أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - ليلى فريد - إن كان هذا هو ما يمكن لأعمالكم الفنية تقديمه للأقباط... فسعيكم مشكور!















المزيد.....

إن كان هذا هو ما يمكن لأعمالكم الفنية تقديمه للأقباط... فسعيكم مشكور!


ليلى فريد

الحوار المتمدن-العدد: 2092 - 2007 / 11 / 7 - 11:14
المحور: الادب والفن
    



مناسبة هذه الكلمة هى مقال د. خالد منتصر الذى يحمل هذا العنوان العجيب: "أشعار درويش وقبانى أكثر خلودا من أشعار شنودة والشعراوى". أما الذى دفعه إلى كتابته فهو أنه قد: "أزعجه كثيرا ذهاب الفنان عادل إمام إلى البابا شنودة.. للسماح له بتجسيد دور قسيس فى فيلمه الجديد".
الواقع أن من انزعج، بل صدم، هو كل من يعد د. خالد منتصر أحد الشخصيات التى أصبحت نادرة الوجود فى مجتمعاتنا، وتستحق كل التقدير والاحترام، لقاء استنارتها وتفتحها وشجاعتها وصراحتها فى تناول العديد من القضايا، ومن ضمنها التابوهات والمحرمات، بأسلوب علمى صادق.
وجهات نظر كهذه لشخص تحرص على القراءة له، تجعلك تشك فى حواسك؛ فتعاود النظر فى اسم الكاتب غير مصدق أن مثل هذا الكلام يمكن أن يصدر عنه؛ فهو لا يتسق مطلقا مع الشخصية التى صنعتها بفكرك لهذا الإنسان من وحى قراءاتك لما يكتب. يساورك الشك.. أيهما الشخص الحقيقى؟! ويتولاك الخوف من قسوة الشعور بخيبة الأمل فيمن كنت تحمل له قدرا كبيرا من الثقة والإعجاب بفكره وآرائه.. ولكن فى النهاية ترفض أن تدع هنة واحدة تفسد ذخيرة غنية، وتتذكر القول المأثور: "لكل جواد كبوة، ولكل سيف نبوة".
المؤلم فى الموضوع هو أن الكاتب يبدو وكأنه قد اتخذ من هذا الخبر، الذى تناقلته الصحف بغرض الإثارة، وبتفاصيل متناقضة، ذريعة للتحامل على الكنيسة القبطية وزعيمها الروحى وأتباعها، بهدف تحقيق التوازن المطلوب فى مواقفه، وليثبت أنه لا يهاجم "الملا عمر" فقط، بل "الملا جرجس" أيضا (كما جاء فى مقاله الثانى). بغض النظر عن عدم وجود هذا "الملا جرجس" إلا فى الخيال.
الكاتب هنا يوجه عتابا شديدا لإمام لإقدامه على هذه الرحلة "غير المباركة" حسب وصفه، لأن "استعمال الكنيسة كمحلل فنى هو اللعب بالنار.. لأن الذى يملك أن يمنح، يملك أيضا أن يمنع". ويستطرد قائلا: "البابا نفسه لم يطلب من الفنان عادل إمام، ولم يسمع أصلا بالفيلم، بل إن عادل هو الذى ذهب إليه طواعية.. ليضع رقبته ورقبتنا ورقبة الفن تحت مقصلة الوصاية الدينية". ويعزو هذا التصرف من إمام إلى "الفزع والرعب الذى زرعته الكنيسة فى قلوب الفنانين منذ فيلم بحب السيما ومسلسل أوان الورد. الرعب الذى كبل العقول ولجم الألسنة، وجعل أسامة فوزى يعتزل الفن، ووحيد حامد يقسم بألا يكرر التجربة. إنها السطوة الديناصورية الكاسحة التى أسقطت الفيلم جماهيريا، ومنعت المسلسل من إعادة عرضه، وأعطت درسا لكل المبدعين.. إضرب المربوط يخاف السايب".
يا ألطاف الله!! الكنيسة القبطية قادرة على كل هذا!! أى كنيسة يتحدث عنها د. خالد؟! هل هى الكنيسة الكاثوليكية ومحاكمها التفتيشية إبان العصور الوسطى، أم الكنيسة المصرية القبطية فى القرن الحادى والعشرين، والتى تتبع تعاليم كتاب مقدس جاء فيه: "أحبوا أعداءكم. باركوا لاعنيكم. أحسنوا إلى مبغضيكم "؟!
كيف نجحت الكنيسة فى إثارة كل هذا الخوف والهلع؟! هل أهدرت يوما دم كاتب أم أحرق أتباعها دار عرض لفيلم يحمل إساءة لمقدساتها؟!
لو كانت هذه الكنيسة قادرة على "تكبيل العقول ولجم الألسنة"، فلماذا أفلت من قبضتها الحديدية السيل الجارف الذى يتدفق يوميا من المطابع ووسائل الإعلام ومكبرات الصوت، حاملا تجريحا لها، وتشكيكا فى عقيدتها، ودعاء على شعبها؟!
هل حقا "ضربت الكنيسة المربوط فخاف السايب" كما يقول د. خالد؟
الأمثلة التى استشهد بها تثبت عكس هذا تماما. فقد بدأت هوجة "حشر" الأقباط فى المسلسلات والأفلام بمسلسل "أوان الورد"، الذى لم يجد كاتبه فكرة تجسد العلاقة الحميمة التى تربط بين عنصرى الأمة، إلا بتزويج مسيحية من مسلم.. واستاء الأقباط لحساسية هذا الموضوع الذى بسببه تتمزق وشائج القربى، وتنهار العلاقات الأسرية، وتتعقد علاقة المسيحية بكنيستها وأهلها؛ فماذا كانت النتيجة؟
أهدوهم مسلسل "النساء قادمون"، الذى أظهر الجانب القبطى فى صورة أسرة تعانى من هوس دينى، يجعلها لا تكف عن رشم علامة الصليب، ولا عن ترديد كلمة "كيرياليصون" وآيات من الكتاب المقدس، فى غير موضعها وبطريقة كاريكاتيرية تهدف إلى الإضحاك.. ولم يضحك الأقباط؛ فماذا حدث؟
انتقلت "الزفة" إلى السينما؛ فأتحفوهم بالفيلم الذى لقبه د. خالد "بالدرة": "بحب السيما"، وفيه ما فيه من نماذج مريضة لمسيحيين، وأحداث شاذة تقع فى أماكن عبادتهم.. واحتج المسيحيون؛ فماذا كان الرد؟
خرجوا عليهم بمشروع الفيلم الكارثى الذى ينوى عادل إمام أن يقوم فيه بدور كاهن مسيحى يطارده – بغية قتله – متطرفون أقباط. بسبب مواقفه الداعية إلى الوحدة الوطنية، ويخلع ملابس الكهنوت أثناء المطاردة البوليسية التى يلتقى خلالها بشيخ هارب هو الآخر من متطرفين مسلمين.
ما يكتب فى الصحف عما حدث أثناء هذا اللقاء قد يكون غير دقيق؛ ولكن من الواضح أن هذه الخطوة من قبل النجم عادل إمام هى انعكاس لوضع مشوش ملتبس ككل شىء فى حياة المصريين حاليا. فلا قداسة البابا طلب أن يستأذنوه، ولا ’يتوقع من قداسته أن يمنح موافقة على بياض، بعد مجرد الاستماع إلى كلام مرسل يلقى على عواهنه، عن فكرة فيلم لم يخرج لحيز الوجود. من المؤكد أن دور الجالس على العرش البابوى أكبر بكثير من هذه الأمور.
ومن المؤكد أيضا أن السبب فى الزيارة لم يكن "الفزع والرعب الذى زرعته الكنيسة فى قلوب الفنانين" كما يظن د. خالد. فلا أحد يستطيع أن يقتنع بأن عادل إمام قابل للتخويف، وهو من تحدى الإرهاب المكفر للفن فى عقر داره، وفى قمة عنفوانه.
السبب المنطقى للزيارة هو أن فنان مخضرم كإمام، أدرك أن هذا الدور الذى ينوى القيام به سيثير قلاقل كثيرة (ببساطة لأننا لم نسمع أبدًا بمتطرفين أقباط يقتلون كهنتهم)، فأراد أن يحصن نفسه ضد النقد والهجوم عن طريق محاولة انتزاع مباركة كنسية.
أما عن سبب فشل الأعمال التى ذكرها الكاتب: هل هو حقا "السطوة الديناصورية الكاسحة للكنيسة"، أم يمكن أن يرجع إلى كونها أعمالا مصطنعة، لم ’تخلق من أجل الفن وحده، بل كانت مجرد استجابة متسرعة لتوجيهات بضرورة إشراك المسيحيين فى الأعمال الدرامية، كرد فعل للنقد المتصاعد بسبب تهميشهم فى الكثير من المجالات؟ فتم إقحام هذه الشخصيات، مع التقيد بسقف معين لا يصح تجاوزه، وتوازنات جوهرية لابد من مراعاتها.
فلو كان المخرج أسامة فوزى قد اعتزل الفن بعد "بحب السيما"، فلماذا تكون "السكتة الكنسية" حسب تشخيص د. خالد هى التى قتلت فيلمه؟ لماذا لا يكون قد مات لأنه - وبالرغم من حشوه بكل المتبلات الحريفة التى تروق لجمهور السينما الحالى، من جوع جنسى وبذاءة لفظية وتجريح دينى – لم يكن يملك المقومات الضرورية لبقاء أى عمل فنى؟
ولو كان الكاتب وحيد حامد قد أقسم أن لا يكرر التجربة بعد "أوان الورد"، فلماذا لا يكون السبب هو أنه واجه نفسه بصراحة وشجاعة عندما ’جوبه بالسؤال البسيط والمباشر: هل كان بمقدوره أن يعكس الوضع ويقدم قصة تحكى زواج مسلمة من مسيحى؟
هذه الأعمال وأمثالها لم تصمد ولم تستمر لأنها -كأى عمل موجه-جاءت خالية من الإقناع والمصداقية، تفتقر للقيم الإبداعية الحقيقية، ولا تقدم فى الواقع شيئا للفن الذى ’تسمى باسمه.
ولا يكتفى د. خالد بهذا القدر من خلط الأوراق، بل يذهلنا بتحويل دفة الحديث إلى وجهة غريبة فيقول: "احترامنا لرجال الدين لا يعنى أن يمتد هذا إلى مفهومهم وآرائهم عن الفن.. ولا يعنى بالضرورة أن تكون أشعار البابا شنودة عظيمة من الناحية الفنية، أو قصائد الشيخ الشعراوى رائعة من حيث المعنى". ثم يستشهد ببعض أبيات من قصيدة للشيخ الشعراوى فى مدح الملك فهد، ثم بأبيات روحية للبابا شنودة.
ما العلاقة بين قصيدة فى مدح ملك ، وبين تأملات روحية كتبها راهب متبتل يعيش فى جوف الصحراء؟!
ويدهشنا الكاتب عندما يقارن بين شعر البابا وأشعار كل من خطر بباله من الشعراء القدماء والمحدثين، ابتداء من المتنبى وأبى نواس وانتهاء بنزار وجاهين، مستخلصا هذه النتيجة: "أن شعرهم أكثر خلودا وتألقا من شعر البابا شنودة".
فى الحقيقة نربأ بالدكتور خالد منتصر عن أن تصدر عنه هذه الأحكام الخالية من أى منطق. هل زعم البابا يوما أنه من فطاحل الشعراء؟! هل حدث وتقدم لنيل جائزة الدولة فى الشعر؟! هل اعتبر أبناء كنيسته أشعاره ضمن المقدسات؟! وهل يحتاج من هو فى مكانته إلى لقب جديد يضاف إلى ألقابه فيصير: "قداسة البطريرك الشاعر شنودة الثالث"؟!
ورغم أن الكاتب قد اعترف بأن البابا لم يطلب من أى فنان استئذانه أو حتى استشارته فى أعمال فنية، ولم يزعم يوما أنه مرجع فى هذه الشئون، إلا أنه يصر على التجريح والإساءة، ويبرر ذلك بقوله: "لابد أن نتعرف عن قرب على أمثلة من إبداع البابا فى الشعر حتى نعرف ويعرف الفنان عادل إمام حدود البابا فى الإبداع الفنى.. العيب فى من يطلب اللجوء الفنى إليه طالبا منه أن يفرض مقاييسه، فيقزم الفن ويطأطئ رأس الإبداع حتى تمر من تحت سقفه المنخفض جدا". ويأبى إلا أن يتخذ موقف الناقد الأدبى فيقول عن أشعار البابا: "هى صحيحة من ناحية اللغة والنحو، ولكن من ناحية الجدة والحداثة والثراء والموهبة فهى محدودة بل محدودة جدا".
من المحزن أننا لا نجد أى مبرر لهذا الهجوم المتحامل الغير ’مسبب ، غير الرغبة فى إضافة مبتكرة لقائمة الاتهامات التى يحاول البعض إلصاقها بالزعيم الروحى للأقباط: فهو لا يكتفى بأن يترأس محاكم التفتيش ويمنح صكوك الغفران، ولكنه أيضا يسعى إلى الزعامة السياسية، بل ويتطلع إلى إمارة الشعر!!
وفى النهاية يخرج الكاتب بهذه النتيجة. "عاد الأقباط ثانية للخروج من عالم الدراما، التى حاول البعض إدخالهم إليه.. ولكن كانت الثورة أكبر من طاقتهم على الصمود، والعاصفة أقوى وأخطر من قدرتهم على المواجهة". اسمح لنا يا دكتور خالد أن نختلف معك بشدة فى هذا التحليل.
نعم عانى الأقباط طويلا من تجاهلهم فى الأعمال الفنية (بالإضافة إلى غيرها)، ولكن، وأنت الطبيب، تعلم أنه عندما نصوم طويلا، يجب أن نفطر على كوب عصير أو حساء خفيف، وليس على وجبة ثقيلة معقدة المكونات، تربك معدتنا، وتعكر حياتنا.
لم يكن ما اعترض عليه المسيحيون هو "تجريدهم من ثوب الملائكة والتعامل معهم كبشر يصيبون ويخطأون". هم يتفقون معك فى أنه "لالخيار وفاقوس فى سوق الفن والإبداع". ولكن لماذا يكون "الفاقوس" هو دائما نصيبهم فى الفن والحياة على حد سواء؟! لماذا يُطلب منهم فى هذا الجو الملغم المحيط بهم، والمشاعر العدائية الموجة إليهم، أن يتقبلوا ما يضاعف من معاناتهم وسوء الظن بهم؟!
ألم يكن هناك دليل على الوحدة الوطنية إلا تصوير وضع الزواج بين مسيحية ومسلم على أنه "تمام التمام" والكل يعيش فى "تبات ونبات، ويخلف صبيان وبنات". هل هذه هى الحقيقة؟ إسأل يا سيدى القلوب الجريحة للأسر القبطية التى مرت بهذه التجربة!
وليس سرا أن انطباع الكثير من الأخوة المسلمين عن المسيحيين أنهم (بتعبير شديد التهذيب) "متساهلون أخلاقيًا"؛ فهم يشربون الخمر، وتسير نساؤهم بملابس لا تغطيهن من الرأس إلى القدم. وفى وسط هذه التصورات السلبية، ’يتوقع منهم أن يفرحوا بفيلم يصور أحداثا جنسية تقع داخل كنيسة!! ماذا يمكن أن تفعل هذه القصص المختلقة غير أن تؤكد الأفكار المغلوطة عن شركاء الوطن؟!، ألم تسمع يا سيدى بما حدث مع المطربة أنغام؟ قامت الدنيا ولم تقعد لمجرد الاشتباه فى أنها اقتربت من مسجد أثناء تصوير أغنية. أين العدل فى النظرة إلى الأمور، طبقا للواقع المؤسف المعاش؟!
لماذا يكون عليهم أن يباركوا قصة ملفقة لا تحدث إلا فى خيال مؤلفها: متعصبون أقباط يسعون لقتل الكاهن الذى يدعو للوحدة الوطنية ؟! يا سيدى أنت تعلم أن كل رجال الدين المسيحى لا يكتفون بالدعوة للوحدة الوطنية شفاهة، بل يمدون سنويا موائد عامرة باسمها. فهل حدث و’أهدر دم أحدهم؟!
ولو نحينا الأفلام والدراما جانبا، وفكرنا فى الأعمال القصصية والروائية التى تساير موضة الكتابة عن الأقباط، لوجدنا أن القليل منها جاء عملا جيدا صادقا، ولكن للأسف لم يحظى بانتشار ولا جماهيرية. أما الأعمال التى ’سلطت عليه الأضواء فيكفى أن نذكر منها مثلين:
الأول هو رواية "البشمورى" للكاتبة سلوى بكر. هلل الأقباط عندما سمعوا برواية تتحدث عن حقبة منسية من تاريخهم، ولكن فرحتهم لم تدم طويلا، فالخوف من أن تكون كفة الميزان قد رجحت قليلا، جعل الجزء الثانى من الرواية يصور الراوى (وهو خادم فى الكنيسة) -وبدون أى ضرورة فنية – يتحول إلى الإسلام، ويسعى للتبشير به بين الكهنة والرهبان.
والمثل الثانى هو "عمارة يعقوبيان" للطبيب الأديب علاء الأسوانى. (وأنا هنا أتحدث عن الكتاب فقط، فلم أشاهد الفيلم).
صحيح أن جميع أبطال القصة "فيهم العبر" ويجسدون كل عاهات المجتمع من الفساد والرشوة واستغلال النفوذ والنصب والاحتيال، إلى التطرف والإرهاب، مرورا بالشذوذ الجنسى والانحلال الأخلاقى.
ولكن بينما وجد المؤلف لمعظم هذه الشخصيات مبررا يلطف من انحرافها (فالمثلى كان ضحية اعتداء جنسى فى الطفولة، والتى باعت جسدها كانت ضحية للفقر، وحتى الإرهابى دفعه دفعا لهذا التطرف المجتمع الظالم الذى حرمه من دخول كلية الشرطة لكونه ابن بواب، ثم التعذيب وهتك العرض الذى تعرض له أثناء القبض عليه. أما أمير الجماعة الذى احتضنه، والزوجة المحبة التى اختارها له، فتم تصويرهم على أنهم كائنات منزلة)، نجد أن الشخصيات الأربعة القبطية كانت كلها نماذج شائهة لا تحظى بأى عامل مخفف يجعلنا نتعاطف مع أخطائها. نحن أمام الأخوين أبسخرون وملاك؛ بمظهرهما الكريه المقزز، ومخبرهما المملوء بالدناءة والخسة.. مدام سناء فانوس: أرملة وأم صعيدية تستجيب لنداء جسدها بالانخراط فى علاقات محرمة .. المحامى فكرى عبد الشهيد: "يفعل أى شىء مقابل المال ويحب الخمر والنسوان". ونجدهم كلهم يتمسحون بالمسيحية أثناء ممارساتهم اللا أخلاقية: مدام فانوس تنغمس فى الأعمال الخيرية الكنسية، والمحامى عبد الشهيد يقول لموكله: "اذهب واسجد شكرا للسيد المسيح" وملاك "يحلف بالمسيح الحى"، وأبسخرون ’يوصف بأنه: "مسيحى مؤمن لا يمكن أن ينام قبل أن يرتل ويصلى".
ويعتبر د. خالد أن الأقباط لا يستطيعون حتى الآن أن يتجاوزا الصورة النمطية لفلتاؤس أفندى الصراف ولماريكا فى فاطمة وماريكا وراشيل ولمرقص فى حسن ومرقص وكوهين.
هذا الرأى يحمل كما كبيرا من المغالطة. لأن هذه الأعمال البسيطة اللطيفة ظهرت فى عصر كان المجتمع المصرى فيه متسامحا متآخيا، يقبل كل عنصر فيه المآخذ العامة والضعفات الفردية فى باقى العناصر بسعة أفق ومحبة ورغبة مخلصة فى الإصلاح؛ لأن انحراف أى طائفة كان يسىء إلى الجميع كمصريين.
كانت النفوس صافية، والقلوب خالية من شوائب التعصب والكراهية. كان المصرى (ابن النكته) يضحك على فلتاؤس أفندى كما يضحك على الخواجة كوهين وعلى الشيخ متلوف، بلا تخابث ولا حساسيات. وكأنما يقول ببساطة وسخرية:” لا تعيرنى ولا أعيرك؛ فكلنا فى الهم سواء".
الأقباط لا يرفضون "التعامل بمنطق الفن على الجميع" كما يتصور د. خالد. ولكنهم يملكون القدرة على التمييز بين العمل الفنى الأصيل التلقائى وبين الزائف الموجه.
المسيحيون ليسوا ضيقى الأفق؛ فهم لم يشعروا بأى غضاضة عندما تناول الأديب الكبير يحيى حقى فى رائعته "البوسطجى" حياة الأسر المسيحية فى الصعيد، وعلاقة الحب التى نشأت بين جميلة الأرثوذكسية وخليل البروتستانتى، والتى انتهت (نتيجة لخطأ البوسطجى) نهاية مأساوية. يحيى حقى تناول كل أبعاد الموضوع بحساسية وصدق فنى، جعلا من هذه القصة، والفيلم المأخوذ عنها، أمثلة للإبداع الراقى.
وعلى نفس المنوال، تقبل الأقباط، بحس فكاهى وروح مرحة، الموقف الذى جاء فى "السكرية". فعندما ذكر رياض قلدس اسمه لزبيدة العالمة، تساءلت على سبيل الدعابة: "كافر؟"، واستغرقت هى ورياض القبطى وكمال المسلم فى الضحك؛ فهم جميعا لم يعدوا هذا الوصف إلا مزحة تدعو للسخرية. لم يشعر الأقباط أن فى ذكر هذه الإشارة إليهم إهانة. لأن الثلاثية هى ما هى: ملحمة لتخليد العصر الذهبى للوحدة الوطنية على حقيقتها: يوم كان "الدين لله والوطن للجميع" هو الواقع المعاش. ولأن نجيب محفوظ هو من هو: التجسيد الحى للمواطنة المصرية فى أنقى صورها.
هذا هو الفارق وليس "الأرتكاريا الدرامية "التى شخص الدكتور خالد إصابة الإقباط بها فور" رؤيتهم لأنفسهم خارج أسوار الأفلام الكنسية على قناة السات سفن "على حد قوله.
فإذا كان ما يقدم هذه الأيام تحت مسميات "الفن" و"الإبداع" هو أفضل ما يمكن تقديمه للأقباط، فنرجوكم أن تعودوا إلى تجاهلنا.. وسعيكم مشكور فى كل الأحوال.



#ليلى_فريد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- السياحة الدينية كما يجب أن تكون
- مرحى...مرحى...أطباء وقتلة
- الجميلة ليست قادمة
- شهر العسل المر
- الأيقونة التي احتجبت
- المسيحية في بريطانيا تعلن الثورة على الغبن
- إنهم يقولون .. ماذا يقولون؟ دعهم يقولون!
- لست وحدك
- من مات غنيا مات موصوما
- عندما يعتذر البابا
- التعامل الإيماني والعقلاني مع تحدي المقدسات إنجيل يهوذا وشفر ...
- الحركة القبطية بين العمل الفردي والعمل الجماعي
- محفوظ قد سلمكم الأمانة كاملة أنتم من أضاعها


المزيد.....




- نيويورك: الممثل الأمريكي أليك بالدوين يضرب الهاتف من يد ناشط ...
- تواصل فعاليات مهرجان بريكس للأفلام
- السعودية تتصدر جوائز مهرجان هوليوود للفيلم العربي
- فنانون أيرلنديون يطالبون مواطنتهم بمقاطعة -يوروفيجن- والوقوف ...
- بلدية باريس تطلق اسم أيقونة الأغنية الأمازيغية الفنان الجزائ ...
- مظفر النَّواب.. الذَّوبان بجُهيمان وخمينيّ
- روسيا.. إقامة معرض لمسرح عرائس مذهل من إندونيسيا
- “بتخلي العيال تنعنش وتفرفش” .. تردد قناة وناسة كيدز وكيفية ا ...
- خرائط وأطالس.. الرحالة أوليا جلبي والتأليف العثماني في الجغر ...
- الإعلان الثاني جديد.. مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 الموسم ا ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - ليلى فريد - إن كان هذا هو ما يمكن لأعمالكم الفنية تقديمه للأقباط... فسعيكم مشكور!