أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - ليلي فريد - من مات غنيا مات موصوما















المزيد.....

من مات غنيا مات موصوما


ليلي فريد

الحوار المتمدن-العدد: 1608 - 2006 / 7 / 11 - 09:52
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


لم تصدر هذه الكلمة عن معدم لم يطل العنب فأسماه حصرما. بل صدرت عن ملك من ملوك المال: قطب صناعة الحديد أندرو كارنيجي.
وما عناه كارنيجي بقوله هذا هو أن شديد الثراء إن لم يتخلى عن القسط الأكبر من ثروته أثناء حياته لأوجه البر والعطاء، سيترك بعد رحيله ذكري موصومة بالعار.
وطبقا لهذا المبدأ لم يكن بعيدا عن التصديق أن أغني أغنياء عصرنا: بيل جيتس قد قرر أن يستل نفسه من أعباء الإشراف اليومي على امبراطوريته التي بناها على مدي الثلاثين عاما الماضية : ميكروسوفت، ليتفرغ لإدارة استغلال الجزء الأعظم من ثروته التي تقدر بالبلايين في العمل الإنساني الذي تتولاه مؤسسته الخيرية. وبعد أيام قليلة وضع الخبير المالي وارن بافت جل ثروته (بلايين أخرى) تحت تصرف مؤسسة جيتس.
وفي الواقع أن قرار جيتس وبافت هذا ليس سابقة مذهلة ولكنه يعد اقتفاء لأثر تقليد قديم اتبعه الأثرياء ورجال الأعمال في الغرب منذ عصر النهضة ومع انبثاق الثورة الصناعية.
فلم لا نتأمل قليلا في الملامح المشتركة التي صبغت أعمال هؤلاء من أبناء المجتمع الغربي الموصوم بالرأسمالية المستغلة والفردية والأنانية والمادية التي اغتالت المشاعر الإنسانية ونقارنها بأحوال أثرياء شرقنا السعيد الذي نتغنى بأنه جنة الروحانيات وبستان التكافل والإحسان والتراحم،حيث يسكت أصحاب البطون المتخمة أي نغزة ضمير بأقوال على شاكلة "لا أحد يموت من الجوع" أو "لا أحد يبات بدون عشاء"؟!
هؤلاء الذين أسسوا مؤسسات خيرية ضخمة مثل بيل جيتس وجورج كادبري وهنري فورد وأندرو كارنيجي وجون روكفللر كانوا أغنياء عصاميين شيدوا صروحهم الصناعية من نقطة الصفر.. لم تنتقل إليهم تلك الثروات بسهولة ويسر عن طريق الوراثة أو من خلال آبار بترول تفجرت تحت مواطئ أقدامهم بلا تعب أو جهد.
كلهم عملوا في مجالات يحتاج النجاح فيها إلى ذكاء وكفاءة وعمل مضني شاق. نعم كأي عمل رأسمالي ناجح، لم يكن هناك مفر من أن يتهم أصحابه بالاحتكار وبأنهم كانوا قساة القلب عديمي الرحمة في تعاملهم مع منافسيهم أو كما نقول " لا يعرفوا أباهم". ولكن مهما بلغت خطاياهم (التي حجمتها دائما قوانين عادلة تسري على الجميع ورقابة صارمة على الممارسات ووسائل إعلام تتصيد الأخطاء وتفضحها)، فإنها لا تقارن بجرائم من حصلوا على ملايينهم عن طريق الاتجار بالسلاح أو بالبشر أو المخدرات ولم يلحقهم يوما لوم أو حتى عتاب!
هؤلاء لم يحولوا أموالهم للجمعيات الخيرية لانعدام الوريث أو نكاية في أقارب طامعين. بل إنهم من فرط حبهم لأبنائهم وأسرهم تجنبوا أن يتركوا لهم أموالا بلا حساب تغريهم بالانحراف وتحرمهم من اللذة التي ذاقوها هم وهم يبنون صروحهم بالكد والعرق.. رأوا أنه من الأفضل أن يتركوا لأولادهم الألوف بدلا من البلايين ليعرفوا قيمة القرش ( أو بالأحرى في هذه الحالة قيمة المليون)!
لم يقابل قرار هؤلاء بثورة الزوجات أو محاولات الأبناء الحجر عليهم بتهمة السفه في تبديد الميراث المستحق لهم، بل ساندتهم عائلاتهم وشجعتهم. فعلي سبيل المثال مؤسسة بيل جيتس الخيرية تساهم فيها بقسط كبير زوجته ميلندا. ويرجع هذا لأن ثقافة العمل الخيري والتطوعي يتشربها الغربيون منذ نعومة أظافرهم، فيستحيل أن ينهي طالب مرحلة التعليم المدرسي بدون القيام بعمل تطوعي منتظم ومن الصعب أن تجد شاب أو شابة لم يكرسوا شهورا بل أعواما من حياتهم لمساعدة الفقراء والمرضي في أتعس بقاع الأرض.
لم يقتصر دور هؤلاء المحسنين على وضع إمضائهم الكريم على شيكات دسمة وهم منجعصون في كراسيهم الوثيرة ثم نسيان كل ما يتعلق بالعمل الذي تبرعوا له. ولكنهم انغمسوا في أعمالهم العظيمة تلك وأداروها بنفس الحنكة والكفاءة والدقة التي أداروا بها شركاتهم العملاقة، ولم يبخلوا عليها بفريق من المتخصصين في شئون الصحة والتعليم والثقافة، فأقاموا المستشفيات والمصحات واستكملوا برامج مكافحة الأمراض الفتاكة والتطعيم ضدها وأسسوا المدارس والجامعات ومراكز البحث وقدموا المنح الدراسية للمتفوقين غير القادرين ودعموا المتاحف والمكتبات. وأقرب الصور التي تتبادر إلى الذهن هي صور بيل جيتس بوجهه الباش وملابسه البسيطة بين قاطني العشش ومساكن الصفيح ووسط الأطفال الأفارقة المهزولين.
لم يقدم معظم هؤلاء على هذه الخطوة الكبيرة وهم على مشارف الموت تكفيرا عن خطايا عمر طويل انقضى في الموبقات وطمعا في فرصة أخيرة لحجز مكان في الجنة، بل اتخذوا هذا القرار الصعب وهم في ذروة الحياة ومكتمل الصحة. فبيل جيتس مازال في ربيعه الخمسين وقطب البترول جون روكفللر كان في أواخر الخمسينيات عندما حول اهتماماته من بناء صروح صناعية إلى بناء صروح تعليمية وصحية.
من المؤكد أن النظم الضريبية في الغرب تشجع على إقامة أمثال هذه المؤسسات فما يصرف على العمل الخيري يعفي من الضرائب. كما أن ثقة الناس في أن حكوماتهم تعمل كل ما في مقدورها للنهوض بكافة المرافق وأن أموال دافعي الضرائب تصرف في الأوجه الصحيحة وكل شيء يجري في إطار من الشفافية والمحاسبة، تدفعهم للرغبة في مساعدة الحكومة على استكمال النقص وتحسين الخدمات.
عندما يعطي هؤلاء المحسنون للبلدان الفقيرة فإنهم لا يميزوا بين المحتاجين على أساس هويتهم الدينية أو لون جلدهم أو حتى توجهات حكوماتهم السياسية أو عدائها لهم.. لا ينتظرون شكرا ولا عرفانا. ولربما أدركوا أنهم مهما قدموا سيوصمون وشعوبهم بالكفر والانحلال وستعامل حكوماتهم من قبل الدول التي يمدونها بالعون حسب المثل القائل: "شحات وأنا سيدك"!!
هؤلاء أناس استطاعوا أن يفلتوا من الدائرة الجهنمية التي تبتلع الأغنياء حيث لا يزيدهم الثراء إلا جوعا ورغبة في المزيد.. استطاعوا أن يترفعوا عن جحود البشر ويعطوا فقط من أجل قيمة العطاء.
آمنوا أن فعل الخير ضرورة لا محيد عنها .. هي قدرهم الذي لا مهرب منه.. فمع الثروة يأتي الواجب ومع الشهرة تأتي المحاسبة..
أدركوا أن هذا السؤال سيطاردهم في الحياة وبعد الممات:
ماذا فعلوا بثرواتهم وكيف استغلوها؟
وبناء على الإجابة ستتحدد نوعية التركة التي سيودعونها في ذمة التاريخ.



#ليلي_فريد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- عندما يعتذر البابا
- التعامل الإيماني والعقلاني مع تحدي المقدسات إنجيل يهوذا وشفر ...
- الحركة القبطية بين العمل الفردي والعمل الجماعي
- محفوظ قد سلمكم الأمانة كاملة أنتم من أضاعها


المزيد.....




- الصفدي لنظيره الإيراني: لن نسمح بخرق إيران أو إسرائيل للأجوا ...
- عميلة 24 قيراط.. ما هي تفاصيل أكبر سرقة ذهب في كندا؟
- إيران: ماذا نعرف عن الانفجارات بالقرب من قاعدة عسكرية في أصف ...
- ثالث وفاة في المصاعد في مصر بسبب قطع الكهرباء.. كيف تتصرف إذ ...
- مقتل التيكتوكر العراقية فيروز آزاد
- الجزائر والمغرب.. تصريحات حول الزليج تعيد -المعركة- حول التر ...
- إسرائيل وإيران، لماذا يهاجم كل منهما الآخر؟
- ماذا نعرف حتى الآن عن الهجوم الأخير على إيران؟
- هولندا تتبرع بـ 100 ألف زهرة توليب لمدينة لفيف الأوكرانية
- مشاركة وزير الخارجية الأمريكي بلينكن في اجتماع مجموعة السبع ...


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - ليلي فريد - من مات غنيا مات موصوما