أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - علاء اللامي - مغامرة التأسيس والريادة في رواية السيرة العراقية : في مواجهة شرطة الأدب والسياسة















المزيد.....

مغامرة التأسيس والريادة في رواية السيرة العراقية : في مواجهة شرطة الأدب والسياسة


علاء اللامي

الحوار المتمدن-العدد: 101 - 2002 / 3 / 26 - 21:54
المحور: الادب والفن
    



إذا كانت مغامرة التأسيس لرواية السيرة الذاتية في المغرب قد أوصلت محمد شكري صاحب رواية " الخبز الحافي " الى المصحة العقلية والتفكير بالانتحار فإن الثمن الذي يراد للروائي العراقي حمزة الحسن أن يدفعه سيتجاوز كثيرا ما دفعه زميله المغربي . فمنذ أن شرع الحسن بإصدار سلسلة رواياته التي بلغت اليوم أربعا وهو يتعرض للكثير من مظاهر التضييق والتهديد والتعتيم والاغتيال الأدبي بلغت ذروتها حين دعا كاتب عراقي علنا وعلى صفحات إحدى الجرائد العراقية المعارضة الى محاكمته مستقبلا في العراق " الديموقراطي !" بسبب ما كتبه في روايته " سنوات الحريق " . وقد رد الحسن بمرارة وسخرية على هذه الدعوة بأن قال ( هل تعلمون لماذا يدعون الى محاكمتي في العراق وليس في " النرويج " وهو البلد الذي أقيم فيه الآن ؟ السبب هو عدم وجود عقوبة الإعدام والمشانق في النرويج فيالهم من ديموقراطيين !)
غير أن الحسن يواصل مشروعه الريادي الطموح في الإبداع التأسيسي لرواية السيرة الذاتية الذهنية ، عارفا بأنه ينطلق من الصفر عراقيا و أن بانتظاره الكثير في درب الآلام خاصته .وبمناسبة صدور روايته الجديدة (عزلة أورستا / سرقوا الوطن سرقوا المنفى ) هذه مقاربة نقدية وتعريفية بالكاتب والكتاب .
في هذه الرواية يواصل الحسن بناء نصه السردي على أساس الركائز والخطوط العريضة الحكائية والزمنية والمضمونية التي اعتمدها أو متح منها ماء كثيرا في رواياته السابقة وهي على التوالي :
-سنوات الحريق .
-الأعزل .
-المختفي .
وقبل أن نقدم مقاربة تعريفية نقدية لروايته الجديدة لا بأس من تقديم العرض الوجيز التالي لأنواع السرد الروائي السيري لفائدة القارئ مستفيدين من نصوص نقدية للكاتب نفسه والذي هو بالمناسبة ناقد ومثقف موسوعي في الأدب الحديث عموما والسيموطيقيا وعلوم السرد الأخرى تحديدا إضافة الى تمكنه من التراث الأدبي العربي الكلاسيكي .
ظلت كتب السيرة الذاتية والمذكرات الشخصية ، ولزمن طويل ، تحتفظ لنفسها بمسافة معينة من الرواية كجنس أدبي أوروبي بامتياز وفق القولة الشهيرة لإنجلز ( الرواية هي ملحمة البرجوازية الأوروبية الصاعدة ) وربما استقرت على نوع من الاستقلال النوعي الذي قد نجد مثيله في أدب الرحلات ، ولكن هذا الاستقلال تلاشى تدريجيا و لكن بحسم ، حين بدأت السيرة الذاتية بالابتعاد عن نوعية السرد والنثر في المذكرات الشخصية، و طفقت تقترب من الرواية الأدبية التقليدية ؛ وقد بلغ هذا المنحى ذروته قبل قليل من اندلاع الحرب الغربية " العالمية الثانية " مع سلسلة روايات الكاتب الأمريكي الجنسية والأوروبي الإقامة هنري ميلر المفعمة بانشغالات جمالية وإيروتيكية صادمة والتي لم تأخذ بالانتشار إلا مع قدوم الجنود الأمريكان الى أوربا حيث كان يقيم ميلر . ومن أشهر روايات ميلر " مدار السرطان " و " مدار الجدي " و" عملاق ماروسي " و " الربيع الأسود " .. الخ .
عربيا ، لم تتبلور الرواية السيرية الذاتية كجنس أدبي مستقل ضمن الرواية إلا في عقد الثمانينات من القرن المنصرم ، ويمكن التأشير على عدة أسماء ريادية من مثل توفيق يوسف عواد في روايته ( حصاد العمر) سنة 1984 والمصري رؤوف مسعد في ( بيضة النعامة ) أما رواية شكري التي سلف ذكرها فقد صدرت باللغة العربية سنة 1981 و سرعان ما منعت من التداول ولكنها كانت قد ترجمت الى الإنجليزية وصدرت بتلك اللغة قبل تلك السنة وبعدها ترجمت الى الفرنسية واليابانية واللغات الحية الأخرى و لم يرفع المنع عنها في بلد الكاتب إلا قبل أعوام قليلة فقط .
ويمكن تقنين ثلاثة أنواع من هذا الجنس النثري السردي من حيث مكوناته الداخلية وتقنياته التنفيذية ومواقعه المعيارية القيمية :
النوع الأول وهو الأقدم والأشهر وهو "السيرة الذاتية" التقليدية ويعتمد كاتبها بشكل رئيس على الذاكرة والوثيقة المادية والتأرخة الدقيقة ومن أنواع الوثائق المستعملة : اليوميات والرسائل والصور الفوتوغرافية وأشرطة الفيديو والشهادات والبيانات والتقارير الرسمية وغير الرسمية ولا يلجأ الكاتب الى تقنيات الروائية التقليدية إلا في حدود ضيقة جدا . و أما القيمة المعيارية لهذا النوع من النثر فتكمن في دقة أو عدم دقة وصحة أو عدم صحة وثائقيته .
النوع الثاني وهو"الرواية السيرية الذاتية " وفيها يلجأ الكاتب الى تقنيات التوثيق السيري كما عرفناها في النوع الأول ولكن ليس بشكل طاغ ورئيسي وهو أيضا يستعمل الطرائق والتقنيات المستعملة في الرواية التقليدية أو رواية النص الجديد " المفتوح " حيث نجد الأساليب الوصفية والاسترجاع والبوح العادي والآخر الهذياني والحلم والفانتازيا وهذا النوع من النثر قيمته المعيارية في خياليته المبدعة وليس في صدقيته الوثائقية أو عدمها .
النوع الثالث و هو ما يدعوه الحسن في أحد نصوصه النقدية " السيرة الذهنية ". وهذا النوع كما يصفه الحسن في اقتباس دقيق عن الفرنسي فيليب لوجون في كتابه ( السيرة الذاتية : الميثاق والتاريخ الأدبي ) هو مزيج من النوعين الآنفين ( يستفيد كثيرا من النوعين السابقين وينفرد عنهما في خصوصية "الرؤية / الرؤيا " ) . وعلى سبيل شرعنة وترسيم اسم هذا النوع بالسيرة الذهنية كما يبدو يضيف الحسن قائلا في تعريفه السابق ( وقد نعيش معا أنا وأنت حادثة محددة ولكني أرويها بطريقة مختلفة عنك أي أن انعكاسها الذهني جاء بصورة أخرى. ) غير أنني لا أجد الاسم مناسبا كفاية خشية اختلاطه بنوع آخر من مذكرات وسير الفلاسفة والعلماء ذات المضامين الذهنية والبعيدة كل البعد عما يدور عنه الحديث الآن . وعلى أي حال سنأخذ مؤقتا بهذا الاسم ريثما يتم التوصل والاتفاق في الساحة النقدية على اسم أكثر كفاءة وتعبيرا عن المعنى المراد .
ويمكننا اعتبار روايات البرتغالي ساراماغو السيرية المنسوبة نقديا الى روايات السخرية السوداء نوعا مستقلا قائما بذاته فهذا الكاتب لا يهتم فيه إلا جزئيا جدا بتفاصيل حياته الشخصية ويعطي الأولوية للحياة العامة التي تشمل تفاصيل سلوك وفكر و مشاعر الآخرين .إضافة الى إنه لا يهتم في قليل أو كثير بالجانب التقني البحت للكتابة كعلامات الترقيم وشكل الجملة والفقرة ..الخ.
تصنف رواية حمزة الحسن " عزلة أورستا/ سرقوا الوطن سرقوا المنفى " وأورستا اسم المدينة الساحلية النرويجية التي يقيم بها الكاتب منذ سنة 1991 الى النوع الثالث أي " الرواية السيرية الذهنية " هذا لناحية التصنيف المحض تقني أما من الناحية البنائية والتاريخية النمطية فهي تنتمي وبقوة الى النص الروائي الجديد والقائم على مفهوم " اللعب " . والكاتب ملم جيدا بدقائق هذا النوع السردي فهو يقول في نص نقدي له بعنوان ( أخلاقيات الشكل ) أن ( اللعب في النص الروائي الجديد مفهوم جوهري وأساسي ، كالخلخلة والرمز والافتتان والفضاء والتعدد ، لأن اللعب هو نقيض الرصانة . الرصانة الروائية هي شكل تاريخي لمرحلة من الحضارة ومن الإيقاع السائد القديم . وإذا كانت الحياة نفسها قد تغيرت في كل أشكالها حتى أكثرها ثباتا ورسوخا كعادات التفكير وأنظمة القيم والعلوم والرياضيات والعقائد بما في ذلك أكثرها ذهنية وشكلية كالموسيقى – وحتى الموسيقى الكنسية منها –والسينما وغيرها ، فلماذا لا يحق للروائي الجديد أن ينظر بعين مختلفة وينتج خطابا روائيا مختلفا ؟ ) سنحاول في هذه المقاربة التعريفية بالدرجة الأولى والنقدية بالدرجة الثانية معرفة المدى الذي يمكن الركون إليه في اعتبار الرواية موضوع هذه البسطة إجابة تطبيقية على السؤال الذي طرحة الروائي كناقد ؟
سرديا تنفتح جغرافية الرواية في صفحاتها الأولى على مشاهد الثلج النرويجي الهاطل بغزارة ولكنها تنطوي على مشهدية أصغر تطل من شاشة التلفزيون الذي ُيعرض على شاشته فيلم وثائقي عن مجازر حرب الثماني سنوات بين العراق وإيران التي ساهم فيها الكاتب مرغما كمقاتل في الخطوط الأولى من بدايتها الى نهاياتها . هذه البداية المزدوجة والحاوية لتاريخين " زمانين " وجغرافيتين " مكانين " ستواصل وسم النص الروائي بتخطيطها حتى نهايته . وفي أحيان معينة، تتشعب وتتضاعف وتتحول الى نكوص زمني يطال أحيانا سنوات الأربعين وخصوصا في لقاء الراوي بالعجوز اليهودي العراقي " شاؤل " المقتلع من وطنه بقوة المشروع الصهيوني .ومن المتسق والمعهود أن يدور الكلام عن بنية روائية متداخلة أو عنقودية من حيث التزمين والتأرخة غير أن في ذلك تبسيط واستسهال كبيرين للأمر فالواقع أن ثمة هندسة متقنة ينطوي عليها النص الروائي ولكنها أقرب الى التلقائية وعفوية الانبجاس منها الى التخطيط المسبق والمعقد بافتعال . هذا هو السبب الذي يفسر لنا انسيابية وطلاقة الانتقالات المدهشة من زمن الى آخر ومن حادثة الى أخرى ومن مشهد الى آخر دون أن نشعر بأية رجة أو صدمة وهو الأمر الذي ينسحب على هذه الرواية كما على الثلاث السابقات للكاتب .
ومع أن الانشغال الأكبر الذي يوحي به العنوان يتركز على حاضر العزلة التي يعيشها الراوي - مع الإشارة الى التفريق المهم الذي نأخذ به بين الراوي والروائي - في أورستا وهو التفريق المحيل مباشرة الى تفاصيل سرقة المنفى من قبل اللصوص أنفسهم الذين سرقوا الوطن فإن انشغالات قديمة وأخرى أحدث منها تندرج ضمن النص والمعالجة التفكيكية . هذا ما يجعلنا لا نشعر بأيما غربة في أجواء الكتاب الجديد والذي يشكل على الرغم من كل محاولات الراوي التأكيد وتسليط الكمية الأسطع من ضوء نثره على انشغالات وتفاصيل " أورستا " استمرارا ونموا طبيعيا للنص الأكبر الذي توزعته الروايات الثلاث السابقة .
لا نريد تقديم هيكل مضموني أو حدثي للرواية فهذه تقنية نقدية تقليدية لا تفيدنا شيئا في مقاربة الأعمال المنتمية بقوة وعمق الى "النص الجديد" خصوصا ، بل نريد رسم مجموعة من الدوائر التحليلية لتقديم المقاربة التعريفية التي وعدنا بها في مبتدأ الحديث . ومع أن الرواية تبدو للقارئ في الوهلة الأولى وكأنها منكفئة على نفسها ، لا تقدم أو تشير الى أي مفتاح يفتح مغاليق نصها الموزع الى ما يشبه الفصول غير المعنونة والمحكومة في بدئها وإنهائها بحساسية وحاجة البنية الداخلية للراوي ومحاولاته تنظيم قطع حياة الروائي بشكل يجمع بين مبدأ " اللعب " في وبالنص وبين طرائق وتقنيات الروائي المسقطة على النص الأول أي على الرواية كمادة خام في الوعي والذاكرة والحلم ، مع أن الشعور بذلك العماء وانعدام المفاتيح يتفاقم حين نلاحظ أن الرواية التي تقع في أكثر من 270 صفحة تتألف من فصلين أو فصين يمتد الأول على تسعين صفحة أما الثاني فيستغرق ما تبقى من صفحات ولكن هذين الكيانين يحتويان على عشرات الفقرات والمكونات الداخلية المنضودة بخفة ومهارة توفر ما سبق وأن أشرنا إليه من سلاسة وانسيابية في فعل الحكي والتقنية السردية فتنكشف لنا الرواية التي كانت صماء منكفئة متى ما ولجنا أجواءها كأسهل وأبهى ما تكون بناء و تزمنينا وتأثيثا جغرافيا ومكانيا .
ومن المغري الإشارة الى الببليوغرافيا الشخصية القصيرة التي نشرها الكاتب على الغلاف الخلفي للكتاب فهي تشكل على قلة مفرداتها واحدا من أهم المفاتيح لكتلة الرواية كما لكل المنجز الروائي الذي أبدعه حمزة الحسن حتى الآن والتي تخبرنا بأنه سجن في العراق عدة مرات منها مرة سنة 1970 وأخرى سنة 1979 ثم فصل من عمله الصحافي بعد عام واحد هو كل حياته المهنية كما يقول . هرب من العراق الى إيران خلال حرب الثماني سنوات التي تعرض فيها للموت مرات عديدة . سجن لمدة عام في إيران ثم هرب من إيران الى الباكستان سنة 1989 فسجن في هذه الأخيرة حتى أطلق سراحه في سنة 1990 رحل بعدها الى النرويج . ويمكن لنا أن نضيف الى هذه السيرة المغمسة بالدم واللوعة والعرق والرعب أجزاء وعناوين أخرى نجد تفاصيلها في روايات الكاتب ولكننا مع ذلك ، وهذا ما قد يفاجئ القارئ لا نقف إلا نادرا على تفاصيل ووصفيات عريضة ومسحية لحياة الراوي الذي توحد هنا فقط بالروائي فصارا شخصا واحدا ولكن الى حين . فلاوجود لوصف دقيق مثلا له وهو يعبر المرتفعات الحدودية مع رفاقه جائعا مرتجفا من البرد والرعب والشعور بالخذلان وأيضا بروح الفوز بالكرامة الإنسانية والحرية التي أصبح لها مذاق الرمح الصقيل المندفع بين الثديين .
وضمن السياق التعريفي بهذه الرواية تنبغي الإشارة الى تعمد خلط الحادثة الواقعية بالمتخيلة أو البناء على المتخيل ما هو حادث فعلا وواقعا أو العكس فالكاتب مثلا يوقظ الروائي غائب طعمة فرمان من موته ويرسله للانتظار في محطة قطار نائية مع علمه بأنه توفي قبل عدة سنوات . هذا ما جعل بعض الذين أقحموا أنفسهم في ميدان الأدب وهم الى ميدان سباقات الخيل أقرب أو أولئك الذين انتقلوا برشاقة يحسدون عليها من خانة الشرطة السرية الى منصة النقد الأدبي يتهمون الكاتب بالتزوير والغش والجهل بتاريخ بلاده لسبب بسيط هو أنهم لا يعرفون شيئا عن النص الجديد والرواية السيرية الذاتية وقد اعترف أحد هؤلاء " الشرطة " في مقالة نشرت له في إحدى الصحف العربية الواسعة الانتشار أن ما يكتبه حمزة الحسن ذكره بالتقارير السرية التي كان يطلع عليها خلال الحرب العراقية الإيرانية !! وقد اتهمه أخر ذات مرة بأنه تعمد أن يفضح مومسا اسمها شكرية العطار مع أن هذه المومس شخصية خيالية تماما وزعم آخر إن الكاتب مشوش ومضطرب لأن السيد الزاعم لم يسمع في حياته شيئا عن الرؤية والرؤيا وعن تفجير اللغة داخليا والتصرف العمدي بسياقات السرد . لقد بلغ حمزة الحسن ذروة أسلوبيته في مفهوم اللعب خصوصا حين ترك أحد أبطال روايته وهو يوسف البابلي نائما وذهب لشراء بعض اللوازم من محل قريب وفي الطريق يلتقي بصديقه الكاتب النرويجي بيتر بريست ويخبره أثناء الحوار انه ترك بطله نائما وهو لا يعرف الخطوة التالية .. فيقترح عليه بيتر : اسمع . دعه يذهب الى اسبانيا أو اليونان فيسأله الراوي والروائي معا
- في الرواية أم في الواقع ؟ ثم يضيف : أنا لم يعد يهمني الواقع . أتحدث معك عن الرواية ,ص167 إن الغضب البالغ ذروة البذاءة الذي تسبب ويتسبب به نثر حمزة الحسن لا يكمن في شكليات النص الفنية بل عميقا في أسلوبيته الشجاعة المدمرة والفاضحة لمادته التي يشتغل عليها وهي مادة الماضي والحاضر التاريخي والسياسي والمجتمعي في العراق . إنه يفكك وينزع مكونات فسيفساء الزيف والانحطاط والكذب ويطرح تلك المكونات أحيانا وهي بكامل ألوانها وأوسمتها الحكومية أو الحزبية المعارضة وأسمائها الحقيقية راشا عليها أملاح الخيال وقطع التوثيق المرادفة شديدة الحياد والدقة .
ملاحظة أخيرة وتتعلق بالبعد الإيروتيكي في هذا العمل فالملاحظ أن المرأة التي كان لها مساحة مهمة ورئيسية في روايات الكاتب السابقة بدت محشورة حشرا هنا وأقرب الى الوجود التكميلي ولكن التناول لمشمولات العلاقة الجنسية ظل كما عهدناه نظيفا منعشا بعيدا عن مناخات الرطوبة والعتمة والتفجرات المفتعلة لفعل الممارسة الجنسية ذات النمط الفضائحي والإباحي كما شهدناها في روايات هنري ميلر وأيضا في "الخبز الحافي" لشكري . أما في "عزلة أورستا" وأيضا في "سنوات الحريق" و"الأعزل" فالإيروتيك هو أقرب الى النوع البوحي التطهيري المفعم بالشعرية الطاغية ذات العطر الرومانسي منه الى النوع الإباحي المتهتك ذي الخلفية الفضائحية والمفتعلة . والواقع فإن الجرعات العراقية المركزة من الحزن والخيبة والانكسار التي تلف الرواية ستجعل أي مذاق آخر للحب الحسي والممارسة الجنسية مفتعلا وكاذبا إن لم يكن بالشكل الذي قدمه الحسن وفي هذا دليل على صدقية الضرورة الداخلية التي يتشكل بمقتضاها النص وعلى الضد أحيانا من نزوع الكاتب الاحترافي أو تركيبه النفساني .
مع رواية " عزلة أورستا " تدخل المغامرة التأسيسية والريادية للكاتب العراقي حمزة الحسن منطقة الأرض الصلبة الراسخة دون أن يعني ذلك أن حقل الألغام قد صار خلفه تماما ولكن الأكيد هو أن الجزء المتبقي من المشوار أصبح سالكا أمام زملائه الكتاب الذين سيغريهم الألق اللذيذ القادم من نصل هذا الخيار الإبداعي الجديد على القلم العراقي .
جنيف 16/2/2002



#علاء_اللامي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- من "ورقة الأمير فهد " الى " تصريحات الأمير عبد الله "
- خطاب العقيد القذافي الأخير :لا جديد تحت شمس العقيد !
- مناقشة لآراء " غراهام فولر" حول نهاية النظام العراقي
- الإسلام السياسي وإشكاليات الديموقراطية السياسية المعاصرة
- - بغدادُ ترتقي الجُلجُلة- فصلان من مسرحية عراقية جديدة عن ال ...
- لغة التعميمات سلاح ذو حدين
- قراءة في نداء حركة المجتمع المدني العراقي
- التوازن الهشّ بين اليسار الجذري واليمين الليبرالي
- حول الأسس الفلسفية لسياسات العولمة


المزيد.....




- إلغاء حفل النجمة الروسية -السوبرانو- آنا نيتريبكو بسبب -مؤتم ...
- الغاوون.قصيدة مهداة الى الشعب الفلسطينى بعنوان (مصاصين الدم) ...
- حضور وازن للتراث الموسيقي الإفريقي والعربي في مهرجان -كناوة- ...
- رواية -سماء القدس السابعة-.. المكان بوصفه حكايات متوالدة بلا ...
- فنانون إسرائيليون يرفضون جنون القتل في غزة
- “شاهد قبل أي حد أهم الأحداث المثيرة” من مسلسل طائر الرفراف ا ...
- تطهير المصطلحات.. في قاموس الشأن الفلسطيني!
- رحيل -الترجمان الثقافي-.. أبرز إصدارات الناشر السعودي يوسف ا ...
- “فرح عيالك ونزلها خليهم يزقططوا” .. تردد قناة طيور الجنة بيب ...
- إنتفاضة طلاب جامعات-أمريكا والعالم-تهدم الرواية الإسرائيلية ...


المزيد.....

- السلام على محمود درويش " شعر" / محمود شاهين
- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - علاء اللامي - مغامرة التأسيس والريادة في رواية السيرة العراقية : في مواجهة شرطة الأدب والسياسة