ابوعليا
- مفهوم النشاط التعليمي لأطفال المدارس / مالك ابوعليا
- خصائص المنهجية التقليدية في تشكيل مفهوم الطفل حول العدد / مالك ابوعليا
- مدخل إلى الديدكتيك / محمد الفهري


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - التربية والتعليم والبحث العلمي - تركي البيرماني - المناهج العراقية بين الواقع والطموح