|
نقط حول العلمانية
بن سعيد العمراني عبد السلام
الحوار المتمدن-العدد: 2092 - 2007 / 11 / 7 - 11:20
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
توطئة العلمانية هي مفهوم حديث نسبيا، حيث أنها جاءت لاحقة لمجموعة من الأحداث التي شهدت تحالف الحكم بالمرجعيات الدينية (الكنيسة) بمجموعة من الدول الأوروبية و فرضت بالتالي على مجموع مفكري عصر التنوير التفكير في البدائل التي يمكن أن تؤسس لعلاقة ديمقراطية بين الحاكم و المحكوم و بين مختلف مكونات الشعب، و كان هذا سبب ظهور و تطور مفهوم العلمانية. و يعاني مفهوم العلمانية، إضافة إلى عدم الفهم الواضح، من هجمات مسترسلة من قبل تيارات ترى في العلمانية مسا بجوهر الدين، و إن كانت العلمانية مس في جوهر المصالح الشخصانية المغلفة بالدين. لهذا سنحاول في هذا المقال إعطاء تعريف واضح، و تبيان حدودها و تقييم أصولها و آثار تطبيقها على الحاضر و المستقبل.
تعريف العلمانية العلمانية، في نظرنا، هي منظومة فكرية تعتمد الفكر الإنساني من أجل أنسنة العلاقات البينية، و إفراغها من حمولات الفوارق الدينية، العرقية... و تعتمد العلمانية على دعامتين: - الدعامة الأخلاقية، و المتجلية في ضرورة احترام الآخر و احترام حرية المعتقد. - الدعامة القانونية، و المتجلية في الفصل بين المؤسسات الدينية و الدولة. و بهاتين الدعامتين، تؤسس العلمانية لعالمين مختلفين و تفرق بينهما : الشأن العام و المعتقد الشخصي. و العلمانية، أيضا، هي قاعدة العيش داخل مجتمع ديمقراطي منفتح. فهي تفرض بأن يعطى الكل دونما تمييز يعتمد الطبقات، الأصل أو المعتقد الوسائل ليكونوا ما يريدون، أحرارا في التزاماتهم و مسؤولون عن مستقبلهم و متحكمين في مصائرهم. و يضل السؤال الملح على مستقبل العلمانية يتجلى في معرفة تدبير التنوع الثقافي الكائن بالدولة الواحدة و الكائن بالعالم. فالهوس الهوياتي و الخوف من فقدان الهوية أصبحا يغذيان كل صفوف التطرف و الانغلاق العرقي، الثقافي و الديني خصوصا... و أضحى المتطرفون (بكل تكويناتهم) يرون في العلمانية خطرا يهدد هوياتهم بالاندثار و ليس خيارا مجتمعيا من أجل السلام الاجتماعي.
القيم العلمانية تعتمد العلمانية على مبدأ حرية المعتقد و استقلال الفكر بعيدا عن أي عوائق دينية أو سياسية أو اقتصادية. و تبتغي العلمانية تحرير الفرد من كل ما يمكن أن يعيق أو يشوش تفكيره خصوصا المعتقدات المتوارثة أو الأفكار المسبقة أو الإيديولوجيات المستبِدة أو الضغوط الاقتصادية و الاجتماعية و السياسية و الدينية؛ كما تبتغي تطوير روح نقدية و أخلاق التضامن و الأخوة في الكائن الإنساني عن طريق تكوين فكري مستمر يعتمد الأخلاق و المدنية الحديثة كأسس و قواعد. و تظل حرية التعبير لازمة لحرية المعتقد؛ فهي حرية قول، كتابة و نشر الفكر الشخصي أو الجماعي. لكن رغم كفالتها لهذه الحرية فإن التوجه الإنساني للعلمانية تفرض الالتزام بعدم التهجم على الفكر الآخر إلا في نطاق النقد الفكري المسموح به وفق أخلاقيات القبول بالآخر و عدم نفيه. بهذا، تتمتع الروح العلمانية بالبساطة؛ فهي ترتكز على أسس التسامح المتبادل، و احترام الآخر و النفس و اعتبار الخير هو كل ما يحرر و يعتق و يخلص و الشر هو كل ما يستعبد و يُحقر و يذل. كما أنها (العلمانية) تظل (بارتكازها على ضرورة العيش في مجتمع متناسق و تحقيق الحرية الشخصية في آن واحد) أساسية في بناء الانسجام المجتمعي و تقوية الروح الديمقراطية. فهي تهدف إلا بناء مجتمع مؤنسن يسمح بتطور الكل، متجاوزة الاختلافات الإيديولوجية و الدينية و العرقية... مجتمع لا نجد فيه أي إقصاء أو استغلال الإنسان لأخيه الإنسان كما لا نجد فيه أي تعصب أو كره أو عنف. رفض العنصرية و التمييز العنصري في كل أشكاله لا يفترق عن المراد العلماني، إذ لا يمكن لأي مجتمع سلم أن يتواجد و يتأسس على التفرقة بين المجموعات الثقافية، اللغوية أو الدينية، حيث أن الانتقال يظل عفويا و سهلا من التفرقة إلى التمييز العنصري إلى المزاحمة ثم التنازع و الشقاق و العنف. إذن، المراد العلماني يظل مناقضا لأي مبدأ يهدف التفرقة؛ إذ أن التطور المجتمعي في نظر العلمانية يظل قرينا بتحقيق انسجام اجتماعي، و إشراك كل الجماعات المكونة للمجتمع في عملية البناء و اعتبار الكل كمواطنين أحرار متساوين في الحقوق و الواجبات. فبهذا تصل بنا العلمانية إلى تحقيق العدالة الاجتماعية.
خلاصة تظل العلمانية بعيدة عن مفهوم رجعي و ماضوي، إذ أنها فكر تقدم. فهي ترتكز على مبادئ إنسانية تراكمت على مر التاريخ. و هي دفاع عن الحرية الفردية. كما أنها أهم ضامن للسلم الاجتماعي. و هي تحمل في طياتها اعتبارات شخصية و أخلاقيات مجتمعية. و هي فعل و إرادة بل مقاومة: مقاومة للرجعية و التقهقر و لرفاهية الفكر الأوحد.
#بن_سعيد_العمراني_عبد_السلام (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
محنة السلم العالمي
-
تحية للسيد قمني
-
متى ستشرق شمس دون خبر موت؟
-
الفكرة الاشتراكية مبسطة
-
العلمانية الإنسية هي الحل
المزيد.....
-
الكنيسة الإيليونة بالقدس.. حقائق عن موقع أثار أزمة إسرائيلية
...
-
شيخ الأزهر: لا يمكن أن يعم السلام في العالم وأهل غزة ولبنان
...
-
المقاومة الإسلامية في لبنان تعلن استهداف موقع العباد بصلية ص
...
-
المقاومة الإسلامية في لبنان تعلن استهدافها للمرة الثانية تجم
...
-
مستشار قائد الثورة الإسلامية علي لاريجاني: -إسرائيل- تريد نق
...
-
مستشار قائد الثورة الإسلامية: ينبغي لإيران وضع حد لإسرائيل
-
فرنسا تعتزم استدعاء سفير إسرائيل.. ماذا جرى في الكنيسة الإيل
...
-
قائد الثورة الإسلامية آية الله السيد علي خامنئي في منشور بال
...
-
-الرسالة- لأول مرة بإيطاليا.. فيلم يعيد فهم الإسلام في زمن ا
...
-
حماس: نوجه نداءنا الى جماهير شعبنا الفلسطيني وأمتنا العربية
...
المزيد.....
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
-
الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5
/ جدو جبريل
المزيد.....
|