أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - قراءات في عالم الكتب و المطبوعات - نادية أبو زاهر - قراءة في مواقف مؤلفي كتاب -ثقافة العولمة وعولمة الثقافة- من العولمة ورؤية النقاد حولها















المزيد.....


قراءة في مواقف مؤلفي كتاب -ثقافة العولمة وعولمة الثقافة- من العولمة ورؤية النقاد حولها


نادية أبو زاهر

الحوار المتمدن-العدد: 2095 - 2007 / 11 / 10 - 11:29
المحور: قراءات في عالم الكتب و المطبوعات
    


 "ثقافة العولمة وعولمة الثقافة" كتاب يقع في 240 صفحة ويدور خلاله حوار عن "العولمة" بين مفكرين يعتبران من طليعة المفكرين العرب هما برهان غليون وسمير أمين، قدم كل منهما مادته البحثية بعدد صفحات متقاربة ومن ثم تعقيب كل منهما على الآخر. إلا أنه يلاحظ على المادة المعقب عليها من كلا الكاتبين اختلاف واضح في عدد الصفحات، ففي حين كان تعقيب غليون على أمين في أكثر من (90) صفحة، نجد أن تعقيب أمين على غليون لم يتجاوز العشر صفحات. وقد يعود هذا الفرق الشاسع في عدد صفحات التعقيبات إلى أن غليون رأى بأنه مختلف مع ما طرحه أمين فاستفاض بالرد عليه بعدد صفحات أكثر، في حين أن أمين رأى عكس ما رآه غليون. فهل حقا أن هناك اختلاف بينهما كما يرى غليون أم أنه لا يوجد كما يرى أمين؟ وإن كانا مختلفين ما هي أوجه الاختلاف بينهما؟ وإن كانا متفقين فما أوجه الاتفاق؟. وسنبدأ بالنقطة التي اعتبرها غليون بأنها خلافية بينه وبين محاوره وهي تحديد مفهوم العولمة كما عرفها كل منهما وهي موضوع التحاور الأساسي بينهما.
 
برهان غليون في تعريفه للعولمة وتباين رؤية النقاد في فهمه:
ربما تكون من أكثر النقاط التي نأخذها على غليون هو تعريفه للعولمة، حيث عرّف العولمة بأكثر من تعريف واحد، فأشكل على النقاد وحتى على محاوره سمير أمين حول التعريف الذي عناه تحديدا، الأمر الذي أدى بكلٍ منهم أن ينتقي التعريف الذي فهمه أو وجد بأن غليون يقصده، ونجد أنهم اختلفوا في فهمهم للتعريف الذي قصده غليون، ونستطيع أن نلمس ذلك بسهولة إذا ما تتبعنا عددا من التعريفات، على سبيل المثال لا الحصر، التي فهمها كل منهم على لسان غليون. ونبدأها بما فهمه محاوره أمين عندما قال: "يعرّف برهان العولمة بأنها ظاهرة تتجسد في توحيد المنظومة المالية على صعيد عالمي، ونشوء منظومتين جديدتين أولاهما إعلامية واتصالية والثانية معلوماتية حتى تخضع جميع المجتمعات لحركة واحدة"[1].
فيما كان فهم محمد سطام الفهد لتعريف برهان غليون عن العولمة مختلفا ونستطيع أن نلمس ذلك مما قاله سطام: "يبدأ الدكتور ((برهان غليون)) هذا الحوار بتعريف للعولمة، حيث يرى أن الاتجاه نحو دمج العالم في منظومة واحدة قديم قدم الحركات والتوسعات الإمبراطورية، وفي مرحلة أقرب نسميها المرحلة الاستعمارية والإمبريالية وقد حصل هذا الدمج بفضل السيطرة العسكرية والسياسية، وكان من نتائجه اكتشاف أمريكا وتحولها إلى المركز الأم للإنتاج الصناعي والتقني، وتعميق أنماط العلاقات الرأسمالية، لكن العولمة تعني شيئاً آخر، إنها تتجسد في نشوء شبكات اتصال عالمية، تربط جميع الاقتصادات والبلدان وتخضعها لحركة واحدة، حركة مزدوجة تنجم عن تفاعل بين عوامل بعضها موضوعي وبعضها ذاتي"[2]. وفهم هشام شمسان مما قصده غليون في تعريفه للعولمة: "وتعني العولمة- في رأي الباحث- "خضوع البشرَّية لتأريخية واحدة"[3]
وجاء نقد د. إبراهيم علوش للتعريف الذي فهم بأن غليون قصده بقوله: "يبدأ د. برهان غليون، بتعريف العولمة، فلا يخرج في ذلك عن التعريف المألوف الذي يعتبر العولمة اندماجا للفضاءات الاقتصادية والثقافية والإعلامية في شبكة لها ناظم مركزي واحد، قائلا: "إنّ المضمون الرئيسي للعولمة كما نعرفها اليوم هو أنّ المجتمعات البشرية التي كانت تعيش كل واحدة في تاريخيتها الخاصة، وحسب تراثها الخاص ووتيرة تطورها ونموها المستقلة نسبيّا، على الرغم من ارتباطها بالتاريخ العالمي، قد أصبحت تعيش في تاريخية واحدة وليس في تاريخ واحد. فهي تشارك في نمط إنتاج واحد يتحقق على مستوى الكرة الأرضية، وهي تتلقّى التأثيرات المادية والمعنوية ذاتها …"[4].
ونقد علوش هذا التعريف لأنه رأي أن غليون من خلال هذا التعريف لا يضيف جديدا على تعريف العولمة "المعروف"، الذي يعتبر العولمة عملية ازدياد وتائر التفاعل بين الأمم وتحوّلها من نشاط جانبي إلى نشاط يدفع تطوّر النظام الإنتاجي للعالم بأكمله.
وليست هذه التعريفات التي فهمها نقاد غليون من تعريفه للعولمة هي الوحيدة، فلقد ورد تعريف غليون للعولمة في أكثر من مرة في أكثر من موضع[5]، قد لا يتسع المجال هنا لذكرها جميعا، وهذه التعريفات المتباينة للعولمة قد تؤدي إلى أن يتيه القاريء كما تاه محاور غليون ونقاده من التعريف المقصود الذي عناه تحديدا حول العولمة.
 
سمير أمين في تعريفه للعولمة:
لم يورد أمين تعريفا صريحا للعولمة، وإنما ترك للقاريء- كما تركه لمحاوره- أن يستشفه من المضمون.
 كيف فهم غليون، إذن، التعريف الذي قصده محاوره والذي على أساسه اعتبر بأنه نقطة خلافية بينهما؟ نعرف إجابة هذا السؤال مما قاله غليون: "هناك خلاف بيننا حول تحديد مفهوم العولمة...، فأنا لا أنظر إلى العولمة كما ينظر إليها على أنها مجرد استراتيجية أمريكية للهيمنة العالمية"[6].
ونستدل على ما فهمه النقاد من تعريف أمين للعولمة مما أورده هاني المقداد: "أما سمير أمين - صاحب أطروحة التراكم الرأسمالي في النظام العالمي- فهو يختلف مع غليون وحنفي، ويرى ألا جديد في العولمة؛ فهي تشكل موجة ثالثة من التوسع الاستعماري لاتختلف في أهدافها عن أهداف الموجات السابقة"[7]. أو مما أورده شمس الدين الكيلاني: "أمين لا يرى في العولمة سوى أنها الطور الثالث من أطوار التوسع الرأسمالي، أو الاستعمار"[8].
أو ما أوردته رؤى شربجي: "أما سمير أمين فهو يسمي العولمة بأنها مشروع استعماري أمريكي أداة فرض الهيمنة فيه هي الأداة العسكرية، ويلخص الاستراتيجية الأمريكية في مقولة مفادها أداة العالم كما لو كان سوقاً الأمر الذي يتطلب بدوره تفكيك القوى السياسية إلى أقصى حد ممكن ووضع الدولة الوطنية تحت رحمة قوانين وآليات السوق"[9].
ربما أن أمين لم يعرّف صراحة العولمة كما فعل غليون إلا أنه عرّف "ثقافة العولمة" وهو الشق الأول من اسم الكتاب الذي تحاورا من خلاله، وهذا ما لم يفعله غليون، وهذا التعريف يظهر مما قاله أمين: "إن عالمية الرأسمالية قد رتبت بدورها ثقافة سائدة عالميا، ذات طابع رأسمالي، و(ليس غريبا) سأطلق عليها اسم (ثقافة العولمة)"[10].
 
برهان غليون وسمير أمين واختلاف الرؤية حول مواقفهما:
الاختلاف في الرؤية بين غليون وأمين حول اتفاقهما أو اختلافهما لم تقتصر عليهما فحسب، وإنما تعداه في اختلاف وجهة نظر النقاد أيضا حول هذه الرؤية، فقد وجد من النقاد من رأى بأن غليون وبرهان يختلفان وهذا الاختلاف لا يقف على الفكر فحسب وإنما تعداه إلى اختلاف في الأسلوب والألفاظ والمصطلحات، ومن هؤلاء هاني المقداد ومما قاله عن هذا الاختلاف: "في كتاب (ثفافة العولمة وعولمة الثقافة)، على سبيل المثال، صحيح أنك تقرأ موضوعاً إشكالياً واحداً بفكرين متباينين... لكن التباين موجود في أسلوب التعبير واستخدام الألفاظ والمصطلحات أيضاً، في البحث الأول تكون مضطراً لإعادة إحدى الصفحات عشرات المرات، حتى تفكك جزالة الألفاظ وسبكها ومصطلحاتها، الذي لا يمكن لأي قارئ عادي أن يفعله.. في حين أن البحث الثاني (الطرف الآخر) يكتب بأسلوب عادي، قد يفهمه الجميع"[11]. فيما وجد آخر أنهما يقفان على نفس الضفة من النهر، ومن هؤلاء رؤى الشربجي ومما قالته عن هذا التوافق الذي وجدته: " يحاول برهان غليون، سمير أمين عبر حوارية ثقافية مميزة، إيجاد أسلوب ناجع للتعامل مع العولمة ورغم ما يشوب آراءهما من اختلاف نرى أنهما يقفان على نفس الضفة من النهر" [12].
فيما وجد من النقاد من رأى في موقفهما التطابق، ويتضح ذلك مما قاله د. رضوان زيادة: "يبدو حوار سمير أمين مع برهان غليون في هذا الكتاب عن العولمة والثقافة قريباً من ذلك أو متطابقاً معه"[13].
أما ناشر الكتاب محمد عدنان سالم أكد أنه يقدم كتابا من وجهتي نظر متباينتين؛ فمن وجهة نظره فالتباين للاقتراب، والتقارب للتعدد، وبذلك ترك للقارئ أولاً وأخيراً، ومن دون أن يرجح رأياً على آخر، أن يجني ما ينفعه.
 
نقاط الاتفاق بين سمير أمين وبرهان غليون من وجهة نظر أمين:
يرى سمير أمين أن هناك تلاق بينه وبين برهان غليون فيما يلي:
·   اعتبار أن العولمة واقعا موضوعيا، شأنها في ذلك شأن جميع الظواهر الاجتماعية، وذلك مهما كان تعريفها وتحديد مضمونها وأن الوقائع الموضوعية لا تفرض نفسها على المجتمعات فرضا حتميا. (ص. 204)
·        اعتبار أن التفاعل مع الواقع الموضوعي يجب أن يكون إيجابيا فلا يصح أن يتجاهل الواقع. (ص. 206)
·   استنتاج متشابه في ميدان إشكالية الثقافة وعولمة الثقافة، ألا وهو التقوقع الثقافي، ورفض التفاعل مع الثقافات الأخرى يمثل استراتيجية محكومة بالفشل. (ص. 207)
·   الوقوف على أرضية مشتركة ألا وهي الالتزام بالوقوف في صف ضحايا التطور التاريخي، وهي الطبقات الشعبية بشكل عام وأمم الأطراف بشكل خاص. (ص. 208)
·   الميل إلى تجاوز حدود الدولة الوطنية سواء في مجال إدارة الحياة الاقتصادية أو في المجالات الأخرى للحياة الاجتماعية ومنها الثقافية. (ص. 209)
·        تشجيع الأخذ بعدد من القيم المشتركة تتلخص بدورها في انتشار المطالب الديمقراطية. (ص. 209)
·        تطوير الثقافات بحيث تستوعب مطالب دمقرطة المجتمعات. (ص. 209)
·        نقد ثقافة العولمة المطروحة من قبل القوى المهيمنة في الرأسمالية الحالية. (ص. 212)
·        نقد استراتيجيات الرفض السلبية. (ص. 213)
·   الدعوة إلى المساهمة مع جميع القوى التقدمية على صعيد عالمي من أجل تطوير جميع الثقافات في الاتجاه المطلوب لإقامة حضارة إنسانية عالمية صحيحة قائمة على مبدأ الديمقراطية واحترام التباين (عولمة الثقافة). (ص. 213)
 
نقاط الخلاف بين سمير أمين وبرهان غليون من وجهة نظر أمين:
يرى أمين أن هناك اختلاف بين طرحه وطرح محاوره متمثل فيما يلي:
·   اختلاف في مفهومهما لما هو جديد في المجتمع المعاصر، وفيما لم يتجدد من سماته الرئيسية، وهو اختلاف قد يحكم بدوره تباينا في خيار الاستراتيجيات النافعة في مواجهة التحديات الجديدة (أي خلاف على طرق التعامل أو الرد على العولمة). (ص. 207)
·   خلاف لما يراه غليون من أن العولمة ظاهرة جديدة، وليست مجرد امتدادا لأشكال العالمية التي أقامتها الإمبريالية سابقا (كما يرى أمين). (ص. 208)
·   خلاف على ثوابت الرأسمالية، فبرهان لا يأخذها بعين الاعتبار، في حين يشكك أمين من أن العولمة يمكن أن تلغي هذه الثوابت أو بعضها بحيث تقلب اتجاه تطور الحضارة العالمية رأسا على عقب. (ص. 209)
·   خلاف بينهما حيث يعتبر غليون الثورة المعلوماتية والإعلامية الجديد بالدرجة الأولى في الرأسمالية المعاصرة، واعتبار أمين أن التجديد فيها يتجلى في تركيز مصادر الهيمنة الاقتصادية والقرار السياسي في حفنة من الاحتكارات المالي والحكومات التي تعتبر نفسها في خدمة الأولى، وذلك في درجة غير مسبوقة. (ص. 210)
·   اعتبار أمين أن إعادة بناء منظومات انتاجية معولمة لن تتحقق إلا بالاعتماد على مزيد من تقوية دور الدولة في المراكز المهيمنة ولا من خلال إضعافها. (ص. 210-211)
·   العولمة المالية من وجهة نظر أمين تمثل وجها من أوجه الأومولة بمعنى تغلب الجانب المالي على الجوانب الانتاجية في صنع القرار الاقتصادي. لذلك لها طابع (انتقالي) فقط ولا تمثل شكلا ثابتا نهائيا كما يراه غليون. (ص. 212)
·   خلاف على الاستراتيجيات المطروحة لمواجهة التحديات الجديدة إذ يعتبر أمين أن محاولات تكييف القوى الشعبية للوضع الجديد و(منه العولمة) (التي يرتأيها غليون)، لن تأتي بثمار، ولا يرى بأن حضارة إنسانية عالمية ممكن أن تقام في ظل الرأسمالية (ص. 212). ويرى أنه لا بد من تطوير استراتيجيات لمواجهة التحدي، تتطلع إلى آفاق تجرؤ على تجاوز منطق التراكم الرأسمالي السائد أي تنخرط في تطلع الانتقال من الرأسمالية العالمية إلى الاشتراكية العالمية.
 
 نقاط الخلاف بين برهان غليون وسمير أمين من وجهة نظر غليون:
لخص غليون نقاط الخلاف بينه وبين أمين في أربع قضايا رئيسية وهي:
·   خلاف على علاقة العولمة بالسلفية والخصوصية والثقافة العربية (ص 113). فينتقد غليون أمين حيث شدد الأخير على مناقشة السلفية وتقييم دورها، مؤكداً عدم جدواها. وفي حين يرى الأول أن رأي أمين يوحي بأحد أمرين: إما أن السلفية مسيطرة على الثقافة العربية، أو أنها النواة الحقيقة لها والمعبرة عنها، علماً بأن المشروع الإسلامي - كما يراه غليون - مثله مثل كل مشروع اجتماعي آخر، لايرد على هوس الخصوصية، إنه قبل كل شيء، مشروع تاريخي، تمليه ظروف اجتماعية قابلة للتحليل والبيان. وانتقاد غليون لمحاوره جاء لأن محاوره جعل محاربة السلفية أو التصدي لها جوهر إشكالية مواجهة العرب والمسلمين لتحديات العولمة، لأنها تمنع الدخول في الحداثة، متجاهلا في الوقت نفسه مسألة الهيمنة الثقافية الغربية التي يخلطها مع الثقافة الحديثة ويوحدها معها. كما انتقد غليون محاوره كون محاوره لا يميز بين سلفية القرن التاسع عشر أو ما يطلق عليه بالتيار السلفي الجديد، حيث يرى غليون أن هناك فرقا كبيرا بينهما. كما يرى بأن ليس منبع الخصوصية السلفية وإنما العكس.
·   خلاف متعلق بتحليل ظاهرة العولمة نفسها وعلاقتها بمنطق توسع الرأسمالية (ص113). فحسب غليون فإن أمين لا يرى في العولمة شيئا آخر سوى الطور الثالث من أطوار توسع الرأسمالية، ويأخذ عليه بأنه لا يفصل بين مفهوم العولمة ومفهوم الرأسمالية. فغليون يميز بين الرأسمالية كنمط إنتاج محكوم بنموذج نظري مجرد، وبين النظام الرأسمالي كنظام اجتماعي. ويرى أن الرأسمالية كنظام اجتماعي لا علاقة لها بنمط الإنتاج المجرد. وغليون يرى بأن التوسع الرأسمالي ليس من منتجات العولمة، ويرى بأن الرأسمالية سابقة على العولمة(ص. 46).
·   خلاف متعلق بالاستراتيجية الناجعة لمواجهة العولمة ومخاطر الهيمنة الأمريكية عليها، وما يسميه أمين بناء العولمة البديلة (ص 113). ويرى غليون أن التحرر من التبعية والهيمنة يتم من خلال العمل على تغير قواعد العمل داخل نظام العولمة لا على التصدي الشامل لها وانتظار انهيارها القادم (كما يرى أمين). فغليون يرى بأنه ليس المطلوب اليوم في مواجهة العولمة تقاسم الأسواق أو الأسواق العالمية، ولا رفضها، ولكن بلورة سياسة من مستوى عالمي ترد على المخاطر المرتبطة بتوحيد الأسواق، حيث يرى بأنه لا يمكن لقيام اقتصاد عالمي الطابع أن يتجنب ويجنب المجتمعات الفوضى من دون وجود سياسة عالمية لطابع مرافقة له. كما أن هناك خلاف مع محاوره حول العولمة البديلة التي اقترحها أمين، حيث يرى غليون أنه لا يوجد عولمة بديلة أي منظومة شاملة وجاهزة للتطبيق على العالم الموحد بدل المنظومة النيوليبرالية القائمة اليوم.
·   خلاف على منهج الماركسية الجديدة الذي يسعى أمين إلى أن يعارض به ما يسميه الثقافوية، وتوحيده مع مفاهيم السلفية والخصوصية (ص 113). حيث ينتقد غليون أمين كونه يصف الإسلاميين دفعة واحدة بالسلفية والثقافوية والخصوصية، ويضع جميع هذه الصفات كبدائل ممكنة، في حين لا يرى غليون أن هناك اتفاق بين هذه الصفات جميعا، إنما يعتبرها في ثلاث مستويات مختلفة وهي مستوى العقيدة والإيدولوجية ومستوى الواقعة الوصفية ومستوى المقاربة المنهجية.
 
نظرة أمين وغليون في البعد الثقافي:
غليون وقف كثيرا عند البعد الثقافي، وسن قوانين في ذلك تتلخص فيما يلي:
·   (القانون الأول): إذا فقدت الجماعة تميزها الثقافي (الممارسة التاريخية ذات الإرادة والوعي المستقلين)، فقدت هويتها كجماعة مستقلة، وهو الشيء الذي يفسر سبب التمسك بالخصوصيات.  
·   (القانون الثاني): لاتوجد ثقافة مستقلة كلياً عن الثقافات الأخرى. فالثقافات الأخرى توجد بالضرورة في حقل تفاعل، يحدد فيما بينها علاقات هيمنة وخضوع (ص. 48).
·   (القانون الثالث): إنّ الثقافة المسيطرة لا تحتل موقعها المتفوق بسبب تفوّق منظومات قيمها، ولكن لأنّها ثقافة المجتمعات المسيطرة (ص.49).
·   (القانون الرابع): إنّ السيطرة الثقافية لا تعني بالضرورة سلب الثقافات الأخرى اتساقها الداخلي وقدراتها الإبداعية (ص. 50)، كما في حالة الثقافات الأوروبية تجاه الثقافة الأمريكية.
ويرى غليون أن خضوع الثقافة لقوانين السوق "ليست كلها بالضرورة ظاهرة سلبيّة" (ص. 46). كما يرى أن موقف رفض السيطرة الثقافية، والكشف عن آليات التبعية وتشديد الصراع ضدها، هو المنبع الرئيسي لإرادة الاستقلال والمشاركة الحضارية الفعالة (ص.56). حيث يعتقد أن السيطرة الثقافية غير أبدية، بل تخضع لموازين القوى، وأنّ الثقافات التابعة تستطيع في خضمّ ذلك أن تستفيد من الثقافة المسيطرة لتطوير نفسها.
في حين أن سمير أمين يرى إن عالمية الرأسمالية قد رتبت بدورها (ثقافة العولمة). وأن ثقافة العولمة ثقافة مبتورة الطابع قائمة على تناقض داخلي. ويعتقد أن إقامة عولمة بديلة يفترض إنتاج ثقافة بديلة.  كما يرى أن كل النظريات التي تكرس فكرة ثباتية الخصوصية الثقافية هي خادعة، طالما أنها تنظر إلى التباين على أنه القاعدة، وأن التشابه ناتج عن مجرد الصدفة. فالردة نحو الماضي والتمسك بالخصوصيات - حسب أمين - ليست بأكثر من تجليات شكلية لا تعدو كونها مظاهر للأزمة، وليست إجابات فاعلة للتحدي.
 
الخلاصة
وجدنا بأن هذا الكتاب الحواري الذي دار بين متحاورين يعتبران من المثقفين العرب وربما من كبار المثقفين العرب إذا جاز لنا التعبير، فيه كل هذا اللبس حول ما أراد أن يعبر عنه كل منهما، الأمر الذي التبس على المتحاورين وعلى النقاد، فكيف سيكون الحال بالنسبة "لغير المثقفين". وقد لا يتسع المجال هنا لمناقشة جميع القضايا الخلافية التي دارت بين مؤلفي الكتاب، أو الوقوف على حيثيات القضايا الخلافية بتفصيلاتها، لكن حاولنا إيجاز ذلك بطرح أبرز القضايا الخلافية من وجهة نظرهما، حتى لا يظهر وكأننا نعطي رأيا حول موقفهما من وحي تفسيرنا.
 فمما سبق وعرضنا، يتبين أن هناك نقاط خلاف بين المتحاورين واضحة للعيان. وقد أقر غليون بشكل صريح بهذا الاختلاف، واسترسل في توضيح النقاط التي رأى بأنه يختلف حولها مع محاوره، حيث أخذت منه حيزا أكبر من المادة البحثية التي قدمها أصلا، وكان جريئا في طرح رأيه غير مهادن، وظهر بموقف هجومي أكثر من كونه دفاعي ولم يدخر جهده في إبراز نقاط الخلاف، لدرجة أنه حاول في كثير من الأحيان إظهار نقاط الضعف لدى محاوره. ويظهر ذلك عندما قال غليون أن الطرح الذي قدمه أمين عن العولمة بسيط جداً، من حيث اعتقاده بأن إعادة تفسير تاريخ الرأسمالية مدخل ضروري. وهذا المدخل ودائماً حسب غليون - أثار الاختلاط في القضايا المطروحة على القارئ غير المختص.
هذا الأسلوب الذي استخدمه غليون كان على عكس الأسلوب الذي استخدمه أمين الذي ظهر بمظهر المهادن،  فحاول في تعقيبه على ورقة محاوره أن يبين بأن هناك تلاق بينه وبين غليون، وبدأ بسرد نقاط الاتفاق التي ارتأى بأنه يتلاقى عندها مع محاوره، وعندما بدأ على ذكر نقاط الاختلاف التي قدمها حاول أن يظهر بأن نقاط الاختلاف التي سيتحدث عنها هي: "قابلة للتلاشي بعد مزيد من النقاش" (ص. 208). وقد استطاع أمين أن يضلل بمهادنته تلك عددا من النقاد، لدرجة أن اعتقد بعضهم بأن موقف غليون من أمين متطابقان.
وبغض النظر عما قاله آمين من التقارب، لمسنا أن نقاط الاختلاف التي ذكرها هي نقاط خلافية كبيرة ولا يمكن لها أن تتلاشى بمجرد النقاش، فالاختلاف بينهما ظهر في أكثر من موضع من الكتاب وظهر هذا الاختلاف في أول الكتاب ابتداء من التعريف وانتهاء بآليات العلاج، وما بينهما من قضايا تفصيلية كثيرة.
نعم.. فكما قال الناشر: "تختلف الأفكار وتتباين، ولكن لتتقارب وتتعدد.. ويلعب الحوار الذاتي الموضوعي هنا دوراً بارزاً وأساسياً، فهو يولد العقول، كما يبحث عن الحقيقة.. وللقارئ بعد ذلك حرية الاختيار".
فتح هذا الكتاب رغم تناقض الأفكار التي قدمها، أسئلة كثيرة في ذهن القارئ فالحوار المكتوب بين المثقفين قد انتهى، ولا أحد يعرف ماذا من الممكن أن يكون تعقيب كل منهما على الآخر فيما لو أتيحت الفرصة لهما للتعقيب على (التعقيب)، ربما أنها ستكون سلسلة لا نهاية لها من الجدل والحوار، أليس هذا هو حال الجدل في قضية العولمة؟.


[1] برهان غليون وسمير أمين، ثقافة العولمة وعولمة الثقافة، دار الفكر العربي- دمشق ودار الفكر المعاصر- بيروت، ط1، 1999، ص 208.
[2] محمد سطام الفهد، مجلة قرطاس، العدد: 25، 1/12/2000،
http://www.fikr.com/cgi-bin/_showarticle.cgi?id=29
[3] هشام سعيد شمسان، قراءة في كتاب ثقافة العولمة وعولمة الثقافة، الجزء الأول،  المؤتمر نت، 6/12/2003،
http://www.almotamar.net/news/4597.htm
[4] د. إبراهيم علوش، نقد برنامج التكيف مع العولمة نموذج برهان غليون، الصوت العربي الحر، http://www.freearabvoice.org/arabi/maqalat/BurhanGhaliun.htm
[5] انظر الصفحات: 12، 16، 20،21، 22، 25، 34، 45، 47، 136، من كتاب ثقافة العولمة وعولمة الثقافة، مصدر سابق.
[6] المصدر السابق، ص 140.
[7] هاني المقداد، العولمة تحت الأضواء، ملحق الثورة الثقافي، 14/1/2001،
 http://www.fikr.com/cgi-bin/_showarticle.cgi?id=30
[8] شمس الدين الكيلاني، ثقافة العولمة وعولمة الثقافة بين سمير أمين وبرهان غليون، شبكة هجر الثقافية، 4/6/2001،
http://69.57.138.175/forum/archive/index.php/t-21187
[9] رؤى شربجي، جريدة الثورة، العدد: 1128، 24/9/2000
http://www.fikr.com/cgi-bin/_showarticle.cgi?id=19
[10] برهان غليون وسمير أمين، المصدر السابق، ص 62.
[11] هاني المقداد، الحوار حضارة  وإبداع قراءة في مشروع الحوار، جريدة تشرين، العدد: 7797، 7/9/2000، ص 9،
http://www.fikr.com/cgi-bin/_showarticle.cgi?id=17
[12]رؤى شربجي، جريدة الثورة، العدد: 1128، 24/9/2000
http://www.fikr.com/cgi-bin/_showarticle.cgi?id=19
[13] د. رضوان زيادة، العولمة بين خطاب المواكبة والنضال الإيدولوجي، الملتقى،
 http://www.almultaka.net/web/mk3-p1.htm



#نادية_أبو_زاهر (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- قراءة في مقالة دانكوارت رستو - التحول الديمقراطي باتجاه نموذ ...
- قراءة في مقالة دانكوارت رستو التحول الديمقراطي باتجاه نموذج ...
- في حوار مع المفكر برهان غليون:المجتمع المدني مخلوق تاريخي يظ ...
- غموض مفهوم -المجتمع المدني- ونظرة سريعة حول -زئبقيته-


المزيد.....




- مدير الاستخبارات الأمريكية يحذر: أوكرانيا قد تضطر إلى الاستس ...
- -حماس-: الولايات المتحدة تؤكد باستخدام -الفيتو- وقوفها ضد شع ...
- دراسة ضخمة: جينات القوة قد تحمي من الأمراض والموت المبكر
- جمعية مغربية تصدر بيانا غاضبا عن -جريمة شنيعة ارتكبت بحق حما ...
- حماس: الجانب الأمريكي منحاز لإسرائيل وغير جاد في الضغط على ن ...
- بوليانسكي: الولايات المتحدة بدت مثيرة للشفقة خلال تبريرها اس ...
- تونس.. رفض الإفراج عن قيادية بـ-الحزب الدستوري الحر- (صورة) ...
- روسيا ضمن المراكز الثلاثة الأولى عالميا في احتياطي الليثيوم ...
- كاسبرسكي تطور برنامج -المناعة السبرانية-
- بايدن: دافعنا عن إسرائيل وأحبطنا الهجوم الإيراني


المزيد.....

- الكونية والعدالة وسياسة الهوية / زهير الخويلدي
- فصل من كتاب حرية التعبير... / عبدالرزاق دحنون
- الولايات المتحدة كدولة نامية: قراءة في كتاب -عصور الرأسمالية ... / محمود الصباغ
- تقديم وتلخيص كتاب: العالم المعرفي المتوقد / غازي الصوراني
- قراءات في كتب حديثة مثيرة للجدل / كاظم حبيب
- قراءة في كتاب أزمة المناخ لنعوم چومسكي وروبرت پَولِن / محمد الأزرقي
- آليات توجيه الرأي العام / زهير الخويلدي
- قراءة في كتاب إعادة التكوين لجورج چرچ بالإشتراك مع إدوار ريج ... / محمد الأزرقي
- فريديريك لوردون مع ثوماس بيكيتي وكتابه -رأس المال والآيديولو ... / طلال الربيعي
- دستور العراق / محمد سلمان حسن


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - قراءات في عالم الكتب و المطبوعات - نادية أبو زاهر - قراءة في مواقف مؤلفي كتاب -ثقافة العولمة وعولمة الثقافة- من العولمة ورؤية النقاد حولها