أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - نادية أبو زاهر - غموض مفهوم -المجتمع المدني- ونظرة سريعة حول -زئبقيته-















المزيد.....


غموض مفهوم -المجتمع المدني- ونظرة سريعة حول -زئبقيته-


نادية أبو زاهر

الحوار المتمدن-العدد: 2089 - 2007 / 11 / 4 - 11:33
المحور: المجتمع المدني
    


هل سبق وجربت أن تمسك الزئبق بإصبعيك؟ لو حاولت، ستكتشف أنه لا يمكنك ذلك لأنه حتما سينزلق. المفهوم "الزئبقي" كما يحلو لبعض الكتّاب أن يطلق عليه أو "الضبابي" كما يحلو لآخرين أن يسميه، أو مفهوم "المجتمع المدني" واحد من أكثر المفاهيم جدلية. هذا المفهوم الجدلي احتل حيزا كبيرا في المناقشات الفكرية وحظي باهتمام وسائل الإعلام المختلفة، وتراكمت أكوام من الكتب التي تعالجه، بل وأصبح يُدرّس في الجامعات والمعاهد، وخصصّت مراكز بحثية مختصة للبحث فيه. ولم يقتصر الاهتمام به على الصعيد الأكاديمي فحسب، بل شغل كذلك اهتمام القادة والسياسيين والحكومات. كل يستخدمه بالطريقة التي تناسبه والتي تحقق له أهدافه. رغم كل هذا الاهتمام في المفهوم إلا أن القارئ بات يشعر بكثير من الحيرة والتشتت حول ما يعنيه. فلو حاولت أن تبحث في تعريفه فلن تجد له تعريفا واحدا بل ستجد له مجموعة كبيرة من التعريفات فتتيه بينها. وربما لا نبالغ إذا قلنا أن كل كاتب بات يستخدم تعريفه الخاص للمفهوم. لذا لن تكون مهمتنا هنا وضع تعريف آخر للمجتمع المدني لنزيد تشتت القارئ بين كثرة التعريفات، لكن ما سنحاول القيام به توضيح ما هي طبيعة الجدل الدائر حوله بصورة موجزة، علّنا نستطيع المساهمة في إزالة نوع من الغموض المحيط به و"زئبقيته".

الخلاف حول مفهوم المجتمع المدني واسع، ويزداد يوما بعد يوم مع تعدد استخداماته، فتعدد استخداماته تزيد من فوضى معانيه، وهو ما عبر عنه بعض المؤلفين، مثل بنيامين بارت Benjamin Bart عندما قال: "كلما ازداد استعمال مفهوم المجتمع المدني في السنوات الأخيرة، يقلّ فهمه". على هذا الأساس فإن تنوع الأهداف و"المشاريع" التي يستخدمها الكتّاب أو الساسة والحكومات سواء المعلنة أو غير المعلنة لخدمة أهدافهم ومشاريعهم المختلفة يؤدي إلى التباين في كيفية استخدام المفهوم، وتباين استخداماته يؤدي إلى الاختلاف حول تحديد مقومات وجوده أي الشروط التي يفترضون أنه ينبغي أو لا ينبغي توفرها لوجوده. ومكوناته أي تلك التي يفترضون بأنه ينبغي أن يتكون منها المجتمع المدني وأي منها يتم اعتبارها أكثر أهمية من غيرها. وما هو الدور المفترض أن يقوم به.

جدل حول ظهور المفهوم
متى ظهر المجتمع المدني؟ اعتبر ذلك نقطة خلافية بين الكتّاب، فهناك من يرى أن المجتمع المدني ظهر مع ظهور المدينة والتمدن والمدنية، وهذا الرأي يعتبر أن المجتمع المدني المقصود به المجتمع المتمدن، وعليه يرون أنه نقيض للمجتمع التقليدي غير المتمدن، وهناك من يرجع تاريخ المفهوم إلى أفلاطون كما فعلت دراسة فيرغسون على سبيل المثال. رغم وجود خلاف حول ظهور المجتمع المدني إلا أن هذا الخلاف لم يكن بنفس الدرجة التي يختلفون عليها فيما يتعلق بدوره وشروطه ومكوناته. وذلك لأنه ورغم وجود عدد من الكتّاب يعتقد بأن المجتمع المدني ظهر مع ظهور المدينة، إلا أن الغالبية العظمى منهم تميل إلى اعتبار أنه ظهر مع فلاسفة العقد الاجتماعي. وهذا الرأي، وهو ما تميل إليه موسوعة الديمقراطية، يعتبر التجربة التاريخية التي مرت بها المجتمعات الأوروبية في القرنين 17 و18 بمثابة الظهور الأول لمفهوم المجتمع المدني فكان من أهم ما تمخض عن هذه الحقبة الزمنية ظهور نظرية "العقد الاجتماعي" التي لا يزال هناك نوع من الإجماع على أنها أساس نشوء المجتمع المدني. ومن أبرز من أرسى مبادئ هذه النظرية فلاسفة أمثال توماس هوبس Hobbes Thomas(1588- 1679) وجون لوك John Locke (1632- 1704)، وجان جاك روسو Rousseau Jean-Jacques (1712- 1778). والفكرة الرئيسية التي كانت تدور حولها هذه النظرية هي كيفية انتقال المجتمعات من "حالة الطبيعية" إلى "المجتمع السياسي أو المجتمع المدني". ونجد أن المفهوم في تلك المرحلة الزمنية استُخدم لدحض نظرية "الحق الإلهي للملوك" في محاولة لعزل النظام السياسي عن فكرة "الحق الإلهي المقدس" التي أعطت للملوك حكما مطلقا مستمدا من الله، وبذلك جاء منسجما مع حاجات مرحلية تخصّ تطوّر المجتمعات الأوروبية في ذلك الوقت.

الفلاسفة الذين أرسوا نظرية العقد الاجتماعي كان بينهم اختلاف حول كيفية نتيجة هذا العقد أو الذي يطلق عليه "المجتمع المدني". وغالبا ما كانت رؤيتهم له منسجمة مع ظروف المراحل الزمنية التي عاصروها وحاجتها. فالمجتمع المدني بالنسبة لهوبس، والذي يتطابق في تلك المرحلة مع مفهوم المجتمع السياسي، ينتج عن التعاقد بين البشر وليس عن إرادة إلهية، ونظر إلى دوره في حماية الأفراد وتحقيق أمنهم. رؤية هوبس هذه جاءت منسجمة مع حاجة المرحلة التاريخية من أوروبا التي كان يعاصرها لدحض نظرية "الحق الإلهي للملوك" في محاولة لعزل النظام السياسي عن فكرة "الحق الإلهي المقدس"، وللتأكيد على أن مصدر السلطة السياسية ومصدر الشرعية والسيادة في الحكم بشرية (دنيوية) وليست إلهية (دينية). إضافة إلى حاجة الظرف التاريخي الذي كانت تمر به أوروبا من حروب وثورات وتحديدا بريطانيا موطن هوبس.

أما المجتمع المدني بالنسبة للوك فينتج عن التعاقد ويحمي الأفراد وممتلكاتهم وينظمها، ويدافع عن الدولة من العدوان الخارجي في سبيل الصالح العام، وأفضت نتيجة التعاقد الذي تصوره مشرعة للثورة ضد الحكم الاستبدادي. وجاءت رؤيته له منسجمة مع ظروف مرحلية عاصرها، لها علاقة بخصوصية تلك المرحلة التاريخية من أوروبا وتحديدا إنجلترا، فتشريعه حق الشعب بالثورة ومناهضة الحكم المطلق جاء منسجما مع حاجة تلك المرحلة التي تمر بها إنجلترا، فكان لوك من مؤيدي ثورة 1688 وكان من الداعين للتصدي للحكم المطلق بغض النظر عمن يشرع له، بهدف إحداث تغيير في نوع الحكم السائد في ذلك الوقت في إنجلترا؛ وجاءت رؤيته لدور المجتمع المدني بحماية الأفراد والملكية وتنظيمها منسجمة مع ظروف عاصرها في تلك الفترة، حيث كان من مؤيدي للطبقة البرجوازية الصاعدة التي كانت تسعى لبناء سـلطتها ودولتها الجديدة ولتقويض دور الكنيسة التي تحكمت في مختلف مجالات الحياة، وكانت البرجوازية ترفض الحكم الفردي وتدعو إلى حماية الملكية.

بالنسبة لروسو فالمجتمع المدني الناتج عن التعاقد الذي تصوره، يكون له دور في حماية كل القوة المشتركة التي تشكله والمتكونة من اتحاد الأفراد على أساس الحرية والعدالة والمساواة. وعلى ما يبدو فإن رؤية روسو للمجتمع المدني انسجمت مع ظروف الظلم الاجتماعي والاستبداد التي عاصرها والتي كانت سائدة في، فجاءت أفكاره معبرة عن رفضه لهذا الواقع وداعية إلى تغيره.


الجدل حول مقومات وجود المجتمع المدني
يدور جدل كبير بين الكتّاب حول مقومات وجود المجتمع المدني، أي الشروط التي يعتقدون بأنه ينبغي أو لا ينبغي توفرها من أجل اعترافهم بوجوده. وربما يصعب أن نحصر جميع الشروط التي يرى بعض الكتّاب بضرورة توافرها ولا يرى آخرون كذلك، لكننا سنحاول توضيح هذا الجدل من خلال إعطاء بعض الأمثلة التي توضح ذلك.

يختلف الكتّاب حول اشتراطهم الديمقراطية لوجود مجتمع مدني أم لا، حيث توجد وجهة نظر تشترط وجود الديمقراطية من أجل وجود المجتمع المدني، فوجهة النظر هذه لا ترى بأن المجتمع المدني يقود أو يؤدي إلى الديمقراطية بل تجد أنه ينتج عنها ويلعب دورا في تعزيزها، وترى بأنه يكون في "مقابلة أو موازية الدولة"، وبالتالي فهي تعتبر أنه ينبغي تحقيق الديمقراطية أولا من أجل أن ينتج عنها مجتمعا مدنيا. فيما أن وجهة النظر الثانية لا تشترط وجود الديمقراطية من أجل وجود المجتمع المدني. حيث ترى وجهة النظر هذه بأن المجتمع المدني يلعب دورا في التحول الديمقراطي، ويكون "ضد أو في مواجهة الدولة"، وتستدل على صحة رؤيتها بالتجربة البولندية، حيث تعتقد أن المجتمع المدني في بولندا قاد إلى تحول ديمقراطي. وبالتالي فهي لا ترى بأن الديمقراطية شرطا لوجود مجتمع مدني. وجهة النظر الأولى سعت إلى إثبات صحة رؤيتها بأن المجتمع المدني له دور في "التعزيز الديمقراطي" وليس في "التحول الديمقراطي" فاستخدمت المجتمع المدني كي تثبت صحة رؤيتها فاشترطت وجود الديمقراطية لوجوده. فيما أن وجهة النظر الثانية، والتي تلاقت أحيانا مع أهداف بعض الكتّاب لا سيما العرب منهم الذين يسعون إلى التخلص من أنظمتهم السلطوية، سعت إلى إثبات صحة رؤيتها بأن له دورا في التحول الديمقراطي ولم تشترط وجود الديمقراطية لوجوده.

هناك شرط آخر مختلف عليه بين الكتّاب حيث هناك من يرى أن العلمانية شرط لوجود المجتمع المدني لدرجة أن اعتبر بعضهم بأن العلمانية والمجتمع المدني وجهان لعملة واحدة. فيما لا يشترط آخرون ذلك. وغالبا ما يكون أصحاب وجهة النظر الأولى من الكتّاب العلمانيين أو الكتّاب الإسلاميين "الأصوليين" لكن أهداف كل منهم من هذا الشرط مختلفة. الكتاب العلمانيين كانت لهم من هذا الاشتراط أهداف، فأرادوا أن يثبتوا أن المجتمع الإسلامي "تقليدي" وغير مطابق للمجتمع المدني ذلك المفهوم "الحداثي"، وأحيانا أرادوا مواجهة خصومهم الإسلاميين وتحديدا الحركات الإسلامية السياسية، أو لإنقاذ الأمة من السلفيين، وأحيانا أرادوا من هذا الاشتراط الوصول إلى ما حققه الغرب من حريات ومساواة وديمقراطية. حيث هناك من يعتقد أن العرب لن يحققوا ذلك إلا إذا سلك العرب نفس الطريق الذي سلكه الغربيون، لا سيما في يتعلق مع الدين، فاشترطوا هذا الشرط لتحقيق أهدافهم. وكانت أهداف المفكرين الإسلاميين "المتشددين" أو "الأصوليين" من هذا الاشتراط مختلفة عن أهداف العلمانيين، فأرادوا رفض هذا المفهوم الوافد من الغرب الذين اعتبروا بأنه دعاية لمواجهة أفكار الإسلامية السياسية في المجتمع في البلاد، وجزء من الحملة السياسية التي تقوم بها الولايات المتحدة لصبغ العالم بالصبغة الأمريكية وكي يثبتوا صحة رأيهم برفضه من انطلاقات فقهية، اعتبروا أن مصطلح المجتمع المدني جاء ليصف المجتمع وقد أُقْصِيَ عنه الدين وبأنه يتعارض مع الدين الإسلامي وهو غير مقبول إسلاميا من جهة نظرهم، فوضعوا هذا الشرط من أجل الدلالة على صحة رأيهم بضرورة رفض المفهوم. أما الكتّاب الذين لا يشترطون العلمانية للمجتمع المدني غالبا ما تكون أهدافهم التي يسعون إلى تحقيقها من عدم اشتراط العلمانية للمجتمع المدني، لتحسين صورة المجتمع المدني في المجتمعات الإسلامية وكي يثبتوا أن هذا المفهوم لا يتعارض مع الإسلام، وكذلك كي يثبتوا أن المجتمع الإسلامي "غير تقليدي" ومن الممكن أن يتطابق مع مفهوم المجتمع المدني "الحداثي" الوافد من الغرب. ويدافعون عن هذا المفهوم لأنهم يجدون فيه العلاج للمشاكل التي تعاني الأمة الإسلامية وتحديدا العربية منها، مثل السلطوية وغيرها من المشاكل، فوظفوا مفهوم المجتمع المدني لتحقيق أهدافهم.

هناك شرط آخر يتم الخلاف عليه بين الكتّاب، وهذا الشرط غالبا ما يتم الجدل حوله بالنسبة للحالة الفلسطينية وذلك لخصوصيتها لعدم وجود دولة مستقلة بها ووجود سطلة سياسية معترف بها. وهذا الشرط يتعلق بضرورة وجود دولة أم لا. ويتلخص هذا الجدل بوجهة النظر التي تعتقد بأنه لا وجود لما يسمى "مجتمع مدني فلسطيني" في ظل غياب دولة فلسطينية لذلك اشترطت وجود دولة لوجوده. وبين وجهة النظر الثانية التي بوجود "مجتمع مدني فلسطيني" في ظل غياب دولة لذلك فهي لا تشترط وجودها لوجوده. وكان اشتراط أم عدم اشتراط كل من وجهتي النظر لوجود دولة لتحقيق صحة رؤية كل منها.

الجدل حول مكونات المجتمع المدني
كما كان هناك جدل بين الكتّاب حول مقومات المجتمع المدني يوجد جدل آخر حول مكوناته، أي ما هي المكونات التي ينبغي أو لا ينبغي وجودها ضمن المجتمع المدني، ومرة أخرى يصعب حصر جميع المكونات المختلف عليها لكننا سنحاول أن نوضح هذه النقطة الخلافية من خلال بعض الأمثلة.

يعتقد بعض الكتّاب بأن السوق ينبغي أن يكون من مكونات المجتمع المدني فيما يرى آخرون بأنه لا ينبغي أن يكون من ضمن مكوناته. وتستخدم كل من وجهتي النظر هذا الشرط بناء على ما يحقق أهدافها، ويثبت صحة رؤيتها. فوجهة النظر التي ترى بأن السوق ينبغي أن يتم تضمينه إلى المجتمع المدني ترى يعمل على حماية المجتمع المدني من انتهاكات الدولة ويحمي كذلك استقلاليته، وأن اقتصاد السوق أصبح القوة المحركة لظهوره، فيتم الاعتبار في بعض الأحيان أن الرأسمالية من شروط وجوده. فيما أن وجهة النظر التي تستثني السوق من مكونات المجتمع المدني ترى بأن المجتمع المدني يحتاج إلى حماية من تدخلات السوق، وأن علاقات السوق يمكن أن تكون مدمرة على مصادر التضامن الضرورية لوجود الحياة التجمعية ويحد من الاستقلالية والتوازن التي تتمنى التجمعات المدنية أن تحميها، ومن الممكن أن تهدد تجزئة العلاقات الاجتماعية الموجودة ضمنه، حيث ترى أن السوق يمكن أن يضع الأسس للاستبداد. تلاقت وجهة النظر التي ترى بأن السوق يجب تضمينه للمجتمع المدني مع أهداف بعض الكتّاب لا سيما المؤمنون بالسوق الحرة الذين يدعون إلى الحد من تدخل الدولة في المجتمع والاقتصاد، فاستخدموا المجتمع المدني لتحقيق أهدافهم من أجل حماية الحقوق الفردية، وتحديدا حقوق الملكية. فيما تلاقت وجهة النظر التي تستثني السوق من المجتمع المدني مع أهداف بعض الكتّاب لا سيما المؤمنون بتدخل الدولة في كل من المجتمع والاقتصاد لتخوفهم من تحكم السوق بالمجتمع، فاستخدموا المجتمع المدني لتحقيق أهدافهم.

هناك جدل آخر حول اعتبار الأحزاب السياسية من مكونات المجتمع المدني أم لا وتعتبر وجهة النظر التي ترى أن الأحزاب من مكونات المجتمع المدني أن هذه الأحزاب هي الأكثر فعالية وتنظيماً للمجتمع والأكثر تعبيراً عن مطالبه في مواجهة السلطة، كما ترى أن قوّة المجتمع المدني من ناحية قدرته للحد من سلطة الحكومة وتأثيره على السياسة يستمد نفوذه من وجود حيوية ودينامية أحزاب المعارضة. وكثيرا ما يعوّل أصحاب وجهة النظر هذه على دور الأحزاب في التحول الديمقراطي لا سيما في المجتمعات السلطوية، لذا يعتبرون أن الأحزاب من مكونات المجتمع المدني كي يحققوا أهدافهم. فيما أن وجهة النظر التي تستثني الأحزاب من المجتمع المدني تبدي قلقها أن يؤدي تضمين الأحزاب إلى المجتمع المدني، إلى "تشريع" مستتر لهيمنة "السياسي" على "المدني" وانتفاء إمكانية التفريق بينهما. والاستحواذ على مصادر القوة والنفوذ لا سيما بالنسبة لحزب السلطة بحيث لا تتمكن منظمات المجتمع المدني على مضاهاته في الإمكانيات. والتخوف من أن يبسط حزب السلطة سطوته على منظماته، وأن يستحوذ على معظم مساحته. والتخوف من الإلحاق الطوعي أو القسري لمختلف المنظمات "المدنية" بالأحزاب السياسية بحيث يصبح المجتمع المدني مجتمعا سياسيا لا يشكّل حاجزا بين الفرد والدولة، وإنما يكون الامتداد الطبيعي لسلطتها وسطوتها، وكذلك ترى وجهة النظر هذه أن الأحزاب تسعى للسلطة وهي بدورها بين لحظة وأخرى قد تصبح الدولة وصانعة القرار الذي لابد أن يحاول المجتمع المدني التأثير عليه، لذلك تدافع عن استثناء الأحزاب من المجتمع المدني.

كما يوجد جدل حول اعتبار المكونات الإرثية والعشائرية من مكونات المجتمع المدني أم لا، ونشهد هذا النوع من الجدل في الوطن العربي لخصوصية تركيبة المجتمع العربي المختلفة عن غيرها من المجتمعات. ويتراوح هذا النوع من الجدل بين وجهتي النظر التي تعتبر أن الجمعيات الإرثية تشكل إحدى مكونات المجتمع المدني، والثانية التي تعتبر بأنها لا تشكّل إحدى مكوناته. فبينما تجد وجهة النظر المدافعة عن اعتبار المكونات الإرثية من المجتمع المدني بأن هذه المكونات تشكل جزءا هاما من المجتمع ولا ينبغي استثناءها لما قد تشكله من قوة رادعة لكي لا تقع التجاوزات على حقوق الآخرين. تعتبر وجهة النظر الثانية أن إمكانية تضمينها للمجتمع المدني يحول دون إيجاد النظام الديمقراطي وتعزيزه، ولما يمكن أن تكرسه من النزعة التقليدية داخل هذا المجتمع التي من شأنها عرقلة عملية انبثاق المنظمات "المدنية" وتقليص من فاعلية الموجود منها، وكذلك لاعتبارهم بأنه وفي حال تضمين المكونات الإرثية والعشائرية لن يكون هناك أي تمييز بين المجتمع والمجتمع المدني لأن انضمامها سيجعل من عناصر المجتمع المدني تبدو مطابقة مع عناصر المجتمع. وتعتبر أن المجتمع المدني يرتكز على العلاقات الطوعية، ولا يرتكز على علاقات إرثية مفروضة على الفرد ليست من اختياره، بفعل روابط وعصبويات يجد نفسه مرتبطا بها بحكم المولد، كتلك القائمة على الدم والعرق والدين واللغة. بينما أن "المجتمع المدني" يرتكز على علاقات طوعية فهذا الرأي يستثني المكونات الإرثية لأنه يرغب بمجتمع "حديث" أو "عصري" ولا يرغب "تقليدي". وعلى هذا الأساس نجد هناك من يميز بين مصطلح المجتمع المدني الذي لا يضم في تركبيته المكونات الإرثية والعشائرية وبين مصطلح "المجتمع الأهلي" الذي يعتبر بأنه يضم المكونات الإرثية.

إضافة لذلك يوجد جدول حول المنظمات غير الحكومية، فهناك من ينظر إليها على أنها إحدى مكونات المجتمع المدني كباقي المكونات، وأحيانا ينظر إليها على أنها أهم مكوناته، وأحيانا يتم التعامل معها على أن المجتمع المدني يقتصر عليها. وتختلف رؤية كل من هؤلاء للمنظمات غير الحكومية باختلاف المشاريع والأهداف التي يسعى إلى تحقيقها الكتّاب أو الحكومات.

اختلاف الكتّاب حول دور المجتمع المدني
يختلف الكتّاب حول الدور الذي يعتقدون أن المجتمع ينبغي أو لا ينبغي أن يقوم به، والدور الذي يفترض الكاتب أن المجتمع المدني ينبغي أو لا ينبغي أن يقوم به يعتمد أساسا على أهداف الكاتب. وبتعدد أهداف الكتّاب وربما أحيانا الحكومات والساسة، تتعدد استخدامات المجتمع المدني ودوره. ويصعب علينا أن نحصي جميع الأدوار التي يتم الجدل عليها، لكننا سنعطي مثالا يوضح كيفية اختلاف الكتّاب في رؤيتهم لدور المجتمع المدني. فالكتّاب الذين يسعون إلى التحول الديمقراطي باستخدام المجتمع المدني فيعتقدون أن له دورا في التحول الديمقراطي, فيما أن الكتّاب الذي يرون أن دور المجتمع المدني يكمن في التعزيز الديمقراطي فإنهم يرون بأن المجتمع المدني ليس لا دورا في التحول الديمقراطي وإنما في التعزيز. كما أن المناهضين للعولمة يرون أن للمجتمع المدني دورا في محاربتها فيما أن المدافعون عن العولمة لا يرون ذلك.

نتيجة اختلاف الكتّاب حول مقومات المجتمع المدني ومكوناته ودوره نجد أن الكتّاب يختلفون في تعريفهم للمجتمع المدني، وبذلك فإن الكتّاب لا يستندون في تعريفاتهم له وتحديد شروطه ومكوناته ودوره إلى وصف لنوع خاص من التركيب المجتمعي القائم، أو لنمط محدد لسلوك مجتمعي متفق عليه، وإنما يقومون بعملية "معيارية" انتقائية يقررون على أساسها ما ينبغي وما لا ينبغي أن يكون عليه المفهوم بما يحقق أهدافهم.



#نادية_أبو_زاهر (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- مفوض الأمم المتحدة لحقوق الإنسان: أعداد الشهداء بين الأبرياء ...
- لازاريني: 160 من مقار الأونروا في غزة دمرت بشكل كامل
- السفارة الروسية لدى واشنطن: تقرير واشنطن حول حقوق الإنسان مح ...
- غرق وفقدان العشرات من المهاجرين قبالة سواحل تونس وجيبوتي
- مصر وأيرلندا: غزة تعاني المجاعة وغير قابلة للعيش
- رئيس لجنة الميثاق العربي لحقوق الإنسان يندد بالإبادة الجماعي ...
- البرلمان البريطاني يقر قانونا مثيرا للجدل لترحيل طالبي اللجو ...
- -طعنها بآلة حادة-.. داخلية السعودية تعلن إعدام الرويلي بعد إ ...
- انتشال 19 جثة لمهاجرين غرقى بسواحل صفاقس التونسية
- غارتان إسرائيليتان تستهدفان خيام النازحين في حي زعرب برفح


المزيد.....

- أية رسالة للتنشيط السوسيوثقافي في تكوين شخصية المرء -الأطفال ... / موافق محمد
- بيداغوجيا البُرْهانِ فِي فَضاءِ الثَوْرَةِ الرَقْمِيَّةِ / علي أسعد وطفة
- مأزق الحريات الأكاديمية في الجامعات العربية: مقاربة نقدية / علي أسعد وطفة
- العدوانية الإنسانية في سيكولوجيا فرويد / علي أسعد وطفة
- الاتصالات الخاصة بالراديو البحري باللغتين العربية والانكليزي ... / محمد عبد الكريم يوسف
- التونسيات واستفتاء 25 جويلية :2022 إلى المقاطعة لا مصلحة للن ... / حمه الهمامي
- تحليل الاستغلال بين العمل الشاق والتطفل الضار / زهير الخويلدي
- منظمات المجتمع المدني في سوريا بعد العام 2011 .. سياسة اللاس ... / رامي نصرالله
- من أجل السلام الدائم، عمونيال كانط / زهير الخويلدي
- فراعنة فى الدنمارك / محيى الدين غريب


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - نادية أبو زاهر - غموض مفهوم -المجتمع المدني- ونظرة سريعة حول -زئبقيته-