إن بعض المجتمعات العربية والإسلامية بحكم (ظروفها ) لا تنظر للمرأة كإنسان كامل الحقوق والواجبات , مساوٍ للرجل وشريك له , ورفيق . وربما لبعض السادة من الرجال مصلحة شخصية في ذلك , فكما رفض الأسياد في الماضي تحرير عبيدهم , يرفض هؤلاء السادة الآن تحرير ( إماءهم) , وفك قيودهم واطلاق سراحهم , ( للمناسبة وافقت السعودية على قانون تحريم الرق عام 1962 بينما لا يزال منتشرا سرا في دول أخرى ) . ودائما نرى أن مسألة الجنس والعلاقات العاطفية مع النساء هي المقياس الذي يقيسون به , والنافذة التي ينظر منها أكثر أبناء هذه المجتمعات إلى قضايا المرأة , وعلى هذا الأساس يُفسَر أي موقف أو تحرك أو تصرف أو قول أو عمل يتعلق بهذا الشأن , حتى ليكاد المرء يظن أن هؤلاء من أوحى ل( فرويد ) بنظريته , ودائما أيضا تُفسر الآراء وتُعاد المواقف باتجاه المصالح الشخصية , والنوايا المبيتة , فإن دافعت عن حقوق المرأة اتُهمتَ بأنك تجمّل نفسك لتحلو في عينيها , كي تتقرب منها , وتقيم معها علاقات ( كذا وكذا ) , أو لفشلك في علاقات سابقة أو بسبب رفض النساء سابقا لك ( كما يكتبون في بعض المواقع ) , وللأسف الشديد فإن هذه الآراء والتحليلات تصدر عن أناس متعلمين يصفون أنفسهم بالمتنورين والمثقفين ( لكن هكذا منظارهم , وطريقة تحليلهم , ولعلهم يقيسون الأمور على قياسهم ) , حتى بات المرء يخشى إن دافع عن العدل وطالب به , أن يقال : ما كان ليفعل ذلك لولا أن له مصلحة ما أو أن حقه قد هُضم في مسألة ما !! أما القيم والمبادئ ومناصرة العدل والاعتراف بحقوق الآخرين فهي أكذوبة مُلفقة مُخترعة , وحكايات من نسج الخيال , وهم دائما وأبدا يتقولون ويخادعون بأن المرأة جوهرة ثمينة يجب حفظها و صونها من أعين الآخرين , فيبررون بذلك حبسها , ويجردونها من آدميتها , ويحولونها إلى قطعة من جماد لا دم فيها ولا روح , ويدّعون أيضا أن المرأة معززة مكرمة في مجتمعاتهم , وعلى أفضل ما تكون , وليست بحاجة لشيء آخر تطالب به – هكذا يقول أسيادها الرجال – ولكن كيف ؟ هل باعتقالها بين أربع جدران ؟ واعتبار مهمتها الأساسية التي خُلقت من أجلها : إمتاع الرجل وإنجاب أولاد له وخدمته وخدمتهم والطبخ والغسيل والتنظيف ؟ والرضى والقبول والخنوع حين يتزوج عليها , والامتثال لأوامره وتلبية رغباته ؟ فلا تنام إلا بإذنه وموافقته وأنها ( لا تؤدي حق ربها حتى تؤدي حق زوجها – ولو أمرت أحدا أن يسجد لغير الله لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها - يجب إعادة التحقق من الأحاديث المنسوبة للنبي (ص) ) , وحرمانها من العلم والعمل , والتعبير عن نفسها وآرائها وشؤونها , ومنعها من المشاركة في أمور بلادها , وانتهاك حقوقها , والتمييز ضدها , واعتبارها ناقصة علم ودين ؟ أهكذا هي معززة مكرمة ؟؟.
لكنهم حين يعجزون عن الدفاع عن اضطهادهم للمرأة , يهددون ويلوحون بتهمة التكفير والمروق على شرع الله , فإن كنت مسلما مؤمنا فعليك الاقتناع بما فسّره السلف ( الصالح ) قبل ألف وبضع مئات من السنين , في عصر كانت الدواب رفيقة سفرهم وجارة فراشهم , ووبر النوق وشعر الماعز مسكنهم , والخرافة ثقافتهم وعلومهم ( ولو شاؤا لأخرجنا لهم من كنوز وفنون الخرافة من بطون أمهات الكتب الثقاة التي يستشهدون بها وبأصحابها , الكثير , الكثير مما يتنافى مع العلم والمنطق والبديهيات , ومما يُخجل , و يتناسون , ويتجنبون ) , علما لو أن أولئك السلف ( الصالح ) عاشوا في هذا العصر, وعلومه وتقنياته , وألكترونياته , ومخترعاته وأقماره وسرعة اتصالاته ( بالانترنيت أو بالمحمول ) , ولو علموا بوصولنا للقمر وللكواكب الأخرى , وأن الأرض كروية , وليست مسطحة , وأنها تدور حول نفسها , وحول الشمس أيضا ,ً وأن الشمس حين تشرق أو تغرب لا تغادر مكانها , وأن بإمكان أصغر أطبائنا معرفة جنس الجنين في رحم الأم , لا بل التحكم بجنس هذا الجنين قبل الحمل , لفغروا أفواههم وصرخوا : الله أكبر . إن الناس قد كفرت , والقيامة قد قامت , وما ذلك إلا زندقة وشرك بيّنٌ , والعياذ بالله , وأقله أضغاث أحلام عصية على أدهى الملفقين , والكاذبين , مهما اشتدت براعتهم , وتوسع أفق خيالهم - ومع ذلك يريدوننا أن نسير في هذا العصر على قصور فهم أولئك , وجهلهم , وبدائية معارفهم .
ويحدثونك عن الجمال الداخلي, ولا يعلّموننا كيف يمكننا اكتشاف هذا الجمال الموضوع داخل كيس أسود محكم الإغلاق , ممنوع من بداخله من التعبير عن نفسه و عن جماله الداخلي والروحي , بل كيف يمكننا الإحساس والاقتناع بجمال هذه الروح , إن كان صوت صاحب تلك الروح عورة , ثم يتحدثون بعد ذلك عن الغرائز الرخيصة , دون أن يخبروننا ما هي الغرائز القيمة النادرة الغالية الثمن , فإن كانوا يعنون بها العلاقات الجنسية , فليعلموا أن استمرار وجود الإنسان والحيوان والنبات على هذه الأرض إنما هو نتيجة لهذه العلاقات الجنسية والغرائز ( الرخيصة ! ) , وليتفضلوا أن يعلمونا أيضا - إن كانت هذه العلاقات غرائز رخيصة – لماذا يلهث الرجل الذي نعنيه , كي يتزوج بأربع , ويجمع بينهن , وأن يتمتع ما شاء له أن يتمتع بما ملكت يمينه من جواري وإماء وسراري .
ثم يتحدثون عن العفة والشرف والكرامة , فما هو الشرف ؟ أهو الصدق والأمانة والوفاء ومحاربة الغش والتسامح ومساعدة الآخرين , والشعور بالمسؤولية , والإخلاص بالعمل , وبر الوالدين , والدفاع عن الحق , ومناصرة العدل , ونبذ العنف , والمعاملة بالحسنى ؟ فإن كان كذلك , فكيف يمكننا اكتشاف هذه المعاني والخصال , إن كانت مسجونة , مكممة , مقيدة في كيس أسود محكم الإغلاق ؟ أم أن الشرف في القبول والرضوخ لنزوات ورغبات السيد الرجل ؟
إنهم لا يريدون لأحد أن يدافع عن حقوق المسجونات ظلما وعدوانا , أو يطالب بإطلاق سراح المعتقلات زورا وبهتانا , بل يريدون ترك السجينات لشأنهن أو بالأصح لشأنهم , بزعم أنهن قادرات عن الدفاع عن أنفسهن , لو رغبن بذلك , وهم يعلمون أنهم قد كمموهن وقيدوهن ورموهن في قاع بئر بعيد محكم الإغلاق كي لا يُسمع أنينهن , وهم فرحون مستمتعون , يضحكون ويسخرون ويهزأون .