أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - اميرة بيت شموئيل - سلاّمة















المزيد.....

سلاّمة


اميرة بيت شموئيل

الحوار المتمدن-العدد: 645 - 2003 / 11 / 7 - 00:58
المحور: الادب والفن
    


قصة قصيرة

وصلت فيفيان الى بغداد بعد ايام قصيرة من قلع جذور الشر واختفاء الوحش الكاسر، حاملة في قلبها امنية الالتقاء بصديقتها الوفية وزميلتها من سنين الدراسة الغابرة.

- قد يكون هذا هو الزقاق الذي دخلته خلف سلاّمة قبل اكثر من عشرين سنة... لابد وان يكون هو. او... انه يشبه زقاقهم الى حد بعيد.

لم تكن متأكدة من العنوان، ضلت لاكثر من خمس ساعات تدور بين الازقة الضيقة في حي الثورة، تجول بانظارها، من وراء الحجاب، بين البيوت القديمة، تتجرأ احيانا على التقرب الى احدى البيوت، لتطرق بابه، طرقات مرتبكة.

اصوات لم تألفها قبلا، كانت تأتي من خلف الابواب، لتنفي معرفتها بسلامة... بعضها تقوم بالاستفسار عن هويتها. تعبت... ارتعدت... لاتدري ماذا تفعل. فقد خالطها شعور غريب بالخوف، الى جانب الفشل والخيبة في معرفة العنوان.

- سلاّمة موجودة بلا زحمة ؟؟

- منو ؟؟

- آااني صديقة سلاّمة ... سلاّمة موجودة بلا زحمة ؟؟

انقطع الاتصال الفكري بينها وبين الصوت المجيب للحظة، احست فيفيان معها بصمت القبور المخيف يجتاح قلبها. فهي تعرف بانها ما كان يجب ان تكون في هذا المكان لوحدها... انها غريبة وبعيدة عنه بعد الاختلافات القومية والدينية التي تفرقها عن سلامة ... ولكنها مصرة على ان يجمعهما القدر مرة اخرى، كما فعل في السابق ... انها مصرة على تحقيق امنيتها بمفاجئة سلامة، بعودتها من الخارج الى بغداد .  تشجعت لتضفي على صوتها طابعا يعبر عن اصرارها للقاء صديقتها.

- آني صديقة سلاّمة... اسأل عن صديقتي سلاّمة... وين الكَاها؟.

فتح الباب في وجهها فجأة لتجد امرأة طاعنة في السن امامها.

- ماعدنا هل الاسم يا بنيتي... انتي منين؟؟

تجمعت الدموع في عينيها، بعدما ازاحت كلمات العجوز الطيبة سحابات الخوف من صدرها وقلبها.

- اني من الشمال خالة... جيت ادور على صديقتي، سلاّمة.

- والله يا بنيتي ما عدنا ها الاسم... أكيد غلطانة بالعنوان.

انكسرت نظراتها الحزينة الى الارض واخذت خطواتها تتراجع الى الوراء، ككسير يتهاوى امام جراحه.

- اي، يمكن اكون غلطانة. على كل حال، اشكرج خالة.

ها هي قد اخطأت العنوان مرة اخرى ... اين ستجد بيت سلامة بين هذه الازقة التي تتشابه في تصميمها وفقرها حد تشابه التوأم.

ابتعدت بعدما عادت الاقدار لتوصد هذا الباب ايضا بوجهها... خرج صوتها ، كالمسيح، يكلم السماء بلغة اجدادها :

- ايل ايل لما شبقتني ( الهي الهي، لماذا تركتني).

- اني عرفتج... انتي المسيحية!!.

توقفت خطاها فجأة وتجمدت الدماء في جسدها النحيل المتعب، من هول المفاجأة التي تركه هذا الصوت الجسور على نفسها... هل هو زلزال جلجلة يعود ليخطف حياتها الى الابد؟... هل هو عذاب جهنم اقترب ليخطف ذاتها المعذبة، المتعبة، الفزعة لحد الموت ؟... ماهذا الصوت الذي دخل اعماقها وفضح هويتها الدينية، برغم العباءة التي تلفها من اعلى رأسها حتى اغمض قدميها؟. صوت قدمين، يأتي مقتربا منها، باصداء متذبذبة، حاملا معهما خوفا لاتدرك مداه او اتجاهه، اهو منها ام عليها...

- انتي المسيحية... صديقة سلاّمة. عرفتج من طريقة كلامج.

هذا الوجه السومري الاسمر، ليس بغريبا عليها... اه، تذكرت انها احدى جارات سلاّمة، ولكنها لا تذكر اسمها.

- اني نسمة، صديقتها وجارتها. اتني ......

- فيفيان

- اي فيفيان ... هسة تذكرت اسمج .

اخيرا جاءتها نسمة، تبتسم، حاملة لها الامل في طريقها. الله... كيف تشكره على هذه المكافأة؟

بكت... اخذت نسمة الى احضانها واطبقت يديها حولها، كمعدم عثر على كنز ثمين، يخاف ضياعه...

- نسمة... الله جابج.

 كانت فيفيان تبكي بصوت خافت وهي تستمع الى نسمة:

- هية همينة جانت تحبج هواية... تعذبت من سمعت باعدام اخوج واعتقال ابوج وطردكم... بجت عليج وهية ما تدري بعذابها يكون اكبر.

- ليش شصار ؟؟

- ابوها واخوها الجبير كانوا من حزب الدعوة... عدموهم المجرمين.

- عدموا الحجي؟؟ وابنه سمير ؟؟

- عد... عدموهم كلهم.

حال سماعها للعبارة الاخيرة، عادت الثورة تزرع بذورها في اوصالها المعذبة. انفصلت بجسدها عن نسمة، تاركة لعينيها التسمر على شفاه نسمة المرتجفة في الحديث:

- عدموا علي ... وغالب... والخالة سمية و... سلاّمة.

- انتي كذابة... سلاّمة بعدها حية ... انتي كذابة

- ياريت كانت القصة كذب... ياريت كان هذا العذاب وهم. فيفيان ... فيفيان... وين ... انتظري.

سارعت نسمة تركض وراء فيفيان التي انطلقت تلاحق طيف سلاّمة، بعد ان اجتاحت الثورة الجمود القاتل بينهن. لفها اعصار الشوق، قبل ان يبتعد عنها، تاركا نفسها غارقة في بحور الدموع المتوسلة به لمرافقته الى حيث يذهب.  ذكريات الصداقة الجميلة اخذت تبتعد عنها لتدخل الى عالم المجهول... حاولت باسراعها سرقة البعض المتبقي من الذكريات القديمة.

ها هي سلاّمة تدخلها لاول مرة في بيتها لتتعرف على جميع افراد العائلة... جاءت نظرات العائلة المتفحصة المتساءلة تبادلها التحية وسط تعليقات سلامة الكوميدية.

- فيفيان تحت العباية مخفية، لاول مرة بحياتها تتعرف على عائلة شيعية ... امي لاول مرة بحياتها راح تشوف مسيحية... اليوم شلون بلوى جهنمية.

- يمة وين اشوف المسيحيين. ابنجف لو بكربلا. اي والله ما كنا شايفين وهسا شفنا.

تنطلق ضحكة واحدة بين الجميع، ليجلسوا معا ويتبادلوا المعرفة والاسئلة والاجوبة عن بعضهم البعض في جو ملأته سلامة بالمودة.

- والله يابنيتي حبيناج كَبل من نشوفج، من ورا هاي المكَرودة.

- والله يا خالة اني هم حبيتكم كَبل ما شوفكم، من ورا هاي المكَرودة.

ها هو مشهد اخر لسلاّمة، حاملة معها سندويج، تقترب بهما من فيفيان.

- يا ولي امي قررت د دز وياي يومية، سندويجين. واحد الي وواحد الج. دكَلي خطية فيفيان امها مو ابغداد، انا اصير امها. 

- الله يا خالة، شكَد رحومة. وين سندويجي ؟؟

- شفت حبيبي جوعان ... اشفقت عليه وتبرعتله بسندويجج .

 قهقهات بريئة تنطلق الى السماء وتختفي بين السحاب السوداء، لتزيد من انطلاق اقدامها النحيفة خلف المجهول.

ها هي ذكريات اخرى تعود من جانب اخر لتأسر احاسيسها المعذبة. سلامة تدخل بيتها وتلتقي بامها واخوتها، لاول مرة، بعد ان بادلتها الزيارة.

- يولي امج كشخة، الي يشوفجن يكول عليجن خوات. اكَولج هاي امج منين ، متعرف تحجي عربي. هذا ابوج؟ لا يابه لا.. كَولي غيرها. اكَولج بلكَي غلطانة، وتكَولين لاخوج الجبير ابويا، مثل ما تكَولين فترني بدل فررني.

- دروحي اتعلمي اثوري، بعدين عاتبيني.

- هية شيرادلها الاثوري يابه... اجمعي اكبر عدد ممكن من حرف الخاء واطبخيهم بحلكِج.. هاء ها.

مرة اخرى، تطلق سلاّمة ضحكاتنا بتعليقاتها الكوميدية وروحها المرحة. احبها الجميع واصروا على اطالة سفرتها اسبوعا اخر. كانت اينما حلت تتصرف بعفوية بعيدة عن التصنع، مما يجعلها قريبة من القلوب. 

ضلت فيفيان تركض وراء ذكرياتها مع سلاّمة، ولم تتوقف الا بعد ان اجهد الركض جسدها وشل حركة اقدامها. وصلت اليها نسمة واخذتها الى احضانها مطبقة يديها حولها وقالت.

- كافي عذاب ... كافي . فيفيان، اعتبريني من اليوم اختج سلامة وخليني اعتبرج اختي سلامة.



#اميرة_بيت_شموئيل (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- منصب نيابة الرئيس للنساء فقط
- اوجه الشبه بين الشيعة والاشوريين في العراق
- الجهالة سبب بلاء البشرية
- الاختلاف والخلافات ... من اين تبدأ الحلول؟
- المنفذ للخروج من الأزمة العراقية
- نعم، محرري الفكر العراقي المسجون يستحقون كل الاحترام... مع ت ...
- لماذا تتعرض المواقع العراقية الحرة الى هجوم واستفزاز؟؟
- حول الثقافة الانسانية في العراق... مع تحياتي الى الاستاذ د. ...
- الشعب الاشوري الغيور، والمطالبة برفع دعوة ضد المجرم طارق عزي ...
- الى الهيئة الادارية لقناة الجزيرة الفضائية من يدنس أرض الأدي ...
- هويتنا الاشورية وتهمة التعصب والعنصرية
- المجتمع العراقي... من اجل مجتمع مدني
- اليزيديون .. التسمية والانتماء الحقيقي... رسالة الى القاضي ز ...
- الاشوريون يحتجون على التركيز على التمثيل الديني وليس القومي
- هل حقيقة ان طارق عزيز لم يشارك في الجرائم التي اقترفت بحقنا ...
- لااصدق بموت عدي وقصي
- انتخابات مجلس الحكم الانتقالي جاءت متجنية على حق تمثيل القوم ...
- الارض لله ، تمتلكنا جميعا ولا يمتلكها احد
- الشمولية والتجديد في موقع الحوار المتمدن
- العدالة ، مع تحياتي الى الدكتور منذر الفضل


المزيد.....




- فادي جودة شاعر فلسطيني أمريكي يفوز بجائزة جاكسون الشعرية لهذ ...
- انتهى قبل أن يبدأ.. كوينتن تارانتينو يتخلى عن فيلم -الناقد ا ...
- صورة فلسطينية تحتضن جثمان قريبتها في غزة تفوز بجائزة -مؤسسة ...
- الجزيرة للدراسات يخصص تقريره السنوي لرصد وتحليل تداعيات -طوف ...
- حصريا.. قائمة أفلام عيد الأضحى 2024 المبارك وجميع القنوات ال ...
- الجامعة الأمريكية بالقاهرة تطلق مهرجانها الثقافي الأول
- الأسبوع المقبل.. الجامعة العربية تستضيف الجلسة الافتتاحية لم ...
- الأربعاء الأحمر -عودة الروح وبث الحياة
- أرقامًا قياسية.. فيلم شباب البومب يحقق أقوى إفتتاحية لـ فيلم ...
- -جوابي متوقع-.. -المنتدى- يسأل جمال سليمان رأيه في اللهجة ال ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - اميرة بيت شموئيل - سلاّمة