أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق - علاء اللامي - مناقشة لآراء " غراهام فولر" حول نهاية النظام العراقي















المزيد.....



مناقشة لآراء " غراهام فولر" حول نهاية النظام العراقي


علاء اللامي

الحوار المتمدن-العدد: 82 - 2002 / 3 / 6 - 20:37
المحور: اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
    




مناقشة لآراء " غراهام فولر" حول نهاية النظام العراقي :
العدوان القادم على العراق وثوابت الموقف المبدئي المعارض للنظام .


ماذا لو أسقطت أمريكا النظام العراقي فعلا ؟ يبدو أن المعارضين العراقيين التقليديين ، و لطول ما لاكوا كلاما عن موضوعة "إسقاط النظام" لسنوات خلت ، نسوا تماما هذه المرة ،وفي أجواء ترقب وتوقع عدوان جديد على بلادهم ، أن يطرحوا على أنفسهم هذا السؤال البرنامجي الممكن والضروري وغير المعقد : ماذا لو أسقطت الولايات المتحدة النظام الشمولي القائم في العراق ؟ وهل ستفعل ذلك ،إنْ هي فعلت ، من أجل سواد عيون الشعب العراقي ؟ قد يرد بعض المعتزين والفخورين بذكائهم على السؤال الأول بالقول: إن أمريكا لن تسقط النظام لأنها لم تفعل ذلك في ما مضى ! وقد يرد الأشد ذكاء منهم بالقول : أن المهم في الأمر ليس هدف أمريكا من إسقاط النظام ( حتى لو كان احتلال العراق ؟) بل هو إسقاط النظام ! وبانتظار أن يستثمر هؤلاء الناس ذكاءهم في مشاريع أكثر تفاؤلا ، سنحاول النظر الى الموضوع من زاوية مختلفة وجديدة بعض الشيء ولن تكتفي باستعمال اللونين الأبيض والأسود ( تسقط النظام ، لا تسقطه .) وإنما تحاول أن تجوس المفازات بينهما :

- لماذا غراهام فولر ؟
يمكن الاعتقاد وبثقة أن الناس حين تغرق في لجة اليأس والقنوط تفقد إيمانها بالمعجزات وخاصة إذا كانت من النوع الأمريكي . ويأس العراقيين من إنهاء الدكتاتورية أو ما يصر الخطاب السياسي ذو القشرة الرديكالية على تسميته " سقوط أو إسقاط النظام " له حزمتان من الأسباب. الحزمة الأولى داخلية ،عراقية ، يتداخل فيها ما هو موضوعي بما هو ذاتي ، وما هو تاريخي و راسخ بما هو طارئ و مفتعل ومستنبت . أما الحزمة الثانية فتنتمي الى طبيعة الوضع العالمي الذي وجد العراق والعراقيون أنفسهم وبلدهم و دولتهم ،التي لم تكن قط دولتهم بالمعنى الاجتماعي التاريخي، فيه . وبعبارة أخرى ففي هذه الحزمة من الأسباب، ستهيمن تلك المتعلقة بالقوى الغربية التي خاصمت وناهضت المشروع الاستقلالي منذ بدايات الحركة الاستقلالية التحررية العراقية في بدايات القرن الماضي ، وحاولت جعل العراق تابعا و امتدادا غربيا آخر أسوة بالامتدادات المحيطة به . وهكذا يمكن للمتفحص أن يرى تشابها في العمق بين المحاولة الغربية والبريطانية تحديدا لاستيلاد الحكم الملكي الهاشمي من حطام وجماجم ثوار وضحيا ثورة العشرين، وبين المساهمة الفعلية في تسهيل في وصول النظام الشمولي القائم حاليا الى السلطة بواسطة قطار " النايف والداود " . ولنا عودة بعد حين لإلقاء نظرة أخرى أكثر قربا على هذا المفصل من الموضوع ، ولكننا الآن نتعرض بالتحليل والنقد لوجهة نظر أمريكية عبر عنها "غراهام فولر" ونشرت على الموقع الإلكتروني لإحدى القنوات الفضائية العربية ( قناة الجزيرة القطرية) تحت عنوان : العام الأخير لنظام صدام حسين ؟! وعلامة الاستفهام والتعجب اللتان وضعهما " فولر " تعيدان صياغة العنوان أو تكملانه ليكون : هل هو العام الأخير لنظام صدام حسين في العراق ؟! وللتعريف بالسيد " فولر " يقول ناشرو مقالته أنه ( كاتب مستقل ،ومستشار سياسي لدى مؤسسة "راند " بواشنطن ، وقد عمل كدبلوماسي أمريكي في عدد من الدول العربية والإسلامية طوال عشرين عاما، وأخيرا فقد كان ذات يوم نائبا لرئيس مجلس الاستخبارات القومي في وكالة المخابرات المركزية السي. آي . أيه ) .لنتخيل فقط مستوى " الذكاء والاستقامة " في كيفية الجمع بين صفتي " كاتب مستقل " و " نائب رئيس المخابرات المركزية " !
إن هدفنا من مناقشة هذه المقالة ليس متعلقا بكون كاتبها له موقف خاص ككاتب أمريكي من النظام الشمولي القائم من بلادنا بل لأن هذا الشخص هو من صناع القرار الاستراتيجي والسياسات بعيدة المدى في بلده أولا و لأن مواقفه المعبر عنها في مقالته هي الى حد بعيد الترجمة الشعبية والمصدرة لغير الغربيين " وللعراقيين تحديدا " للموقف الرسمي للدول الغربية وفي مقدمتها أمريكا من بلادنا ومن النظام القائم فيها ثانيا . ومعلوم أن هذا النظام الشمولي كان الى ما قبل الثاني من آب أغسطس 1990 بأسابيع قليل ، صديقا حميما وحليفا استراتيجيا للغرب ، أي لتلك الدول ذاتها التي تحالفت ضده في " عاصفة الصحراء " ثم تركته كما كان، إن لم يكن قد ازداد شمولية وقمعا واستبدادا .ومعلوم أيضا أن واشنطن نفذت تهديدها على لسان جيمس بيكر لطارق عزيز فأعادت ( العراق الى عصر ما قبل الثورة الصناعية وجعلت شعبه يتضور جوعا فوق بحيرات هائلة من البترول والمعادن الثمينة الأخرى) . سبب آخر حدا بنا الى مناقشة آراء هذا الشخص وهو أن الأساس الفكري والنظري الذي يتكئ عليه خطاب " فولر " ينطوي على "المسلمات والبديهيات" الشائعة والمريضة في آن واحد في علم الاجتماع السياسي الغربي المعتمد رسميا عن المشرق العربي عموما والعراق خصوصا . وثالثا وأخيرا فالمقالة غنية بالإشارات والإيحاءات السياسية التي لا يبوح بها في العادة كتبة المقالات والأعمدة العراقيين والعرب من أصدقاء أمريكا إما خوفا أو جهلا أو كلاهما .
نقاط رئيسية :
يبدأ "غراهام" فولر مقالته بتذكيرنا بما يدعوها " مجموعة نقاط رئيسية " سبق له أن ناقشها في مقالة سابقة و هي باختصار و حرفيا تقريبا :
1-إن سقوط نظام صدام حسين وحزب البعث في بغداد سينعكس إيجابيا على الشعب العراقي . و إن التخلص من جميع الأنظمة المستبدة في المنطقة أمر مرغوب فيه ولكن نظام صدام حسين يظل الأسوأ بينها .
2-أتمنى لو أن المنطقة تستطيع بنفسها معالجة مشكلة نظام صدام حسين ، إلا أن واشنطن وبعض دول التحالف الدولي ربما تتحرك لفعل هذا الأمر خلال العام الجديد أو نحو ذلك (..) ومن الضروري القيام بخطوات دبلوماسية من قبل تركيا وإيران وسورية والأردن ودول الخليج ومصر ودول أخرى لكي تقدم المساعدة في تقرير مستقبل العراق .
3-لا أعتقد إن واشنطن تستطيع أو ينبغي أن تحاول الإطاحة بنظام صدام قبل التوصل الى حل عادل للقضية الفلسطينية (..) ولكي تثبت أن إزاحة الرئيس صدام حسين ليست لمجرد إرضاء إسرائيل .
4-إن كون الإطاحة بهذا النظام سترضي إسرائيل لا يعني إنها لن ترضي العراقيين وغيرهم من العرب .
لنبدأ بتفحص النقطة الأخيرة والمغرقة في الذاتية والتي تحيلنا مباشرة الى أسوأ صور المنطق الشكلاني بل والميكانيكي في النظرة الغربية الاستعمارية الى المشكلات التاريخية التي تهم حياة ملايين البشر خارج الجغراسياسية الغربية . فهو يقول : إذا كان إسقاط النظام العراقي سيرضي إسرائيل فهذا لا يعني أنه لن يرضي العراقيين .. الخ وقوله : إن إسقاط نظام صدام حسين سينعكس إيجابيا على الشعب العراقي . يا للعبقرية والعمق في التحليل ! إن "غراهام فولر" الذي لا يترك طرفا سياسيا في الشرق والغرب دون أن يعطيه حقا وحصة في التدخل في الشأن العراقي يجعل من هذا الشعب مجرد متفرج وطرف سلبي منفعل يقوده الآخرون كقطيع الماشية الى الجنة الأمريكية الموعودة . إن منطق "فولر" يمكن استنساخه واستعماله في ميادين أخرى كأن نقول مثلا على سبيل التندر : إن انتحار الشعب الأمريكي جماعيا في المحيط الأطلسي أمر سيفرح أسماك القرش ولكنه لن يغضب سكان المريخ !!
أما محاولة "فولر" لتجييش حلف جديد من دول المنطقة التي ينسى "فولر" حكمه عليها بأنها " مستبدة أيضا " ونضيف من عندياتنا أنها " مرعوبة أيضا من أن يأتي الدور عليها فتذوق طعم السوط الديموقراطي الأمريكي" أما هذه المحاولة فمكتوب عليها بالفشل لمجموعة أسباب منها :
1-إعلان جميع هذه الدول ربما باستثناء إسرائيل وتركيا ،عدم موافقتها على شن عدوان جديد على العراق . صحيح أن العديد من هذه الدول تتمنى زوال هذا النظام من الوجود شأنها في ذلك شأن الغالبية العظمى من الشعب العراقي، ولكن لأسباب مختلفة نوعيا. فإذا كان الإنسان العراقي الوطني يتمنى زوال نظام صدام حسين لأنه نظام قمعي مستبد وعاجز عن حسم الصراع أو كسر الحصار ، فثمة دولة أو أكثر تتمنى زواله لأنه عراقي لا أقل ولا أكثر. وقد عبر صحافي عربي مأجور عن هذا المعنى المريض بطرفة مشبوهة المضمون تقول ( ما الفائدة من إزاحة صدام حسين من الرئاسة إذا كان الرئيس الذي سيأتي بعده عراقيا أيضا ؟) أما إسرائيل وشارون تحديدا فله قائمة خاصة من الأسباب الموجبة للإطاحة بهذا النظام يبدأ بعضها منذ أيام نبوخذ نصر " الأول !" و لا ينتهي بعضها في المستقبل المنظور مع بديل صدام حسين والتي سيكون عراقيا من حيث الجنسية أو اللهجة على الأقل !
2- شعور عدد من دولة المنطقة الحليفة لواشنطن إنها مستهدفة أمريكيا فعلا بعد أحداث 11 أيلول، وإن من الخير لها أن تبتز حليفها القوي بمغازلة بغداد أو التلويح بمغازلتها وتكفي قراءة متمهلة لبيان مجلس التعاون الخليجي الأخير لتأييد هذا المذهب .
3- رد الفعل التوحيدي أو في الأقل الدافع للتماسك بين الأنظمة العربية قاطبة الذي يخلفه الاستهتار الدموي الإسرائيلي ومجازره واضطهاده الذي فاق كل حد للشعب الفلسطيني وقيادته مما سيجعل أي استهداف لدولة عربية ،وبغض النظر عن اسمها ، متساوقا ومنسجما مع العدوان الإسرائيلي على الشعب الفلسطيني .
4-استمرار قلق تلك الأنظمة من عدم قدرة وتردد واشنطن في حسم الصراع عسكريا وإسقاط النظام في العراق لعلمها بالمستوى الفعلي والذي لا يستهان به سوقيا وعلى الأرض لقوة الجيش العراقي الذي ما زال يضم سبع قيادات فيالق ،وثلاث فرق مدرعة، وثلاث فرق ميكانيكية، واثنتي عشرة فرقة مشاة وسبعة ألوية من القوات الخاصة إضافة الى سلاح الجو الذي يعتقد أنه حافظ على نصف قواته وأسلحته كما تصرح بذلك معاهد الدراسات الاستراتيجية الغربية نفسها ( للمزيد يمكن الاطلاع على دراسة قيمة للخبير العسكري طلعت مسلم على الموقع الإلكتروني للمحطة الفضائية ذاتها ).

إنهاء الدكتاتورية مهمة عراقية :
هل تعني معارضة العدوان الوشيك والمحتمل على العراق وجوب الكف عن المطالبة والمحاولة من أجل إنهاء الدكتاتورية في العراق وقيام نظام ديموقراطي بديل ؟ كلا قطعا ، ولكن هذه المهمة هي مهمة الشعب العراقي في المقام الأول والأخير وليست مهمة الطيران الأمريكي . وإذا ما صدقت نوايا واشنطن ورغبتها في مساعدة الشعب العراقي على الظفر بحريته فلترفع الحصار الخانق عن الشعب العراقي فورا ودون قيد أو شرط كما أمست أغلب أطراف المعارضة العراقية تطالب ، و لتبدأ بتفعيل القرار اليتيم الخاص بحقوق الإنسان في العراق والصادر عن الأمم المتحدة بما يضمن ردع ممارسات النظام القمعية ومحاصرة مؤسساته التي لها علاقة بخرق حقوق الإنسان تمهيدا لطردها من المؤسسات الدولية ، ولتكف واشنطن عن تلويث وتلطيخ أطراف المعارضة العراقية بالمال والعار وأعمال التجسس خصوصا وإنها تتعامل مع شعب شديد الحساسية من التعامل والتعاون مع الأجنبي طوال تاريخه القديم والحديث . لقد دمرت واشنطن سمعة وأداء المعارضة العراقية حتى تلك العريقة الجذور في تربتها الوطنية ثم راحت تلومها على تفتتها وتشرذمها وتحولها الى عشرات الدكاكين لعرض الخدمات "المعلوماتية" !! ونضيف بأن كلامنا هذا لا يعفي أطراف المعارضة الملوثة من مسئوليتها عما فعلت وأمام الشعب العراقي الحر مستقبلا.
-أما النقطة الثالثة من نقاط "فولر " الرئيسية فتربط مهمة إسقاط النظام في العراق بمهمة إيجاد ما يسميه " حل عادل في فلسطين " فهي تذكرنا بالاتهام القديم الذي كان يوجه للنظام العراقي حين كان هذا الأخير يتطرق في خطابه الإعلامي الى مأساة الشعب الفلسطيني والمذبحة الإرهابية التي يتعرض لها على أيدي الصهاينة المسلحين بالسلاح الأمريكي، فكان يقال حينها أن النظام حين يتطرق الى هذا الموضوع فهو ينافق . والسؤال اليوم هو هل كفَّ النظام عن كونه منافقا أم أن طرفا آخر صار مشاركا في هذه المهنة " النفاق " فكان من نتائج ذلك أن اكتشفت واشنطن متأخرة عدالة القضية الفلسطينية ؟ وعمليا، ألا يعني كلام "فولر" إن علينا أن ننتظر التوصل الى نهايات أوسلو وتصفية القضية الفلسطينية ليتم ضرب العراق بعدها بتهمة "العداء للسلام " ومساندة "الإرهاب الفلسطيني" ؟ في الواقع، لا يخامرنا أدنى شك في أن العدوان القادم لن يختلف من حيث الجوهر عن السلسلة العدوانية التي بدأت منذ 1991 ، و في ضوء امتناع و " عجز " واشنطن عن خوض حرب حقيقية على الأرض ولأن الغارات والضربات الجوية لم تسقط نظاما حتى اليوم، وبسبب انعدام " تحالف شمال عراقي " فعال ، فلا نظام صدام حسين سيسقط ، ولا حزب البعث في بغداد سيرحل عن السلطة ، بل أن جلَّ ما سيحدث هو تدمير شامل ومكرر للبنية التحتية العراقية المتهرئة أصلا، وقتل المزيد من المدنيين الأبرياء من ارتفاع آلاف الأمتار وقد يتم التوصل الى صفقة معينة مع النظام . ويمكن إدراج القرار الأمريكي الأخير بقطع التمويل النقدي مؤقتا عن حزب السيد الجلبي " المؤتمر الوطني الموحد " واتهام أحد الأشخاص من قيادة هذا الحزب لمسؤولين ( في الإدارة الأمريكية يعارضون القيام بأي عمل عسكري ضد العراق لأنهم يريدون استمالة صدام ، يريدون احتواءه ووضعه في الصندوق ولا يريدون تحديه . 6/1/2002 إذاعة البي بي سي ) يمكن إدراج كل ذلك ضمن المؤشرات على إمكانية حدوث صفقة كتلك . إن من يشكك في احتمالية هذه الاستشرافات والتوقعات عليه أن ينظر الى ما يحدث من مجازر في قرى ومدن أفغانستان هذه الأيام وبالمناسبة فلولا وجود " تحالف الشمال " على الميدان لظل نظام " طالبان " قائما حتى اليوم . أما أحلام بعض التجار في المعارضة العراقية التقليدية برؤية رجال المارينيز يخوضون في أهوار الجنوب العراقي ويتسلقون جبال كردستان من أجل إسقاط النظام وتقديم السلطة لهم على طبق من أبنوس فهي للأسف مجرد أضغاث أحلام لكسالى و متخمين .
إن أقصى ما قد يفكر به عسكر " رامسفيلد" هو القيام بصولة سريعة في صحاري المحافظات الغربية ، كما تشير بعض المصادر، بشرط أن تتقدمهم الآلاف من أكياس الرمال المتحركة ( رجال الحزب الأمريكي في المعارضة العراقية ) ثم ينسحب الأمريكيون بعدها تاركين العراقيين يقتلون بعضهم حتى إشعار آخر . وبالمناسبة فقد سارعت إسرائيل لتقديم خدماتها وتكتيكاتها في قمع الانتفاضة الفلسطينية لمن سيقومون بالعدوان القادم على العراق ( جريدة الحياة 3/1/2001 الصفحة الأولى ) . غير أن كل ما تقدم من حيثيات لا يمنع من حدوث ما ليس في حسبان اللاعبين الرئيسيين الآن ، فقد تأخذ الأمور والأحداث وجهة أخرى لم يتوقعها أحد ويتحرك الشارع العراقي الحقيقي وليس المعلب في منظمات وأحزاب الخارج فيقلب الطاولة على رؤوس الجميع : النظام وواشنطن والمعارضة التقليدية والقوى الإقليمية المعادية ! إن هذا أمرا قد يبدو اليوم مستبعدا تماما ولكن قارئ التاريخ العراقي الفطن لن يجده مستحيلا .
لقد أطلنا الوقفة عند خلاصة المقالة السابقة لغراهام فولر لأنها تشكل خلاصة وجوهر منهجيته في التعامل مع الشأن العراقي و موضوعة " إسقاط النظام وعلاقتها بسلسلة من الثنائيات والعلاقات الإقليمية والداخلية العراقية و لا بأس الآن من وقفات قصيرة أخرى عند ما رأينا أنه المهم والمفيد في تفاصيل مقالته الثانية .

الحل الطائفي والحل الديموقراطي :
يعتقد فولر ، النائب السابق لرئيس مجلس الاستخبارات القومي في وكالة المخابرات المركزية الأمريكية كما تقدم ، والذي قام فعليا بدور القابلة والداية في عملية استيلاد حزب " المؤتمر الوطني العراقي " بقيادة أحمد الجلبي أن هذا الحزب يتمتع بنقاط ضعف ونقاط قوة . ومن نقاط ضعفه كما يقول هو أنه لا يملك قوة عسكرية وأن العرب السنة غير ممثلين فيه بشكل كبير أما نقاط قوته فيذكر منها نقطة واحدة ، ربما لأنها يتيمة هكذا ، وهي ( أنه يضم عددا كبيرا من المفكرين العراقيين الجادين من شتى المجموعات الدينية والعرقية .) ومع احترامنا لجميع المفكرين الجادين على الجزء اليابس من الكرة الرضية فقد كنا نود لو أن السيد "فولر" تكرم علينا بذكر بعض أسماء هؤلاء المفكرين الجادين إذ أن كل الذي يعرفه العراقيون عن شخصيات وقيادات هذا الحزب هو إنهم من السفراء و الضباط العسكريين الفارين من الجيش العراقي بعد "عاصفة الصحراء" وأبناء وأحفاد لوزراء وأمراء ملكيين موالين للغرب وموظفين سابقين في مؤسسات مالية عربية ملاحقين قضائيا بتهم الاختلاس إضافة الى بعض المزغردين في كل عرس والرادحين في كل مأتم . ولأخذ فكرة عن رأى العراقيين بهذه المعارضة و " مفكريها الجادين " ما على المتشكك إلا القيام بجولة على العراقيين الخارجين توا من العراق أو المقيمين في تجمعات اللجوء و سؤالهم عن موقفهم من هذه المعارضة وعن الحزب الذي يروج له كاتب المقالة موضوع النقاش . أما إذا كان السيد فولر يقصد بالمفكرين العراقيين الجادين أولئك الأشخاص الذين هرعوا مؤخرا الى الكتابة والاستكتاب في الصفحات الثقافية في جريدة الحزب المذكور فالأمر لا يخرج عن إطار المثل المصري القائل : ( رزق الهبل على المجانين ) !
يقول غراهام فولر ( أن العراق ، ومثل عدد كبير من الدول العربية الأخرى ،تحكمه أقلية صغيرة فشيعة العراق المنحدرين جميعا تقريبا من أصول عربية يشكلون ثلثي السكان ولكنهم مستبعدون بشكل عام من أي منصب مهم .. أما الأكراد فيمثلون 20 أم السنة العرب فنسبتهم تتجاوز هذه النسبة . ) نلاحظ فورا أن خطاب "فولر" ومصطلحاته وطريقته في الوصف والتركيب والتحليل ليست بعيدة عن تلك التي تشكل سدى ولحمة الخطاب الطائفي الانعزالي العراقي بنوعيه الشهيرين : المهيمن ، و الآخر الساعي لقلب الهيمنة الطائفية لصالحه ، ونلاحظ أيضا تشابها شديدا بين هذه الطريقة التي يعتمدها كاتب ومسؤول مخابراتي أمريكي سابق مع تلك التي يعتمدها ويدافع عنها بعض الأكاديميين والباحثين في الغرب. وقد سبق لنا أن ساجلنا أحد هؤلاء وهو الكاتب الإسرائيلي الأمريكي من اصل عراقي "أسحق نقاش" صاحب كتاب خطير نشرته دار المدى التي يديرها ويملكها فخري كريم زنكنة وعنوانه " شيعة العراق " . لن نكرر ما قلناه في تلك المساجلة عل أهمية وخطورة "كتاب نقاش" الذي عاث فسادا في تاريخ العراق القديم والمعاصر وجعله ركاما من القصص والأحداث الطائفية والمذهبية وحسب، بل سنركز جل اهتماما على المحاولة الجديدة لغراهام فولر وطبيعة الخلاصات والاستنتاجات التي يريد إتخام قارئه بها : في الفقرة المقتبسة قبل قليل من كلام "فولر" تلفت انتباهنا طبقة السكر المغرية التي تحيط بالمضمون : فالعراق ليس البلد العربي الوحيد الذي تحكمه أقلية بل ثمة الكثير من تلك البلدان العربية ! وحين نعود الى الواقع السياسي والتاريخي للعالم العربي لا نجد إلا القليل والنادر فأغلب الدول العربية منسجمة و واحدية النسيج المجتمعي طائفيا إلا في خمسة أو ستة بلدان من مجموع اثنين وعشرين بلدا عربيا . أما الخريطة العراقية السكانية، فقد تعامل "فولر" بسخاء ملحوظ مع الأغلبية الشيعية التي قال أن نسبتها المجتمعية تصل الثلثين . وقد أغضب هذا السخاء أحد زوار الموقع من ذوي النزوع الطائفي فوجه الزائر ويبدو من اسمه أنه من بلد عربي مجاور رسالة إلكترونية الى "فولر" يحتج فيها عليه ويخطئ أرقامه . وبعد أن نمضي قدما في المقالة يزداد سخاء "فولر" فيقدم العديد من التزكيات والأحكام والاستنتاجات " الطائفية التفتيتية جوهرا " ومنها مثلا : (الاختلافات الطائفية في العراق ستخلق مشاكل في المستقبل وخصوصا للسنة العرب الذين سيتخلون عن السلطة للأغلبية الشيعية في أي عملية ديموقراطية مستقبلا .)
وعوض أن يتجه تفكير "فولر" الى نبذ المنهج الطائفي في التحليل ويأخذ بالآخر الديموقراطي القائم على أساس مبدأ المساواة في المواطنة وبغض النظر عن الانتماء الطائفي فإنه يفعل العكس ويقول في حكم أو استنتاج آخر :
(من الضروري التوصل الى اتفاقيات مبدئية حول حقوق الأقليات وقبولها من جانب غالبية العراقيين قبل إجراء أي تغيير في النظام .) وإذا ما أخذنا علما بأن السيد فولر مهموم بشكل خاص بما يسميه حقوق أهم أقلية و هي الأقلية السنية ، صار واضحا لنا، وللجميع ، أن المطلوب والمقصود أمريكيا للعراق ليس أكثر من نظام "محاصصة طائفية" كنظام لبنان وليس نظاما ديموقراطيا حقيقيا . وهكذا سنتوقع للسيد فولر أن يشرف هو وتلامذته في الحزب الأمريكي العراقي على إعداد قسمة طائفية الحساب لكعكة السلطة يكون رئيس الدولة بموجبها شيعيا ورئيس الوزراء سنيا ورئيس البرلمان كرديا وعلى العراقيين أن يعدوا أنفسهم بعد ذلك لحروب طائفية أقسى وأكثر بربرية من حرب لبنان الأهلية .

زلات لسان فاضحة :
وفي غمرة دفاعه عن الحلول الطائفية يسقط الكاتب في زلتي لسان رائعتين وذاتي محتوى سوسيولوجي دقيق حين يقول :
( إن التحالف الحقيقي والقوي داخل أي مجموعة دينية أو عرقية يظهر عادة عندما تكون تلك المجموعة مضطهدة أو تتعرض للتمييز .)
وهذا يعني إن زوال الدكتاتورية من العراق ونشر الديموقراطية الحقيقية القائمة على مبادئ المواطنة الحديثة وحقوق الإنسان ستوقف تدريجيا ولكن الى الأبد التَشَكُلات والتفاعلات والولاءات الطائفية وتُسَرِّع من وتيرة الاندماج المجتمعي بين مكونات المجتمع العراقي وصولا الى بناء الهوية الوطنية العراقية غير الطائفية . معنى هذا أيضا أن كلام "فولر" قبل هذه الزلة لا يعدو كونه بحثا عن معيقات ومعرقلات لا ديموقراطية الطابع لتلك العملية المجتمعية التقدمية .
و يزل لسانه مرة أخرى فيقول :
(إن الدول ذات العرقيات المتعددة تعتبر أفضل وأكثر تقدما من حيث النسيج الاجتماعي من الدول ذات العرق الواحد إذا ما نجحت في إيجاد تناغم بين تلك العرقيات المختلفة .) قد يتراءى للبعض أن كلام السيد فولر هذا يناقض سابقه ، ولكن الرجل يعي ما يقول، فوجود مجتمع متنوع وتعددي أفضل وأكثر غنى حضاريا وإنسانيا من المجتمعات الواحدية . ونحن نتفق مع هذا الحكم الذي تؤيده التجربة التاريخية ولكن خلافنا مع السيد فولر وتلامذته هو حول موضوعة " نوع التناغم " بين تلك المكونات المجتمعية وكيفية الوصول إليه . فهو وتلامذته يعتقدون بأن "نوع التناغم" يجب أن يكون على أساس توزيع كعكعة الدولة على المكونات حسب نسبتها الطائفية من حيث المبدأ وباتفاق رسمي بين ممثلي تلك الطوائف ،ونحن نعتقد بأن تأسيسا ديموقراطيا لمجتمع جديد في العراق ينبغي أن يقوم على أساس الاعتراف بالمساواة التامة بين جميع المواطنين والمواطنات وبصرف النظر عن العرق أو الدين أو الجنس أو الطائفة ورفض كل أشكل المساومات والصفقات السرية بين قطط الطوائف السمان ومن وراء ظهر الشعب . إن تجربة ديموقراطية كهذه لا ينبغي أن تستثني طرفا أو أدلوجة سياسية ما ، ولنكن واضحين هنا، فمن حق القوى السياسية التي تحمل الأدلوجة والفكر السياسي الإسلامي أن تنشط وتتحرك سلميا وديموقراطيا من أجل الوصول الى رئاسة الدولة أو تشكيل الحكومة وقيادتها لعهدة انتخابية يحددها الدستور ، ثم تبدأ، بعد انتهاء تلك العهدة ، منافسة ديموقراطية جديدة، ولكن – والوضوح مطلوب هنا أيضا - ليس من حق هذه القوى الإسلامية تدمير التجربة الديموقراطية واجتثاث الدولة الديموقراطية نفسها بهدف إقامة دولتها الثيوقراطية الدينية الخاصة . زيادة في الإيضاح يمكن التعبير عن هذه الفكرة بالمثال التالي المتأسي بالتجربة الإيرانية : الديموقراطية التي نريدها للعراق لا تمنع مرشحا إسلاميا كالسيد خاتمي من الوصول الى الرئاسة إذا انتخبته الأغلبية ولكن السيد خاتمي أو نظامه هو الذي يمنع الديموقراطية التي تسمح للاشتراكيين بالنشاط من الوصول الى إيران .

نختم مناقشتنا لمقالة السيد غراهام فولر بإيراد كلمات له ذات مغاز مهمة وخطيرة تكاد تفصح عن فحواها التهديدي في حال فشل البرنامج الأمريكي المعد للعراق فهو يقو ل في الفقرة الأخيرة ( وهكذا تبرز مسألة وحدة عراق المستقبل ، وأعتقد أن هناك تساؤلات حقيقية بشأن قدرة العراق على أن يبقى موحدا وخصوصا بعد عقود من الحكم البعثي الكارثي ) نورد هذا الكلام من باب الاطلاع فحسب تاركين مهمة التعليق عليه للتاريخ الحقيقي و للمستقبل فهو الذي سيخبرنا طال الزمن أم قصر إن كان الشعب العراقي سينصاع للمخطط الطائفي الأمريكي فيعيش كمجموعة من الأقليات الغربية عن بعضها والقطعان الطائفية التي يقودها المتاجرون بالدين والسياسة أم إنه سيدافع عن خياره الحقيقي والذي ضحى من أجله طويلا : خيار الديموقراطية والمساواة في المواطنة وحقوق الإنسان ؟
نحو نموذج عراقي للتعددية :
وبالعودة الى موضوع المعارضة العراقية التقليدية نتساءل هل حقا نسيت مهمتها التي ُسلقت من أجلها سلقا ألا وهي إسقاط النظام الشمولي ومن ثم إسقاط العراق في السلة الأمريكية ؟ وعطفا على هذا السؤال لابد من التذكير برفضنا للشعار الخبيث الذي يكرره عدد من عملاء النظام زاعمي المعارضة والقائل : إذا سقط النظام الحاكم ضاع العراق وتفتت . فالواقع أن العراق لن يمر بظروف وأخطار أكثر وأشد فتكا من تلك التي عاشها تحت حكم هذا النظام ، وإذا كان من الصحيح تماما أن نتوقع حدوث مآس وكوارث جديدة بعد رحيل النظام ولكنها ستنتهي حتما ويبقى العراق، وهذا وضع أفضل ألف مرة من أن يبقى النظام الشمولي والعراق يموت ببطء تحت قشرة من التماسك الشكلي والمضغوط بقوة القمع والاضطهاد . إذن ، صحيح أن أغلب، إن لم نقل جميع الأحزاب السياسية العراقية الوهمية أو ذات الوزن الحقيقي تتبنى برامج متشابهة تنادي بالتعددية والديموقراطية والعدالة وما الى ذلك من الكلمات الإنشائية الجميلة ولكن من الصحيح أيضا أن يؤخذ كلام أغلب هذه الأحزاب على محمل الريب والشك وذلك لعدة أسباب منها :
1-تبعيتها وارتباطاتها ماضيا وحاضرا بقوى إقليمية ودولية لها أهدافها ومصالحها الخاصة والتي لا تتماهي بل وتتناقض في الصميم مع مصالح وأهداف العراق وشعبه . أما عداء هذه القوى العالمية والغربية تحديدا للنظام الشمولي المستمر في الحكم وسط شلالات الدم والمجازر في الوقت الحاضر فلا ينبغي أن يقرأ كجزء من تاريخ الحركة العراقية الاستقلالية والتحريرية المعادية للهيمنة الغربية والتي انطلق أوارها منذ الثورة العراقية الكبرى سنة 1920 وإنما هو فصل من فصول تمرد قام به نظام تابع وتحديدا منذ نجاح الانقلاب الأقلوي وذي النزوع الطائفي داخل حزب البعث عشية الانقلاب العسكري في الثامن من شباط/ فيفري 1963 ضد النظام الجمهوري الوطني .
2- ماضي وحاضر أغلب هذه "الأطراف" العراقية المعارضة الشمولي حيث تسود داخلها علاقات فاسدة و ُمفسِدة مستمدة من الخواء والقسوة العبودية الموروثة من تاريخ العصابة والولاء الطائفي وأساليب الارتزاق .
3- الدور المخيب للآمال الذي قامت به تلك المعارضة إبان الانتفاضة الشعبية ربيع 1991 فقد غدرت بعض الأطراف المؤثرة فيها بهذه الانتفاضة وطعنتها من الخلف بشعاراتها الطائفية الغبية مما جعل أغلب قطعات الجيش العراقي التي انحازت في البداية الى جانب الشعب ضد الدكتاتورية تغير موقفها تماما مع ارتفاع الشعارات الطائفية والردح المذهبي وتنحاز الى جانب الدولة ضد الشعب المنتفض . والغريب أن هذه الشعارات الطائفية عادت الى الظهور هذه الأيام ومع ازدياد احتمالات شن عدوان جديد على العراق فقد صرح مثلا من طهران الشيخ محمد باقر الحكيم قبل بضعة أيام فقط أن حزبه " المجلس الأعلى " يعمل من أجل إقامة نظام " إسلامي " في العراق ! فيالها من نفحة أوكسجين ثمينة لصالح النظام المختنق والمعزول ، وياله من حكم بالإعدام مسبقا على أية محاولة شعبية جادة لإنهاء الدكتاتورية الحاكمة ! وكم كان حريا بهذا الشيخ الاستفادة من دروس تجربة "النظام الإسلامي " الذي يعيش في كنفه اليوم والذي تحولت إيران الغنية بالنفط في عهده الى بلد مأزوم اقتصاديا يكتظ بالشحاذين والمدمنين على المخدرات والدعارة عوضا عن إطلاق هذه التصريحات التي لا تخدم طرفا كما تخدم النظام الشمولي الحاكم وتمنحه فرصة جديدة لجمع الحلفاء والموالين ، وتعمق أخطار الانشطار الطائفي وأهوال الحرب الأهلية على الطريقة اللبنانية ..ونعود لتكرار السؤال الافتراضي الذي بدأنا به هذه المقالة : ماذا لو فعلتها الولايات المتحدة ونجحت في إسقاط النظام الحاكم ؟
هل سيتم فعلا تقسيم البلد الى كانتونات طائفية وعرقية متذابحة ؟ هل سيغرق البلد في حرب أهلية ضارية قد تزحف الى خارج الحدود ونحو جميع الجهات ؟ ومن الناحية العسكرية سبق لنا وأن تساءلنا إن كان الأمريكان وحلفاؤهم سيخرجون عن النمط الجديد من "حروبهم الجوية" والتي شهدنا العديد من النماذج"المنتصرة " عليها في العراق ويوغسلافيا وأخيرا أفغانستان فينزلون الى الأرض ويقاتلون كسائر البشر في الحروب العادية ؟ لقد أجبنا على السؤال الأخير بالنفي وهذا يعني أن حربا تقليدية لن تقع ، ويعني استنتاجا أن النظام لن " يقع" ، ويعني أيضا أن ما سيحدث هو تدمير شامل للبنية التحتية للبلاد ومجازر يرتكبها الطيران الأمريكي ضد العراقيين الأبرياء وكل هذا سيعني أخيرا أن العار سيجلل أولئك الذي شاركوا أو صفقوا أو سكتوا عن عدوان فاقع كهذا ، والسبب بسيط : لماذا يضحي الغربيون بهذه الميزة "الحربية " الجديدة والتي تضمن لهم نيل النصر على طبق من ذهب ودون تقديم جثة واحدة كخسائر بشرية ؟ لقد كررنا السؤال السالف وجوابه تمهيدا لطرح سؤال آخر يقول : هل سيتمكن المنتصرون وأصدقاؤهم من السيطرة على الوضع في العراق وتكرار النسخة الأفغانية من خلال استعمال أحزاب لندن وكردستان بمثابة "تحالف شمال آخر" والزحف نحو بغداد ؟ وحتى إذا اعتقدنا بأن الأحزاب الصديقة لإيران كحزب السيد الحكيم سيتولى الزحف من الجنوب باتجاه بغداد وفق خطة "السنان والمطرقة" التي تحدثت عنها جريدة الواشنطن بوست فهل سينتظر النظام محاولة الإطباق على عنقه من الشمال والجنوب دون أن يقوم بأي رد فعل وقائي أو ثأري أو انتقامي بما لدية من قوى عسكرية سلف التطرق الى كمها وكيفها ؟
من المتوقع تماما أن يكرر إعلام النظام ،وقد بدأ فعلا بذلك مبكرا ، أن محاولة إسقاطه ستخدم وتحقق رغبات إسرائيل . لا ينبغي، تحت وطأة الشعور بالتأثيم وحساب الاحتمالات الأسهل ، نفي صحة هذه الملاحظة . فسقوط النظام في العراق ليس نوعا من الأحجية وقراءة الفنجان بل هو حدث كبير قد ينطوي على مجازفة خطيرة بوجود ومستقبل وطن وشعب مهمين في المشرق العربي. هذا أولا ، وثانيا فقد سبب النظام العراقي فعلا ،وعن قصد أو بدونه، الكثير من الرعب أو القلق والإزعاج لإسرائيل وحلفائها كما إن الخبراء في دوائر القرار الأمريكي والغربي عموما يعرفون أنه ليس من الشعبي والمحبوب جماهيريا أن تُحمل الى السلطة ،وفي العراق تحديدا ، نماذج معروفة من المعارضين العراقيين المعزولين الذين يجاهرون بضرورة عقد معاهدة سلام بين العراق وإسرائيل ! والحقيقة فإن وجود هذا النوع من "المعارضين" هو ما يتمناه النظام الشمولي في بغداد لأسباب داخلية وعربية فهو لا يطيق ويكافح بشتى الصور أي بديل ديموقراطي وطني حقيقي لا يساوم على سيادة العراق وثوابت الأمة ويعمل على إنهاء حكمة الاستبدادي وإحلال الديموقراطية والتعددية الحقة .
خلاصات وثوابت :
ستشن " واشنطن " عدوانا جديدا على العراق خلال بضعة أشهر على أبعد تقدير . وستدمر العراق تدميرا شاملا وتقتل أعدادا كبيرة من المدنيين العراقيين الأبرياء . وسيكون عنوان العدوان الجديد : إسقاط النظام الحاكم أما العنوان الحقيقي فهو " إسقاط العراق في السلة الأمريكية " . و ستصفق للعدوان تلك الفئة المعروفة الأسماء و الولاءات في المعارضة العراقية ، وستصمت فئات أخرى بانتظار أن ينجلي نقع العدوان لتطرح الموقف الملائم والمناسب للثمن المطروح . وستشارك بعض القوى والدول الإقليمية سرا، وبعضها الآخر علانية في العدوان . والراجح أن النظام أو هيكله الرئيسي سيبقى وقد ينحى رأسه الكبير بطريقة ما مقابل الوصول الى صفقة سياسية تاريخية لن تكون في مطلق الأحوال في مصلحة العراق وشعبه وحضارته . ولن نتوقع من النظام أدنى مبادرة سياسية على الصعيد الداخلي تساعد الشعب على مواجهة العدوان . و في نفس الوقت فلن يفاجئنا انهيار درامي لمؤسسات وقوى النظام بسبب حالة التفتت والاهتراء الشاملة داخل مؤسساته فهذا احتمال قائم وقد يحدث في أية لحظة ولا علاقة له بمستجدات العدوان القادم . غير أن الثوابت الوطنية العراقية ستظل كما كانت منذ بداية العدوان على العراق في بداية التسعينات لا بل إنها ستزداد حضورا وإلحاحا ويمكن لنا تكرارها هنا بشكل متحفظ لأن ظروف العدوان القادم ستأتي بالكثير من المفاجآت غير المتوقعة ومن تلك الثوابت :
- ضرورة إنهاء الدكتاتورية واعتبار تلك المهمة عراقية الهدف و الوسائل، وطنية المضمون وديموقراطية الآفاق .
- مقاومة العدوان الغربي الجديد بكل الوسائل الممكنة وعدم الخضوع لإغراءات النظام وحيله المتوقعة والمعهودة ورفض أي حوار معه ما لم يقم بما يتوجب عليه داخليا وبما يضمن إعادة حقيقية وسريعة للسلطة الى الشعب .
- سيكون مفيدا وضروريا للقوى الوطنية والإسلامية المعارضة و الموجودة في داخل العراق (وكاتب السطور يعرف لمن يوجه الخطاب هنا ) أن تعلن عن وقف فوري ومن جانب واحد لإطلاق النار ضد قوات النظام بمجرد بدء العدوان . وعليها أن تسعى الى الدفاع عن مناطق سيطرتها ضد القوات الغازية وعملائها من " أكياس الرمل المتحركة " .
- في حال انهيار النظام وتفسخ قواه ستتبدل الأولويات وتتغير الخريطة السياسية تماما ولكن الأولوية الوطنية ستبقى للدفاع عن العراق وشعبه و لسوف تنفتح معركة الديموقراطية والحرية على أرحب أبوابها بين الحركة الوطنية والديموقراطية الناهضة وبين الغزاة وأذنابهم الطائفيين .
لقد كتب " غراهام فولر " قبل عدة أعوام مقالة تنضح حقدا على العراق يقول عنوانها المعبر ( هل سيبقى العراق حتى سنة ألفين ؟ ) و لو كان السيد فولر يفهم معنى أن يكون العمر الحضاري للعراق ممتدا الى سبعة آلاف سنة لوجب عليه أن يضاعف الرقم في سؤاله الاستفزازي مرة و مرتين و ثلاث .

==================

نشرت في أسبوعية " الاتجاه الآخر " الأعداد 51و52 و 53 ..




#علاء_اللامي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الإسلام السياسي وإشكاليات الديموقراطية السياسية المعاصرة
- - بغدادُ ترتقي الجُلجُلة- فصلان من مسرحية عراقية جديدة عن ال ...
- لغة التعميمات سلاح ذو حدين
- قراءة في نداء حركة المجتمع المدني العراقي
- التوازن الهشّ بين اليسار الجذري واليمين الليبرالي
- حول الأسس الفلسفية لسياسات العولمة


المزيد.....




- مسؤول: إسرائيل لم تتلق ردا من حماس بعد على اقتراح مصر لوقف إ ...
- أوستن: لا مؤشرات على أن حماس تخطط لمهاجمة قوات أمريكية في غ ...
- الشرطة تفض اعتصاما مؤيدا للفلسطينيين بجامعة في باريس.. والحك ...
- احتفالية في روسيا الاتحادية بالذكرى التسعين لتأسيس الحزب
- دراسة ألمانية: الأثرياء يعيشون حياة أطول !
- إسرائيل ودول الوساطة بانتظار رد حماس على مقترح الهدنة المصري ...
- منح جائزة DW لحرية الرأي والتعبير لأرملة المعارض الروسي نافا ...
- بايدن يعين مستشارا جديدا لمعالجة مستويات الهجرة
- دعما لغزة.. اتساع رقعة الاحتجاجات الطلابية في الجامعات العال ...
- السويد.. وضع أطلس شامل للتطور الوراثي المبكر للدماغ


المزيد.....

- الحزب الشيوعي العراقي.. رسائل وملاحظات / صباح كنجي
- التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية الاعتيادي ل ... / الحزب الشيوعي العراقي
- التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية للحزب الشيو ... / الحزب الشيوعي العراقي
- المجتمع العراقي والدولة المركزية : الخيار الصعب والضرورة الت ... / ثامر عباس
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 11 - 11 العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 10 - 11- العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 9 - 11 - العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 7 - 11 / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 6 - 11 العراق في العهد ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 5 - 11 العهد الملكي 3 / كاظم حبيب


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق - علاء اللامي - مناقشة لآراء " غراهام فولر" حول نهاية النظام العراقي