أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مقابلات و حوارات - ناصر الغزالي - لقاء مع المخرج السينمائي سمير ذكرى - أجرى الحوار : ناصر الغزالي - الجزء الأول















المزيد.....


لقاء مع المخرج السينمائي سمير ذكرى - أجرى الحوار : ناصر الغزالي - الجزء الأول


ناصر الغزالي

الحوار المتمدن-العدد: 2101 - 2007 / 11 / 16 - 06:20
المحور: مقابلات و حوارات
    


المعارضة تمتلك الوعي الكامل للخروج من هذا المأزق بالنظام الديمقراطي

أمام السينما المصرية بما لها من تاريخ طويل وريادة وشعبية، وسينما المغرب العربي بما تحققه من نجاحات عالمية بجرأتها وتجريبيتها وحداثتها، ينهض الواقع السينمائي السوري بطموحه على كاهل أسماء معدودة من بينها سمير ذكرى.

خلال مسيرته الفنية الغنية، حقق سمير ذكرى المعادلة السينمائية الصعبة في أفلامه التي يتفاعل فيها الفكري والجمالي، وبنى منهجه الخاص بالخوض في المياه العميقة للمحظورات والمحرمات والموضوعات الشائكة التقليدية: الدين والسياسة والجنس.

في هذا الحوار مع مقاربات يتابع سمير ذكرى تحطيم أصنامنا حاملا إلى دائرة الضوء الإشكاليات الجديدة للمجتمع السوري والثقافة السوري: الطائفية وسلطة رجال الدين والفساد والزواج المختلط وغيرها، وذلك بإيمانه أن إحساس الفنان في لحظة الخلق بالواقع الذي يرصده قادر على تجاوز تفكير السياسي والثوري أحيانا.

ناصر الغزالي


لنبدأ من فيلمك الأخير "علاقات عامة". قد تكون الإشكالية الاجتماعية التي طرحتها فيه ربما من أهم مايعاني منه مجتمعنا السوري. من المعروف أن هذا لهذا المجتمع تركيبة أثنية طائفية متميزة انسجمت فيما بينها وتداخلت على مختلف المستويات لكنها بقيت عصية على التمازج فيما بينها على مستوى العلاقات الإنسانية مثل الزواج المختلط والزواج المدني. هل هذا الفيلم تأسيس لمشروع يخص الأستاذ سمير ذكرى؟ ليكون عتبة مستقبلية للمطالبة بالزواج المدني والتشكيك بقانون الأحوال الشخصية المعمول بها في سورية، والمطالبة بقانون عصري؟




سمير ذكرى
- لا أبداً، الهدف من الاختلاف الديني لم يكن لطرح ما تفرق أو لجمعه لأن الأطراف اجتمعت بالفعل واتفقت في نهاية الأمر. اجتمعت بالطروحات غير المشروعة، واجتمعت بالفساد. اجتمعت بتغليب المصلحة على العاطفة واجتمعت بالنهاية باستعمال المرأة كوسيلة.
وبالنهاية اجتمعا عليها وعلى سورية ولم يلعب الدين أي دور بردع أيٍ منهما. حتى الزواج كان صوريا وكوميدياً ومضحكاً. ما تم على أنه زواج إسلامي كان مشوهاً ومزوراً. في الفيلم، يقوم رجل بتزوير ورقة طلاقه وتتم كتابتها في حينها على أساس أنها كتبت منذ أربعة أشهر، وذلك كي تكون العدة منتهية والأمور جاهزة. ولم يطلق هذا الشخص زوجته المسيحية وكان دائماً يطرح مشكلة الطلاق من زوجته المسيحية ليس لأسباب كنسية بل لأسباب جزائية. لأنه سرقها. الفساد يوحد الجميع. في الفيلم تأخذ الأمور شكل مغايرا، عندما تكون نبيلاً شريفاً تُطرَح أمامك مشكلة الفوارق الدينية بحدة، وعندما تكون عديم الأخلاق وسافلاً لا مشاكل تقفز بين الأديان وتفعل ما تريد لأنك لا تقيم أي اعتبار لأي شيء. في الفيلم يضحك ذلك الشخص عندما يقال له " سيترتب عليه دفع المؤخر وما إلى ذلك في حال الطلاق فهل تطلق ياأستاذ فهيم؟ وانشا الله لا تطلق"، فيجيب " نحن الطلاق عندنا أصلاً صعبٌ جداً". حتى هذه اللحظة يظنه الجميع مسلما، وكذلك المتفرجون. ويستمر الأمرحتى لحظة الزواج التي تأتي بعد ثلث الفيلم. حتى تلك اللحظة لا يقيمون أي فرق بين هذا الشخص وذاك إلا بالوضعية الاجتماعية وبوضعيات الطموح. هذا وَصَل وهذا يريد الوصول. لا فرق باللون أو الإسلوب أوالسلوك أوالعرق ولا بما يحبون. لذلك تضج الصالة بالضحك عندما يقول "الطلاق عندنا صعب" فيسأله الشيخ: "من أنتم، فالطلاق أبغض الحلال عند الله؟" بالنسبة للشيخ نسي أن هناك آخرون في هذا المجتمع، فيجيبه "نحن الكاثوليك ياشيخي طلاقنا صعب جداً" فتبين للمشاهدين أنه كاثوليكي وليس مسلما. ويجري النقاش ويتم تجاوزه. إذا طرحت مشروع زواج مدني يقوم عليك الشيوخ ورجال الدين المسيحي. خذ ما جرى في لبنان مثلا، العجيب أن الذين طرحوا القانون المدني هم بيير الجميل، وريمون إده، وكميل شمعون أي زعماء المسيحيين. الذين عارضوه رجال الدين ومعهم كمال جنبلاط التقدمي بضغط من رجال دينه. لكن في الحقيقة لو تساءلت لماذا يكره بطريرك الموارنة عون! لكانت الإجابة "لأن عون علماني"، لا أحد يريد أن يخفف من نفوذ الدين. ورجال الدين، من كل دين، لا يريدون أن يخففوا من نفوذهم.
الموضوع الذي تطرحه موضوع هام جدا،ً لكنه بفيلمي مطروح من الجانب الآخر حيث يتم تسليط الضوء من زاوية أخرى.

- ناصرالغزالي
ضمن هذا النطاق، أي ضمن الوضع الحالي الموجود في سورية، هل هناك إمكانية لتطوير القانون؟ المعروف أن أغلب القوانين في سورية باستثناء قانون الأحوال الشخصية قوانين علمانية. هل تعتقد أن قانون الأحوال الشخصية سيتحول في لحظة من اللحظات إلى قانون يكون فيه الزواج المدني جنبا إلى جنب مع الزواج الديني، أي يتركون الناس لخياراتهم؟


سمير ذكرى
الآن يتم التلاعب بالقضية كما هو الشأن بكل شيء. كما هو الشأن بمفهوم القطاع العام والقطاع الخاص والمواطنة وحقوق المواطن وحقوق الإنسان كل هذا يتلاعبون به. ويتم التلاعب بموضوع الزواج، فهناك الكثير من الزيجات المختلطة، يتزوجون بالخارج يعيشون هنا وسجلاّتهم بالخارج، فهنا يخضعون لقانون غير القانون السوري. لكن بما يخص سورية نجد نفس الموقف من كل شيء. هل هناك موقف جدي من هذا النظام تجاه هذه المشكلة؟ برأيي لا، النظام يستعمل الدين لخدمة مآربه، ويستنفر الدين وقت يشاء، ويحارب من أهل الدين من لا يعجبونه، يستعمل الدين للترضيخ والخنوع. فلنفترض حسب الإحصاء المركزي تبين أن العائلة المتوسطة تحتاج إلى 21000 ليرة شهرياً، وذلك بالتأكيد بالنسبة لعائلة تملك بيتا ولا تدفع أجرة منزل. وبناء على ذلك، مثلاً ماهو الشيء الذي يمكن أن يرضي إنسانا لديه أربع أو خمس بنات لا يتقاضى15000 ليرة سورية لعمله كسائق تكسي حتى لو عمل أربع وعشرون ساعة ماذا تريد منه وهو يرى في التفلزيون الكليبات والراقصات والمغنيات واللواتي لم نكن نراهن في الكباريهات أنصاف عرايا وبأوضاع استفزازية، تحت اسم "كليب غنائي"، لا، هذا أكثر من كباريه، فبناته يشاهدن هذا. الناس يرون أهل النظام في سورية وأن هناك 5% من الناس يأخذون من الدخل القومي 65%، ونراهم يركبون سيارات الشبح، وكل يوم سهراتهم في مكان مختلف، فأمامك طريقان، إما طريقة الكليب الغنائي ويصبحن داعرات لتلك الطبقة، وإما الجامع. أنا مسيحي هل أبعثهن إلى الجامع أم أدخلهن بشبكة دعارة حتى يستطعن تأمين اللباس والمكياج؟ النظام يفضل أن يذهب الشباب إلى الجامع، من أن يمتلكوا وعياً ثورياً ويعوا مشاكل النظام وموضوع الاستغلال والصراع الطبقي والفساد. من يخدم هذا النظام؟ إن 5% يأخذون 65% و 15% من الباقين يأخذون 15% من الدخل القومي يبقى أكثر من 80% يحصلون فقط على 20% من الدخل القومي. أن يعوا هذا الوعي، أو يذهبوا إلى الجامع؟ النظام يقول لك فليذهبوا إلى الجامع. البعث أرسل لكلية الشريعة طلابا مثلما أرسل إلى الكلية الحربية. أرسلهم بأمر حزبي وبتعميمات. يرسلونهم لكلية الشريعة ويصبح لديهم مؤذنوهم وأئمتهم. خطبة الجمعة تُعمم رسمياً من قبل الدولة، وخطبة الكنائس أيضاً. تأتيهم أوامر عليا وتملى عليهم. في كل مناسبة يطلب منهم أن يقولوا شيئا ما. هنا السؤال الذي يجب أن يُطرح. هناك السؤال الذي طرحه الكواكبي. عند العودة للكواكبي ودراسته بدقة نتساءل، عن أي دين نتكلم! لهذا السبب مثلاً في فيلم "تراب الغرباء" الذي هو عن حياة الكواكبي، ركبت نماذج من الأئمة، دين السلطة، رجل دين السلطة. ونأخذ مثلاً الطهطاوي، شيخ الأزهر، والذي هو نوعاً ما استمرار لمدرسة الشيخ محمد عبده مع التنازل كثيرا،ً ولكن مع التسامح رغم انه خادم للسلطة. لديك أيضاً رجل الدين الشعبي ورجال الدين الذين يلجأون للشعوذات والخزعبلات وكتابة الحجابات والتزويج والتطليق والذين يحتكون بالشعب كثيرا. وعندك رجل الدين الفقهي والذي اختصاصه فقه وهذا تأثيره ضيق فالآن نموذج الكواكبي قليل جداً.



- ناصر الغزالي
هذا ينقلني إلى فيلم الكواكبي بما يحمله من أفكار التنوير والنهضة، وبالتالي أسألك أن كنت تعتقد أن الإشكالية التي طرحها الكواكبي حول التنوير هي نفسها الآن؟ نفس المشكلة بعد مئة عام. ما رأيك فيما يمثله مشروع الكواكبي بالنسبة لطريقة التغيير أي طرح التغيير عبر السلطة وعبر المؤسسات؟ هل توافق الكواكبي على هذا المبدأ؟


سمير ذكرى
الكواكبي لم يطرح التغيير عبر السلطة وعبر المؤسسات لم تُسنح له الفرصة كي يفكر بالوسيلة. كان لا يزال عند مرحلة التنظيم وكرجل دين لم يكن يملك غير خطابه وغير كلمته التي يوجهها. لكنه بالحزم الشديد الذي وجهه للمستبد، ولدين المستبد ورجال دين المستبد، ترى أنه كان فكراً ثورياً أكثر بكثير مما يُطرح الآن. لكنه لم يتوصل لبحث وسيلة الحزب الذي به يجب أن يحقق هذا التغيير لأنه قُتِلَ قبل ذلك. ومن الممكن أن تقول لي أنه كان نقيب أشراف، هو نفسه كان صاحب مدرسة لكن لم يكن يمثل التوجه الرسمي بتعامله بكل هذه الأمور. نظرته للمرأة لم تكن رسمية، المرأة والعمل، تصور في ذاك الزمان ينظر نظرة إيجابية. في تلك الفترة كانت المرأة العاملة هي المرأة الريفية . الكواكبي يقول أنا أحترم أكثر شيء هذه المرأة من بين كل النساء، لماذا؟ لأنها تعمل وحقيقة هي المرأة الأكثر ظلماً، تذهب لريفنا هي من تقوم بكل العمل الزراعي وتنجب الأطفال وتربيهم وتطعمهم، من هنا تعدد الزوجات. ففي فيلمي الأول ذهبت للريف بالأفكار المسبقة للمثقف، أي أدين تعدد الزوجات. ولكن حينما قابلت أحدهم والذي يملك أراضٍ كثيرة للزراعة سألته كم زوجة عندك، أجاب ثلاث إلى جانب الأولى، وهي تجلس بجانبه بافتخار وأردفت أنا من خطبهن له واخترتهم بمعرفتي، سألت كيف؟ قالت: كي يساعدوني بالعمل فهل تريد بمفردي أن أقوم بكل الأعمال الزراعية والمنزلية. فبهذه الطريقة خففت من أعباء العمل الملقاة على عاتقها وكانت تقول ذلك بمرح وطرافة. امرأة أخرى تملك عائلتها معملا للجبن وأيضا هناك ثلاث نساء في الأسرة غير الأولى، وكلهن عندهن أطفال ويقمن بهذا العمل. في دير الزور نفس السؤال وجهته لها، أجابت: أنا الأولى عنده وأنا خطبتهن وانتقيتهن له صبايا صغار السن قويات. الموضوع مختلف نهائياً عن فهمنا المسبق.

ناصر الغزالي
هذا يعد أمرا استثنائيا وليس قاعدة.


سمير ذكرى
في الريف هذا قاعدة.
ناصر الغزالي
أي أن الزواج وظيفي؟


سمير ذكرى
اجل الزواج وظيفي لتخفيف العمل عن الزوجة الأولى، حتى في المدينة أيام لم يكن هناك خادمات وكانت البيوت على الطراز المعماري العربي الواسع كان الزواج المتعدد يلعب دورا أيضاً. أي معنى ذلك أنه ليس دائماً غير مستحب عند المرأة الأولى مثلما نفكر نحن بناء على موقفنا المسبق.
ناصر الغزالي
هل تجد هناك علاقة وثيقة بين العمل الفني والإبداع وبالتالي بين الممثل والإبداع في مرحلة تشهد ثورة على مستوى العمل الدرامي السوري. أقصد أن الكثير من الفنانين السوريين التجأوا إلى العمل الدرامي التلفزيوني، هل أصبح هاجس الممثل أو هاجس الفنان نفس الهاجس القديم بمفهوم الإبداع؟.


سمير ذكرى
لا، كل نوع من العمل، كل جنس فني من العمل إذا شئت يختلف، فعندما نشط المسرح تحديدا في الثمانينات وبتنوع مدارسه كان الأمر يتطلب من الممثل نوعا من التفرغ الصوفي والتفرغ البريء الجميل للفن. في السينما هذا التفرغ أيضاً موجود مع حرفية ومع دقة في العمل ومع انتظار فرصة والكل يطمح الآن أن يأخذ دورا في السينما حتى لو كان ممثلا تلفزيونيا مشهورا، لكن العمل في التلفزيون فرصة للعمل الدائم والدخل المادي. التلفزيون هو من يحقق ذلك فهو الاستهلاكي رقم واحد، لكن للأسف الشديد هناك مأساة في العمل التلفزيوني كما هي في مصر وعندنا. وهذا يعيد إلى ذهني حوارا لاينسى دار بيني وبين الممثل محمود ياسين. التقينا بقرطاج وأحياناً يأخذني اللؤم كسينمائي. سألته حينها كم عملا عندك؟ أجابني حوالي 200 عمل في ذاك الوقت. سألته: أي الأعمال تحس نفسك أنك لست محمود ياسين، لأنه لا يمكن أن يكون محمود ياسين مكرر للمرة المائتين؟ شرد وأجاب: أنه من الصعب أن أقول لك لأنهم يأتونني بهذه الأدوار لأني محمود ياسين. سألته: أليس هذا ظلماً لما للفنان الذي يعيش بداخلك والذي هو غير شخصك الظاهر. هذه مأساة حقيقية أن يموت الممثل ولم تُمتحَن قدراته الإبداعية بعد، خذ مثلاً الدراما السورية بتنوعها تنتج التاريخي والمعاصر، فممثل كبير مثل سلوم حداد أخذ الزير سالم، المتنبي، وأخيراً نزار قباني في مراحله الناضجة، الخ. فطبيعة الكتابة التلفزيونية بالتلفزيون العربي المسلم واضحة بامتياز. هوامشه محددة. ممنوعة لحظات الحب، لحظات العنف، ممنوع كثير من اللحظات الدرامية الحادّة والتي تشكل امتحانا لقدرة الممثل، ولهذا ترى بالنهاية أنهم يأخذون اللحظات الحيادية، فتتساوى إن كنت المتنبي أو نزار قباني أو الزير سالم أو أي شخصية اخرى. وترى لهذا السبب أنك عندما تسأل شخصا عن عمل تلفزيوني يشرد ثم يجيب لا أدري إن كنت قد رأيته أم لا. نوع الكتابة في السينما يختلف، مثلاً نزار قباني يصلح فيلما. نزار دون نساء على الشاشة ليس بنزار. وليس بنزار إن لم يكن شاعر المرأة. هناك مقطع لنزار قباني يقول "ونسجت من حلمات النساء عباءةً" وعندما تقول هذا البيت على الشاشة ماذا سيكون وراءه وأمامه! أجساد وهنا يتم كسر تابو الجسد، حُطِمَ تابو الجسد بالشعر المتداول.
ناصر الغزالي
كان قصدي أن نفس الممثل الذي يعمل في المسرح يعمل في التلفزيون ويعمل بالسينما. فلنقل أن هذه القدرة الدرامية السورية أدت إلى أنه يصبح التمثيل قضية وظيفية وليس قضية إبداعية؟.


سمير ذكرى
بالمعنى الحديث للكلمة كل الأعمال أصبحت وظيفية، فإذا جاءتني ثلاثة أفلام بالسنة فيجب أن انظم وقتي بشكل وظيفي حتى أستطيع أن أنفذها. أما إذا أردت أن تكون مقاربتي للعمل إبداعية فلن أستطيع أن أنجزها معاً في سنة واحدة. فيلم بالسنتين هو الحد الأقصى. قد تأتي للممثل فرص أثناء عمله في التلفزيون ولكن ليس ممكناً أن يجمع مع التلفزيون أي شيء آخر. هذه هي النقطة، إلاّ في اللحظات الميتة فهو يستطيع أن يمثل في المسرح عندما لا يكون هناك موسم التصوير التلفزيوني. حتى في السينما نواجه مشكلة، ففي فيلمي الأخير كان هناك صعوبة لأنك لا تستطيع أن تتحكم في الوقت الميت للتلفزيون بسبب الازدحام على طلب الممثلين الكبار. لكن السينما لها أجواؤها، فعندما نلتقي مع التلفزيون بنفس وقت التصوير يكون هناك أزمة بالبرمجة وحتى تُخرج الممثل من حالة الخفة بمقاربة العمل يشكل لك ذلك عملاً صعباً، حتى يعود ويدخل بالجو السينمائي الجدّي والتركيز والدخول بجلد آخر، أي من الأسهل لي وللممثل أن يذهب ويلبسوه ثيابا أخرى ومكياجا آخر ويمثل نفسه في أي دور آخر من أن تقول له هنا يجب أن تتأتئ، أنت هنا لست سلوم حداد القوي الشخصية الضخم الجثة أنت هنا رجل عنده عجز. هذا يتطلب رسم شخصية ويحتاج للعمل عليها إي أن يحضر ويهجس بالشخصية ليل نهار، هذه هي المشكلة. وهناك نقطة أخرى هي الأجور. تأكد أن أي ممثل وأنا أحس أن الأمر ينطبق عليهم جميعاً عندهم حاجة إنسانية ليتهافتوا على السينما ومعظمهم يسأل: اليس لدينا دور عندك؟ السبب أن لديه رغبة حميمية داخلية إبداعية أن يعمل في السينما لكن الأجور وتكاليف الحياة الغالية هي السبب، فالممثل إذا تقاضى أجراً عالياً يكفيه لسنتين أوثلاث يستطيع أن يعمل في السينما دون خوف من وضعه المادي إلاّ إذا دخل في حالة التاجر الشرقي وسار في هذا الطريق.
ناصر الغزالي
ربما ندخل هنا في جانب آخر وهو جانب يخص الواقع الاجتماعي والسياسي في سورية أي حرية الفن، حرية الرأي، وحرية التعبير وهذا جزء لا يتجزأ من حرية المجتمع ووحدته، هذه الحرية تقرب الناس من بعضها وتقرب الآراء، تكشف، تفضح الكثير من السلبيات. أهم الآفات التي يعيشها المجتمع الفساد، المحسوبيات. أين دور المخرج سمير ذكرى في فضح وكشف هاتين الآفتين اللتين تقدران على هدم أي مجتمع؟.


سمير ذكرى
بكل أفلامي منذ حادثة النصف متر كان هناك توصيف الواقع السوري خصوصاً والعربي بما فيه من قواسم مشتركة والإسلامي إن شئت ضمن القواسم المشتركة الأبعد لوضعنا، ففي الفيلم تمت إضاءة ملامح الوضع القائم الذي أدى للهزيمة ولنكسة ال67. سأل راديو صوت أمريكا السفير السوري آنذاك عندما عرض الفيلم في معهد الفيلم الأمريكي، قال له هذا الفيلم يطرح منطقا مختلفا، لأول مرة تقولون أن الهزيمة بدأت من داخل الإنسان ومن ثم على الجبهة، هذه أول مرة لا ترمون الذنب على الخارج. فحقيقةً المذيع كان مصيبا لأن ذلك كان ميزة فيلم حادثة النصف متر، أي أن أدرس مكونات الشخصية الاجتماعية والبيئية والعقلية والجنسية........ الخ، والتي هي في النهاية بنت مجتمع يعيش الهزيمة قبل أن يخوضها وهذا أخطر ما في الفيلم، وأظرف شيء في هذا الفيلم الذي أُنتج في عام 81. ذهب الفيلم للبندقية، ووجدوا طلبا عليه في البندقية، في الأول مانعوا السيناريو بشدة وعلي عقلة عرسان بلحظة ما قال لي في "هذا السيناريو بين كل سطرين هناك شتيمة على الحزب"، ومن حظي أنه كان كاتب سيناريو لعمل سخيف اسمه"المصيدة" والذي يتناول موضوع الفساد. يدور العمل حول ابنة عامل بإصابة عمل تذهب لتحصيل حقوق ابيها فيتداولون جسدها باتحاد نقابات العمال وتتعهر هذه الفتاة، وهو كاتب هذا السيناريو ولكنه اعترض على ما كتبت، فذهبت وواجهت أخوه الذي في حينها كان مدير شؤون الإنتاج في المؤسسة. قلت لماذا هو يسمح لنفسه أن يقول هذا النظام عهّر تلك الفتاة من وراء موت أبيها العامل ويأتي ليمنع لي فيلمي، وقلت له سآخذ سيناريو فيلمه وأذهب للقصر الجمهوري، مع أني لن أفعل ذلك وكان مجرد تهديد ولكنه كان كافيا لأن يعاد النظر بالسيناريو ويسمحوا لي بتصويره. عندما انتقوه للاشتراك في مهرجان البندقية وعادوا من المهرجان كان هناك الدكتورة نجاح العطار وكان عندها بعد نظر وحضارية أي مقاربة حضارية للأمور، فمن جهة كانت تريد أنه يخرج من سورية أعمال فيها هذا الانفتاح وكانت سعيدة أنه في سورية أصبح هناك سينما وليس من السهل أن تصنع سينما في بلد يفتقر للمسرح والأدب والفنون التشكيلية ولتقاليد العمل، ويخرج بعض الشباب القادرين أن يركبوا فيلما، وفيلم حادثة النصف متر كان أول ما سمي آنذاك موجة الشباب، فقالت لي الفيلم سيعرض ولكن ستسمح لي أن أؤجل عرضه قليلاً، وهكذا فعلاً كانت تتعامل أي لم تقل أننا سوف نمنع عرضه، فبحكمتها الشامية ولطفها الشامي كانت توازن الأمور بين الدولة" مع أنها لم تكن حزبية" وبين متطلبات الأمور والحاجة الفنية والثقافية. والذي حدث أننا ربحنا أفلامنا، عرض في البندقية وبرلين ولندن وفيما بعد عرض في سورية. المهم في الموضوع انه في عام 81 مُنِعَ الفيلم، الشخص الذي منعه أتاني بعد عشر سنوات وقال لي هذا الفيلم خطير جداً جدا ًمن يومين عدنا ورأيناه فسألته الآن فقط اكتشفته؟ أجابني نعم. قلت إذاً لما منعته قبل عشر سنوات. أحياناً يمنعون بالغريزة، فمثلاً إذا أحسست أنه من هنا يوجد خطر تهرب لمكان آخر. وأيضاً في وقائع العام المقبل هناك توصيف وهناك فساد من نوع آخر. في حادثة النصف متر هناك فساد البطل نفسه، فساده بمعنى الوسط المحيط فيه الذي لم يساعده على أن يخرج من ذاته المعقدة ومن ثم استعمال هذه الذات بعد الهزيمة في سبيل تحقيق مآربه، هذه الذات المعقدة العاجزة. لم يجدوا غيره أدى خدمة العلم الباقين الشيوعي والبعثي عارفين أنفسهم ذاك وحيد وذاك دفع البدل وذاك تخلص من الخدمة بطريقة الواسطة فعندما أرادوا مسؤولا عن الدفاع المدني لم يجدوا إلاّ ذاك فأخذ المنصب الأعلى وهذا ماجرى وأعني بذلك ما جرى بعد الحركة التصحيحية، فهذا هو مضمونها بالضبط. بينما في وقائع العام المقبل الأمر بالعكس فهو عن الطبقة البرجوازية الوسطى. المثقف الذي درس الموسيقا في الخارج لكنه أتى لهنا ليؤسس أول فرقة فيلارمونية للموسيقا العربية الكلاسيكية الحديثة. المشروع برأسه موجود ولكن يفتقد للوسيلة وهي فكرة أساسية جداً فكل الأحزاب تطرح مشاريعا ولكن أذكر لي أحداً فكر بوسيلة، فوقائع العام المقبل يبحث بالوسيلة وكيف أن التركيبة البيروقراطية حالت دون ذلك فحقق مشروعه بشكل آخر فلم تعد تلك الفرقة التي تلبس الزي الموسيقي إنما جمع من زملائه المحيطين به الذين يعملون في الكباريهات، من البنات، من مجنون سمعه يغني في باص، من بعض طلابه المكفوفين وأسس بهم فرقة وغنوا معاً. علاقات عامة فيه روح سورية المعاصرة بمعنى الفساد في القمة، والفساد مدروس أفقياً وعمودياً ولم يتوقف عند فئة حتى لا أخفف المصيبة فبكل بساطة يمكن أن نقول الطائفة كذا هي الفاسدة بسيطة ننظف هذه الطائفة نصبح نظيفين، ولكن بالنتيجة تجد أن ليست الطائفة كذا هي وحدها الفاسدة بل معها الطائفة كذا وكذا. كلهم لهم شركاء وامتدادات مصالح، ومن السهل أن تقول أن المثقفين هم الفاسدون، لا، هناك عمال فاسدون، مدراء، وزراء، رئيس الوزراء، فهذه هي المصيبة أي أصبح الامتداد أفقيا وعاموديا ومن هنا أتت العلاقة بينهم وتم تقديم مختلف الطوائف، ليس في سبيل البحث عن قانون مدني يحل لهم مشاكل الزواج بل في سبيل البحث عن قانون يقضي على الفساد عندهم جميعاً ولا يدع أحدا يرمي بها على الآخرين لأنه في حال نمت حركة ثورية في سورية وتريد أن تحاسب من السهل أن يقول الآخرين أن تلك الطائفة هي الفاسدة والآخرون ينجون بجلدهم. يجب أن يقال لهم هذا غير صحيح لأن من تلك الطائفة أناس غير فاسدين وأنتم من طائفتنا وفاسدون. حتى لا ندخل في المأزق اللبناني الذي لا يرى الفساد إلا عند إميل لحود أو الخيبة والانتقاص إلاّ عند لحود، لايرون الأمر في وليد جنبلاط والحريري نفسه بمسيرته، لا يرونه في السنيورة لأنهم محصورين في طوائفهم هذا النوع من الوعي لا يعطي خطوة للأمام فهو بالمعنى اللبناني مضاد لتفكيرهم.



#ناصر_الغزالي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ميشيل كيلو-ثمن البراءة في زمن الإثم-
- انتخابات مجلس الشعب السوري 2007 وحقوق الإنسان- الجزء الثاني
- انتخابات مجلس الشعب السوري 2007 وحقوق الإنسان- الجزء الثالث
- انتخابات مجلس الشعب السوري 2007 وحقوق الإنسان- الجزء الأول
- انتخابات مجلس الشعب السوري 2007 وحقوق الإنسان- الجزء الرابع ...
- المنسي – عارف دليلة
- ثقة المواطن السوري بالمشاركة السياسية وفاعليتها لاستحقاقات 2 ...
- المشهد السوري بين عسف السلطة وعنتريات عبد الحليم خدام وأوهام ...
- الحكومة السورية في تغيير مسلكها على مفترق طريقين
- أيها السادة حقا إنني خائف جدا على وطني
- لجنة المتابعة لقضايا المعتقلين السياسيين في سوريا – بيان الت ...
- حمله تضامن مع اسرى الجولان
- هل يستطيع مؤتمر حزب البعث القادمً إجراء إصلاحات وتغييرات جذر ...


المزيد.....




- قصر باكنغهام: الملك تشارلز الثالث يستأنف واجباته العامة الأس ...
- جُرفت وتحولت إلى حطام.. شاهد ما حدث للبيوت في كينيا بسبب فيض ...
- في اليوم العالمي لحقوق الملكية الفكرية: كيف ننتهكها في حياتن ...
- فضّ الاحتجاجات الطلابية المنتقدة لإسرائيل في الجامعات الأمري ...
- حريق يأتي على رصيف أوشنسايد في سان دييغو
- التسلُّح في أوروبا.. ألمانيا وفرنسا توقِّعان لأجل تصنيع دباب ...
- إصابة بن غفير بحادث سير بعد اجتيازه الإشارة الحمراء في الرمل ...
- انقلبت سيارته - إصابة الوزير الإسرائيلي بن غفير في حادث سير ...
- بلجيكا: سنزود أوكرانيا بطائرات -إف-16- وأنظمة الدفاع الجوي ب ...
- بايدن يبدى استعدادا لمناظرة ترامب


المزيد.....

- قراءة في كتاب (ملاحظات حول المقاومة) لچومسكي / محمد الأزرقي
- حوار مع (بينيلوبي روزمونت)ريبيكا زوراش. / عبدالرؤوف بطيخ
- رزكار عقراوي في حوار مفتوح مع القارئات والقراء حول: أبرز الأ ... / رزكار عقراوي
- ملف لهفة مداد تورق بين جنباته شعرًا مع الشاعر مكي النزال - ث ... / فاطمة الفلاحي
- كيف نفهم الصّراع في العالم العربيّ؟.. الباحث مجدي عبد الهادي ... / مجدى عبد الهادى
- حوار مع ميشال سير / الحسن علاج
- حسقيل قوجمان في حوار مفتوح مع القارئات والقراء حول: يهود الع ... / حسقيل قوجمان
- المقدس متولي : مقامة أدبية / ماجد هاشم كيلاني
- «صفقة القرن» حل أميركي وإقليمي لتصفية القضية والحقوق الوطنية ... / نايف حواتمة
- الجماهير العربية تبحث عن بطل ديمقراطي / جلبير الأشقر


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - مقابلات و حوارات - ناصر الغزالي - لقاء مع المخرج السينمائي سمير ذكرى - أجرى الحوار : ناصر الغزالي - الجزء الأول