( قالت الأعراب آمنا قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا ولما يدخل الإيمان في قلوبكم – صدق الله العظيم – الحجرات 14 )
صدق الله العظيم حين أخبرنا في كتابه الكريم أن الأعراب أشد كفرا ونفاقا , وأن أكثرهم لا يعقلون , هؤلاء الأعراب الذين أزعجت النبي (ص) وقاحتهم وغلاظتهم وفظاظتهم , فحجب نساءه عنهم بأمر من رب العالمين , هؤلاء الأشد كفرا ونفاقا , ولا يعقلون , الذين كانوا يمنون على النبي (ص) بإسلامهم ( يمنون عليك أن أسلموا قل لا تمنوا علي إسلامكم بل الله يمن عليكم أن هداكم للإيمان إن كنتم صادقين – الحجرات 17 ) , هم الذين حرضتهم قريش على مهاجمة البلدان والشعوب وغزوها , وزينت لهم ذلك الفعل , وأقنعتهم بفوائده ومحاسنه وعوائده المالية والغريزية عليهم , رغبة منها في إلهائهم , لإبعادهم عن السلطة , خشية مزاحمتهم لها فيها , بعد أن سببوا لها من المشاكل الداخلية ما لا يعد ولا يحصى , ومن أهمها ارتدادهم عن الإسلام بعد وفاة النبي (ص) , ولولا السيف الذي أعمله خليفة رسول الله في رقابهم , الذي كان خير علاج وطبيب لقلوبهم السوداء , وعقولهم المسطحة , لظلوا في غيّهم وارتدادهم ولما عادوا إلى دين الله أبدا , وهم إلى هذه اللحظة لا يمكن منحهم حرية الاعتقاد , لأن شيطانهم مازال يزين لهم الردة والعودة عن دين الله , لولا الخوف من ضرب الرقاب الذي يجعلهم يحجمون , أي أن العودة للإسلام , واعتناقهم له , واستمرارهم فيه , إنما خوفا ورهبة واتقاء ونفاقا , لا إيمانا بدين الله , ومحبة برسوله الكريم العظيم .
منذ اللحظة التي توفي فيها رسول الله (ص) , وقبل أن يوارى جثمانه الطاهر الثرى , دب الخلاف بين قريش والأنصار , وكادا يقتتلان , حول من هو أحق بخلافة النبي (ص) , ولم يكن خلافهم على من هو أكثر تقوى , أو أكثر تديّنا, وأغزر علما ,
والتزاما بشرع الله وسنة رسوله , بل من هو أقرب عشائريا للرسول (ص) , وكل ذلك إخفاء وتسترا على مطامعهم وحبهم للسلطة والمال والنفوذ , ومنذ
تلك اللحظة اكتسبت قضية المصالح الشخصية والقبلية والاستيلاء على الحكم والمال المرتبة الأولى , وما الفتنة الكبرى التي دفع الخليفة الراشد الثالث حياته ثمنا لها لتفرده وأقربائه بالبلاد والعباد والحكم والأموال , والموقف من ابنة الرسول (ص) و قتل أحفاده
, وسيرة بني أمية, وبالأخص أمراء المؤمنين منهم , وسيرة بني العباس وأمرائهم , وبني عثمان وأمرائهم , إلا تأكيدا لهذا الانحراف والابتعاد عن جوهر الدين الإسلامي , والالتزام بتعاليمه السمحة , والأمثلة والشواهد كثيرة , واكثر من أن يستطيع المكابرون والمزورون إخفاءها أو تجاهلها,
وتجهيل الآخرين بها .
لم يستطع حاكم أن يحكم هؤلاء الأعراب إلا بحد السيف وبطشه لأن المفاهيم القبلية والعشائرية الجاهلية التي تنخر عقولهم وقلوبهم , وأساليب القمع
والإرهاب التي رضعوها , ونشئوا وترعرعوا , وأنشئوا أولادهم عليها , جعلتهم يفهمون الحرية على أنها فوضى وارتداد وشغب وغزو وسلب ونهب واستهتار بحقوق الآخرين وحريتهم وكرامتهم , لأنهم أشد كفرا ونفاقا , وأكثرهم لا يعقلون , ( " وأكثرهم " هي القاعدة التي ُيبنى عليها
أما الاستثناء فلا يؤسس عليه ) فغرائزهم أقوى من أن يتمكنوا من السيطرة عليها أو التحكم بها , ولهذا فهم يحللون ويحرمون , ويفتون لأنفسهم
كما تقتضي أحوالهم ومصالحهم , فتراهم يتلاعبون بالألفاظ والكلمات , كأن يغيروا كلمة " ربا " إلى " ربح " لتصبح حلالا , ويقسمون أغلظ الأيمان
وهم كاذبون , وإن سألتهم , يبررون أنهم قد أضمروا في قلوبهم غير ما جهروا به , وأقسموا عليه , , لأن حياتهم أصبحت خوفا وحقدا وإكراها , ولهثا وراء المصالح الشخصية , ولذا لا تجد بلدا غزاه هؤلاء الأعراب واستوطنوه وملكوه , يتمتع بالحرية والديمقراطية وتداول السلطة .
إن علاقة هؤلاء الأعراب بالله ودين الله علاقة مصلحة يتم فيها حساب الربح والخسارة , فلا يعطون إلا بقدر ما يأخذون , ولا يصلون أو يصومون أو يحجون إلا من أجل الجنة , التي لا يرون فيها إلا الملذات الحسية , فهي في نظرهم : اتكاء على الأرائك وخمر وعسل ولبن وفاكهة وحور عين ,
أما السمو الروحي والمعاني الروحية , فلا يفهمونها ولا تعني لهم أو تهمهم بشيء .
بتحريض من قريش , لإبعادهم وإلهائهم , غزا هؤلاء الأعراب البلدان , فمن مصر إلى بلاد الشام إلى شمال أفريقيا , وبلاد فارس وإسبانيا , داسوا
بحوافر خيلهم أهلها , وأعملوا السيف برقابهم , قتلوا رجالها وأسروا أولادها وحوّلوهم إلى عبيد وغلمان , نهبوا أموالهم وسرقوا أرزاقهم وسبوا
نسائهم وبناتهم وجعلوهم إماء وجواري يطأ ونهم , ويتسرون ويتمتعون بهم , ويبيعون الفائض – وما أكثره – في سوق النخاسة والرقيق .
لقد جعلوا من الإسلام مصدر رزق لهم . فباسم الإسلام غزوا وسرقوا ونهبوا وأسروا وسبوا وباعوا , وباسم الإسلام استوطنوا وامتلكوا , وفرضوا على الشعوب لغتهم وعاداتهم وأعرافهم وقوانينهم , وتناسوا قول الله سبحانه وتعالى في كتابه العزيز : ( يا أيها الناس إنّا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير – الحجرات 13 ) وقوله أيضا ( فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر – الكهف 29 ) وقوله أيضا ( لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي –البقرة 256 ) والحديث الشريف ( الناس سواسية كأسنان المشط ) .
لقد اضطرت هذه الشعوب المغلوبة المغزية حتى تضمن حياتها أن تتزيا بزيهم وتتخلق بأخلاقهم وتنسج على منوالهم , حتى تطبعت بطبعهم , فلا يستطيع أحد أن يعيش فوضويا بين النظاميين , ولا نظاميا بين الفوضويين , إلا إلى حين , والمثل يقول : ( من عاشر القوم أربعين يوما صار منهم
وفيهم ) و ( الناس على دين ملوكها ) ولهذا تعاني البلاد العربية والمعربة وشعوبها من الفساد والقمع والدكتاتورية , والجهل والأمية , والإرهاب والتخلف والتعصب والغيبية والاتكالية , ونظرية المؤامرة , والتمييز ضد المرأة